Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 68-68)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } الآية في جواب " لمَّا " هذه ثلاثة أوجه : أظهرها : أنَّه الجملة المنفيَّةُ من قوله : { مَّا كَانَ يُغْنِي } ، وفيه حجَّةٌ لمن يدَّعي كون [ لمَّا ] حرفاً لا ظرفاً ، إذ لو كانت ظرفاً لعمل فيها جوابها ، إذْ لا يصلحُ للعمل سواه لكن ما بعد : " مَا " النَّافية لا يعمل فيها قبلها ، ولا يجوز حين قَامَ أبُوكَ مَا قَامَ أخُوكَ ، مع جوازِ : لمَّا قَامَ أخُوكَ مَا قَامَ أبُوكَ . والثاني : أنَّ جوابها محذوف ، فقدَّره أبو البقاء رحمه الله ـ : امتثلوا وقضوا حاجته ، وإليه نحا ابن عطيِّة أيضاً . وهو تعسُّفٌ ؛ لأَنَّ في الكلام ما هو جوابٌ صريحٌ كما تقدَّم . والثالث : أنَّ الجواب هو قوله : " آوَى " قال أبو البقاء : " وهو جواب : " لمَّا " الأولى ، والثانية ، كقولك : لمَّا [ جِئْتُكَ ] ، ولمَّا كلَّمْتُكَ أجَبْتَنِي ، وحسَّن ذلك أن دخولهم على يوسف صلوات الله وسلامه عليه تعقب دخولهم من الأبواب . يعنى أنَّ " آوَى " جواب الأولى ، والثانية ، وهو واضحٌ . فصل قال المفسرون : لمَّا قال يعقوبُ صلوات الله وسلامه عليه ـ : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [ يوسف : 67 ] صدَّق الله يعقوب فيما قاله ، أي : وما كان ذلك التَّفريق يغني من الله من شيءٍ . قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما ـ : ذلك التَّفريق ما كان يرد من قضاء الله تعالى ولا أمراً قدره الله تعالى . وقال الزجاج : لو قدر أن يصيبهم لأصابهم ، و هم مُتفرِّقون كما يصيبهم ، [ وهم مجتمعون ] . وقال ابنُ الأنباري : لو سبق في علم الله تعالى أنَّ العين تهلكهم عند الاجتماع ؛ لكان تفرقهم كاجتماعهم ، وهذه كلمات متقاربة وحاصلها : أنَّ الحذر لا يدفع القدر . وقوله : " مِنْ شيءٍ " يحتملُ النَّصب بالمفعولية ، والرفع بالفاعلية . أمَّا الأول فهو كقولك : مَا رأيتُ من أحدٍ ، والتقدير : ما رَأيتُ أحداً ، كذا ههنا ، وتقدير الآية : أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئاً . وأما الثَّاني : فكقولك : ما جَاءَنِي من أحدٍ وتقديره : ما جَاءنِي أحدٌ ، فيكون التقدير هنا : ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه . قوله : " إلاَّ حَاجةٌ " فيه وجهان : أحدهما : أنه استثناء منقطعٌ ، وتقديره : ولكن حاجة في نفس يعقوب قضاها ، ولم يذكر الزمخشريُّ غيره . والثاني : أنه مفعولٌ من أجله ، ولم يذكر أبو البقاءِ غيره ، ويكون التقدير : ما كان يغني عنهم بشيء من الأشياء إلاَّ لأجل حاجة كانت في نفس يعقوب عليه السلام ، وفاعل : " يُغْنِي " ضمير التفريق المدلول عليه من الكلام المتقدِّم . وفيما أجازه أبو البقاءِ رحمه الله تعالى نظر من حيث المعنى لا يخفى على مُتأمِّلهِ . و " قَضَاهَا " صفة لـ : " حَاجةً " . فصل قال بعضُ المفسرين : من تلك الحَاجةِ : خوفهُ عليهم من إصابةِ العينِ وقيل : خوفه عليهم من حسدِ أهل مصرَ ، وقيل : خوفه عليهم من أن يصيبهم ملكُ مصر بسُوءٍ . ثم قال : { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } قال الواحدي : " مَا " مصدريَّة ، والهاء عائدةٌ إلى يعقوب صلوات الله وسلام عليه أي : وإنَّ يعقوب لذو علم من أجل تعليمنا إيَّاهُ ، ويمكن أن تكون بمعنى الذي ، والهاء عائدة إليها أي : وإنه علم للشيء الذي علمناه ، يعني : أنَّا لما علمناه شيئاً حصل له العلم بذلك الشيء . والمراد بالعلم : الحفظُ ، أي : وإنه لذو حفظ لما علمناه . وقيل : المراد بالعلم : العمل ، أي وإنه لذَو عمل بفوائد ما علمناه . ثم قال : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } مثل ما علم يعقوب ، لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم . وقيل : لا يعلمون أنَّ يعقوب بهذه الصِّفة . وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما ـ : لا يعلم المشركون ما ألهم الله [ أولياءه ] . فالمراد بـ : " أكْثرَ النَّاسِ " المشركون .