Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 61-68)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } القصة . الكلامُ على أوَّلها كالذي قبلها . والعامَّةُ على منع " ثمُود " الصَّرْف هنا لعلَّتين : وهما العلمية والتَّأنيث ، ذهبُوا به مذهب القبيلة ، والأعمش ويحيى بن وثاب صَرَفاه ، ذهبا به مذهب الحي ، وسيأتي بيان الخلافِ إن شاءَ الله تعالى . قوله : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } يجُوزُ أن تكون " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ ، أي ابتداء إنشائكم منها إمَّا إنشاءُ أصلكم ، وهو آدم - صلوات الله وسلامه عليه - . قال ابنُ الخطيب : " وفيه وجهٌ آخر وهو أقربُ منه ؛ وذلك لأنَّ الإنسان مخلوقٌ من المنيّ ومن دم الطمث ، والمنيُّ إنما تولد من الدَّم ، فالإنسان مخلوق من الدَّم ، والدَّم إنما تولد من الأغذية ، والأغذيةُ إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانات حالها كحال الإنسان ؛ فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات أنما تولد من الأرض ؛ فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض " . أو لأن كل واحد خلق من تربته ؛ أو لأن غذائهم وسبب حياتهم من الأرض . وقيل : " من " بمعنى " في " ولا حاجة إليه . قوله : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي جعلكم عمَّارها وسكانها . قال الضحاكُ : " أطَالَ أعماركم فيها " . وقال مجاهدٌ : أعمركم من العمرى . أي جعلها لكم ما عِشْتُمْ . وقال قتادةُ - رضي الله عنه - : " اسكنكم فيها " . قال ابنُ العربي : " قال بعضُ علمائنا : الاستعمارُ : طلبُ العمارة ، والطلب المعلق من الله - تعالى - على الوجوب ، قال القاضي أبو بكرٍ : تأتي كلمة استفعل في لسانِ العربِ على معانٍ منها : استفعل بمعنى : طلبُ الفعل كقوله : اسْتَحْمَلْتُه أي : طلبت من حملاناً ، وبمعنى اعتقد ؛ كقوله : استسهلت هذا الأمر اعتقدته سهلاً ، أو وجدتُه سهلاً ، واستعظمتهُ أي : وجدته عظيماً ، وبمعنى أصبت كقوله : استجدته أي : أصبته جيداً ، وبمعنى " فَعَلَ " ؛ كقوله : قرَّ في المكانِ ، واستقر ، قالوا وقوله : [ { يَسْتَهْزِءُونَ } [ الأنعام : 5 ] و { يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] منه ، فقوله تعالى : { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : خلقكم لعمارتها ، لا على معنى : استجدته واستسهلته ، أي : أصبته جيداً ، وسهلاً ، وهذا يستحيل ] في حقِّ الخالق ، فيرجع إلى أنَّه خلق لأنه الفائدة ؛ وقد يعبّر عن الشيء بفائدته مجازاً ، ولا يصحّ أن يقال إنه طلبٌ من الله لعمارتها ، فإن هذا لا يجوز في حقه " ويصحُّ أن يقال : استدعى عمارتها ، وفي الآية دليل على الإسكان والعُمْرَى . ثم قال : { فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } وقد تقدَّم تفسيره . { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي : أقربُ بالعلم والسمعِ " مجيب " دعاء المحتاجين بفضله ، ورحمته . ولمَّا قرَّر صالح هذه الدلائل { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } أي : كُنَّا نَرْجُو أن تكون سيّداً فينا . وقيل : كُنَّا نَرْجُو أن تعُود إلى ديننا ، وذلك أنَّهُ كان رجلاً قوي الخاطر وكان من قبيلتهم ، فقوي رجاؤهُم في أن ينصر دينهم ، ويقرِّرُ طريقتهم ، فلمَّا دعاهم إلى الله وترك الأصنام زعموا أنَّ رجاءهم انقطع منه فقالوا : { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } من الآلهة ، فتمسَّكُوا بطريق التقليد . ونظير تعجُّبهم هذا ما حكاهُ الله - تعالى - عن كفَّار مكَّة في قولهم : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] . قوله : { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ } مما تدعونا إليه مريب هذا هو الأصل ، ويجوز " وإنَّا " بنونٍ واحدةٍ مشدَّدة كما في السورة الأخرى [ إبراهيم : 9 ] . وينبغي أن يكون المحذوفُ النُّونَ الثَّانية من " إنَّ " ؛ لأنَّه قد عُهد حذفها دون اجتماعها مع " نا " ، فحذفها مع " نا " أولى ، وأيضاً فإنَّ حذف بعض الأسماءِ ليس بسهلٍ وقال الفرَّاءُ : " مَنْ قال " إنَّنَا " أخرج الحرف على أصله ؛ لأنَّ كتابة المتكلمين " نَا " فاجتمع ثلاثُ نونات ، ومن قال : " إنا " استثقل اجتماعها ؛ فأسقط الثالثة ، وأبقى الأوليين " انتهى . وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك . قوله : " مُرِيبٍ " اسم فاعل من " أرَاب " يجوز أن يكون متعدِّياً من " أرابهُ " ، أي : أوقعه في الرِّيبة ، أو قاصراً من " أرابَ الرَّجلُ " أي : صار ذا ريبة . ووصف الشَّكُّ بكونه مُريباً بالمعنيين المتقدمين مجازاً . والشَّك : أن يبقى الإنسان متوقفاً بين النَّفْي والإثبات ، والمُريب : هو الذي يظن به السوء والمعنى : أنَّهُ لَمْ يترجَّحْ في اعتقادهم فساد قوله وهذا مبالغةٌ في تزييف كلامهِ . قوله : { أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً } تقدَّم نظيره [ يونس : 50 ] ، والمفعول الثَّاني هنا محذوف تقديره : أأعْصيه ويدل عليه " إنْ عَصَيْتُه " . وقال ابنُ عطيَّة : هي مِنْ رؤيةِ القَلْبِ ، والشَّرطُ الذي بعده وجوابه يَسُدُّ مسدَّ مفعولين لـ " أرَأيْتُم " . قال أبُو حيَّان : " والذي تقرَّر أنَّ " أرَأيْتَ " ضُمِّن معنى " أخْبِرْنِي " ، وعلى تقدير أن لا يُضَمَّن ، فجملةُ الشَّرط والجواب لا تسدُّ مسدَّ مفعولي " عَلِمْتُ " وأخواتها " . قوله : { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } ورد بحرف الشَّك ، وكان على يقين تام في أمره إلاَّ أنَّ خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبُولِ ؛ فكأنه قال : قدِّرُوا أنِّي على بيِّنةٍ من ربِّي وأنِّي نبيٌّ على الحقيقةِ ، وانظُرُوا إن تابعتكم ، وعصيتُ أمر ربِّي ، فمن يمنعني من عذابِ الله فما تزيدُونَنِي على هذا التقدير غير تَخْسِير . قوله : " غَيْرَ تَخْسِير " الظاهرُ أنَّ " غَيْرَ " مفعولٌ ثانٍ لـ " تَزِيدُونَنِي " . قال أبُو البقاءِ : " الأقْوَى هنا أن تكُون " غير " استثناءً في المعنى ، وهو مفعولٌ ثانٍ لـ " تَزِيدُونَنِي " ، أي : فمَا تَزِيدُونَنِي إلاَّ تَخْسِيراً . ويجوز أن تكون " غير " صفةً لمفعولٍ محذوفٍ ، أي شيئاً غير تخسير ، وهو جيد في المعنى . ومعنى التَّفْعِيل هنا النسبةُ ، والمعنى : غير أن أخسركُم ، أي : أنسبكم إلى التَّخْسير ، قال الزمخشريُّ . قال الحسنُ بن الفضلِ : لم يكنْ صالح في خسارةٍ حتى قال : { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } وإنَّما المعنى : فما تَزِيدُونَنِي بما تقُولُون إلا نسبتي إيَّاكم إلى الخسارةِ . والتفسيقُ والتَّفْجِيرُ في اللغة : النسبة إلى الفِسْقِ والفُجُور ، فكذلك التَّخْسيرُ هو النسبة إلى الخُسرانِ . وقيل : هو على حذفِ مضافٍ ، أي : غير بضارِّه تخسيركم ، قالهُ ابن عبَّاسٍ . قوله تعالى : { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } الآية . " لَكُمْ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " آيةً " ؛ لأنَّهُ لو تأخَّرَ لكان نَعْتاً لها ، فلمَّا قُدِّم انتصب حالاً . قال الزَّمخشريُّ : فإن قلت : بِمَ تتعلَّقُ " لَكُمْ " ؟ قلتُ : بـ " آيَةٌ " حالاً منها متقدمة ، لأنَّها لو تأخَّرت لكانت صفة لها ، فلما تقدَّمت انتصبت على الحالِ . قال أبُو حيَّان : وهذا متناقضٌ لأنَّهُ من حيثُ تعلق " لكُم " بـ " آية " كان معمولاً لـ " آية " وإذا كان معمولاً لها امتنع أن يكون حالاً منها ، لأنَّ الحال تتعلَّقُ بمحذوفٍ . قال شهابُ الدِّين - رحمه الله - : ومثلُ هذا كيف يعترض به على مثلِ الزمخشري بعد إيضاحه المعنى المقصود بأنه التعلُّقُ المعنويُّ ؟ . و " آيةً " نصب على الحالِ بمعنى علامة ، والنَّاصبُ لها : إمَّا " ها " التَّنبيه ، أو اسمُ الإشارة ، لما تضمَّناهُ من معنى الفعل ، أو فعلٍ محذوف . فصل اعلم أنَّ العادة فيمن يدَّعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام لا بُدَّ وأن يطلبوا منه معجزة ، فطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من صخرةٍ معينةٍ ، فدعا صالحٌ ؛ فخرجت ناقة عشراء ، وولدت في الحال ولداً مثلها . وهذه معجزة عظيمة من وجوه : الأول : خلقُهَا من الصَّخْرة . وثانيها : خَلْقُها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل . وثالثها : خلقها على تلك الصُّورة دفعة واحدة من غير ولادة . ورابعها : أنَّهُ كان لها شرب يوم . وخامسها : أنه كان يحصلُ منها لبنٌ كثير يكفي الخلق العظيم . ثم قال : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } من العشب ، والنبات ، فليس عليكم مؤنتها . وقرىء " تأكلُ " بالرفع : إمَّا على الاستئناف ، وإمَّا على الحالِ . { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } ، ولا تصيبوها بعقر " فيَأخُذَكُمْ " إن قتلتموها " عذابٌ قريبٌ " يريد اليوم الثالث . { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ } لهُم صالح : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ } أي : في دياركم ، فالمراد بالدَّار : البلد ، وتُسَمَّى البلاد بالدِّيار ، لأنَّه يدار فيها ، أي : يتصرف ، يقال : ديار بكر أي : بلادهم . وقيل : المراد بالدِّيار : دار الدُّنيا ، وقيل : هو جمع " دارة " كساحة وساحٍ وسُوحٍ ، وأنشد ابنُ أبي الصَّلْت : [ الوافر ] @ 2980 - لَهُ دَاعٍ بِمَكَّة مُشْمَعِلٌّ وآخَرُ فوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي @@ فصل قال القرطبيُّ : " استدلَّ العلماءُ بتأخير الله العذاب عن قوم صالح ثلاثة أيام على أنَّ المسافر إذا لمْ يُجمع على إقامة أربع ليالٍ قصر ؛ لأنَّ الثلاثة أيام خارجة عن حكم الإقامة " . والتَّمتع : التَّلذُّذ بالمنافع والملاذ . { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ، [ أي : غير كذب ] . قوله : " مَكْذُوب " يجُوزُ أن يكون مصدراً على زنة مفعولٍ ، وقد جاء منه أليفاظ نحو : المَجْلود والمعقُول والمَيْسُور والمَفْتُون ، ويجوزُ أن يكون اسم مفعولٍ على بابه ، وفيه حينئذٍ تأويلان : أحدهما : غير مكذوبٍ فيه ، ثم حذف حرف الجر فاتَّصل الضَّمير مرفُوعاً مستتراً في الصِّفة ومثله " يَوْمٌ مَشْهُودٌ " وقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2981 - ويَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وعَامِراً قَلِيلٌ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نوافِلُه @@ والثاني : أنه جُعِل هو نفسُه غير مكذوب ؛ لأنَّه قد وُفي به ، فقد صُدِّق . فصل قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " لمَّا أمهلهم ثلاثة أيَّام ، قالوا وما علامةُ ذلك ؟ قال : تصبحوا في اليوم الأوَّلِ وجوهكم مصفرة ، وفي اليوم الثاني مُحْمَرة وفي اليوم الثالث مسودة ، ثم يأتيكم العذابُ في اليوم الرَّابع فكان كما قال " . فإن قيل : كيف يُعقل أن تظهر هذه العلامات مطابقة لقول صالحٍ ، ثم يبقون مصرين على الكفر ؟ فالجواب : ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حدِّ اليقينِ لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينيَّة قطعيَّة ، فقد انتهى الأمرُ إلى حدِّ الإلجاء ، والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول . قوله { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : عذابنا ، وتقدَّم الكلامُ على مثله . قوله : { ومِنْ خِزْيِ } متعلِّقٌ بمحذوفٍ ، أي : ونجَّيْنَاهم من خزي . وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : علام عطف ؟ قلت : على " نَجَّيْنَا " ؛ لأنَّ تقديره : ونجَّيناهم من خزي يومئذٍ كما قال : { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ هود : 58 ] أي : وكانت التنجيةُ من خزي . وقال غيرهُ : " إنَّه متعلقٌ بـ " نَجَّيْنَا " الأول " . وهذا لا يجُوزُ عند البصريين غير الأخفش ؛ لأنَّ زيادة الواو غيرُ ثابتة . وقرأ نافعٌ والكسائيُّ بفتح ميم " يومئذٍ " على أنَّها حركةُ بناءٍ لإضافته إلى غير متمكن ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 2982 - عَلَى حينَ عَاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبَا فقُلْتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيبُ وَازعُ @@ وقرأ الباقون : بخفض الميم . فمن قرأ بالفتح فعلى أنَّ " يَوْم " مضاف إلى " إذْ " ، و " إذْ " مبني ، والمضاف إلى المبني يجوزُ جعله مبنياً ، ألا ترى أنَّ المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف فكذا ههنا ، وأمَّا الكسرُ : فالسَّبب فيه أنَّهُ يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر ، تقولُ : " جئتك إذ الشَّمس طالعة " ، فلمَّا قطع عنه المضاف إليه نون ليدل التنوين على ذلك ثمَّ كسرت الذَّال لسكونها وسكون التنوين . وأما قراءةُ الكسر فعلى إضافة " الخِزْيِ " إلى " اليوم " ، ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيّاً لأنَّ إضافته غير لازمة . وكذلك الخلافُ جارٍ في { سَأَلَ سَآئِلٌ } [ المعارج : 11 ] . وقرأ طلحة وأبانُ بن تغلب بتنوين " خِزْي " و " يَوْمَئِذ " نصب على الظَّرف بـ " الخِزْي " ، وقرأ الكوفيون ونافع في النَّمل { مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ } [ الآية : 89 ] بالفتح أيضاً ، والكوفيون وحدهم بتنوين " فَزَعٍ " ونصب " يَومئذ " به . ويحتملُ في قراءة من نوَّن ما قبل " يومئذ " أن تكون الفتحةُ فتحة إعرابٍ ، أو فتحة بناء ، و " إذْ " مضافةٌ لجملة محذوفة عُوِّض عنها التَّنوينُ تقديره : إذ جاء أمرنا . وقال الزمخشريُّ : ويجوزُ أن يراد يومُ القيامة ، كما فُسِّرَ العذاب الغليظ بعذاب الآخرة . قال أبُو حيان : وهذا ليس بجيِّدٍ ؛ لأنه لم يتقدَّم ذكرُ يومِ القيامة ، ولا ما يكونُ فيها ، فيكون هذا التَّنوين عوضاً عن الجملةِ التي تكون يومَ القيامةِ . قال شهابُ الدِّينِ - رحمه الله - : قد تكونُ الدَّلالةُ لفظيةً ، وقد تكون معنويةً ، وهذه من المعنوية . والخِزْي : الذّل العظيم حتى يبلغ حدَّ الفضيحة كما قال الله تعالى في المحاربين : { ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا } [ المائدة : 33 ] . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هو القوي العزيز } وإنَّما حسن ذلك ، لأنَّه تعالى بيَّن أنه أوصل العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه ، وهذا لا يصحُّ إلاَّ من القادر الذي يقدر على قَهْرِ طبائع الأشياءِ ، فيجعل الشَّيء الواحد بالنِّسبة إلى إنسان بلاء وعذاباً ، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحاناً . قوله : { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ } : حُذِفت تاءُ التَّأنيث : إمَّا لكونِ المؤنث مجازياً ، أو للفصلِ بالمفعولِ أو لأنَّ الصَّيحة بمعنى الصياح ، والصَّيْحةُ : فعله يدل على المرَّة من الصِّياح ، وهي الصوتُ الشديدُ : صاح يصيح صِيَاحاً ، أي : صوَّت بقوة . قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - : المُرادُ الصَّاعقة . وقيل : صيحة عظيمة هائلةٌ سمعوها فهلكوا جميعاً فأصبحوا جاثمين في دورهم . وجثومهم : سقوطهم على وجوههم . وقيل : الجثومُ : السُّكون ، يقالُ للطَّيْرِ إذا باتَتْ في أوكارها إنها جثمت ، ثم إنَّ العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموات . فإن قيل : ما السَّببُ في كون الصَّيْحةِ موجبة للموت ؟ . فالجوابُ من وجوه : أحدها : أنَّ الصَّيحة العظيمة إنما تحدثُ عن سببٍ قوي يوجب تموج الهواء ، وذلك التموج الشديد ربما يتعدَّى إلى صمخ الإنسان فيُمزق غشاء الدِّماغِ فيورثُ الموت . وثانيها : أنَّه شيء مهيب فتحدث الهيبة العظيمة عند حدوثها والأعراض النَّفسانية إذا قويت أوجبت الموت . وثالثها : أنَّ الصَّيحة العظيمة إذا حدثت من السحاب فلا بد وأن يصحبها برقٌ شديدٌ محرق ، وذلك هو الصَّاعقة التي ذكرها ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - . ثم قال تعالى : { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } كأنَّهُم لم يُوجدوا . والمغنى المقام الذي يقيمُ الحي فيه يقال : غني الرَّجُلُ بمكان كذا إذا أقام به . قوله : { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ } قرأ حمزة وحفص هنا { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ } ، وفي الفرقان : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } [ الآية : 38 ] وفي العنكبوت : { وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } [ الآية : 37 ] ، وفي النجم : { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } [ الآية : 51 ] جميعُ ذلك بمنع الصرف ، وافقهم أبو بكر على الذي في النَّجْم . وقوله : { أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } منعه القراء الصرفَ إلاَّ الكسائيَّ فإنَّهُ صرفه ، وقد تقدَّم أنَّ من منع الصرف جعله اسماً للقبيلةِ ، ومن صرف جعله اسماً للحيِّ ، أو إلى الأبِ الأكبرِ ؛ وأنشد على المنع : [ الوافر ] @ 2983 - ونَادَى صالحٌ يَا ربِّ أنْزِلْ بآلِ ثمُودَ مِنْكَ غداً عَذَابَا @@ وأنشد على الصَّرف قوله : [ الطويل ] @ 2984 - دَعَتْ أمُّ عَمْرٍو أمْرَ شرٍّ عَلِمْتُهُ بأرْضِ ثمُودٍ كُلِّهَا فأجَابَهَا @@ وقد تقدَّم الكلامُ على اشتقاق هذه اللفظة في سورةِ الأعراف .