Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } الآية . هذه شبهة ثانية لمنكري النبوة ؛ فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله ملكاً من السماء ؛ يشهد على صدقه في ادِّعاء النبوة ؛ فقال تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ } في التصديق بنبوتك { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلآئِكَةُ } شاهدين بذلك ، ويحتمل أنَّ القوم لما طعنوا في القرآن بقولهم : { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وذكر أنواع التهديد ، و الوعيد ، ثم أتبعه بذكر الوعد لمن وصف القرآن بكونه خيراً ، عاد إلى بيان أنَّ أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم ، وأقوالهم الباطلة بالبيانات التي ذكرناها ، إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد ، أو أتاهم أمر ربِّك ، وهو عذاب الاستئصال ، وعلى كلا التقديرين قال تعالى : { كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي : أفعال هؤلاء ، وكلامهم يشبهُ كلام الكفار المتقدمين وأفعالهم ، وتقدم الكلام على قوله : { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ الأنعام : 158 ] في آخر الأنعام ، وأنَّ الأخوين يقرآن بالياء من تحت ، و الباقين بالتاء من فوق ، وهما واضحتان ؛ لكونه تأنيثاً مجازيًّا . قوله : { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بتعذيبه إياهم ، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكنهم ظلموا أنفسهم ؛ بكفرهم ، وتكذيبهم الرسل . { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي : عقاب سيئات ما عملوا ، فقوله : " فأصَابَهُمْ " عطف على " فَعلَ الَّذينَ " وما بينهما اعتراضٌ ، " وَحَاقَ " نزل " بِهِمْ " على وجه الإحاطة بجوانبهم ، { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : عقاب استهزائهم . قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا } الآيات . هذه شبهة ثالثة لمنكري النبوة لأنهم تمسكوا بالقول بالجبر على الطَّعن في النبوة ؛ فقالوا : لو شاء الله الإيمان ، لحصل لنا سواء جئت ، أو لم تجىء ، ولو شاء الكفر لحصل الكفر ، جئت أو لم تجىء ، فالكلُّ من الله ، ولا فائدة في مجيئك ولا في إرسالك وهذا غير ما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام في قوله : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [ الأنعام : 148 ] . واستدلال المعتزلة به ، مثل استدلالهم بتلك الآية ، والكلام فيه استدلال واعتراض عين ما تقدم هناك ، فلا فائدة ، ولا بأس بأن نذكر منه القليل ، فنقول : الجواب عن هذه الشبهة هي : أنَّهم قالوا : لما كان الكل من الله - تعالى - كانت بعثة الأنبياء عبثاً ؛ فنقول : هذا اعتراضٌ - على الله - تعالى فإن قولهم : إذا لم يكن في بعثة الرسول مزيد فائدة في حصول الإيمان ، ودفع الكفر ؛ كانت بعثة الأنبياءِ غير جائزة من الله - تعالى - . فهذا القول جارٍ مجرى طلب العلةِ في أحكام الله - تعالى - وفي أفعاله ، وذلك باطلٌ ؛ بل الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ولا يعترض عليه في أفعاله . وقال بعضُ المتكلمين والمفسرين : إنهم ذكروا هذا الكلام استهزاء ؛ كقول قوم شعيبٍ : { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [ هود : 87 ] ولو قالوا ذلك اعتقاداً لكانوا مؤمنين . قوله : { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } قالت المعتزلة : إنه - سبحانه وتعالى - ما منع أحداً من الإيمان ، وما أوقعه في الكفر ، والرسل ليس عليهم إلا التبليغُ . وأهل السنة قالوا : معناه أنه - تعالى - أمر الرسول بالتبليغ فوجب عليهم ، فأمَّا أن الإيمان هل يحصل ، أو لا يحصل ؟ فذلك لا يتعلق بالرسولِ - صلوات الله وسلامه عليه - ولكنه تعالى يهدي من يشاءُ بإحسانه ، ويضل من يشاء بخذلانه ، ويدل عليه قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } فإنه يدلُّ على أنه - تعالى - كان أبداً في جميع الأمم ؛ آمراً بالإيمان ، وناهياً عن الكفر . ثم قال : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } أي : فمنهم من هداه الله إلى الإيمان ، ومنهم من أضله عن الحق ، وأوقعه في الكفر ، وهذا يدلُّ على أنَّ أمر الله لا يوافق إرادته ؛ بل قد يأمر بالشيء ولا يريده ، وينهى عن الشيء ويريده ، وقد تقدم تأويلات المعتزلةِ ، وأجوبتهم مراراً . والطاغوتُ : كل معبودٍ من دون الله ، وقيل : اجتنبوا الطَّاغوت : أي طاعة الشيطان . قوله : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } يجوز في " أنْ " أن تكون تفسيرية ؛ لأنَّ البعث يتضمن قولاً ، وأن تكون مصدرية ، أي : بعثناه بأن اعبدوا . قوله : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } يجوز في " مَنْ " الأولى أن تكون نكرة موصوفة ، والعائد على كلا التقديرين محذوف من الأول ، وقوله " حقَّتْ " يدل على صحة مذهب أهل السنةِ ؛ لأنَّه تعالى لمَّا أخبر عنه أنَّه حقت عليه الضلالة ، امتنع أن لا يصدر منه الضلالة ، وإلاَّ لانقلب خبر الله تعالى الصدق كذباً ، وهو محال ؛ ويؤيده قوله : { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } [ الأعراف : 30 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 96 ] وقوله : { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 7 ] ثم قال - عز وجل - : { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي : مآل أمرهم ، وخراب منازلهم بالعذاب ، والهلاك ؛ فتعتبروا ، ثم أكد أنَّ من حقت عليه الضلالة ؛ فإنه لا يهتدي ؛ فقال تعالى : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } أي : تطلب بجهدك ذلك ؛ { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } . قوله { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } قرأ العامة بكسر الراء ، مضارع حرص بفتحها ، وهي اللغة الغالبة لغة الحجاز . وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : " تَحْرَص " بفتح الراء ، مضارع حرص بكسرها ، وهي لغة لبعضهم ، وكذلك النخعيُّ : إلاَّ أنه زاد واواً قبل : " إنْ " فقرأ : " وإنْ تحرصْ " . قوله : " لا يَهْدِي " قرأ الكوفيون بفتح الياءِ ، وكسر الدَّال ، وهذه القراءة تحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون الفاعل ضميراً عائداً على الله - تعالى - أي : لا يهدي الله من يضله ؛ فـ " مَنْ " مفعول " يَهْدِي " ؛ ويؤيده قراءة أبي : { فإنَّ الله لا هَادِي لمَنْ يضلُّ ولمَنْ أضلَّ } وأنه في معنى قوله : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] . والثاني : أن يكون الموصول هو الفاعل ، أي : لا يهدي المضلين ، و " يَهْدي " يجيء في معنى يهتدي ، يقال : هداهُ فهدى ، أي : اهتدى . ويؤيد هذا الوجه : قراءة عبد الله " يَهِدِّي " بتشديد الدال المكسورة ، والأصل يهتدي ؛ فأدغم . ونقل بعضهم في هذه القراءة كسر الهاء على الإتباع ، وتحقيقه ما تقدم في يونس ، والعائد على " مَنْ " محذوف ، أي : الذي يضله الله . والباقون " لا يُهْدَى " بضمِّ الياء ، وفتح الدال ، مبنيًّا للمفعول ، و " مَنْ " قائم مقام فاعله ، وعائده محذوف أيضاً . وجوَّز أبو البقاء : أن تكون " مَنْ " مبتدأ ، و " لا يَهْدِي " خبره - يعني - تقدم عليه . وهذا خطأ ؛ لأنه متى كان الخبر فعلاً رافعاً لضميرٍ مستترٍ وجب تأخيرهُ نحو : " زيْدٌ لا يَضْرِب " ، ولو قدمت لالتبس بالفاعل . وقرئ " لا يُهْدِي " بضم الياء وكسر الدال . قال ابن عطية - رحمه الله - : " وهي ضعيفة " . قال ابن حيَّان : " وإذا ثبت أن " هَدَى " لازم بمعنى اهتدى ، لم تكن ضعيفة ؛ لأنه أدخل همزة التعدية على اللازم ، فالمعنى لا يجعل مهتدياً من أضله الله " . وقوله تعالى : " ومَا لَهُمْ " حمل على معنى " مَنْ " فلذلك جمع . وقرىء : " مَنْ يَضِلُّ " بفتح الياء من " ضَلَّ " أي : لا يهدي من ضل بنفسه { وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } ، أي : [ ما يقيهم ] من العذاب .