Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 121-123)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } . وهذا تهديدٌ ووعيدٌ ؛ لأنَّه تعالى لمَّا بالغ في الإعذار والإنذار والتَّرغيب والتَّرهيب ، أتبع ذلك بأن قال للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ولم تؤثر فيهم هذه البيانات البالغة : { ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ } وهذا عين ما حكاه عن شعيب - عليه السلام - أنه قال لقومه { وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } [ هود : 93 ] ، والمعنى : افعلوا كلَّ ما تقدرُون عليه في حقِّي من الشر ، فنحن أيضاً عاملون . وقوله : " اعملُوا " وإن كان صيغته صيغة أمر ، إلاَّ أنَّ المراد به التَّهديد ، كقوله : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [ الإسراء : 64 ] وكقوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] " وانتَظِرُوا " ما يعدكم الشيطان من الخذلان فـ " إنَّا مُنتَظِرُونَ " ما وعدنا الرَّحمن من أنواع الغفران والإحسان ، قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : " وانتَظِرُوا " الهلاك فـ " إنَّا مُنتَظِرُونَ " لكم العذاب وقيل : " انتظرُوا " ما يحلُّ بنا من رحمة الله " إنَّا مُنتظِرُونَ " ما يحل بكم من نقمته . ثم إنَّه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشَّريفة فقال : { وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ هود : 123 ] أي : علم ما غاب من العبادِ ، أي : أن علمه نافذ في جميع الكليات والجزئيات ، والمعدومات ، والموجودات { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّه } في المعاد . قرأ نافع وحفص " يُرجَع " بضم الياءِ وفتح الجيم ، أي : يرد . وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الجيم ، أي : يعودُ الأمرُ كلُّه إليه حتَّى لا يكون للخلق أمر { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وثق به { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } قرأ نافع وابن عامر وحفص " تَعْمَلُون " بالخطاب ، لأنَّ قبله " اعْمَلُوا " والباقون بالغيبة رجوعاً على قوله : { لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } وهذا الخلاف أيضاً في آخر النمل . قال كعبُ الأحبار : خاتمة التَّوارة خاتمة سورة هود . روى عكرمة عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله قد شبت ، فقال صلى الله عليه وسلم " شَيَّبتْنِي هُودٌ والواقعةُ ، والمرسلاتُ ، وعمَّ يتَساءَلُون ، وإذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ " ويروى : " شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها " ويروى : " شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها الحاقَّةُ ، والواقعةُ ، وعمَّ يتساءَلُون ، وهل أتاكَ حديث الغاشيةِ " . قال الحكيم : الفزع يورث الشَّيْب ، وذلك أنَّ الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسدِ ، وتحت كُلِّ شعره منبع ، ومنه يعرق ، فإذا انتشف الفزغُ رطوبته يبست المنابع ؛ فَيبس الشَّعر وابيض ، كما ترى الزَّرعَ بسقائه ، فإذا ذهب سقاءهُ يبس فابيض ، وإنَّما يبيضّ شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويُبْسِ جلده ، فالنفس تذهل بوعيد الله بالأهوال ؛ فتذبل وينشِّف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به ، ومنه تشِيب ؛ قال تعالى : { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [ المزمل : 17 ] وقال الأصمُّ : ما حلَّ بهم من عاجل أمر الله ، فأهلُ اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكهِ وسلطانهِ البطش بأعدائهِ ، فلو ماتُوا من الفزع لحق لهم ، ولكن الله - تبارك وتعالى - يلطف بهم في الأحيان حتَّى يقرؤوا كلامهُ ، وكذلك آخر آية في سورة هود ، فإنَّ تلاوة هذه السُّورة ما يكشف لقلوب العارفين سلطانهُ وبطشهُ ما تذهل منه النفوس ، وتشيب منه الرءوس . قال القرطبيُّ : وقيل : إنَّ الذي شَيَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم من سورة " هود " قوله تعالى : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] وقال عمرو بن أبي عمرو العبدي : قال يزيد بن أبان رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقرأت عليه سورة هود ، فلمَّا ختمتها قال لي " يا يزيدُ قرأت فأيْنَ البُكاء " واسند أبو محمد الدَّارمي في مسندهِ عن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقْرَؤُوا سُورة هود يوم الجمعة " والله أعلم .