Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 110-115)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } الآية . لمَّا بيَّن إصرار كُفَّار مكَّة على إنكارِ التَّوحيدِ ، وبيَّن إصرارهم على إنكار نُبُوَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بكتابه ، بيَّن أنَّ هؤلاء الكُفَّار كانوا على هذه السيرة الفاجرةِ ، مع كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ، وضرب لذلك مثلاً ، وهي إنزالُ التوراة على موسى فاختلفوا فيه فقبله بعضهم وأنكره بعضهم ، وذلك يدلُّ على أنَّ عادة الخلق هكذا . قوله : { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي : في الكتابِ ، و " في " على بابها من الظَّرفية ، وهو هنا مجاز ، أي : في شأنه . وقيل : هي سببية ، أي : هو سببُ اختلافهم ، كقوله تعالى : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [ الشورى : 11 ] أي : يُكثِّركم بسببه . ومعنى اختلافهم فيه : أي : فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن ، يُعَزِّي نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم . وقيل : " فِي " بمعنى " عَلَى " ويكون الضَّمير لموسى - عليه الصلاة والسلام - أي : فاختلف عليه { ولْولاَ كملةٌ سبقتْ من ربِّكَ } في تأخير العذاب عنهم : " لقُضِيَ بينَهُم " أي : لعذِّبُوا في الحالِ ، لكن قضاؤه أخَّر ذلك عنهم في دنياهم . وقيل : معناه أنَّ الله إنَّما يحكم بين المختلفين يوم القيامة ، وإلاَََّ لكان الواجب تمييز المُحقِّ من المبطل في دار الدنيا . وقيل : المعنى ولولا أنَّ رحمته سبقت غضبه ، وإلاَّ لقضي بينهم . ثم قال : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } يعني أنَّ كفَّار مكَّة لفي شكٍّ من هذا القرآن " مُريبٍ " من أراب إذا حصل الرَّيب لغيره ، أو صار هو في نفسه ذا رَيْب ، وقد تقدَّم . قوله تعالى : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم } الآية . هذه الآية الكريمة ممَّا تكلم النَّاس فيها قديماً وحديثاًً ، وعسر على أكثرهم تلفيقها وتخريجاً فقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر عن عاصم " وإنْ " بالتخفيف ، والباقون بالتشديد . وأمَّا " لمّا " فقرأها مشدَّدةً هنا وفي " يس " وفي سورةِ الزخرف ، وفي سورة الطارق ، ابن عامر وعاصمٌ وحمزة ، إلاَّ أنَّهُ عن ابن عامر في الزخرف خلافاً ، فروى عنه هشامٌ وجهين ، وروى عنه ابن ذكوان التخفيف فقط ، والباقون قرءوا جميع ذلك بالتخفيف ، وتلخَّص من هذا أنَّ نافعاً وابن كثير قرأ " وإنْ " و " لمَا " مخففتين ، وأنَّ أبا بكر عن عاصمٍ خفَّف " إنْ " وثقَّل " لمَّا " وأنَّ ابن عامر وحمزة وحفصاً عن عاصم شدَّدُوا " إنَّ " و " لمَّا " معاً ، وأن أبا عمرو والكسائي شدَّدَا " إنَّ " وخففا " لما " فهذه أربعُ مرات للقراء في هذين الحرفين ، هذا في المتواتر . وأمَّا في الشَّاذ فقد قرىء أربعُ قراءاتٍ أخر : إحداها : قراءة أبي والحسن وأبان بن تغلب " وإنْ كلٌّ " بتخفيفها ، ورفع " كل " ، و " لمَّا " بالتشديد . الثانية : قراءة اليزيدي وسليمان بن أرقم " لمَّا " مشددة منونة ، ولمْ يتعرَّضُوا لتخفيف " إنَّ " ولا تشديدها . الثالثة : قراءة الأعمش وهي في حرف ابن مسعود كذلك : " وإنْ كلٌّ " بتخفيف " إن " ورفع " كل " . الرابعة : قال أبو حاتم : الذي في مصحف أبي " وإنْ من كلّ إلاَّ ليُوفِّينهُمْ " وقد اضطرب الناسُ فيه اضطراباً كثيراً ، حتى قال أبو شامة وأمّا هذه الآية فمعناها على هذه القراءات من أشكلِ الآيات ؛ قال شهاب الدين فأمَّا قراءةُ الحرميين ففيها إعمال " إن " المخففة ، وهي لغةٌ ثانيةٌ عن العرب . قال سيبويه : " حدَّثنا من نثقُ به أنَّه سمع من العرب من يقول : " إنْ عمراً لمُنْطلقٌ " ؛ كما قالوا : [ الهزج ] . @ 3020 - … كَأنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّان @@ قال : وَوَجْهُه من القياس : أنَّ " إنْ " مُشبهةٌ في نصبها بالفعل ، والفعلُ يعمل محذُوفاً كما يعمل غير محذوفٍ ، نحو : " لَمْ يكُ زيداً مُنطلقاً " " فلا تكُ في مريةٍ " وكذلك : لا أدْر . قال شهابُ الدِّين : وهذا مذهبُ البصريين ، أعني : أنَّ هذه الأحرفَ إذا خُفِّف بعضها جاز أن تعمل ، وأن تهمل كـ : " إنْ " والأكثرُ الإهمالُ ، وقد أجمع عليه في قوله : { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 32 ] وبعضها يجبُ إعماله كـ " أنْ " بالفتح ، و " كأنْ " ولكنَّهُما لا يعملان في مظهر ولا ضمير بارز إلا ضرورة ، وبعضها يجب إهماله عند الجمهور كـ " لكن " . وأمَّا الكوفيون فيُوجبون الإهمال في " إن " المخففةِ ، والسَّماعُ حُجَّةٌ عليهم ؛ بدليل هذه القراءة المتواترة ؛ وقد أنشد سيبويه على إعمال هذه الحروف مخففة قول الشَّاعر : [ الطويل ] @ 3021 - … كَأنْ طبيةٌ تَعْطُو إلى وِارقِ السَّلم @@ وقال الفراء : لم نسمع العربَ تُخفِّفُ وتعملُ إلا مع المكنيِّ ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 3022 - فلو أنْكِ في يومِ الرَّخاءِ سألتني طلاقكِ لمْ أبْخَلْ وأنتِ صديقُ @@ قال : " لأنَّ المكني لا يظهرُ فيه إعرابٌ ، وأمَّا مع الظاهر فالرفع " وقد تقدَّم ما أنشدهُ سيبويه ، وقول الآخر : [ الرجز ] @ 3023 - كأنْ وريديهِ رشاءُ خُلْبِ @@ الرَّشاء : الحَبْلُ . والخُلْبُ : اللِّيفُ هذا ما يتعلق بـ " إنْ " . وأمَّا " لما " في هذه القراءة فاللاَّمُ فيها هي لامُ " إنْ " الدَّاخلةُ في الخبر ، " ومَا " يجوز أن تكون موصولة بمعنى " الذي " واقعةً على ما يعقلُ ، كقوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ، فأوقع " ما " على العاقل ، واللاَّمُ في " ليُوفِّينَّهُمْ " جوابُ قسم مضمر ، والجملةُ من القسم وجوابه صلةٌ للموصولِ ، والتقديرُ : وإن كلاًّ للذين والله ليُوفِّينَّهُمْ ، ويجوز أن تكون " ما " نكرةً موصوفة ، والجملة القسمية وجوابها صفةٌ لـ " ما " والتقدير وإنْ كلاًّ لخلقٌ أو لفريقٌ والله ليوفينَّهم . والموصولُ وصلته أو الموصوفُ وصفته خبرٌ لـ " إنْ " . وقال بعضهم : اللاَّمُ الأولى هي الموِّطئة للقسم ، ولمَّا اجتمع اللاَّمان واتفقا في اللفظ فصل بينهما بـ " ما " ، كما فصل بالألف بين النُّونين في " يَضْربنانِّ " وبين الهمزتين ؛ نحو : آأنْت ، فظاهرُ هذه العبارة أنَّ " ما " هنا زائدةٌ جيء بها للفصل ، إصلاحاً للفظ ، وعبارةُ الفارسي مؤذنةٌ بهذا ، إلاَّ أنَّهُ جعل اللاَّم الأولى لام " إنْ " فقال : العُرْفُ أن تدخل لام الابتداء على الخبرِ ، والخبرُ هنا هو القسمُ ، وفيه لامٌ تدخل على جوابه ، فلمَّا اجتمع اللاَّمان ، والقسمُ محذوفٌ واتفقا في اللفظ وفي تلقي القسم ، فصلوا بينهما بـ " مَا " كما فصلُوا بين " إنَّ " واللاَّم وقد صرَّح الزمخشريُّ بذلك فقال : واللاَّم في " لما " موطئةٌ للقسم ، و " ما " مزيدةٌ . وقال أبُو شامة : واللاَّمُ في " لما " هي الفارقةُ بين المخفَّفةِ من الثقيلة والنَّافية . وفي هذا نظرٌ ؛ لأنَّ الفارقة إنَّما يؤتى بها عند التباسها بالنَّافية ، والالتباسُ إنَّما يجيءُ عند إهمالها ؛ نحو : إن زيدٌ لقائمٌ وهي في الآية الكريمة معملةٌ ، فلا التباسَ بالنَّافية ، فلا يقال : إنَّها فارقةٌ . فتلخص في كلِّ من " اللاَّم " ، و " ما " ثلاثة أوجه : أحدها : في اللام أنها للابتداء الدَّاخلةِ على خبر " أن " . الثاني : لام موطئة للقسم . الثالث : أنها جواب القسم كررت تأكيداً . وأحدها في " ما " : أنها موصولة . الثاني : أنها نكرة الثالث : أنها مزيدة للفصل بين اللاَّمين . وأمَّا قراءة أبي بكر ففيها أوجه : أحدها : قولُ الفرَّاءِ وجماعة من نحاة البصرة ، والكوفة ، وهو أنَّ الأصل " لمِنْ مَا " بكسر الميم على أنَّها " مِنْ " الجارة ، دخلت على " ما " الموصولة ، أو الموصوفة ، كما تقرَّر ، أي : لمن الذين الله ليوفِّينَّهُم ، أو لمنْ خلقٍ والله ليوفِّينَّهُمْ ، فلمَّا اجتمعت النونُ ساكنة قبل ميم : " ما " وجب إدغامها ؛ فقُلبتْ ميماً وأدغمت ، فصار في اللفظ ثلاثة أمثال ، فخففت الكلمة بحذف إحداها ، فصار اللفظ كما ترى " لمَّا " قال نصر بن علي الشيرازي : " وصل " مِنْ " الجارَّة بـ " مَا " فانقلبت النُّونُ أيضاً ميماً للإدغام ، فاجتمعت ثلاثُ ميمات ، فحذفت إحداهُنَّ فبقي " لمَّا " بالتشديد " . قال : و " ما " هنا بمعنى " مَنْ " وهو اسمٌ لجماعة النَّاسِ ، كما قال تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] أي : من طاب ، والمعنى : وإنْ كلاًّ من الذين ليوفينَّهم ربُّك أعمالهم ، أو جماعة ليوفِّينَّهُم ربُّك أعمالهم . وقد عيَّن المهدويُّ الميم المحذوفة فقال : " حذفت الميم المكسورة ، والتقدير : لمنْ خلق ليوفينَّهم " . الثاني : قول المهدويّ ومكي : أن يكون الأصل : " لمَنْ مَا " بفتح ميم : " مَنْ " على أنَّها موصولة ، أو موصوفة ، و " ما " بعدها مزيدةٌ ، قال : فقلبت النون ميماً ، وأدغمت في الميم التي بعدها ، فاجتمع ثلاثُ ميمات فحذفت الوسطى منهنَّ ، وهي المبدلةُ من النون ، فقيل : " لمَّا " قال مكي والتقديرُ : وإن كلاًّ لخلقٌ لوفينَّهُم ربك أعمالهم ، فترجعُ إلى معنى القراءة الأولى بالتخفيف ، وهذا الذي حكاه الزجاج عن بعضهم فقال : زعم بعضُ النَّحويين أن أصلهُ " لمَنْ مَا " ثُم قلبت النُّونُ ميماً ، فاجتمعت ثلاثُ ميمات فحذفت الوسطى قال : وهذا القولُ ليس بشيءٍ ؛ لأنَّ " مَنْ " لا يجوزُ بعضها ؛ لأنَّها اسمٌ على حرفين . وقال النحاسُ : قال أبو إسحاق : هذا خطأ ؛ لأنَّهُ تحذف النونُ من " مَنْ " فيبقى حرفٌ واحد وقد ردَّه الفارسيُّ أيضاً فقال : إذ لم يقو الإدغام على تحريك السَّاكن قبل الحرفِ المدغم في نحو : " قدم مالك " فأن لا يجوز الحذفُ أجدرُ قال : على أنَّ في هذه السورة ميماتٍ اجتمعتْ في الإدغام أكثر ممَّا كانت تجتمع في " لمنْ مَا " ولمْ يحذف منها شيءٌ ، وذلك في قوله تعالى : { وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } [ هود : 48 ] فإذا لم يحذف شيءٌ من هذا فأنْ لا يحذف ثم أجدرُ . قال شهابُ الدين : اجتمع في " أمم ممَّن معك " ثمانيةُ ميماتٍ ، وذلك أنَّ " أمماً " فيها ميمان وتنوين ، والتنوين يقلب ميماً لإدغامه في ميم " مِنْ " ومعنا نونان : نونُ " مِنْ " الجارة ، ونون " مَنْ " الموصولة فيقلبان أيضاً ميماً لإدغامهما في الميم بعدهما ، ومعنا ميم " معك " فتحصَّل معنا خمسُ ميماتٍ ملفوظٍ بها ، وثلاثٌ منقلبةٌ إحداهما عن تنوين ، واثنتان نون ، واستدلَّ الفراءُ على أنَّ أصل " لمَّا " " لِمنْ ما " بقول الشَّاعر : [ الطويل ] @ 3024 - وإنَّا لمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضرْبةً عَلى رأسِهِ تُلْقِي اللِّسانَ مِنَ الفَمِ @@ وقول الآخر : [ الطويل ] @ 3025 - وإنِّي لمِمَّا أصْدِرُ الأمْرَ وجْهَهُ إذَا هُوَ أعْيَا بالسَّبيلِ مَصادِرُهْ @@ وقد تقدَّم في آل عمران في قراءة من قرأ : { وإذ أخذ الله ميثاق النبين لمّا آتيتكم } [ الآية : 81 ] بتشديد " لمَّا " أنَّ الأصل : " لمن ما " ففعل فيه ما تقدَّم ، وهذا أحدُ الأوجه المذكورة في تخريج هذا الحرف هناك في سورته ، فالتفت إليه . وقال أبو شامة : وما قاله الفرَّاء استنباطٌ حسنٌ ، وهو قريبٌ من قولهم في قوله { لَّكِنَّا هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } [ الكهف : 38 ] إنَّ أصله : لكن أنا ثُمَّ حذفت الهمزةُ ، وأدغمت النون في النُّون ، وكذا في قولهم : أمَّا أنت منطلقاً انطلقت ، قالوا المعنى لأن كنت منطلقاً . وفيما قاله نظرٌ ، لأنَّهُ ليس فيه حذفٌ ألبتَّة ، وإنَّما كان يحسنُ التنظيرُ أن لو كان فيما جاء به إدغامٌ حذف ، وأمَّا مجرَّدُ التَّنظير بالقلبِ والإدغام فغيرُ طائلِ ، ثم قال أبو شامة : وما أحسن ما استخرج الشَّاهد من البيت يعني : الفرَّاء ، ثَم الفراء أراد أن يجمع بين قراءتي التَّخفيف والتَّشديد من " لمَّا " في معنى واحد ، فقال : " ثُمَّ تُخفَّفُ ، كما قرأ بعضُ القرَّاءِ { والبَغْ يَعِظُكُم } [ النحل : 90 ] بحذف الياء عند الياء ؛ أنشدني الكسائيُّ : [ الوافر ] . @ 3026 - وأشْمَتَّ العُداةَ بِنَا فأضْحَوْا لَدَيْ يَتباشَرُونَ بِمَا لَقِينَا @@ فحذفت ياؤه لاجتماع الياءات " . قال شهابُ الدِّين : الأولى أن يقال : حذفت ياءُ الإضافة من " لَدَيّ " فبقيت الياءُ السَّاكنةُ قبلها المنقلبةُ عن الألف في " لَدَى " وهو مثلُ قراءةِ من قرأ { يا بُنَيْ } [ هود : 42 ] بالإسكان على ما سبق ، وأمَّا الياءُ من " يَتَبَاشرُونَ " فثابتةٌ لدلالتها على المضارعة . ثم قال الفرَّاءُ : [ الرجز ] @ 3027 - كأنَّ مِنْ آخِرِهَا إلقَادِمِ @@ يريد : إلى القادمِ ؛ فحذف اللاَّم وتوجيهُ قولهم من آخرها إلقادم أنَّ ألف " إلى " حذفت لالتقاءِ الساكنينِ ، وذلك أنَّ ألف " إلى " ساكنةٌ ، ولام التَّعريف من القادم ساكنة ، وهمزة الوصل حذفت درجاً ، فلما التقيا حذف أولهما فالتقى لامان : لام " إلى " ولام التعريف ، فحذفت الثانية على رأيه ، والأولى حذف الأولى ؛ لأنَّ الثانية دالة على التعريف ، فلم يبق من حرف " إلى " غير الهمزة فاتصلت بلام " القادمِ " فبقيت الهمزة على كسرها ؛ فلهذا تلفظ بهذه الكلمة " مِنْ آخرِهَا إلقادِمِ " بهمزة مكسورة ثابتةً درجاً ؛ لأنها همزة قطع . قال أبُو شامة : وهذا قريبٌ من قولهم : " مِلْكذبِ " و " عَلْماءِ بنُو فُلانٍ " و " بَلْعَنْبَرِ " يريدون : من الكذبِ ، وعلى الماءِ بنُو فُلانٍ ، وبنُو العَنْبرِ ، قال شهابُ الدين - رحمه الله - : يريدُ قوله : [ المنسرح ] @ 3028 - أبْلِغْ أبَا دَخْتَنُوسَ مألُكَةً غَيْرُ الذي قَد يُقَالُ مِلْكَذبِ @@ المألكة : الرِّسالة ، وقول الآخر : [ الطويل ] @ 3029أ - فَمَا سَبَقَ القَيْسِيُّ مِنْ سُوءِ فعلهِ ولكِنْ طَفَتْ عَلْمَاءِ غُرْلَةُ خَالدِ @@ الغُرْلة القُلفة ، وقول الآخر : [ الخفيف ] @ 3029ب - نَحْنُ قَوْمٌ مِلْجِنِّ في زيِّ ناسٍ فَوْقَ طَيْرٍ لَهَا شُخُوصُ الجِمالِ @@ يريد : مِن الجنِّ . قال التبريزي في شرح الحماسة : وهذا مقيسٌ ، وهو أن لام التعريف ، إذا ظهرت في الاسم حذف الساكنُ قبلها ؛ لأن الساكن لا يدغم في الساكن ؛ تقول : أكلتُ مالخُبْزِ ، ورَكْبَتْ مِلخَيْلِ ، وحَملتُ مِلْجَمَلِ . وقد ردَّ بعضهم قول الفرَّاء بأنَّ نون " مِنْ " لا تحذف إلاَّ ضرورة ، وأنشد : [ المنسرح ] @ 3030 - … … ملْكَذب @@ الثالث : أنَّ أصلها " لمَا " بالتَّخفيف ، ثمَّ شددت ، وإلى هذا ذهب أبو عثمان ، قال الزَّجَّاج : " وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأنَّا لَسنَا نُثَقِّل ما كان على حرفين ، وأيضاً فلغةُ العربِ على العكس من ذلك يُخَفِّفُون ما كان مُثَقَّّلاً نحو : " رُبَ " في " رُبَّ " وقيل : في توجيه إنَّه لمَّا وقف عليها شدَّدها ، كما قالوا : رأيتُ فرجًّا ، وقصبًّا ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، وفي هذا نظرٌ ؛ لأنَّ التَّضعيف إنَّما يكونُ في الحرف إذا كان آخراً ، والميمُ هنا حشوٌ ؛ لأنَّ الألف بعدها ، إلاَّ أن يقال : إنَّه أجرى الحرف المتوسط مجرة المتأخِّر ؛ كقوله : [ الرجز ] @ 3031 - مِثْلَ الحَريقِ وَافَقَ القَصَبَّا @@ يريد : القَصَبَ ، فلمَّا أشبع الفتحة تولَّدت منها ألفٌ ، وضعَّف الحرف ؛ وكذلك قوله : [ الرجز ] @ 3032 - بِبَازلٍ وجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّي كأنَّ مَهْواهَا عَلى الْكَلْكَلِّ @@ شدَّد اللام مع كونها حشْواً بياء الإطلاقِ ، وقد يُفرَّق بأنَّ الألف والياء في هذين البيتين في حكم الطَّرح ؛ لأنَّهما نَشَآ من حركةٍ بخلاف ألف : " لمَّا " فإنَّها أصليةٌ ثابتةٌ ، وبالجملة فهُو وجهٌ ضعيفٌ جدًّا . الرابع : أنَّ أصلها " لمًّا " بالتنوين ثم بني منهُ " فَعْلى " فإن جعلت ألفهُ للتَّأنيث ، لم تصرفه ، وإنْ جعلتها للإلحاق صرفتهُ ، وذلك كما قالوا في " تَتْرى " بالتنوين وعدمه ، وهو مأخوذ من قولك : لَمَمْتُهُ : أي جمعتُهُ ، والتقدير : وإن كُلاًّ جميعاً ليوفينَّهُمْ ، ويكون " جَميعاً " فيه معنى التوكيد كـ " كل " ، ولا شكَّ أنَّ " جميعاً " يفيدُ معنى زائداً على " كل " عند بعضهم قال : ويدلُّ على ذلك قراءة من قرأ : " لمَّا " بالتنوين . الخامس : أنَّ الأصل " لمَّا " بالتنوين أيضاَ ، ثمَّ أبدل التنوين ألفاً وقفاً ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف ، وقد منع من هذا الوجه أبو عبيد قال : لأنَّ ذلك إنَّما يجوز في الشعر يعني إبدال التنوين ألفاً وصلاً إجراءً لهُ مجرى الوقف ، وسيأتي توجيه قراءة " لمَّا " بالتنوين . وقال ابنُ الحاجبِ : " استعمالُ " لمَّا " في هذا المعنى بعيد ، وحذفُ التنوين من المُنْصَرف في الوصل أبعدُ ، فإن قيل : " لمَّا " فعلى من اللَّمِّ ، ومُنِعَ الصرف لأجل ألف التأنيث ، والمعنى فيه مثل معنى " لمَّا " المُنْصَرف فهو أبعدُ ، إذ لا يعرفُ " لمَّا " فعلى بهذا المعنى ولا بغيره ، ثم كان يلزمُ هؤلاء أن يميلوا كمن أمال ، وهو خلافُ الإجماع ، وأن يكتبوها بالياء ، وليس ذلك بمستقيم " . السادس : أنَّ " لمَّا " زائدة كما تزاد " إلا " قالهُ أبو الفتح وغيره ، وهذا وجهٌ لا اعتبار به ، فإنَّه مبنيُّ على وجهٍ ضعيفٍ أيضاً ، وهو أنَّ " إلاَّ " تأتي زائدة . السابع : أنَّ " إنْ " نافيةٌ بمنزلة " ما " ، و " لمَّا " بمعنى " إلاّ " فهي كقوله : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [ الطارق : 4 ] أي : ما كلُّ نفس إلاَّ عليها { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ } [ الزخرف : 35 ] أي : ما كل ذلك إلا متاع . واعترض على هذا الوجه بأنَّ " إنْ " النافية لا تنصبُ الاسم بعدها ، وهذا اسمٌ منصوبٌ بعدها وأجابَ بعضهم عن ذلك بأنَّ " كلاًّ " منصوبٌ بإضمار فعلٍ ، فقدَّرهُ قومٌ منهم أبو عمرو ابنُ الحاجبِ : وإن أرى كلاًّ ، وإن أعلمُ ونحوه ، قال : ومِن هنا كانتْ أقلَّ إشكالاً من قراءة ابن عامر لقبولها هذا الوجه غيرُ مُسْتبعدٍ ذلك الاستعباد وإنْ كان في نَصْبِ الاسم الواقعِ بعد حرف النَّفْي استبعادٌ ، ولذلك اختلف في مثل : [ الوافر ] @ 3033 - ألاَ رَجُلاً جزاهُ اللَّهُ خَيْراً يَدُلُّ عَلى مُحَصِّلةٍ تَبِيتُ @@ هل هو منصوب بفعلٍ مقدَّر ، أو نوِّن ضرورةً ؟ فاختار الخليلُ إضمار الفعلِ ، واختار يونس التنوين للضَّرورة ، وقدَّرهُ بعضهم بعد " لمَّا " من لفظ : " ليُوفِّينَّهُم " ، والتقدير : وإن كلاً إلاَّ ليوفِّينَّ ليُوفِّينَّهم . وفي هذا التقدير بعدٌ كبيرٌ أو امتناع ؛ لأنَّ ما بعد " إلاَّ " لا يعمل فيما قبلها ، واستدل على مجيء : " لمَّا " بمعنى : " إلاَّ " بنصِّ الخليل وسيبويه على ذلك ونصره الزَّجَّاج . قال بعضهم : وهي لغةُ هذيل ، يقولون : سألتك بالله لمَّا فعلت أي : إلاَّ فعلت . وأنكر الفرَّاء وأبو عبيد ورود : " لمَّا " بمعنى : " إلاًّ " قال أبو عبيدٍ : " أمَّا من شدَّد " لمَّا " بتأويل " إلاَّ " فلمْ نجدْ هذا في كلام العربِ ، ومن قال هذا لزمهُ أن يقول : قام القوم لمَّا أخاك ، يريدُ : إلاَّ أخاكَ ، وهذا غيرُ موجودٍ " وقال الفرَّاءُ : " وأمَّا من جعل " لمَّا " بمنزلة " إلاَّ " فهو وجهٌ ضعيفٌ ، وقد قالت العربُ في اليمين : بالله لمَّا قمت عنا ، وإلاَّ قمت عنا ، فأمَّا في الاستثناء فلم تقله في شعر ، ولا في غيره ، ألا ترى أنَّ ذلك لو جاز لسمعت في الكلام : ذهب النَّاسُ لمَّا زيداً " فأبو عبيد أنكر مجيء " لمَّا " بمعنى " إلاَّ " مُطلقاً ، والفراء جوَّز ذلك في القسم خاصةً ، وتبعه الفارسي في ذلك ، فقال - في تشديد " لمَّا " ههنا - : " لا يصلحُ أن تكونَ بمعنى " إلاَّ " ، لأنَّ " لمَّا " هذه لا تفارق القسم " وردَّ النَّاس قوله بما حكاه الخليل وسيبويه ، وبأنَّها لغة هُذيْل مطلقاً ، وفيه نظرٌ ، فإنَّهُمْ لمَّا حكوا لغة هذيل حكوها في القسم كما تقدَّم من نحو : نشدتك بالله لمَّا فعلت ، وأسألك بالله لمَّا فعلت . وقال أبو علي أيضاً مستشكلاً لتشديد : " لمَّا " في هذه الآية على تقدير أنَّ " لمَّا " بمعنى " إلاَّ " لا تختص بالقسم ما معناه : أنَّ تشديد " لمَّا " ضعيفٌ سواء شدَّدت " إن " أم خفَّفت ، قال : " لأنَّه قد نُصِبَ بها " كلاً " ، وإذا نصب بالمُخَفَّفةِ كانت بمنزلة المثقلة ، وكا لا يَحْسُن : إنَّ زيداً إلاَّ منطلق ؛ لأنَّ الإيجابَ بعد نفي ، ولم يتقدَّم هنا إلاَّ إيجاب مؤكد ، فكذا لا يحسن : إنَّ زيداً لمَّا منطلق ، لأنَّهُ بمعناه ، وإنَّما ساغ : نشدتُك الله إلاَّ فعلت ، ولمَّا فعلت ؛ لأنَّ معناه الطَّلب ، فكأنَّهُ قال : ما أطلبُ منك إلاَّ فِعْلك ، فحرفُ النَّفي مرادٌ مثل { تَالله تَفْتَأُ } [ يوسف : 85 ] ، ومثَّل ذلك أيضاً بقولهم : " شرُّ أهرُّ ذا ناب " أي : ما أهرَّه إلاَّ شرٌّ ، قال : " وليس في الآية معنى النَّفي ولا الطَّلب " . وقال الكسائي : لا أعرف وجه التَّثقيل في " لمَّا " قال الفارسيُّ : ولم يبعد فيما قال وروي عن الكسائي أيضاً أنَّه قال : اللهُ عزَّ وجلَّ أعلمُ بهذه القراءة ، لا أعرفُ لها وجهاً . الثامن : قال الزَّجَّاجُ : قال بعضهم قَوْلاً ، ولا يجوز غيره : أنَّ " لمَّا " في معنى " إلاَّ " مثل { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [ الطارق : 4 ] ثمَّ أتبع ذلك بكلام طويل مشكل حاصلهُ يرجع إلى أنَّ معنى " إنْ زيدٌ لمنطلق : ما زيدٌ إلاَّ منطلق " ، فأجريتَ المشددة كذلك في المعنى إذا كانت اللام في خبرها ، وعملها النَّصيب في اسمها باقٍ بحالة مشددة ومخففة ، والمعنى نفيٌ بـ " إنْ " وإثباتٌ باللاَّم التي بمعنى " إلاَّ " و " لمَّا " بمعنى " إلاَّ " ، وقد تقدَّم إنكارُ أبي عليّ على جواز " إلاَّ " في مثل هذا التركيب ، فكيف يجُوزُ " لمَّا " التي بمعناها ؟ . وأمَّا قراءةُ ابن عامر وحمزة وحفص ففيها وجوه : أحدها : أنَّها " إنَّ " المشددة على حالها ، فلذلك نصب ما بعدها على أنَّه اسمها ، وأمَّا " لمَّا " فالكلامُ فيها كما تقدَّم من أنَّ الأصل " لَمِنْ مَا " بالكسر ، أو " لَمَنْ مَا " بالفتح ، وجميع تلك الأوجه المذكورة تعودُ هنا ، والقولُ بكونها بمعنى " إلاَّ " مشكلٌ كما تقدَّم تحريره عن أبي علي وغيره . الثاني : قال المازنيُّ : إنَّ " هي المخففة ثقلت : وهي نافيةٌ معنى " مَا " كما خففت " إنَّ " ومعناها المثقلة ، " ولمَّا " بمعنى " إلاَّ " وهذا قولٌ ساقطٌ جدًّا لا اعتبار به ، لأنَّهُ لم يُعْهَدْ تثقيلُ " إنْ " النافية ، وأيضاً فـ " كلاًّ " بعدها منصوبٌ ، والنافيةُ لا تنصبُ . الثالث : أنَّ " لمَّا " هنا هي الجازمة للمضارع حذف مجزومها لفهم المعنى . قال أبُو عمرو بنُ الحاجب - في أماليه - : " لمَّا " هذه هي الجازمة فحذف فعلها للدَّلالةِ عليه ، لما ثبت من جوازِ حذف فعلها في قولهم : " خرجتُ ولمَّا ، وسافرتُ ولمَّا " وهو سائغٌ فصيح ، ويكونُ المعنى : وإنَّ كُلاً لمَّا يهملوا أو يتركُوا لما تقدَّم من الدَّلالةِ عليه من تفصيل المجموعين بقوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] ، ثمَّ فصَّل الأشقياءَ والسُّعداء ، ومجازاتهم ثُمَّ بيَّن ذلك بقوله : { لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } قال : " وما أعرفُ وجهاً أشبهَ من هذا ، وإن كانت النفوسُ تَسْتبعدُهُ من جهة أنَّ مثلهُ لمْ يردْ في القرآن " ، قال : " والتَّحْقِيقُ يَأبَى استبعادهُ " . قال شهابُ الدِّين : وقد نصَّ النَّحويون على أنَّ " لمَّا " يحذفُ مجزومها باطِّرادٍ ، قالوا : لأنَّها لنفي قَدْ فعل ، وقد يحذف بعدها الفعل ؛ كقوله : [ الكامل ] @ 3034 - أفِدَ التَّرْحُّلُ غَيْرَ أنَّ رِكَابنَا لمَّا تزلْ بِرحَالِنَا وكأنْ قَدِ @@ أي : وكأن قد زالت ، فكذلك منْفيهُ ، وممَّن نصَّ عليه الزمخشريُّ ، على حذف مجزومها ، وأنشد يعقوب على ذلك في كتاب " معانِي الشِّعر " قول الشَّاعر : [ الوافر ] @ 3035 - فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولمَّا فَنادَيْتُ القُبورَ فَلَمْ يُجِبْنَهْ @@ قال : " قوله : " بَدْءاً " أي : سيّداً وبدءُ القوم سيِّدهم ، وبدءُ الجزُور خيرُ أنْصِبَائِهَا " . قال : وقوله : " ولمَّا " أي : ولمَّا أكُنْ سيِّداً إلاَّ حين ماتُوا ، فإنِّي سدتُ بعدهم ؛ كقول الآخر : [ الكامل ] @ 3036 - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّد ومن العناءِ تفرُّدِى بالسُّؤدُدِ ما نِلْتُ ما قَدْ نِلْتُ إلاَّ بَعْدَمَا ذَهَبَ الكِرامُ وسَادَ عَيْرُ السَّيِّد @@ قال : ونظير السُّكُوتِ على " لمَّا " دون فعلها السكُّوتُ على " قَدْ " دون فعلها في قول النابغة : [ الكامل ] @ 3037 - أفِدَ التًّرَحُّلُ … … @@ قال شهابُ الدِّين : وهذا الوجهُ لا خصوصية لهُ بهذا القراءة ، بل يَجِيءُ في قراءة من شدَّد " لمَّا " سواءً شدَّد " إن " أو خففها . وأمَّا قراءةُ أبي عمرو ، والكسائي فواضحةٌ جدًّا ، فإنَّها " إنَّ " المشدَّدة عملت عملها ، واللاَّم الأولى لام الابتداء الدَّاخلة على خبر " إنَّ " ، والثانية جواب قسم محذوف ، أي : وإنَّ كلاًّ للذين والله ليوفِّينَّهُم ، وقد تقدَّم وقوعُ " ما " على العُقلاء ؟ ِ مُقرَّرا ، ونظيرُ هذه الآية : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [ النساء : 72 ] غير أنَّ اللاَّم في " لمنْ " داخلةٌ على الاسم ، وفي " لمَّا " داخلة على الخبر . وقال بعضهم : " مَا " هذه زائدةٌ زيدت للفصل بين اللامين ، لام التَّوكيد ، ولام القسم ، وقيل : اللاَّم ُ في " لمَّا " موطئة للقسم مثل اللاَّم في قوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] والمعنى : وإنَّ جميعهم والله ليُوفِّينَّهُم ربُّك أعمالهُم من حُسْنٍ وقُبْحٍ وإيمانٍ وجحودٍ . وقال الفرَّاء - عند ذكر هذه الآية - : جَعَلَ " مَا " اسماً للنَّاس كما جاز { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ثم جعل اللاَّم التي فيها جواباً لـ " إنَّ " وجعل اللاَّم التي في " ليُوفِّينَّهُمْ " لاماً دخلت على نيَّةِ يمينٍ فيما بين " مَا " وصلتها ، كما تقول : هذا من ليَذْهبنَّ ، وعندي ما لغيرهُ خيرٌ منه ، ومثله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [ النساء : 72 ] . ثم قال بعد ذلك ما يدلُّ على أنَّ اللاَّم مكررةٌ فقال : إذا عجَّلت العربُ باللاَّم في غير موضعها أعادوها إليه ، نحو : إنَّ زيداً لإليك لمُحْسِنٌ ؛ ومثله : [ الطويل ] @ 3038 - ولَوْ أنَّ قَوْمِي لمْ يكُونُوا أعِزَّة لبَعْدُ لقَدْ لا قَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعَا @@ قال : أدخلها في " بَعْد " وليس بموضعها ، وسمعت أبا الجرَّاحِ يقولُ : " إنِّي ليحمد الله لصالحٌ " . وقال الفارسيُّ - في توجيه القراءة - : " وجهُهَا بيِّن وهو أنَّه نصب " كُلاًّ " بـ " إنَّ " وأدخل لام الابتداء في الخبر ، وقد دخلت في الخبرِ لامٌ أخرى ، وهي التي يُتلقَّى بها القسم ، وتختصُّ بالدُّخُول على الفعل ، فلمَّا اجتمعت اللاَّمان فُصِل بينهما كما فُصِل بين " إنَّ " واللاَّم فدخلتها وإن كانت زائدة للفصل ، ومثله في الكلام : إن زيداً لينطلقنَّ " . فهذا ما تلخَّص من توجيهات هذه القراءات الأربع ، وقد طعن بعضُ النَّاس في بعضها بِمَا لا تحقق له ، فلا ينبغي أن يلتفت إلى كلامه . قال المبردُ - وهي جرأةٌ منه - " هذا لحنٌ " يعنى تشديد " لمَّا " قال : " لأنَّ العرب لا تقول : إنَّ زيداً لمَّا خارجٌ " وهو مردودٌ عليه . قال أبو حيان : وليس تركيبُ الآية كتركيب المثال الذي قال وهو : إنَّ زيداً لمَّا خارج ، هذا المثالُ لحنٌ . قال شهابُ الدِّين : إن عنى أنَّهُ ليس مثله في التركيب من كل وجه فمُسلَّم ، ولكن ذلك لا يفيدُ فيما نحن بصدده ، وإن عنى أنه ليس مثله في كونه دخلت " لمَّا " المشددة على خبر " إنَّ " فليس كذلك ، بل هو مثلُه في ذلك ، فتسليمُهُ اللَّحْنَ في المثال المذكور ليس بصوابٍ ؛ لأنه يستلزم ما لا يجوز أن يقال . وقال أبو جعفرٍ : القراءةُ بتشديدهما عند أكثر النَّحويين لحنٌ ، حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : إنَّ هذا لا يجوز ، ولا يقال : إنَّ زيداً إلا لأضربنَّه ، ولا " لمَّا لأضربنَّه " قال : وقال الكسائي : " اللَّه أعلم لا أعرف لهذه القراءة وجهاً " وقد تقدم ذلك ، وتقدم أيضاً أنَّ الفارسي قال : كما لا يحسن : إنَّ زيداً إلاَّ لمنطلق ؛ لأنَّ " إلاَّ " إيجاب بعد نفي ، ولم يتقدَّم هنا إلاَّ إيجابٌ مؤكَّد ، فكذا لا يحسن : إنَّ زيداً لما منطلق ، لأنه بمعناه ، وإنَّما ساغ نشدتك بالله لمَّا فعلت … إلى آخر كلامه . وهذه أقوالٌ مرغوبٌ عنها ؛ لأنَّها معارضة للمتواتر القطعي . وأمَّا القراءات الشَّاذة فأوَّلها قراءةُ أبي ومن تبعه " وإنْ كلٌّ لمَّا " بتخفيف " إنْ " ورفع " كل " على أنَّها " إن " النافية " وكل " مبتدأ ، و " لمَّا " مشددة بمعنى " إلاَّ " ، و " ليُوفِّينَّهُم " جوابُ قسمٍ محذوفٍ ، وذلك القسمُ وجوابه خبر المبتدأ وهي قراءةٌ جليَّة واضحةٌ كما قرؤوا كلُّهم { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ } [ يس : 32 ] ومثله { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ } [ الزخرف : 35 ] ، ولا التفاتَ إلى قول من نفى أنَّ " لمَّا " بمنزلةِ " إلاَّ " فقد تقدَّمت أدلته . وأما قراءةُ اليزيدي وابن أرقم " لمَّا " بالتشديد منونة فـ " لمَّا " فيها مصدرٌ من قولهم : " لمَمْتُه - أي : جمعته - لمًّا " ومنه قوله تعالى : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } [ الفجر : 19 ] ثم في تخريجه وجهان : أحدهما : ما قاله أبو الفتح ، وهو أن يكون منصوباً بقوله : " ليُوفِّينَّهُمْ " على حدِّ قولهم : قياماً لأقومنَّ ؛ وقعوداً لأَقَعدنَّ ، والتقديرُ : توفيةً جامعةً لأعمالهم ليوفينهم ، يعني أنه منصوبٌ على المصدر الملاقي لعامله في المعنى دون الاشتقاق . والثاني : ما قالهُ أبو علي الفارسي وهو : أن يكون وصفاً لـ " كُلّ " وصفاً بالمصدرِ مبالغة ، وعلى هذا فيجبُ أن يقدَّر المضافُ إليه " كل " نكرةً ، ليصحَّ وصفُ " كل " بالنَّكرةِ ، إذْ لو قُدِّر المضافُ معرفة لتعرَّفتْ " كل " ، ولو تعرَّفت لامتنع وصفُها بالنَّكرةِ ، فلذلك قُدِّر المضافُ إليه نكرة ، ونظيره قوله تعالى : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } [ الفجر : 19 ] فوقع " لمًّا " نعتاً لـ " أكْلاً " وهو نكرةٌ . قال أبو علي : ولا يجوز أن يكون حالاً ؛ لأنه لا شيء في الكلام عاملٌ في الحالِ . وظاهرُ عبارة الزمخشري أنَّهُ تأكيدٌ تابعٌ لـ " كلاًّ " كما يتبعها أجمعون ، أو أنَّهُ منصوبٌ على النَّعت لـ " كُلاًّ " فإنه قال : " وإنْ كلاًّ لمًّا ليُوفِينَّهُمْ " كقوله : " أكْلاً لمًّا " والمعنى : وإن كلاًّ ملمومين بمعنى : مجموعين ، كأنه قيل : وإن كلاًّ جميعاً كقوله تعالى : { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ الحجر : 30 ] انتهى . لا يريدُ بذلك أنَّهُ تأكيدٌ صناعيُّ ، بل فسَّر معنى ذلك وأراد : أنَّهُ صفةٌ لـ " كُلاًّ " ولذلك قدَّرهُ : بمجموعين ، وقد تقدَّم في بعض توجيهات " لمَّا " بالتَّشديد من غير تنوين ، أنَّ المنون أصلها ، وإنَّما أُجري الوصلُ مجرى الوقف ، وقد عُرف ما فيه وخبر " إنْ " على هذه القراءة هي جملة القسمِ المقدَّرِ وجوابه سواءَ في ذلك تخريجُ أبي الفتح وتخريجُ شيخه . وأمَّا قراءةُ الأعمشِ فواضحةٌ جدًّا ، وهي مفسَّرةٌ لقراءة الحسنِ المتقدِّمة ، لولا ما فيها من مخالفة سوادِ الخط . وأمَّا قراءةُ ما في مصحفِ أبي كما نقلها أبُو حاتم فـ " إنْ " فيها نافية ، و " مِنْ " زائدةٌ في النَّفي ، و " كل " مبتدأ ، و " ليُوفِّينَّهُم " مع قسمة المقدَّر خبرها ، فتؤول إلى قراءة الأعمش التي قبلها ، إذ يصيرُ التقديرُ بدون " مِنْ " : " وإنْ كلٌّ إلاَّ ليُوفِّينَّهُم " والتنوين في " كلاً " عوضٌ من المضافِ إليه قال الزمخشري : يعني : وإنَّ كُلُّهُم ، وإنَّ جميع المختلفين فيه . وقد تقدَّم أنَّهُ على قراءةِ " لمًّا " بالتنوين في تخريج أبي عليّ لهُ ، لا يقدَّر المضافُ إليه " كل " إلاّ نكرةً لأجْلِ نعتها بالنَّكرةِ . وقد تضمَّنت هذه الآية الكريمة تأكيدات ، فمنها : التوكيد بـ " إنَّ " وبـ " كُلّ " وبلام الابتداءِ الدَّاخلة على خبر " إنَّ " وبزيادة " ما " على رأي ، وبالقسم المقدَّر وباللاَّم الواقعة جواباً له ، وبنون التوكيد ، وبكونها مشددة ، وإردافها بالجملة التي بعدها من قوله { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فإنَّه يتضمَّنُ وعيداً شديداً للعاصي ، ووعداً صالحاً للطَّائع . وقرأ العامَّةُ : " يَعْمَلُون " بياء الغيبة ، جرياً على ما تقدَّم من المختلفين ، وقرأ ابنُ هرمز " بِمَا تعملُونَ " بالخطابِ ، فيجُوزُ أن يكون التفاتاً من غيبة إلى خطابٍ ، ويكونُ المخاطبون الغيب المتقدِّمين ، ويجوز أن يكون التفاتاً إلى خطاب غيرهم . فصل معنى الآية : أنَّ من عجلت عقوبته ، ومن أخرت ومن صدَّق الرُّسل ، ومن كذَّب فحالهم سواء في أنَّهُ تعالى يوفيهم أجر أعمالهم في الآخرة ، فجمعت الآية الوعد ، والوعيد فإنَّ توفية جزاء الطاعات وعدٌ عظيمٌ ، وتوفية جزاءِ المعاصي وعيدٌ عظيمٌ ، وقوله : { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } توكيد للوعْدِ والوعيد ، فإنَّه لمَّا كان عالماً بجميع المعلومات كان عالماً بمقادير الطَّاعات والمعاصي ، فكان عالماً بالقدر اللاَّئق بكل عمل من الجزاءِ ، فحينئذٍ لا يضيع شيء من الحقوق وذلك نهاية البيان . قوله تعالى : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } الآية . لمَّا شرح الوعد الوعيد قال لرسوله " فاسْتقِمْ كما أمِرْتَ " وهذه كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ ما يتعلَّق بالعقائدِ والأعمال ، سواء كان مختصًّا به ، أو متعلقاً بتبليغ الوحي وبيان الشَّرائع ، ولا شكَّ أنَّ البقاء على الاستقامة الحقيقيَّة مشكلٌ جدًّا . قال ابنُ الخطيب : وأنا أضربُ لذلك مثلاً يقربُ صعوبة هذا المعنى إلى العقلِ السَّليم ، وهو انَّ الخطَّ المستقيم الفاصل بين الظِّلِّ وبين الضَّوء جزء واحد لايقبلُ القسمة في العرض ، وذلك الخط ممَّا لا يدركه الحس ، فإنَّه إذا قرب طرف الظل من طرف الضَّوءِ اشتبه البعضُ بالبعض في الحسّ ، فلم يقع الحس على إدراك ذلك الخط بعينه بحيثُ يتميز عن كلِّ ما سواهُ . وإذا عرفت هذا في المثال فاعرف مثاله في جميع أبواب العبودية . فأولها : معرفة الله وتحصيل هذه المعرفة على وجه يبقى العقل مصوناً في طرف الإثبات عن التَّشبيه ، وفي طرف النَّفي عن التَّعطيل في غاية الصعوبة ، واعتبر سائر مقامات المعرفة من نفسك ، وأيضاً فالقوَّة الغضبية والقوَّةُ الشهوانية حصل لك واحدة منهما طرفُ إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، والفاصلُ هو المتوسط بينهما بحيثُ لا يميلُ إلى أحدِ الجانبين ، والوقوفُ عليه صعبٌ ؛ فثبت أنَّ معرفة الصِّراط المستقيم في غاية الصُّعوبة ، وبتقدير معرفته فالبقاء عليه والعمل به أصعب ، ولما كان هذا المقام في غاية الصعوبة ، لا جرم قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنه - : ما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرم وبجَّل ومجَّد وعظَّم - في جميع القرآن آية أشق من هذه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " شيَّبتني هُود وأخواتها " وروي عن بعضهم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقلتُ لهُ : روي عنك أنك قلت : " شَيَّبَتْنِي هُود وأخواتُها " فقال : نَعَمْ " قلت : وبأي آية ؟ فقال : قوله : " فاسْتَقِمْ كما أمِرْتَ " . قوله : { كَمَآ أُمِرْتَ } الكافُ في محلِّ النصب ، إمَّا على النَّعت لمصدرٍ محذوفٍ ، كما هو المشهورُ عند المعربين قال الزمخشريُّ : أي اسْتقِم استقامةً مثل الاستقامةِ الَّتِي أمرتَ بها على جادًّة الحقِّ غير عادلٍ منها . وإمَّا على الحالِ من ضميرِ ذلك المصدر . واستفعل هنا للطَّلب ، كأنه قيل : اطلب الإقامةَ على الدِّين ، كما تقول : استغفر أي : اطلب الغفران . قوله : { وَمَن تَابَ مَعَكَ } في " مَنْ " وجهان ، أحدهما : أنَّهُ منصوب على المفعول به ، كذا ذكره أبو البقاء ويصير المعنى : استقم مصاحباً لمنْ تاب مُصاحباً لك ، وفي هذا المعنى نُبوٌّ عن ظاهر اللفظ . والثاني : أنَّهُ مرفوعٌ فإنَّه نسقٌ على المستتر في " اسْتَقمْ " ، وأغنى الفصلُ بالجارِّ عن تأكيده بضميرٍ منفصل في صحَّةِ العطف ، وقد تقدَّم هذا البحث في قوله : { ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ } [ البقرة : 35 ] ، وأنّ الصحيح أنَّهُ من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، ولذلك قدَّرهُ الزمخشريُّ فاستقم أنتَ ، وليستقم من تاب مَعَكَ ، فقدَّر الرافع له فعلاً لائقاً برفعه الظَّاهر . وقال الواحدي : محلها ابتداء تقديره : ومن تَابَ معكَ فلْيَستقِمْ فصل معنى الآية : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } على دين ربِّك ، والعمل به ، والدُّعاء إليه ، كما أمرت ، { وَمَن تَابَ مَعَكَ } أي : مَنْ آمن معك فليَسْتَقِيمُوا ، قال عمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - : الاستقامةُ أن تَسْتَقِيمَ على الأمْرِ والنَّهْي ، ولا تروغ روغان الثَّعلب . روى هشام بن عُروة عن أبيه عن سفيان بن عبدِ الله الثَّقفي - رضي الله عنه - قال : " قلتُ يا رسُول الله قُلْ لِي فِي الإسلامِ قَوْلاُ لا أسْألُ عنهُ أحداً بعدك ، قال : " قُلْ آمنْتُ باللَّهِ ثم اسْتٌقِمْ " " . فصل هذه الآية أصلٌ عظيم في الشَّريعة ، وذلك أنَّ القرآن لمَّا ورد بترتيب الوضوء في اللفظ وجب اعتبار الترتيب فيه ، لقوله : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } ، ولمَّا ورد الأمرُ في الزَّكاةِ بأداء الإبل من الإبل ، والبقرِ من البقرِ وجب اعتبارها ، وكذا القولُ في كل ما ورد أمرُ الله به . قال ابنُ الخطيبِ : وعندي أنه لا يجوزُ تخصيص النصِّ بالقياسِ ؛ لأنَّهُ لمَّا دلَّ عموم النَّص على حكم وجب العمل بمقتضاه ، لقوله تعالى - : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } فالعملُ بالقياسِ انحراف عنه . ثم قال : { وَلاَ تَطْغَوْاْ } أي : لا تجاوزوا أمري ولا تعصوني وقيل : لا تغلُوا فتزيدُوا على ما أمرت ونهيت والطُّغيان : تجاوز الحدِّ . وقيل : لا تطغوا في القرآن فتحلُّوا حرامهُ وتحرِّمُوا حلالهُ وقال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - : " تواضعوا لله ولا تتكبروا على أحد " { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } قرأ العامَّة " تَعْمَلُونَ " بالتَّاء جرياً على الخطابِ المتقدم . وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفيُّ بياء الغيبة ، وهو التفاتٌ من خطابٍ لغيبةٍ عكس ما تقدَّم في { بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } . قوله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ } قرأ العامَّةُ بفتح التَّاءِ والكاف ، والماضي من هذا " رَكِن " بكسر العين كـ " عَلِمَ ، وهذه الفصحى ، كذا قال الأزهريُّ وقال غيره : " وهي لغةُ قريش " وقرأ أبو عمرو في رواية : " تِرْكَنُوا " بكسر حرف المضارعة وقد تقدَّم ذلك في قوله : " نَسْتعِينُ " . وقرأ قتادةُ ، وطلحةُ ، والأشهب ، ورويت عن أبي عمرو " تَرْكُنُوا " بضمِّ العين وهو مضارع " رَكَنَ " بفتحها كـ : قَتَلَ يَقْتُل ، وقال بعضهم : هو من التَّداخُلِ ، يعني من نطق بـ " رَكِنَ " بكسر العين قال : " يَرْكُن " بضمها ، وكان من حقِّه أن يفتحَ ، فلمَّا ضمّ علمنا أنه استغنى بلغةِ غيره في المضارع عن لغته ، وأمَّا في هذه القراءةِ فلا ضرورة بنا إلى ادِّعاءِ التَّداخُل ، بل ندَّعي أنَّ من فتح الكاف أخذه من : " رَكِنَ " بالكسرِ ، ومن ضمَّها أخذه من " رَكَنَ " بالفتح ، ولذلك قال الراغبُ : " والصحيحُ أن يقال : رَكِنَ يَرْكَنُ ورَكَنَ يَرْكُنُ بالكسر في الماضي مع الفتح في المضارع ، وبالفتح في الماضي مع الضمِّ في المضارع " وشذَّ أيضاً قولهم : رَكَن يَرْكَن بالفتح فيهما ، وهو من التداخل ؛ فتحصًّل من هذا أنَّه قال : " رَكِنَ " بكسر العين وهي اللغة العالية كما تقدَّم ، و " ركَنَ " بفتحها ، وهي لغة قيس وتميم ، وزاد الكسائيُّ : " ونَجْد " وفي المضارع ثلاثٌ : الفتحُ ، والكسرُ ، والضمُّ . وقرأ ابنُ أبي عبلة : " تُرْكَنُوا " مبنياً للمفعول من : أرْكَنَهُ إذا أمالهُ ، فهو من باب " لا أرَيَنَّكَ ههنا " و { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } [ الأعراف : 2 ] وقد تقدم . والرُّكُونُ : المَيْل ، ومنه الرُّكْنُ للاستنادِ إليه . قوله : " فَتَمَسَّكُم " منصوبٌ بإضمار " أنْ " في جوابِ النهي . وقرأ ابنُ وثاب وعلقمةُ ، والأعمشُ في آخرين " فَتِمَسَّكُمُ " بكسر التَّاءِ . قوله : " وَمَا لَكُمْ " هذه الجملةُ يجوزُ أن تكون حاليةً ، أي : تَمَسَّكم حال انتفاءِ ناصركم . ويجوز أن تكون مستأنفة و " مِنْ أولياءَ " " مِنْ " فيه زائدةٌ ، إمَّا في الفاعل ، وإمَّا في المبتدأ ، لأنَّ الجارَّ إذا اعتمد على أشياءَ - أحدها النَّفيُ - رفع الفاعل . قوله : { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } العامَّةُ على ثبوتِ نُون الرَّفعِ ؛ لأنه فعل مرفوع ، إذ هو من باب عطف الجمل ، عطف جملة فعلية على جملة اسميةَ . وقرأ زيد بن علي - رضي الله عنهما - بحذف نون الرفع ، عطفه على " تمسَّكُم " ، والجملةُ على ما تقدَّم من الحاليةِ أو الاستئناف ، فتكون معترضةً ، وأتى بـ " ثمَّ " تنبيهاً على تباعد الرُّتْبَة . فصل معنى الآية : قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : " ولا تميلُوا " . والرُّكُونُ : هو المحبَّة والميل بالقلب . وقال أبو العاليةِ : لا ترضوا بأعمالهم . وقال السدي : لا تداهِنُوا الظَّلمة . وعن عكرمة : لا تطيعوهم وقيل لاتسكنوا إلى الذين ظلمُوا " فتَمسَّكُم " ، فتصيبكم " النَّارُ وما لَكُم من دُونِ الله من أولياءَ " أي : ليس لكم أولياء ولا أعوان يخلصونكم من عذاب الله ، ثُمَّ لا تجدُوا من ينصركُمْ . قوله تعالى : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } الآية . لمَّا أمره بالاستقامة أردفهُ بالأمر بالصَّلاة ، وذلك يدلُّ على أنَّ أعظم العبادات بعد الإيمان بالله هو الصلاة . قوله : { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } ظرفٌ لـ " أقِم " ويضعف أن يكون ظرفاً للصلاة ، كأنه قيل : أي أقم الصَّلاة الواقعة في هذين الوقتين ، والطرف ، وإن لم يكن ظرفاً ، ولكنَّه لمَّا أضيف الظَّرفِ أعرب بإعرابه ، وهو كقولك : أتيته أول النَّهار ، وآخرهُ ونصف الليلِ ، بنصب هذه كلها على الظرف لمَّّا أضيفت إليه ، وإن كانت ليست موضوعة للظَّرفية . وقرأ العامَّةُ " زُلَفاً " بضمِّ الزاي ، وفتح اللام ، وهي جمعُ " زُلْفة " بسكون اللام ، نحو : غُرَف في جمع غُرفة ، وظُلَم في جمع ظُلمه . وقرأ أبو جعفر ، وابنُ أبي إسحاق بضمها ، وفي هذه القراءةِ ثلاثةُ أوجه : أحدهما : أنَّهُ جمع " زُلْفَة " أيضاً ، والضَّمُّ للإتباع ، كما قالوا : بسْرة وبُسُر بضم السين إتباعاً لضمَّة الباء . الثاني : أنَّهُ اسمٌ مفرد على هذه الزِّنةِ كـ : عُنُق . الثالث : أنه جمعُ " زَلِيف " قال أبو البقاءِ : " وقد نُطِق به " ، يعنى أنَّهم قالوا زَليف ، و " فعيل " يجمعُ على " فُعُل " نحو : رَغِيف ورغف ، وقَضِيب وقضُب . وقرأ مجاهدٌ وابنُ محيصنٍ بإسكان اللاَّم وفيها وجهان : أحدهما : أنَّهُ يحتمل أن تكون هذه القراءةُ مخفَّفةً من ضمِّ العين فيكون فيها ما تقدَّم . والثاني : أنَّهُ سكونُ أصلٍ من باب اسم الجنس نحو : بُسْرة وبُسْر من غير إتباع . وقرأ مجاهد وابن محيصنٍ وأيضاً في رواية : " وزُلْفَى " بزنة : " حُبْلَى " جعلوها على صفةِ الواحدة المؤنثة اعتباراً بالمعنى ؛ لأنَّ المعنى على المنزلة الزُّلفى ، أو الساعة الزُّلْفَى ، أي : القريبة . وقد قيل : إنَّه يجوز أن يكون أبدلا التنوين ألفاً ثم أجريا الوصل مجرى الوقف فإنَّهُما يقرآن بسكون اللاَّم وهو محتملٌ . وقال الزمخشريُّ : والزُّلفى بمعنى الزُّلفة ، كما أنَّ القربى بمعنى القربة يعنى : أنه ممَّا تعاقب فيه تاءُ التَّأنيث وألفه . وفي انتصاب : " زُلَفاً " وجهان : أظهرهم : أنه نسقٌ على " طَرفي " فينتصب الظَّرف ، إذ المراد بها ساعات الليل القريبة . والثاني : أن ينتصب انتصابَ المفعول به نسقاً على الصَّلاة . قال الزمخشريُّ - بعد أن ذكر القراءات المتقدمة - : وهو ما يقرب من آخر النَّهار ومن الليل ، وقيل : زُلَفاً من الليل وقُرْباً من الليل ، وحقُّها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة ، أي : أقم الصلاة طرفي النَّهار ، وأقم زُلفاً من اللَّيل على معنى صلوات تتقرَّبُ بها إلى الله تعالى في بعض الليل . والزُّلفةُ : أول ساعات الليل ، قاله ثعلبُ . وقال الأخفشُ وابنُ قتيبة : " الزلف : ساعات الليل وآناؤه ، وكلُّ ساعة منه زلفة " فلم يخصصاه بأوَّلِ الليلِ ؛ وقال العجاج : [ الرجز ] @ 3039 - ناجٍ طواهُ الأيْنُ ممَّا وجَفَا طَيَّ اللَّيَالِي زُلَفاً فزُلفَا سماوةَ الهلالِ حَتَّى احقوْقَفَا @@ وأصلُ الكلمة من " الزُلْفَى " والقرب ، يقال : أزْلفهُ فازْدلفَ ، أي : قربَّهُ فاقتربَ قال تعالى : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } [ الشعراء : 64 ] وفي الحديث : " ازْدَلِفُوا إلى الله بركعتيْنِ " . وقال الرَّاغب : والزُّلفةُ : المَنْزِلَةُ والحُظْوة ، وقد استعملت الزُّلفة في معنى العذابِ كاستعمال البشارة ونحوها ، والمزالِفُ : المراقي : وسُمِّيت ليلة المزدلفة لقربهم من منى بعد الإفاضة . وقوله : " من اللَّيل " صفةٌ لـ " زُلَفاً " . فصل معنى " طَرَفَي النَّهارِ " أي : الغداة والعشي . قال مجاهدٌ - رحمه الله - : طرفا النهار الصبح ، والظهر ، والعصر " وزُلفاً من اللَّيْلِ " يعنى : صلاة المغرب والعشاء . وقال الحسنُ : طرفا النَّهارِ : الصبح ، والظهر والعصر " وزُلفاً من اللَّيل " المغرب والعشاء وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : طرفا النهار الغداوة والعشي ، يعني صلاة الصبح والمغرب . فصل قال ابن الخطيب - رحمه الله - : " الأشهر أنَّ الصلوات التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر ، وذلك لأنَّ أحد طرفي النهار طُلوعُ الشَّمس ، والطَّرف الثاني غروب الشمس . فالأول : هو صلاة الفجر . والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب ؛ لأنها داخلة تحت قوله : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْل } فوجب حملُ الطَّرف الثاني على صلاة العصر . وإذا تقرَّر هذا كانت الآية دليلاً على قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - في أنَّ التنوير بالفجرِ أفضل ، وفي أنَّ تأخير العصر أفضل ؛ لأنَّ ظاهر الآية يدلُّ على وجوب إقامة الصَّلاة في طرفي النهار ، وبينا أنَّ طرفي النهار هما الزمان الأول لطلوع الشمس ، والزَّمان الثَّاني لغروب الشمس ، وأجمعت الأمة على أنَّ إقامة الصَّلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروعة فقد تعذَّر العملُ بظاهر الآية ، فوجب حلمه على المجاز ، وهو أن يكون المرادُ : إقامة الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار ؛ لأنَّ ما يقرب من الشَّيءِ يجوزُ أن يطلقَ عليه اسمه ، وإذا كان كذلك فكل وقتٍ كان أقرب لطلوع الشمسِ ، وإلى غروبها كان أقربُ إلى ظاهر اللفظ ، وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطُّلوع من إقامتها عند التغليس ، وكذلك إقامة صلاة العصر عندما يصير ظل كل شيء مثليه ، أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عندما يصير ظلُّ كل شيءٍ مثله ، والمجازُ كلَّما كان أقرب إلى الحقيقة ، كان حملُ اللفظ عليه أولى . فصل قال أبو بكر الباقلاني - رضي الله عنه - : إنَّ الخوارجَ تمسَّكُوا بهذه الآية في إثبات أنَّ الواجب ليس إلاَّ الفجر والعشاء من وجهين : الأول : أنَّهُمَا واقعان على طرفي النهار ؛ فوجب أن يكون هذا القدر كافياً . فإن قيل : قوله { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْل } يوجب صلوات أخرى . قلت : لا نُسلِّمُ ، فإنَّ طرفي النهار موصوفان بكونهما زُلفاً من اللَّيْلِ ، فإن ما لا يكون نهاراً يكون ليلاً غاية ما في الباب أنَّ هذا يقتضي عطف الصفة على الموصوف ، وذلك كثير في القرآن والشعر . الوجه الثاني : أنه تعالى قال : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } وهذا يقتضي أنَّ من صلَّى طرفي النَّهار كان إقامتهما كفارة لكلّ ذنب ، فبتقدير أن يقال : إنَّ سائرَ الصلوات واجبة إلاَّ أنَّ إقامتها يجب أن تكون كفارة لترك سائر الصلوات ، وهذا القولُ باطلٌ بإجماع الأمَّةِ فلا يلتفتُ إليه . فصل قيل قي قوله تعالى : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } أنه يقتضي الأمر بإقامة الصلاة في ثلاث زلفٍ من الليل ؛ لأنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة ، والمغربُ والعشاءُ وقتان ؛ فيجب الحكمُ بوجوب الوتر . قوله : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } قال ابن عبَّاسٍ : إنَّ الصَّلوات الخمس كفارة لسائر الذُّنوب بشرط اجتناب الكبائر . وروي عن مجاهدٍ - رحمه الله - : " إنَّ الحسناتِ هي قول العبد : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . " وروي أنَّها نزلت في أبي اليسرِ ، قال : أتتني امرأة تبتاع تَمْراً ، فقلتُ لها إنَّ في بيتي تَمْراً أطيب من هذا ؛ فدخلت معي في البيت ، فأهويت إليها فقبَّلتُهَا ، فأتَيْتُ أبا بكر - رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين - فذكرتُ ذلك له فقال : اسْتُرْ على نفسك وتب ، فأتيتُ عمر - رضي الله عنه - فقال : اسْتُرْ على نفسك وتُب فلم أصْبِرْ ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك ، فقال : " أخلفت غازياً في سبيل الله في أهلهِ بمثلِ هذا ؟ " حتَّى تمنَّى أنَّهُ لمْ يكُنْ أسلم إلاَّ تلك السَّاعة حتَّى ظنَّ أنَّهُ من أهْلِ النَّارِ . فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أوحي إليه { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } الآية ، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألِهذا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : " بَلْ للنَّاسِ عامَّة " وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الصَّلواتُ الخمسُ ، والجمعةُ إلى الجمعةِ ، ورمضانُ إلى رمضانَ مُكَفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتُنِبت الكبائِرَ " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : " أرأيتُم لوْ أنَّ نهراً ببابِ أحدكمْ يغتَسِلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ ، هل يبْقَى من دَرَنِهِ شيءٌ " ؟ قالوا : لا ، قال : " فذلِكَ مثلُ الصَّلواتِ الخمسِ ، يَمْحُوا اللَّهُ بهنَّ الخطايا " . فصل احتجَّ من قال إنَّ المعصية لا تضرُّ مع الإيمان بهذه الآية ؛ لأنَّ الإيمان أشرفُ الحسنات ، وأجلها ، وأعظمها ، ودلَّت الآية على أنَّ الحسنات تذهبُ السيئات ، والإيمان يذهب الكفر الذي هو أعلى درجة في العصيان ؛ فلأن يذهب المعصية التي هي أقل درجة أولى ، فإن لم يفد إزالة العقاب بالكلية فلا أقلَّ من أن يفيد إزالة العقابِ الدَّائم المؤبَّدِ . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } أي : ذلك الذي ذكرناه ، وقيل : إشارة إلى القرآن " ذِكْرَى " موعظة ، " للذَّاكرِينَ " أي : لمن ذكره " واصْبِرْ " يا محمَّدُ على ما تلقى من الأذى . وقيل : على الصَّلاة ، نظيرهُ : قوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } في أعمالهم ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - " يعني المصلِّينَ " .