Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-58)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } القصَّةُ : معطوفان على قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ هود : 25 ] في عطف مرفوع على مرفوع ومجرور ، كقولك : ضرب زيدٌ عمراً ، وبكرٌ خالداً وليس من باب ما فُصِل فيه بين حرفِ العطفِ والمعطوفِ بالجارِّ والمجرور نحو : " ضَرَبْتُ زيداً ، وفي السُّوق عَمْراً " فيجيءُ الخلافُ المشهورُ . وقيل : بل هو على إضمار فعلٍ ، أي : وأرْسَلْنَا هوداً ، وهذا أوفق لطولِ الفصلِ . و " هوداً " بدلٌ أو عطفُ بيان لأخيهم . وقرأ ابنُ محيصنٍ " يَا قَوْمُ " بضم الميم ، وهي لغةُ بعضهم يبنُون المضاف للياء على الضَّم كقوله تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم } [ الأنبياء : 112 ] بضمِّ الباء ، ولا يجوز أن يكون غير مضافٍ للياءِ كما سيأتي في موضعه إن شاء الله . وقوله : { مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } تقدَّم في الأعراف . فصل كان هود أخاهم في النسب لا في الدِّين ؛ لأنه كان من قبيلةِ عادٍ ، وهم قبيلةٌ من العربِ بناحية اليمنِ ، كما يقالُ للرَّجُلِ : يا أخا تميم ، ويا أخا سليمٍ ، والمرادُ رجلٌ منهم . فإن قيل : إنَّه تعالى قال في ابن نُوح { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] فبيَّن أنَّ قرابة النَّسبِ لا تفيدُ إذا لم تَحْصُلْ قرابةُ الدِّين ، وههنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدِّين ، فما الفرقُ بينهما ؟ . فالجوابُ : أنَّ المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّ قومهُ كانُوا يستبعدُون في محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع أنَّهُ واحدٌ من قبيلتهم أن يكون رسولاً إليهم من عند الله ، فذكر الله تعالى أنَّ هوداً كان واحداً من عاد ، وأنَّ صالحاً كان واحداً من ثمود ، لإزالة هذا الاستبعاد . { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [ الأعراف : 65 ] وحدُوا الله ، ولا تعبدُوا غيرهُ . فإن قيل : كيف دعاهم إلى عبادةِ الله قبل إقامةِ الدَّلالة على ثبوت الإله تعالى ؟ . فالجواب : أنَّ دلائل ثُبوتِ وجود الله تعالى ظاهرة ، وهي دلائلُ الآفاق والأنفس ، وقلَّما تُوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله ؛ ولذلك قال تبارك وتعالى في صفة الكفار : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ لقمان : 25 ] . ثم قال : " إنْ أنتُمْ " ما أنتم " إلاَّ مُفْتَرُونَ " كاذبُون في إشراككم . ثم قال : { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : على تبليغ الرسالة جُعْلاً { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } وهذا عينُ ما ذكره نوح - عليه الصلاة والسلام - . قرأ نافع ، والبزي بفتح ياء " فَطَرني " ، وأبو عمرو وقنبل بإسكانها . ومعنى " فَطَرني " خلقني ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أني مصيبٌ في المنع من عبادة الأوثان . ثم قال : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } آمنوا به ، والاستغفارُ - ههنا - بمعنى الإيمان . وقال الأصمُّ : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي : سلُوه أن يغفر لكم ما تقدَّم من شرككم ، ثم توبوا من بعده بالنَّدم على ما مضى ، وبالعزمِ على أن لا تعودوا إلى مثله ، فإذا فعلتُم ذلك فالله يكثرُ النّعْمَة عليكم . قوله : { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } نصب " مِدْرَاراً " على الحالِ ، ولم يُؤنِّثْهُ وإن كان من مُؤثَّث لثلاثةِ أوجهٍ : أحدها : أنَّ المراد بالسَّماء السحاب ، فذكَّر على المعنى . الثاني : أنَّ مفعالاً للمبالغةِ فيستوي فيه المذكَّر والمؤنث كـ : صَبُور ، وشكُور ، وفعيل . الثالث : أنَّ الهاءَ حذفت من " مِفْعَال " على طريقِ النَّسَب قاله مكيٌّ ، وقد تقدَّم إيضاحه في الأنعام . والمعنى : يُرسل عليكم المطر متتابعاً مرةً بعد أخرى في أوقات الحاجةِ . { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } أي : شدة مع شدَّتكم . وقيل : المراد بالقوَّة : المال وذلك أنَّ الله تعالى لمَّا بعث هوداً إليهم ، وكذَّبُوهُ حبس الله المطر عنهم ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم ، فقال لهم هودٌ : إنْ آمنتم بالله أحْيَا اللهُ بلادَكم ورزقكم المالَ ، والولدَ ، فذلك قوله تعالى : { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } والمِدْرَارُ : بالكسر الكثير الدرّ وهو من أبنية المبالغة . فإن قيل : إنَّ هوداً - عليه الصلاة والسلام - قال : لو اشتغلتم بعبادةِ الله لانفتحت عليكم أبوابُ الخيرات الدنيوية ، وليس الأمرُ كذلك لقوله - عليه الصلاة والسلام - " خُصَّ البلاءُ بالأنبياءِ ثُمَّ الأولياءِ ثُمَّ الأمثلِ ، فالأمْثل " فكيف الجمعُ بينهما ؟ وأيضاً فقد جرتْ عادةُ القرآنِ بالتَّرغيب في الطَّاعاتِ بسبب ترتيب الخيرات الدنيويَّة ، والأخرويَّةِ عليها ، فأمَّا التَّرغيبُ في الطَّاعَاتِ لأجل ترتيب الخيرات الدنيوية عليها ؛ فذلك لا يليقُ بالقرآن . فالجوابُ : لمَّا كثر التَّرغيب في سعاداتِ الآخرة لم يتغيَّر بالتَّرغيب أيضاً في خير الدنيا بقدرِ الكفايةِ . قوله : " إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ " يجوز أن يتعلق بـ " يَزِدْكُم " على التَّضمين ، أي : يُضيف إلى قُوَّتكم قُوَّةً أخرى ، أو يجعل الجار والمجرور صفة لـ " قُوَّة " فيتعلَّق بمحذوفٍ . وقدَّرهُ أبو البقاءِ : " مُضافةً إلى قُوَّتِكُم " ، وهذا يأباهُ النحاةُ ، لأنَّهُم لا يقدِّرُون إلاَّ الكون المطلق في مثله ، أو تجعل " إلى " بمعنى " مع " أي : مع قُوَّتكم ، كقوله : { إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] . ثم قال : { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } أي : ولا تدبروا مشركين مصرِّين على الكفر . { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } ببرهانٍ وحُجَّةٍ واضحةٍ على ما تقول . والباء في " بيِّنَةٍ " يجوزُ أن تكون للتَّعدية ؛ فتتعلَّق بالفعل قبلها أي ما أظهرت لنا بينةً قط . والثاني : أن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنها حالٌ ؛ إذ التقديرُ : مُسْتقراً أو مُلتبساً ببيِّنةٍ . قوله : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي : وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك ، فيكون " عَنْ قَوْلِكَ " حالٌ من الضمير في " تَارِكي " ويجُوزُ أن تكون " عَنْ " للتَّعْليل كهي في قوله تعالى : { إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] ، أي : إلاَّ لأجل موعدةٍ . والمعنى هنا : بتاركي آلهتنا لقولك ، فيتعلَّق بنفس " تاركي " . وقد أشَارَ إلى التعليل ابنُ عطية ، ولكنَّ المختار الأول ، ولم يذكُر الزمخشريُّ غيره . قوله : { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } بمصدِّقين . { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } الظَّاهر أن ما بعد " إلاَّ " مفعولٌ بالقول قبله ، إذ المرادُ : إن نقُولُ إلاَّ هذا اللفظ فالجملةُ محكيةٌ نحو قولك " ما قُلْتُ إلاَّ زيدٌ قائمٌ " . وقال أبُو البقاءِ : " الجملةُ مفسرةٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، التقدير : إن نقول إلاَّ قولاً هو اعتراكَ ، ويجُوزُ أن يكون موضعها نصباً ، أي : ما نذكر إلاَّ هذا القول " . وهذا غيرُ مرضٍ ؛ لأنَّ الحكاية بالقولِ معنى ظاهر لا يحتاج إلى تأويلٍ ، ولا إلى تضمين القولِ بالذِّكْرِ . وقال الزمخشريُّ : " اعْتراكَ " مفعول " نَقُول " و " إلاَّ " لغوٌ ، أي : ما نقُولُ إلاَّ قولنا " اعْتَرَاكَ " . انتهى . يعنى بقوله : " لغوٌ " أنَّهُ استثناءٌ مفرَّغ ، وتقديره بعد ذلك تفسيرُ معنى لا إعراب ، إذا ظاهرُهُ يقتضي أن تكون الجملةُ منصوبةً بمصدرٍ محذوفٍ ، ذلك المصدرُ منصوبٌ بـ " نَقُول " هذا الظَّاهرُ . ويقال : اعتراهُ يعتريه إذا أصابه ، وهو افتعل من عراه يَعْرُوه ، والأصلُ : اعترو مِنْ العَرْو ، مثل : اغتَزَو من الغَزْو ، فتحرَّك حرفُ العلَّة وانفتح ما قبله فقُلب ألفاً ، وهو يتعدَّى لاثنين ثانيهما بحرفِ الجرِّ . والمعنى : أنَّك شَتَمْتَ آلهتنا ، فجعلتكَ مجنوناً ، وأفسدت عقلك ، ثم قال لهم هودٌ : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ } على نفسي { وَٱشْهَدُوۤاْ } يا قومي { أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } من دُونهِ ، يعنى : الأوثان . قوله : { أَنِّي بَرِيۤءٌ } يجوزُ أن يكون من بابِ الإعمال ؛ لأنَّ " أشْهِدُ " يطلبه ، و " اشْهَدُوا " يطلبه أيضاً ، والتقديرُ : أشهدُ الله على أنِّي بريءٌ ، واشهدُوا أنتم عليه أيضاً ، ويكون من باب إعمال الثاني ؛ لأنَّهُ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، ولا غرو في تنازع المختلفين في التعدِّي واللزوم . و " مِمَّا تُشْرِكُونَ " يجوز أن تكون " ما " مصدريةً ، أي : من إشراككم آلهةٌ من دُونه ، أو بمعنى " الَّذي " ، أي : من الذين تشركونه من آلهةٍ من دونه ، أي : أنتم الذين تجعلُونها شركاء . وقوله : " جَمِيعاً " حالٌ من فاعل " فَكِيدُونِي " ، وأثبت سائرُ القرَّاء ياء " فَكِيدُونِي " في الحالين ، وحذفوها في المرسلات . وهذا نظيرُ ما قاله نوح - عليه الصلاة والسلام - لقومه : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } [ يونس : 71 ] إلى قوله : { وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] . وهذه معجزةٌ قاهرةٌ ؛ لأنَّ الرَّجُل الواحدَ إذا أقبل على القوم العظام ، وقال لهم : بالغُوا في عداوتي ، وفي إيذائي ، ولا تؤجلون فإنَّه لا يقُولُ هذا إلاَّ إذا كان واثقاً من الله بأنَّهُ يحفظه ، ويصونه عن كيد الأعداءِ ، وهذا هو المراد بقوله : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } أي : اعتمادي على الله ربِّي وربِّكُم . { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } قال الأزهريُّ : " النَّاصيةُ عند العربِ : مَنْبِتُ الشَّعر في مقدم الرأس ، ويسمَّى الشعر النَّابتُ هناك أيضاً ناصية باسم منبته " . ونصَوْتُ الرَّجلَ : أخذتُ بناصيته ، فلامُها واو ، ويقال : ناصَاة بقلبِ يائها ألفاً ، وفي الأخْذِ بالنَّاصية عبارةٌ عن الغلبة والتَّسلُّط وإن لم يكن آخذاً بناصيته ، ولذلك كانُوا إذا منُّوا على أسيرٍ جزُّوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره ، والعربُ إذا وصفُوا إنساناً بالذلة ، والخضوع قالوا : ما ناصية فلان إلاَّ بيد فلان ، أي : إنَّه مطيعٌ له . ومعنى " آخِذٌ بِنَاصيتها " قال الضحاكُ : " مُحْيِيهَا ومُمِيتها " . وقال الفرَّاء : " مالكها والقادر عليها " وقال القتيبيُّ : " بقهرها " . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يعني : وإن كان ربِّي قادراً عليهم فإنه لا يظلمهم ، ولا يعملُ إلا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وقيل : معناه دين ربِّي صراط مستقيم . وقيل : فيه إضمار ، أي : إن ربي يحثكم ويحملكم على صراط مستقيم . " فإن تولَّوْا " أي : تتولَّوا فحذف إحدى التَّاءين ، ولا يجُوزُ أن يكون ماضياً كقوله : " أبْلَغْتُكُم " ولا يجُوزُ أن يُدَّعى فيه الالتفات ، إذ هو ركاكةٌ في التَّركيب ، وقد جوَّز ذلك ابنُ عطية فقال : " ويُحْتَمل أن يكون " تَولَّوا " ماضياً ، ويجيءُ في الكلام رجوعٌ من غيبةٍ إلى خطابٍ " . قال شهابُ الدِّين : " ويجُوزُ أن يكون ماضياً لكن لمَدْرَكٍ آخر غير الالتفات : وهو أن يكون على إضمار القولِ ، أي : فقل لهم : قد أبْلَغْتُكم ، ويترجَّح كونه بقراءة عيسى الثقفي والأعرج " فإن تُولُّوا " بضمِّ التَّاءِ واللام ، مضارع " ولَّى " ، والأصل : تُوَلِّيُوا فأعِلّ . وقال الزمخشريُّ : " فإن قلت : الإبلاغ كان قبل التَّولِّي ، فكيف وقع جزاءً للشَّرْطِ ؟ . قلت : معناه ، وإن تتولَّوا لم أعاتِبْ على تفريط في الإبلاغ ، وكنتم محجوبين بأنَّ ما أرسلتُ به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلاَّ التَّكذيب " . قوله : " وَيَسْتَخْلِفُ " العامَّةُ على رفعه استئنافاً . وقال أبو البقاءِ : هو معطوفٌ على الجوابِ بالفاءِ . وقرأ عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - بتسكينه ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون سُكِّن تخفيفاً لتوالي الحركات . والثاني : أن يكون مجزوماً عطفاً على الجواب المقترن بالفاءِ ، إذ محلُّه الجزمُ وهو نظيرُ قوله : { فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ } [ الأعراف : 186 ] وقد تقدَّم تحقيقه ، إلاَّ أنَّ القراءتين ثمَّ في المتواتر . والمعنى : إن تتولوا أهلككم الله ، ويستبدلُ قوماً غيركم أطوع منكم يُوحِّدُونه ويعبدُونهُ . قوله : " ولا تَضُرُّونهُ " العامَّةُ : على النُّون ؛ لأنَّه مرفوعٌ على ما تقدم ، وابن مسعودٍ بحذفها ، وهذا يُعيِّن أن يكون سكونُ " يَسْتَخْلف " جزماً ولذلك لم يذكر الزمخشريُّ غيره ؛ لأنَّهُ ذكر جزم الفعلين ، ولمَّا لم يذكر أبو البقاءِ الجزم في " تَضُرُّونَهُ " جوَّز الوجهين في " يَسْتَخْلف " . و " شيئاً " مصدرٌ ، أي : شيئاً من الضَّرر . والمعنى : أنَّ إهلاككم لا ينقصُ من ملكه شيئاً ، لأنَّ وجودكم وعدمكم عنده سواء . وقيل : لا تضرونهُ شيئاً بتوليكم وإعراضكم ، إنما تضرُّون أنفسكم { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي : يحفظ أعمال العباد حتى يجازيهم عليها . وقيل : يحفظني من شركم ومكركم . وقيل : حفيظ من الهلاكِ إذا شاء ، ويهلك إذا شاء . قوله : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : عذابنا ، وهو ما نزل بهم من الريحِ العقيمِ ، عذَّبهم الله بها سبع ليال ، وثمانية أيَّام ، تدخلُ في مناخرهم وتخرجُ من أدْبَارهم وتصرعهم على الأرض على وجوههم حتى صارُوا { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] . { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } وكانُوا أربعة آلاف " بِرَحْمَةٍ مِنَّا " بنعمة مِنَّا . وقيل : المراد بالرحمة : ما هداهُم إليه من الإيمان . وقيل : المرادُ أنَّهُ لا ينجو أحد ، وإن اجتهد في الإيمان والعمل الصالح إلاَّ برحمةٍ من الله تعالى . ثم قال : { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } فالمرادُ بالنَّجاةِ الأولى : هي النَّجَاةُ من عذاب الدُّنيا ، والنَّجاةُ الثانية من عذاب القيامةِ . والمرادُ بقوله : " ونَجَّيْنَاهُم " أي : حكمنا بأنَّهُم لا يستحقون ذلك العذاب الغليظ .