Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 4-7)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَوَيْلٌ } مبتدأ ، ومعناه : عذابٌ لهم ، وقوله : { لِّلْمُصَلِّينَ } خبر والفاء للسبب ، أي : تسبب عن هذه الصفات الذَّميمة الدعاء عليهم بالويل . قال الزمخشريُّ بعد قوله : " كأنه قيل : أخبرني " : وما تقول فيمن يكذب بالدين أنعم ما يصنع ، ثم قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } على معنى : فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم . فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام الضمير { الذي يُكذِّبُ بالدينِ } ، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع ؛ لأن المراد الجنس . قال أبو حيان : وأما وضعه المصلين موضع الضمير ، وأن " المُصلِّينَ " جمع ، لأن ضمير " الذي يُكذِّبُ " معناه الجمع ، فتكلُّف واضح ، ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلاَّ ما عليه الظَّاهر ، وعادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة . قال شهاب الدين : وعادة هذا الرجل التَّحامل على الزمخشري ، حتى يجعل حسنهُ قبيحاً ، وطيف يرد ما له ، وفيه ارتباط الكلام بعضه ببعض ، وجعله شيئاً واحداً ، وما تضمنه من المبالغة في الوعيد في إبراز وصفهم الشنيع ، ولا شكَّ أن الظاهر من الكلام أن السورة كلها في وصف قد جمعوا بين هذه الأوصاف كلها من التكذيب بالدين ، ودفع اليتيم ، وعدم الحضّ على طعام المسكينِ ، والسهو في الصلاة ، والمراءاة , ومنع الخيرِ . قوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ } ، يجوز أن يكون مرفوع المحل ، وأن يكون منصوبه ، وأن يكون مجروره ، تابعاً أو بدلاً أو بياناً ، وكذلك الموصول الثاني ، إلاَّ أنه يحتمل ان يكون تابعاً للمصلين ، وأن يكون تابعاً للموصول الأول . وقوله : { يُرَآءُونَ } أصله : يرائيون كـ " يقاتلون " ، ومعنى المراءاة : أي : أن المرائي يُري النَّاس عمله ، وهم يرون الثَّناء عليه ، فالمفاعلة فيها واضحة ، وقد تقدم تحقيقه . فصل في اتصال هذه الآية بما قبلها في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه : الأول : أنه لما كان إيذاء اليتيم ، والمنع من بذل طعام المسكين ، دليلاً على النفاق ، كانت هاتين الخصلتين معاملة مع المخلوق . والثاني : أنه تعالى لما ذكر هاتين الخصلتين مع التكذيب بيوم الدين ، قال : أليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ فقال : ويلٌ له من هذه الصلاة ، كيف لا تنهاه عن هذه الأفعال المنكرة . والثالث : كأنه يقول : إقدامه على إيذاء اليتيم ، وتركه للحث على طعام المسكين تقصير في الشَّفقة على خلق الله تعالى ، وسهوه في الصلاة تقصير في التعظيم لأمر الله تعالى ، فلما وقع التقصير في الأمرين كملتْ شقاوته . فصل في المراد بالمرائي في الصلاة قال ابنُ عباس : هو المصلي ، الذي إذا صلّى لم يرجُ لها ثواباً ، وإن تركها لم يخشَ عليها عقاباً . وعنه أيضاً : الذين يؤخرونها عن أوقاتها . قال سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - : قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } : الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا " . وقيل : لا يتمُّون ركوعها ، ولا سجودها . وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في سجوده . وقال قطربٌ : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله ، وفي قراءة عبد الله : " الذين هم عن صلاتهم لاهون " . [ وعن ابن عباس أيضاً : هم المنافقون يتركون الصلاة سراً ، ويصلونها علانية ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية ، وهذا يدل على أنها في المنافقين قوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } ، ورواه ابن وهب عن مالك رضي الله عنه ] . فصل قال ابن عبَّاس : ولو قال : " في صلاتهم ساهون " لكانت في المؤمنين ، وقال عطاء : الحمد لله الذي قال : { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل : في صلاتهم ، فدل على أن الآية في المنافقين . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : أي فرق بين قوله تعالى : { عَن صَلاَتِهِمْ } وبين قوله : " في صلاتهم " ؟ . قلت : معنى " عَنْ " أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، أو الفسقة الشطار من المسلمين ، ومعنى " فِي " أن السَّهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان ، أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه إنسان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقع له السَّهْوُ في صلاته فضلاً عن غيره . قال ابن الخطيب : قال كثير من العلماء : إنه صلى الله عليه وسلم ما سها في صلاته لكن أذن الله له في ذلك الفعل بياناً للتشريع في فعل السَّاهي ، ثم بتقدير وقوع السهو منه ، فالسهو على أقسام : أحدها : سهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه ، وذلك يجبر بالسنن تارة ، وبالسُّنن والنوافل تارة . والثاني : ما يكثر في الصلاة من الغفلة ، وعدم استحضار النِّيَّة ، وهذا يقع كثيراًَ . والثالث : ترك الصَّلاة ، لا إلى قضاء الإخراج من الوقت ، ومن ذلك صلاة المُنافق ؛ لأنه يستهزئ بالدين ، والفرق بين المُنافق والمُرائي : أنَّ المنافق يبطن الكفر , ويظهر الإيمان , والمرائي : إنما يظهرُ زيادة الخُشُوع ليعتقد من يراه دينه ، أو يقال : إن المنافق لا يصلي سراً ، والمرائي تكون صلاته عند النَّاس . قال ابن العربي : السَّلامة عند السَّهو محال . قوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } ، أي : يُري الناس أنه يصلي طاعة ، وهو يصلي تقيَّة كالفاسق ، يري أنه يصلي عبادة ، وهو يصلي ليقال : إنه يصلي ، وحقيقة الرِّياء : طلب ما في الدنيا بالعبادة ، وأصله : طلب المنزلةِ في قُلوب الناس ، وهو من وجوه : أولها : تحسين السَّمت ، يريد بذلك الجاه ، والثناء . وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ليتشبه بالزهادِ . وثالثها : إظهار السخط على الدنيا ، وإظهار الوعظ ، والتأسّف على فوات الخير والطاعة . ورابعها : إظهار الصلاة ، والصدقة ، وتحسين الصلاة ، لأجل رؤية الناس ، وغير ذلك مما يطول ذكره . فصل في الرياء لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض ، لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ " ، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين ، ويستحق تاركها الذم ، والمَقْت ، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها ، وأما التطوع فحقه أن يخفى ؛ لأنه مما لا يلام بتركه ، ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً ، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه ، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء . قوله : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } . في " المَاعُون " أوجه : أحدها : " فاعول " من المعن ، وهو الشيء القليل ، يقال : ما له معنة ، أي : قليل ، قاله قطربٌ . الثاني : أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [ والأصل : مَعُون ، وكان من حقّه على هذا أن يقال : معون كـ " مقول " و " مصون " اسم مفعول من : قال وصان ، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها ، فصار موعون ، ثم قلبت الواو الأولى الفاً كقولهم تاب وصام في توبة وصومة ، فوزنه الآن مفعول ، وفيه شذوذ معان كقام ، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي . الثاني : القلب وهو خلاف الأصل . الثالث : قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك ، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه ، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب ، فإنه بزنة معوون الوجه ] . والثالث : أن أصله " معونة " والألف عوض عن الهاء . ووزنه " مفعل " كـ " ملوم " ، ووزنه بعد الزيادة " مافعل " . فصل في تفسير الماعون اختلف المفسرون في " الماعون " ، وأحسنها : أنه كان يستعان به ، وينتفع به كالفأس والدلو ، والمقدحة . قال الأعشى : [ المتقارب ] @ 5323 - بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ @@ ولم يذكر المفعول للمنع ، إما للعلم به ، أي : يمنعون النَّاس ، أو الطالبين ، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه ، تنبيهاً لخساستهم ، وضَنّهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد . فإن قيل : هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة ، والرياء ، ومنع الماعُون ، وذلك من باب الذنوب ، ولا يصير المرء به منافقاً ، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل ؟ فالجواب من وجوه : الأول : قال ابن الخطيب : المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال وعلى هذا التقدير : دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ ، وتركه واجبات الشَّرع ، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام . الثاني : قيل لعكرمة : من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ ؟ فقال : لا ، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل ، يعني : ترك الصلاةِ ، وفعل الرياء ، وترك الماعون . روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورَةَ { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } غَفرَ اللهُ لهُ إنْ كَان مُؤدِّياً للزَّكَاةِ " والله تعالى أعلم .