Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 31-31)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } جوابها محذوف ، أي : لكان هذا القرآن ، لأنه في غاية ما يكون من الصحة ، واكتفى بمعرفة السامعين من مراده ؛ كقوله الشاعر : [ الطويل ] @ 3180ـ فأقْسِمُ لو شَيءٌ أتَانَا رسُولهُ سِواكَ ولكِنْ لَمْ نَجِدْ عنْكَ مَدْفَعَا @@ أراد : لرددناه ، وهذا معنى قول قتادة : قالوا : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم . وقيل : تقديره لما آمنوا . ونقل عن الفراء : جواب " لو " هي الجملة من قوله { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الرعد : 30 ] وفي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض ، وتقدير الكلام : وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآناً سيرت به الجبال كأنه قيل : لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم الموتى به لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم ، كقوله : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [ الأنعام : 111 ] وهذا في الحقيقة دال على الجواب . وإنما حذفت التاء في قوله { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } وثبتت في الفعلين قبله ؛ لأنه من باب التغليب ، لأن الموتى تشمل المذكر والمؤنث . ثم قال : { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وليس لأحد عليه اعتراض . قوله { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أصل اليأس : قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه ، واختلف الناس فه ههنا ، فقال بعضهم هو هنا على بابه ، والمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش ، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هذه الآيات ليؤمن الكفار ، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال : أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار ، أي : ييأس من إيمانهم قال الكسائي . وقال الفراء : " أوقع الله للمؤمنين أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فقال : أفلم ييأسوا علماً " يقول : يؤيسهم العلم ، فكان فيهم العلم مضمراً كما تقول في الكلام : " يئست منك إن لا تفلح " كأنه قال : علمه علماً ، قال : فيئست بمعنى علمت ، وإن لم يكن سمع فإنه يتوجه لذلك بالتأويل " . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه وذلك لأنه لما أبعد إيمانهم في قوله عز وجل { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } على [ التأويلين ] في المحذوف المقدر ، قال في هذه الآية " أفلمْ يَيْأسِ " المؤمنون من إيمان هؤلاء علماً منهم { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } . وقال الزمخشري : " ويجوز أن يتعلق { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } بـ " آمَنَوا " على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم " . وهذا قد سبقه إليه أبو العباس رضي الله عنه ـ . وقال أبو حيان : ويحتمل عندي وجه آخر غير الذي ذكروه ، وهو : أن الكلام تام عند قوله تعالى { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } إذ هو تقرير ، أي : قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين ، و { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } جواب قسم محذوف ، أي : وأقسم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ، ويدل على هذا القسم [ وجود ] " أنْ " مع " لَوْ " في قول الشاعر : [ الوافر ] @ 3181ـ أمَا واللهِ أن لوْ كُنْتَ حُرًّا وما بالحُرِّ أنْتَ ولا العَتِيقِ @@ وقول الآخر : [ الطويل ] @ 3182ـ فأقْسِمُ أن لَوِ التَقيْنَا وأنتمُ لكَانَ لكُم يَوْمٌ مِنَ الشَّر مُظْلِم @@ وقد ذكر سيبويه أن " أن " تأتي بعد القسم ، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم بالجملة المقسم عليها ، وقال بعضهم بل هو ههنا بمعنى " عَلِمَ " و " تبيَّن " . قال القاسم بن مَعنٍ وهو من ثقاب الكوفيين ـ : هي من لغة هوازن . وقال الكلبي : هي لغة حي من النَّخع ، ومنه قول رباح بن عدي : [ الطويل ] @ 3183ـ ألَمْ يَيأسِ الأقْوامُ أنِّي أنَا ابنهُ وإن كُنْتُ عن أرْضِ العَشِيرةِ نَائِيا @@ وقول سحيم بن وثيل الرياحي : [ الطويل ] @ 3184ـ أقُولُ لهُمْ بالشِّعْبِ إذ يَأسِرُونَنِي ألمْ تَيأسُوا أنِّي ابنُ فارسِ زَهْدمِ @@ وقول الآخر : [ الكامل ] @ 3185ـ حتَّى إذَا يَئسَ الرُّماةُ فأرْسَلُوا غُضْفاً دَواجِنَ قافِلاً أعْصامُهَا @@ ورد الفراء هذا وقال : " لم أسمع " يَئِسْتُ " بمعنى عَلْمتُ " . وردَّ عليه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ويدل على ذلك : قراءة علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المدني وعبد الله بن يزيد ، وعلي بن بذيمة : ( أفلم يتبين ) من : " تبينت كذا " إذا عرفته ، وقد افترى من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس ، كان أصله : " أفلم يتبين " فسوى هذه الحروف [ فتوهَّم ] أنها سين . قال الزمخشري : " وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكيف يخفى هذا حتى يبقى بين دفتي الإمام ، وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها المبنى ، هذه والله فرية ما فيها مرية " . وقال الزمخشري أيضاً : " وقيل : إنما استعمل اليأس بمعنى العلم ؛ لأن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف ، والنسيان في معنى الترك لتضمنه ذلك " . وتحصل في " أنْ " قولان : أحدهما : أنها " أن " المخففة من الثقيلة ، فاسمها ضمير الشأن ، والجملة الامتناعية بعدها خبرها ، وقد وقع الفصل بـ " لو " و " أن " وما في حيزها إن علقناها بـ " ءامنوا " يكون في محل نصب ، أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه ، إذ أصلها الجر بالحرف ، أي : آمنوا بأن لو يشاء الله ، وإن علقناها بـ " يَيْأس " على أنه بمعنى علم كانت في محل نصب لسدها سمد المفعولين . والثاني : رابطة بين القسم والمقسم عليه ، كما تقدم . فصل قال المفسرون : إن أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لما سمعوا كلام المشركين طمعوا في أن يفعل الله تعالى ما سألوا فيؤمنوا ، فنزل { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } يعني الصحابة من إيمان هؤلاء ، يعني : ألم ييأسوا وكل من علم شيئاً ييِأس عن خلافه . يقول : ألم يؤيسهم العلم { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } . فصل احتج أهل السنة بقوله : { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } وكلمة " لَوْ " تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، والمعنى : أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء ، وتارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الهداية إلى طريق الجنة ، ومنهم من يجري الكلام على الظاهر ، ويقول : إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون مبايناً لهداية جميع الناس ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مراراً . قوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ } ألآية قيل : أراد جميع الكفار ؛ لأن الوقائع الشديدة [ التي وقعت لبعض الكفار من القتل والسبي ، أوجب حصول الغم ] في قلوب الكل . وقيل : أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون ، فتكون الألف واللام للعهد ، والمعنى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم القبيحة " قارِعَةٌ " أي : نازلة وداهيةٌ تقرعهم من أنواع البلاء أحياناً بالجدب وأحياناً بالسلب وأحياناً بالقلب . يقال : قرعه أمر إذا أصابه ، والجمع قوارع ، والأصل في القرع : الضرب أي : لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد ، أو من قتل أو أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل يخاطب المستهزئين من رؤساء المشركين . وقال ابن عباس رضي الله عنه ـ : أراد كفار قريش يصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب بأن لايزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم . قوله " أوْ تَحُلُّ " يجوز أن يكون فاعله ضمير الخطاب ، أي : تحل أنت يا محمد وأن يكون ضمير القارعة ، وهذا أبين ، أي : تصيبهم قارعة أو تحل القارعة ، وموضعها نصب عطف علىخبر " يَزالُ " . وقرأ ابن جبير ومجاهد : " أوْ يَحُلُّ " بالياء من تحت ، والفاعل على ما تقدم إما ضمير القارعة وإنما ذكر الفعل ؛ لأنها بمعنى العذاب ولأن التاء للمبالغة ، والمراد : قارع وإما ضمير الرسول صلوات الله وسلامه عليه أتى به غائباً ، وقرأ أيضاً : " مِن دِيَارهِمْ " جمعاً ، وهي واضحة . المعنى : أو تحل القارعة أو أنت يا محمد صلوات الله وسلامه عليك بجيشك قريباً من دارهم كما حل بالحديبية { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } وهو فتح مكة ، وكان قد وعده ذلك . وقيل : يوم القيامة . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } والغرض منه : [ تقوية ] قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن عنه وتسليته . فصل قال القاضي : قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده ، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بمعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق [ الفساق ] من العناد . والجواب : أن الخلق غير ، وتخصيص العموم غير ، ونحن لا نقول بالخلف ، ولكننا تخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو .