Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 32-34)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } الآية لما طلبوا المعجزات من الرسول صلوات الله وسلامه عليه على سبيل الاستهزاء ، وكان يتأذى من تلك الكلمات ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له وتصبيراً على سفاهتهم فقال : إن أقوام سائر الأنبياء عليه الصلاة والسلام استهزؤوا بهم كما أن قومك يستهزئون بك { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أمهلتهم وأطلت لهم المدة بتأخير [ العقوبة ] { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } عاقبتهم في الدنيا بالقتل ، وفي الآخرة بالنار { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } لهم ؟ . والإملاء : الإمهال وإن تركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى ، ومنه الملوان وهو الليل والنهار ؟ قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } " مَنْ " موصولة ، وصلتها " هُو قَائِمٌ " والموصول مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف تقديره : كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع ، ودل على هذا المحذوف ، قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } ونحوه قوله { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [ الزمر : 22 ] تقديره : كمن قسا قلبه . يدل عليه أيضاً { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 22 ] وإنما حسن حذفه كون الخبر مقابلاً للمبتدأ ، وقد جاء مبيناً ، كقوله { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [ الرعد : 19 ] . والمعنى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ، أي : حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما علمت ، وجوابه محذوف ، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه . قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ } يجوز أن يكون استئنافاً ، وهو الظاهر ، جيء به للدلالة على الخبر المحذوف كما تقدم تقريره . وقال الزمخشري : " ويجوز أن تقدر ما يقع خبر للمبتدأ ويعطف عليه : " وجَعَلُوا " وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه " جعلوا لهُ " وهو الله تعالى أي : وهو الذي يستحق العبادة " . قال أبو حيان : " وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله تعالى { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } أي : له ، وفيه حذف الخبر غير المقابل ، وأكثر ما جاء الخبر مقابلاً " . وقيل : الواو للحال ، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجودة والحال أنهم جعلوا له شركاء ، فأقيم الظاهر وهو " اللهُ " مقام المضمر تقريراً للإلهية وتصريحاً بها ، قاله صاحب العقد . وقال ابن عطية : " ويظهر أن القول مرتبط بقوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } كان التقدير : أفمن له القدرة والوحدانية ، ويجعل له شريك أهل ينتقم ويعاقب أم لا ؟ " . وقيل : " وَجَعلُوا " عطف على " استُهْزِىءَ " بمعنى : وقد استهزؤوا وجعلوا . وقال أبو البقاء : " هو معطوف على " كَسبَتْ " أي : ويجعلهم لله شركاء " ولما قرر هذه الحجة زاد في الحجاج فقال : " قُلْ سمُّوهُمْ " وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر ، ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال : سمه إن شئت ، يعني أنه [ أخس ] من أن يسمى ويذكر ، ولكن إن شئت أن تضع له أسماً فافعل ، وقيل : " سموهم " : أي : صفوهم ، ثم انظروا : هل هي أهلٌ أن تعبد ؟ على سبيل التهديد ، والمعنى : سواء سميتموهم باسم الآلهة أو لم تسموهم فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها ، ثم زاد في الحجاج . قوله { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } " أمْ " هذه منقطعة مقدرة بـ " بل " والهمزة والاستفهام للتوبيخ بل أتنبؤنه شركاء لا يعلمهم في الأرض و نحوه { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] فجعل الفاعل ضميراً عائداً على الله ، والعائد على " ما " محذوف تقديره : بما لا يعلمه الله ، وقد تقدم في تلك الآية : أن الفاعل ضمير يعود على " ما " وهو جائز هنا أيضاً . قوله " أمْ بِظاهِرِ " أنها منقطعة . والظاهر هنا ، قيل : الباطن ؛ وأنشدوا : [ الطويل ] @ 3186ـ أعَيَّرْتنَا ألْبانهَا ولحُومَهَا وذلِكَ عَارٌ يَا ابْنَ رَيْطة ظَاهِرُ @@ أي : باطن . وفسره مجاهد : بكذب ، وهو موافق لهذا . وقيل : " أمْ " متصلة ، أي : تنبئونه بظاهر لا حقيقة له . والمعنى : أم يخبرون الله بأمر يعلمونه وهو لايعلمه ، فإنه لا يعلم لنفسه شريكاً وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك البتة ؛ لأنهم ادعوا أن له شريكاً في الأرض لا في غيرها أم تموهون بظاهر من القول لا حقيقة له وهو كقوله { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } [ التوبة : 30 ] . ثم إنه تعالى بعد هذا الحجاج بيّن طريقتهم ، فقال على وجه التحقير لما هم عليه { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ } . قال الواحدي : " معنى " بَلْ " ههنا كأنه يقول : دع ذلك زين لهم مكرهم لأنه تعالى لما ذكر الدلائل على فساد قولهم فكأنه يقول : دع ذلك الدليل فإنه لا فائدة فيه ، لأن زين لهم كفرهم ومكرهم فلا ينتفعون بذكر هذه الدلائل " . فصل قالت المعتزلة : لا شبهة في أنه إنما ذكر ذلك لأجل أن يذمَّهم به وإذا كان كذلك امتنع أن يكون ذلك المزين هو الله تعالى ، فلا بد إما أن يكون شياطين الإنس وما شياطين الجن . قال ابن الخطيب رحمه الله ـ : وهذا التأويل ضعيف من وجوه : الأول : أنه إن كان المزين هو أحد شياطين الإنس أو الجن فالمزين لذلك الشيطان إن كان شيطاناً آخر لزم التسلسل ، وإن كان هو الله فقد زال السؤال . والثاني : أن أفعال القلوب لا يقدر عليها إلا الله عز وجل ـ . والثالث : أنا دللنا على أن ترجيح الداعي لا يحصل إلا من الله عز وجل وعند حصوله يجب الفعل . قوله { وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } قرأ الكوفيون ويعقوب " وصُدُّوا " مبنياً للمفعول ، وفي غافر { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [ غافر : 37 ] كذلك ، وباقي السبعة مبنيّين للفاعل ، و " صد " جاء لازماً ومتعدياً ، فقراءة الكوفية من التعدي فقط ، وقراءة الباقين : يحتمل أن تكون من المتعدي ومفعوله محذوف ، أي : صدوا غيرهم أو أنفسهم ، وأن يكون من اللازم ، أي : أعرضوا وتولوا . وقرأ ابن وثاب : " وصِدُّوا عَن السَّبيل " بكسر الصاد ، وهو مبني للمفعول أجراه مجرى " قِيلَ " و " بِيعَ " فهو كقراءة : { رُدَّتْ إِلَيْنَا } [ يوسف : 65 ] . وقوله : [ الطويل ] @ 3187ـ ومَا حِلَّ مِنْ جَهْلِ حُبَا حُلمَائِنَا … @@ وقد تقدم . فأما قراءة المبني للمفعول ، فعند أهل السنة : أن الله صدهم . وللمعتزلة وجهان : قيل : الشيطان وبعضهم لبعض ، هو قول أبي مسلم رحمه الله ـ . ومن فتح الصاد : يعني الكفار أعرضوا إن كان لازماً ، وصدوا غيرهم إن كان متعدياً . وحجة القراءة الأولى مشاكلتها لما قبلها من بناء الفعل للمفعول ، وحجة القراءة الثانية قوله جل ذكره { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ } [ محمد : 1 ] ثم قال : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } . وتمسك أهل السنة بهذه الآية من وجوه : أحدها : قوله { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ } وقد تقدم بالدليل أن المزين هو الله تعالى . وثانيها : قوله { وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } بضم الصاد ، وبينا أيضاً أن ذلك الصاد هو الله تعالى . وثالثها : قوله سبحانه وتعالى : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } ، وهو صريح في المقصود ، ثم قال تعالى : { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بالقتل والأسر { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَقُّ } أي : أشد { وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } مانع يمنعهم من العذاب . وقال الواحي : أكثر القراء وقفوا على القاف من غير إثبات ياء ، مثل قوله عز وجل { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر : 33 ] وكذلك { مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ } [ الرعد : 37 ] وهو الوجه ؛ لأنه يقال في الوصل : " هادٍ ووالٍ وواقٍ " محذوف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين ، فإذا وقفت انحذف التنوين في الوقف في الرفع والجر ، والياء [ كانت ] انحذفت في الوصل فيصادف الوقف الحركة التي كسرت فتحذف كما يحذف سائر الحركات التي يوقف عليها ، فيقال : " هَاد " و " وَال " و " وَاق " . وابن كثير يقف بالياء ، ووجهه ما حكى سيبويه : أن بعض من يوثق به من العرب يقفون بالياء ، وقد تقدم .