Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 80-86)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قال صاحبُ " ديوان الأدبِ " : الحِجْر : بكسر الحاء المهملة ، وتسكين الجيم له ستَّة معانٍ : فالحِجْر : منازل ثمود ، وهو المذكور هاهنا ، والحِجْرُ : الأنثى من الخيل . والحِجْرُ : الكعبة . والحِجْرُ : لغة في الحجرِ ، هو واحد الحجور في قوله تعالى : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } [ النساء : 23 ] والحِجْرُ : العَقْلُ ، قال تعالى : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [ الفجر : 5 ] ، والحِجْرُ : الحرامُ في قوله تعالى : { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } [ الفرقان : 53 ] أي : حراماً محرماً . فصل قال " المُرْسلينَ " ، وإنَّما كذبوا صالحاً وحده ؛ لأنَّ من كذَّب نبيًّا ؛ فقد كذَّب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لأنهم على دين واحد ولا يجوز التَّفريقُ بينهم . وقيل : كذَّبُوا صالحاً ، وقيل : كذَّبوا صالحاً ومن تقدمه من النَّبيين أيضاً ، والله تعالى أعلم . قال المفسرون : والحِجْرُ : اسم وادٍ كان يسكنه ثمود قوم صالحٍ ، وهو بين المدينة ، والشام ، والمراد بـ " المُرْسلينَ " صالحٌ وحده . قال ابن الخطيب : " ولعلَّ القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل " . { وَآتَيْنَاهُمْ } يعني النَّاقة ، وولدها ، والبئر ، والآيات في النَّاقة : خروجها من الصَّخرة ، وعظم خلقها ، وظهور نتاجها عند خروجها ، وقُرب ولادتها ، وغزارة لبنها ، وأضاف الإيتاء إليهم ، وإن كانت النَّاقة آية صالحٍ ؛ لأنَّها آيات رسولهم ، فكانوا عنها معرضين ؛ فذلك يدلُّ على أنَّ النَّظر ، والاستدلال واجب ، وأنَّ التقليد مذموم . { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } تقدَّم كيفيَّة النَّحت في الأعراف : [ 74 ] ، وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : بفتح الحاءِ . " ءَامِنينَ " من عذاب الله . وقيل : آمنين من الخرابِ ، ووقوع السَّقف عليهم . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } ، أي : صيحة العذاب " مُصْبِحينَ " ، أي وقت الصُّبح . قوله : " فَمَا أغْنَى " يجوز أن تكون نافية ، أو استفهامية فيها [ معنى ] التعجب ، وقوله : " مَا كَانُوا " يجوز أن تكون " مَا " مصدرية ، أي : كسبهم ، أو موصوفة ، أو بمعنى " الَّذي " ، والعائد محذوف ، أي : شيء يكسبونه ، أو الذي يكسبونه . فصل وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا نزل الحجر في غزوة تبوك ، أمرهم ألاَّ يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها ، فقال واحدٌ : عَجَنَّا ، وأسْتقَيْنَا ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ذلك الماء ، وأن يطرحوا ذلك العجين " ، وفي رواية : " وأنْ يَعْلِفُوا الإبل العجِين " . وفي هذا دليل على كراهة دخول تلك المواضع ، وعلى كراهةِ دخول مقابر الكفار ، وعلى تحريم الانتفاع بالماء المسخوط عليه ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإهراقه وطرح العجين ، وهكذا حكم الماء النَّجسِ ، ويدلُّ على أنَّ ما لا يجوز استعماله من الطعام ، والشراب ، يجوز أن يعلفه البهائم . قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } الآية . لما ذكر إهلاك الكفَّار ، فكأنه قيل : كيف يليق الإهلاك بالرحيم ؟ . فأجاب : بأني ما خلقت الخلق إلا ليشتغلوا بعبادي ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فإذا تركوها ، وأعرضوا عنها ؛ وجب في الحكمة إهلاكهم ، وتطهير وجه الأرض منهم . وهذا النَّظم حسنٌ ، إلا أنَّه إنما يستقيمُ على قول المعتزلة ، وفي النظم وجه آخر : وهو أنه تعالى إنَّما هذه القصَّة تسلية لنبيِّه صلى الله عليه وسلم و أن يصبره على سفاهة قومه ، فإنه إذا سمع [ أنَّ ] الأمم السَّالفة كانوا يعاملون بمثل هذه المعاملات ؛ سهُل تحمُّل تلك السَّفاهات على محمد صلى الله عليه وسلم ثم : إنَّه تعالى لما بيَّن أنه أنزل العذاب على الأمم السَّالفة ، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : " إنَّ السَّاعةَ لآتيِةٌ " ، وإنَّ الله لينتقم لك من أعدائك ، ويجازيهم ، وإيَّاك ، فإنه ما خلق السماوات ، والأرض ، وما بينهما إلا بالحق ، والعدل والإنصاف ، فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك ؟ . ثم إنَّه تعالى لما صبَّره على أذى قومه ، رغَّبه بعد ذلك في الصَّفح عنهم ، فقال : { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } . قوله : : " إلاَّ بالحقِّ " نعت لمصدر محذوف ، أي : ملتبسة بالحقِّ . قال المفسِّرون : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وهو بعيد ؛ لأنَّ المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن ، والعفو ، والصفح ، فكيف يصير منسوخاً ؟ . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم ، وتفاوت أحوالهم ، مع علمه بكونهم كذلك وإذا كان كذلك ، فإنَّما خلقهم مع هذا التَّفاوت ، ومع العلم بذلك التَّفاوت ، أمَّا على قول أهل السنة فلمحض مشيئته ، وإرادته ، وعلى قول المعتزلة : لأجل المصلحة ، والحكمة . وقرأ زيد بن علي ، والجحدري : { إنَّ ربَّك هُو الخَالِقُ } ، وكذا هي في مصحف أبيّ وعثمان .