Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 30-30)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ } الكاف في محل نصب كنظائرها . قال الزمخشري : " مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعن : إرسالاً له شأن " . وقيل : الكاف متعلقة بالمعنى الذي قبله في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } [ الرعد : 27 ] ، أي كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك . وقال ابن عطية : " الذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي لا بالآيات المقترحة فكذلك فعلنا أيضاً في هذه الأمة أرسلناك إليها بوحي لا بأيآت مقترحة " . وقال أبو البقاء : وكذلك : " الأمر كذلك " فجعلها في موضع رفع . وقال الحوفي : الكاف للتشبيه في موضع نصب ، أي : كفعلنا الهداية والإضلال والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وتكون الكاف للتشبيه . قال ابن عباس والحسن رضي الله عنهم أي : أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء قبلك . وقيل : كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم كذلك [ أعطيناك ] هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم . قوله : " قَد خَلتْ " جملة في محل جر صفة لـ " أمَّة " ، و " لِتَتْلُو " متعلق بـ " أرْسلْنَاك " والمعنى : أنه فسر كيف أرسله فقال : { فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ } أي : أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم وهم آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء " لتتلو " لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك وهو الكتاب العظيم . قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ } يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافية ، وأن تكون حالية والضمير في " وهم يكفُرون " عائد على " أمَّة " من حيث المعنى ، ولو عاد على لفظها لكان التركيب : وهي تكفر . وقيل : الضمير عائد على " أمَّة " وعلى " أممٍ " . وقيل : عائد على الذين قالوا : " لوْلاَ أنْزِلَ " . فصل قال قتادة ومقاتل وابن جريح : الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهل بن عمرو لما جاءوا واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح ، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لعلي كرم الله وجهه ـ : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . قالوا لا نعرف إلى الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون : مسيلمة الكذاب ، اكتب كما كنت تكتب : باسمك اللهم فهذا معنى قوله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } والمعروف أن الآية مكية ، وسبب نزولها : أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن فرجع إلى المشركين ، وقال : إن محمداً يدعو إلهين : يدعو الله ويدعو الرحمن إلهاً آخر يسمى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم : " اسجدوا للرحمن " ، قالوا : وما الرحمن ؟ قال الله تعالى : " قل لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت " اعتمدت " وإليه متاب " ، أي : توبتي ومرجعي . فصل اعلم أن قوله { يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } أنا إن حملناه على هذه الروايات كان معناه : يكفرون بإطلاق هذا الاسم على الله تعالى لا أنهم كفروا بالله تعالى وقال آخرون : بل كفروا بالله إما جحداً له ، وإما لإثباتهم الشركاء معه . قال القاضي : وهذا القول أليق بالظاهر ؛ لأن قوله تعالى { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } يقتضي أنهم كفروا بالله وهو المفهوم من الرحمن ، وليس المفهوم منه الاسم كما لو قال قائل : كفروا بمحمد وكذبوا به فكان المفهوم هو دون اسمه تعالى . قوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] نزلت في نفر من مشركي مكة منهم : أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية المخزومي جلسوا في فناء الكعبة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهم الإسلام ، فقال عبد الله بن أمية المخزومي : إن سرك أن نتبعك فسيِّر لنا جبال مكة بالقرآن فأذهبها حتى تنفسح علينا فإنها أرض ضيقة لمزارعنا ، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً لنغرس الأشجار ونزرع ، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسبح معه ، أو [ سخر لنا الريح ، فنركبها إلى الشام والبلاد لميرتنا وحوائجنا ، ونرجع في يومنا ؛ فقد ] سحر الريح لسليمان صلوات الله وسلامه عليه كما زعمت فلست على ربك بأهون من سليمان ، أو أحْي لنا جدك قصي ، أو من شئت من موتانا نسأله عن أمرك ، أحق ما تقول أوة باطل فقد كان عيسى يحيي الموتى ، ولست بأهون على الله منه ، فأنزل الله عز وجل { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } [ الرعد : 31 ] أي : شققت فجلعت أنهاراً وعيوناً { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } [ الرعد : 31 ] .