Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 62-64)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لِفِتْيَانِهِ } قرأ الأخوان ، وحفص : " لِفِتْيَانهِ " ، والباقون : " لِفِتْيَتهِ " قال أبو عليِّ الفارسيُّ رحمه الله ـ : " والفِتْيَان جمعُ كثرة ، والفِتْيَةُ : جمعُ قلَّةٍ ، فالتكثير بالنسبة إلى المأمُورينَ ، والقلةُ بالنسبة إلى المُتنَاولينَ ، وفتًى : يجمعُ على فِتيَانٍ ، وفِتْيَة ، وقد تقدَّم هل فِعْلة في الجموع اسم جمعٍ ، أو جمعُ تكسير ، ومثله " أخ " ؛ فإنه جمع على أخوةٍ وإخوان ؛ وهما لغتان ؛ مثل الصِّبيان والصِّبْيَة " . فصل اتفق الأكثرون على أنه عليه الصلاة والسلام أمر بوضعِ تلك البضاعة وهي ثمنُ طعامهم ، في رحالهم بحيثُ لا يعرفون ذلك . وقيل : إنَّهم كانوا عارفين به . وهي ضعيفُ ؛ لقوله : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . وذُكِر في السبب الذي لأجله أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم وجوهاً : أولها : أنَّهم إذ فتحُوا المتاع ، فوجدوا بضاعتهم فيهح علموا أنَّ ذلك كرمٌ من يوسف ؛ فيبعثهم ذلك على العود إليه . وثانيها : خاف ألاَّ يكون عندهم غيره ؛ لأنَّه زمان قحطٍ . وثالثها : رأى أنَّ أخذ ثمنِ الطَّعامِ من أبيه ، وإخوته شدة حاجتهم إلى الطعام لؤمٌ . ورابعها : قال الفراء رحمه الله ـ : إنَّهم متى شاهدُوا بضاعتهم في رحالهم ؛ فيحسبوا أنَّ وقع سهواً ، وهم أنبياء وأولاد أنبياء ؛ فيحملهم ذلك على رد البضاعةِ ؛ نفياً للغلطِ ولا يستحلُّون إمساكها . وخامسها : أراد أن يُحْسِنَ إليهم على وجهٍ لا يلحقهم منه عتب ، ولا منَّة . وسادسها : قال الكلبيُّ : تخوَّف ألاَّ يكون عند أبيه من الورقِ ما يرجعون به مرة أخرى . وسابعها : أنَّ مقصودهُ أن يعرفوا أنَّه لم يطلب أخاهم ؛ لأجل الإيذاء والظلم ؛ وإلا لطلب زيادةَ في الثمَّنِ . وثامنها : أن يعرف أباه أنه أكرمهم ، وطلبهم بعد الإكرام ؛ فلا يثقلُ على أبيه إرسالُ أخيه . وتاسعها : أراد أن يكون ذلك المالُ معونةً لهم على شدَّة الزمن وكان يخافُ اللصوص من قطع الطَّريق ، فوضع الدَّراهم في رحالهم ؛ حتى تبقى مخفية إلى أن يصلوا إلى أبيهم . وعاشرها : أنه قالب مبالغتهم في الإساءة مبالغة في الإحسان إليهم . وقوله : { يَرْجِعُونَ } يحتمل أن يكون متعدِّياً ، وحذف مفعوله ، أي : يرجعون البضاعة ؛ لأنه عرف دينهم ذلك ، وأن يكون قاصراً بمعنى يرجعون إلينا . قوله تعالى : { فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ } فيه قولان : أحدهما : أنَّهُم لما طلبوا الطعام لأبيهم وللأخ الباقي عند أبيهم ، منعوا منه . والثاني : أنه منع الكيل في المستقبلِ ، وهو قول يوسف : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } [ يوسف : 60 ] ، قال الحسنُ رحمه الله ـ : معناه : يمنعُ منَّا الكيل إنْ لم نحمل أخانا معنا ، وهذا أولى ؛ لأنه لم يمنعهُم الكيل ؛ بل اكتالَ لهم ، وجهَّزهم ، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ } ، والمراد بالكَيْلِ : الطعامُ ؛ لأنه يكالُ . قوله : " نَكْتَلْ " قرأ الأخوان : بالياءِ من تحتُ ، أي : يَكِيلُ أخونا . والباقون بالنون ، أي : نَكِيلُ نحنُ ، وهو الطعامُ ، وهو مجزومٌ على جواب الأمرِ . ويحكى أنَّه جرى بحضرةِ المتوكِّل ، أو وزيره ابن الزَّياتِ : بين المازنِيّ ، وابنِ السِّكيت مسألةٌ ، وهي : ما وزنُ " نَكْتَل " ؟ فقال يعقوبُ : نَفْتَل ، فَسَخِرَ بِهِ المازني وقال : إنَّما وزنُها نَفْتَعِل . قال شهابُ الدِّين رحمه الله ـ : " وهذا ليس بخطأ ؛ لأنَّ التَّصريفيين نصُّوا على أنَّه إذا كان في الكلمةِ حذفٌ أو قلبٌ حذفت في الزنة ، وقلبت ، فتقول في وزن : قُمْتُ ، وبعِْتُ : فُعْتُ ، وفِعْتُ ، ووزن " عِدَة " " عِلَة " ، وإن شئت أتيْتَ بالأصل ؛ فعلى هذا لا خطأ في قوله : وزن " نَكْتَلْ " : نَفْتَل ؛ لأنه اعتبر اللفظ ، لا الأصل ، ورأيت في بعض الكتب أنَّ وزنها : " نَفْعَل " بالعينِ ، وهذا خطأٌ محضٌ ، على أنَّ الظاهر من أمر يعقوب أنه لم يتقنْ هذا ، ولو أتقنه لقال : وزنه على الأصل كذا ، وعلى اللفظ كذا ، ولذلك أنحى عليه المازنيُّ ، فلم يرد عليه بشيء " . ثم قال سبحانه وتعالى : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ضمنوا كونهم حافظين له : لما قالوا ذلك ، قال يعقوب عليه السلام { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ } ، والمعنى : أنكم ذكرتم مثل هذا الكلام في يوسف ، وضمنتم لي حفظه حيث قلتم : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وهاهنا ذكرتم هذا اللفظ بعينه ، فهل يكون هاهنا إلا ما كان هناك ، فكما لا يحصل الأمانُ هناك لا يحصلُ هنا . قوله : { إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ } منصوبٌ على نعتِ مصدرٍ محذوفٍ ، أو على الحال منه أي : إلاَّ أئتماناً كائتمانه لكم على أخيه ، شبه ائتمانه لهم على هذه بائتمانه لهم على ذلك ، و " مِن قَبْلُ " متعلق بـ " أمِنْتُكمْ " . قال : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } ، قرأ الأخوان ، وحفص " حَافِظاً " وفيه وجهان : أظهرهما : أنه تمييزٌ ؛ كقوله : هو خيْرهُمْ رجُلاً ، وللهِ دَرُّهُ فَارِساً . قال أبُو البقاءِ : " ومثلُ هذا يجُوزُ إضافته " وقد قرأ بذلك الأعمشُ : فاللهُ خيرُ حافظٍ والله تعالى متَّصفٌ بأن حفظهُ يزيدُ على حفظِ غيره ؛ كقولك : هُوَ أفضلُ عالمٍ . والثاني : أنه حالٌ ذَكَر ذلك الزمخشريُّ وأبُوا البقاءِ ، وغيرهما . قال أبو حيَّان : وقد نقله عن الزمخشري وحده : " وليس بجيِّدٍ ؛ لأنَّ فيه تقييدَ خيرٍ بهذه الحال " . قال شهابُ الدِّين : " ولا محذُور ، فإنَّ هذه الحال لازمةٌ ؛ لأنَّها مؤكدةٌ لا مبينةٌ وليس هذا بأول حال وردتْ لازمةً " . وقرأ الباقون " حِفْظاً " ولم يجيزُوا فيها غير التَّمييزِ ؛ لأنَّهم لو جعلوها حالاً ، لكانت من صفة ما يصدقُ عليه " خَيْرٌ " ولا يصدقُ ذلك على ما يصدق عليه " خَيْرٌ " ؛ لأن الحفظ معنى من المعاني . ومن يتأولُ : " زَيْدٌ عَدْلٌ " على المبالغةِ أو على حذفِ مضافٍ ، أو على وقوع المصدر موقع الوصفِ يجيزُ في " حِفْظاً " أيضاً الحاليَّة بالتأويلاتِ المذكورة ، وفيه تعسُّفٌ , وقرأ أبو هريرة : " خَيْرُ الحَافظينَ ، وأرْحَمُ الرَّاحِمينَ " قيل : معناهُ : وثِقْتُ بكم في حفظِ يوسف ، فكان ما كان ، والآن أتوكَّلُ على الله في حفظ بِنيَامِينَ . فإن قيل : لِمَ بعثه معهم وقد شاهد ما شاهد ؟ . فالجوابُ من وجوهٍ : الأول : أنهم كبروا ، ومالُوا إلى الخيرِ والصَّلاحِ . والثاني : أنه كان يشَاهِدُ أنَّه ليس بينهم و بين بنيامين من الحسدِ ، والحقدِ مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام ـ . والثالث : أن ضرورة القَحْطِ أحوجتُه إلى ذلك . والرابع : لعلَّه تعالى أوحى إليه ، ضمن له حفظه ، وإيصاله إليه ، فإن قيل : هل يدلُّ قوله : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } على أنَّه أذن في ذهاب بنياميَنَ في ذلك الوقت . فقال الأكثرون : يدلُّ عليه . وقال آخرون : لا يدل عليه ، وفيه وجهان : الأول : أنَّ التقدير : أنَّه لو أذن في خُروجهِ معهم ، لكان في حفظِ اللهِ تعالى لا في حفظهم . الثاني : لما ذكر يُوسف صلوات الله وسلامه عليه قال : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } أي ليُوسُفَ ؛ لأنه كان يعلم أنه حيٌّ .