Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-61)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ } الآية : ورُوِيَ أنَّ يوسف عليه السلام لا يشبعُ من طعامٍ في تلك الأيَّام ؛ فقيل له : أتجوعُ وبيدِكَ خزائِنُ الأرض ؟ فقال : أخافُ إن شبعتُ نسيت الجياع ، وأمر يوسفُ طبَّاخِي الملك أن يَجْعلُوا غذاءه نصف النهار ؛ وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجُوعِ ، ولا يَنْسَى الجَائعِينَ ، من ثمَّ جعل الملوكُ غذاءهم نصف النَّهار . وعمَّ القَحْطُ البلاد حتَّى أصاب أرض كنعان وبلاد الشام . ونزل بيعقوب ما نزل بالنَّاس ؛ فأرسل بنيه إلى مصر ؛ للميرة ، وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه ، فذلك قوله تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } وكانوا عشرة ، وكان منزلهم بالقُرياتِ من أرض فلسطين بغور الشام ، وكانوا أهل باديةٍ ، وإبل ، وشاء ، فقال لهم يعقوب : بلغنِي أنَّ بمصرَ مَلِكاً صالِحاً يبيعُ الطعامَ فتجهَّزوا ، واذهبُوا ؛ لتَشْتَروا منه الطعام ، فقدموا على مصر ، فدخلوا على يوسف ، فعرفهم يوسفُ . قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما ـ ، ومجاهدٌ : عرفهم بأول ما نظر إليهم ، وهم ما عرفوه ألبتة . وقال الحسنُ : لَمْ يعْرِفهُمْ حتَّى تعرَّفُوا إليه . وكان كلُّ من وصل إلى بابه من البلادِ ، وتفَحَّصَ عنهُم ، وتعرَّف أحوالهم ؛ ليعرف هل هُمْ إخوتهُ أمْ لاَ ، فلما وصل إخوة يوسف إلى باب داره تفحص عن أحوالهم فظهر له أنهم إخوته ، وأما كونهم ما عرفوه ؛ فلأنه صلوات الله وسلامه عليه أمر حُجَّابهُ بأنْ يُوقِفُوهم على البعد وما كان يتكلم معه إلاَّ بالواسطة أيضاً ، فمهابة الملكِ ، وشدةُ الحاجةِ ، توجِبُ كثرة الخوفِ . وأيضاً : إنما رأوهُ بعد وُفُورِ اللَّحيةِ ، وتغير الزيِّ والهيئةِ ؛ لأنَّهم رأوه جالساً على سريرٍ ، وعليه ثيابُ الحرير ، وفي عُنقِهِ طوقٌ من ذهبٍ ، وعلى رأسه تاجٌ من ذهبٍ ، وأيضاً نسوا واقعة يُوسفَ ؛ لطول المُدَّة ، ويقال : إنَّ من وقْتِ ما ألقوهُ في الجُبِّ إلى هذا الوقت أربعين سنةً ، وكلُّ واحدٍ من هذه الأسباب يَمْنَعُ حصول المعرفةِ لا سيّما عند اجتماعها . قوله : { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } العامة على فتح الجيم وقرىء بكسرها ، وهما لغتان ، فيما يحتاجه الإنسان من زادٍ ومتاعٍ . منه : جِهَاز العرُوس ، وجِهازُ الميت . قال الليثُ رحمه الله ـ : جَهَّزْتُ القَوْمَ تَجْهِيزاً : إذا تكلَّفت لهُمْ جِهَازهُمْ للسَّفرِ ، وقال : وسمعت أهل البصرة يقولون : الجِهازُ بالكسر . قال الأزهريُّ : " القراءُ كلُّهم على فتح الجيم ، والكسر لغةٌ ليست بجيدةٍ " . فصل قال المفسرون : حمل لكُلِّ واحدٍ منهم بعيراً ، أكرمهم بالنزُولِ وأعطاهم ما احتاجوا إليه ؛ فذلك قوله تعالى : { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } ولم يقل بأخيكم بالإضافة ؛ مبالغة في عدم تعرفه بهم . ولذلك فرَّقوا بين مررت بغلامك ، وبغلام لك . فإنَّ الأول يقتضي عرفانك بالغُلامِ ، وأنَّ بينك وبين مُخَاطِبك نوعُ عهدٍ . والثاني لا يَقْتَضِي ذلك ، وقد تخبرُ عن المعرفةِ إخبار النكرةِ ، فتقول : قال رجلٌ كذا ، وأنت تعرفه ؛ لصدقِ إطلاقِ النكرةِ على المعرفةِ . واعلم أنَّهُ لا بُدَّ من كلامٍ سابقٍ يكون سبباً لعرفان يوسف صلوات الله وسلامه عليه [ وطلبه لـ ] أخيهم ، وذكروا فيه وجوهاً : الأول وهو أحسنها ـ : أنَّ عادة يوسف عليه الصلاة والسلام مع الكلِّ أن يعطي كل واحدٍ حمل بعيرٍ ، وكان إخوته عشرةً ؛ فأعطاهم عشرة أحمال ؛ فقالوا : إنَّ لنا أباً شيخاً كبيراً ، وأخاً آخر بقي معه ، وذكروا أنَّ أباهم لاجل كبر سنِّه ، وشدَّة حزنه لم يحضرْ ، وأنَّ أخاهم بقي في خدمةِ أبيه ، فلما ذكروا ذلك قال يوسف : هذا يدلُّ على أنَّ حبَّ أبيكم له أزيدُ من حُبَّه لكم ، وهذا شيءٌ عجيبٌّ ! لأنكم مع جمالكم ، وعقلكم ، وأدبكم ، إذا كانت محبةُ أبيكم لذلك الأخ أكثر من محبته لكم ، دل هذا على أن ذلك أعجوبةٌ في العقلِ ، والفضلِ ، والأدبِ ، فائتُونِي به حتى أراهُ . الثاني : لعلَّهم لما ذكروا أباهم ، قال يوسف : فَلِمَ تركتموه وحيداً فريداً ؟ . قالوا ما تركناه وحيداً بل بقي عنده واحد ، فقال لهم : ولِمَ استخلصه لنفسه ؟ لأجلِ نقصِ في جسده ؟ فقالوا : لا بل لأجلِ أنه يُحبُّه أكثر من محبته لسائرِ الأولادِ ، فقال : لما ذكرتم أن أباكم رجلٌ عالمٌ حكيمٌ ، ثم إنه خصَّه بمزيدِ المحبةِ ، وجب أن يكون زائداً عليكم في الفضلِ ، والكمالِ مع أنِّي أراكم فضلاء علماء حكماء ؛ فاشتاقت نفسي إلى رؤية ذلك الأخ ؛ فائتُونِي بهِ . الثالث : قال المفسرون : ولما دخَلُوا عليه وكلَّمُوه بالعِبرانيَّةِ ، قال لهم : مَنْ أنتُمْ ؟ وما أمركم ؟ فإني أنكرتُ شأنكم ؟ . قالوا : قومٌ من أرضِ الشام رعاة ، أصابنا الجَهْد ؛ فجِئْنَا نَمْتَارُ ، فقال : لعلكم جِئتُم عُيُونا تنظرون عَوْرَة بلادِي ، قالوا : معَاذ اللهِ ! ما نحن بجَواسِيسَ ؛ إنما نحنُ إخوةٌ بنو أبٍ واحدٍ ، وهو شيخٌ صدِّيقٌ يقال له يعقوب نَبِيٌّ من أنبياء الله تعالى ـ . قال : كم أنتم ؟ قالوا : كُنَّا اثني عشر ، هلك مِنَّا واحدٌ ، وبقي واحدٌ مع الأب ؛ يتسلَّى به عن ذلك الولدِ الذي هلك ، ونحن عشرةٌ . قال : فمن يعلم أنَّ الذي تقولونه حق ؟ . قالوا : أيُّها الملك : إننَّا ببلادٍ لا يعرفنا فيها أحدٌ . قال : فدعوا بعضكم عندي ؛ رهينةً ، وائْتُونِي بأخٍ لكم ، ليبلغ لكم رسالة أبيكم إن كنتم صادقين . فعند هذا أقرعوا بينهم ؛ فأصبت القرعُة شمعون ، وكان أحسنهم رأياً في يُوسُفَ ، فخلفوه عنده . ثم إنه تعالى حَكَى عنه أنَّهُ قال : { ألا ترون إني أوفي الكيل } ، أي : أوَفِّيه ، ولا أبخسُه ، وأزيدكم حمل بعيرٍ ؛ لأجل أخيكم . { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } أي : خَيْرُ المضيفين ؛ لأنه أحسن إنزالهم ، وأحسن ضيافتهم . قال ابنُ الخطيب رحمه الله ـ : وهذا الكلامُ يُضعِّفُ ما نُقِل عن المفسرين بأنَّه اتَّهَمَهُم ، ونسبهُم إلى أنَّهم جواسِيسَ ، ولم يشافههم بذلك الكلام فلا يليقُ به أن يقول لهم : { ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين } ، وأيضاً : بعيدٌ من يوسف مع كونه صديقاً أن يقول لهم : أنتم جواسيسُ وعيون ، مع أنه يعرف براءتهم عن هذه التُّهمةِ ؛ لأن البُهْتَان لا يليق بحال الصديق . ثم قال : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي } ، أي : ليس لكم عندي طعام أكيله لكم ، { وَلاَ تَقْرَبُونِ } أي : لا تقربوا داري وبلادي ، وكانوا في نهاية الحاجةِ إلى الطعام ، وما يمكنهم تحصيله إلاَّ من عنده ، فإذا منعهم من الحضورِ ، كان ذلك نهاية التَّخويف . قوله : { وَلاَ تَقْرَبُونِ } يتحمل أن تكون " لا " ناهية ؛ فيكون { تَقْرَبُونِ } مجزوماً ، ويحتمل أن تكون لا النافية ، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون داخلاً في حيز الجزاءِ معطوفاً عليه ، فيكون أيضاً مجزوماً على ما تقدم . والثاني : أنه نفي مستقل معطوفٍ على جزاءِ الشرطِ ، وهو خبرٌ في معنى النَّهي ؛ كقوله : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [ البقرة : 192 ] . فصل لما سَمِعُوا هذا الكلام من يوسف صلوات الله وسلامه عليه { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } ، أي : نطلبه ، ونجتهد في أن يرسله معنا ، { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } ما أمَرْتنَا به ، والغرض من التَّكريرِ ؛ التأكيد . وقيل : " وإنا لفاعلون " أيْْ : كل ما في وسعنا من هذا الباب .