Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 24-32)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } الآيات . لمَّا قرر دلائل التوحيد ، وأبطل مذاهب عبدة الأصنام ، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها . فالشبهة الأولى : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتجَّ على صحة بعثته بكون القرآن معجزة ؛ طعنوا فيه ، وقالوا : إنه أساطير الأولين ، واختلفوا في هذا القول . فقيل : هو كلام بعضهم لبعض . وقيل : قول المسلمين لهم . وقيل : قول المقتسمين الذين اقتسموا [ مكَّة ] ومداخل مكة ؛ ينفِّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاجِّ عمَّا أنزل الله على رسوله . قوله : " مَاذَا " تقدم الكلام عليها أول البقرة . وقال الزمخشريُّ : " أو مرفوعٌ بالابتداءِ ، بمعنى أي شيء أنزله ربُّكم " . قال أبو حيَّان : " وهذا غيرُ جائزٍ عند البصريِّين " . يعني : من كونه حذف عائده المنصوب ، نحو " زَيْدٌ ضَربْتُ " وقد تقدم خلاف النَّاس في هذا ، والصحيح جوازه ، والقائم مقام الفاعل ، قيل : الجملة من قوله { مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ } لأنها المقولة ، والبصريون يأبون ذلك ، ويجعلون القائم مقامه ضمير المصدر ؛ لأنَّ الجملة لا تكون فاعلة ، ولا قائمة مقام الفاعل ، و الفاعل المحذوف : إمَّا المؤمنون ، وإما بعضهم ، وإمَّا المقتسمون . وقرىء " أسَاطيرَ " بالنصب على تقدير : أنزل أساطير ، على سبيل التهكُّم ، أو ذكرتم أساطير . والعامة برفعه على أنَّه خبر مبتدأ مضمر فاحتمل أن يكون التقدير : المنزَّل أساطير على سبيل التَّهكُّم ، أو المذكور أساطير ، وللزمخشريُّ هنا عبارة [ فظيعة ] . قوله " لِيَحملُوا " لمَّا حكى شبهتهم قال : " لِيَحْمِلُوا " وفي هذه اللام ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أنها لامُ الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم ، والصغار الموجب لهم ، وعلى هذا فقد تمَّ الكلام عند قوله : " الأوَّلِينَ " ثم استؤنف أمرهم بذلك . الثاني : أنها لام العاقبة ، أي : كان عاقبة [ قولهم ] ذلك ؛ لأنَّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا ؛ فهو كقوله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] . قال : [ الوافر ] @ 3309 - لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا للخَرابِ … @@ الثالث : أنها للتعليل ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه تعليل مجازي . قال الزمخشريُّ رحمه الله : واللام للتعليل من غير أن تكون غرضاً ؛ نحو قولك " خَرجْتُ مِنَ البَلدِ مَخافَةَ الشَّرِّ " . والثاني : أنه تعليلٌ حقيقة . قال ابن عطيَّة بعد حكاية وجه لامِ العاقبةِ : " ويحتمل أن يكون صريح لام كي ؛ على معنى قدِّر هذا ؛ لكذا " انتهى . لكنه لم يعلِّقها بقوله " قَالُوا " إنما قدَّر لها عاملاً ، وهو " قدَّر " هذا . وعلى قول الزمخشري يتعلق بـ " قَالُوا " لأنها ليست لحقيقة العلَّة ، و " كَامِلةً " حالٌ ، والمعنى لا يخفَّف من عقابهم شيءٌ ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم ، وهذا يدل على أنَّه - تعالى - قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً للكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفَّار بهذا التكميل فائدة . قال - صلوات الله وسلامه عليه - : " أيُّمَا دَاعٍ دَعَى إلى الهُدَى ، فاتُّبعَ ، كَانَ لهُ مِثْلُ أجْرِ مَن اتَّبعَهُ لا يَنقصُ مِنْ أجُورِهِمْ شيءٌ ، وأيُّمَا داعٍ دَعَى إلى الضَّلالِ فاتُّبعَ ؛ كَان عَليْهِ وِزْرُ من اتَّبعَه لا ينقص مِنْ آثامهمْ شيءٌ " . قوله : { وَمِنْ أوْزَارِ } فيه وجهان : أحدهما : أنَّ " مِنْ " مزيدة ، وهو قول الأخفش ، أي : وأوزار الذين ، على معنى : ومثل أوزار ؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام - : " كَانَ عَليْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ منْ عَمِلَ بِهَا " . الثاني : أنها غير مزيدة ، وهي للتبعيض ، أي : وبعض أوزار الذين ، وقدَّر أبو البقاءِ : مفعولاً حذف ، وهذه صفته ، أي : وأوزار من أوزار ، ولا بد من حذف " مثل " أيضاً . ومنع الواحديُّ أن تكون " مِنْ " للتبعيض ، قال : " لأنَّهُ يستلزم تخفيف الأوزار عن الأتباع ، وهو غير جائز ، لقوله - صلوات الله وسلامه عليه - : " مِنْ غَيْرِ أن يَنقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شيء " لكنها للجنس ، أي : ليحملوا من جنس أوزار الأتباع " . قال أبو حيان : " والتي لبيان الجنس لا تقدَّر هكذا ؛ وإنَّما تقدر الأوزار التي هي أوزارُ الذين يضلونهم فهو من حيث المعنى موافق لقول الأخفش ، وإن اختلفا في التقدير " . قوله تعالى : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال وفي صاحبها وجهان : أحدهما : أنه مفعول " يُضِلُّونَ " أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلالٌ ؛ قاله الزمخشريُّ . والثاني : أنه الفاعل ، ورجَّح هذا بأنَّه المحدث عنه ، وتقدم الكلام في إعراب نحو : " سَاء مَا يَزرُونَ " وأنَّها قد تجري مجرى بِئْسَ ، والمقصود منه المبالغة في الزَّجْرِ . فإن قيل : إنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة عنهم ، ولم يجب عنها ، بل اقتصر على محض الوعيد ، فما السبب فيه ؟ . فالجواب : أنه - تعالى - بين كون القرآن معجزاً بطريقين : الأول : أنه - صلوات الله وسلامه عليه - تحدَّاهم تارة بكل القرآن ، وتارة بعشر سورٍ ، وتارة بسورةٍ واحدةٍ ، وتارة بحديثٍ واحدٍ ، وعجزوا عن المعارضة ؛ وذلك يدل على كون القرآن معجزاً . الثاني : أنه - تعالى - حكى هذه الشُّبهة بعينها في قوله : { ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] ، وأبطلها بقوله : { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } [ الفرقان : 6 ] أي : أنَّ القرآن مشتملٌ على الإخبارِ عن الغيوب ، وذلك لا يتأتَّى إلا ممَّن يكون عالماً بأسرار السماوات ، والأرض ، ولما ثبت كون القرآن معجزاً بهذين الطريقين ، وتكرر شرحهما مراراً ؛ لا جرم اقتصر ههنا على مجرد الوعيد . قوله تعالى : { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } ذكر هذه الآية مبالغة في وصف أولئك الكفار . قال بعض المفسرين : المراد بالذين من قبلهم نمرودُ بن كنعان بنى صَرْحاً عظيماً بِبَابلَ طوله خمسة آلافِ ذراع ، وعرضه ثلاثة آلافِ ذراع - وقيل : فرسخاً - ورام منه الصُّعودَ إلى السماء ؛ ليقاتل أهلها ، فَهَبَّتْ ريحٌ وألقت رأسها في البحر ، وخرَّ عليهم الباقي وهم تحته ، ولما سقط الصَّرحُ تبلبلت ألسن النَّاس من الفزع يومئذ ؛ فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً ؛ فلذلك سمِّيت بابل ، وكانوا يتكلمون قبل ذلك بالسريانية ؛ فذلك قوله تعالى : { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي : قصد تخريب بنيانهم من أصولها . والصحيح : أنَّ هذا عامٌّ في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضَّرر والمكر بالمحقِّين . واعلم أنَّ الإتيان ها هنا عبارةٌ عن إتيان العذاب ، أي : أنهم لمَّا كفروا ؛ أتاهم الله بزلزال تقلقلتْ منها بنيانهم من القواعد ، و الأساس ؛ والمراد بهذا محض التَّمثيلِ والمعنى : أنَّهم رتبوا منصوباتٍ ؛ ليمكروا بها أنبياء الله ؛ فجعل هلاكهم مثل قوم بنوا بنياناً ، وعمدوه بالأساطين ، فانهدم ذلك البناءُ ، وسقط السقف عليهم ؛ كقولهم : " مَنْ حَفَرَ بِئْراً لأخِيهِ أوْقعَهُ اللهُ فِيهِ " . وقيل : المراد منه ما دل عليه الظاهر . قوله تعالى : { مِّنَ الْقَوَاعِدِ } " مِن " لابتداءِ الغايةِ ، أي : من ناحية القواعد ، أي : أتى أمر الله وعذابه . قوله " مِنْ فَوقِهِمْ " يجوز أن يتعلَّق بـ " خَرَّ " ، وتكون " مِن " لابتداءِ الغاية ، ويجوز يتعلَّق بمحذوفٍ على أنها حالٌ من " السَّقف " وهي حال مؤكدة ؛ إذ " السَّقفُ " لا يكون تحتهم . وقيل : ليس قوله : " مِنْ فَوقِهِمْ " تأكيدٌ ؛ لأنَّ العرب تقول : " خَرَّ عَليْنَا سَقفٌ ، ووقَعَ عَليْنَا حَائِطٌ " إذا كان عليه ، وإن لم يقع عليه ، فجاء بقوله " مِنْ فَوْقِهِم " ليخرج به هذا الذي في كلام العرب ، أي : عليهم وقع ، وكانوا تحته فهلكوا . وهذا غير طائل ، والقول بالتوكيد أظهر . وقرأ العامة : " بُنْيَانَهُمْ " ، وقوم : بُنْيَتَهُمْ ، وفرقة منهم أبو جعفر : بَيْتَهُم . والضحاك : بُيوتَهُم . والعامة : " السَّقْفُ " أيضاً مفرداً ، وفرقة : بفتح السِّين ، وضمِّ القاف بزنة " عَضُد " وهي لغة في " السَّقفِ " ولعلَّها مخففة من المضموم ، وكثر استعمال الفرع ؛ لخفَّته ، كقولهم في لغة تميم " رَجُلٌ " ولا يقولون : رجُلٌ . وقرأ الأعرج : " السُّقُف " بضمتين ، وزيد بن علي : بضم السين ، وسكون القاف ، وقد تقدم مثل ذلك في قراءة { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] ثم قال : { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } إن حملنا الكلام على محض التمثيل ؛ فالمعنى : أنَّهُمْ اعتمدوا على منصوباتهم ، ثم تولَّد البلاء منها بأعيانها ، وإن حملناه على الظاهر ، فالمعنى : أن السَّقف نزل عليهم بغتة . ثم بين - تعالى - أن عذابهم لا يكون مقصوراً على هذه القدر ، بل الله - تعالى - يخزيهم [ يومَ ] القيامة ، و الخِزْيُ : هو العذاب مع الهوانِ ؛ فإنه يقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } . قال أبو العبَّاس المقريزيُّ - رحمه الله - : ورد لفظ " الخِزْي " في القرآن على أربعة [ معانٍ ] : الأول : بمعنى العذاب ؛ كهذه الآية ؛ وكقوله تعالى : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } [ الشعراء : 87 ] أي : لا تُعذِّبني . الثاني : بمعنى القَتْلِ ؛ قال تعالى : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [ البقرة : 85 ] ، أي : القتلُ . قيل : نزلت في بني قريظة ، ومثله : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } [ الحج : 9 ] أي : فضيحة . قيل : نزلت في النضر بن الحارث . الثالث : بمعنى الهوان ، قال تعالى : { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ } [ يونس : 98 ] أي الهوان . الرابع : بمعنى الفضيحة قال تعالى : { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [ آل عمران : 192 ] أي فضحته ، ومثله : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } [ الشعراء : 87 ] ومثله : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } [ هود : 78 ] ومثله : { أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ } [ المائدة : 33 ] . قوله : { أَيْنَ شُرَكَآءِيَ } مبتدأ وخبر ، والعامة على " شُركَائِيَ " مدوداً ، مهموزاً ، مفتوح الياءِ ، وفرقة كذلك تسكنها فتسقط وصلاً ؛ لالتقاءِ الساكنين ، وقرأ البزي - بخلاف عنه - بقصره مفتوح الياء ، وقد أنكر جماعة هذه القراءة ، وزعموا أنها غير مأخوذ بها ؛ لأنَّ قصر الممدود لا يجوز إلاَّ ضرورة . وتعجب أبو شامة من أبي عمرٍو الدانيِّ ، حيث ذكرها في كتابه ؛ مع ضعفها ، وترك قراءاتٍ شهيرة واضحة . قال شهاب الدِّين : " وقد روى ابن كثيرٍ - أيضاً - قصر التي في القصص ، وروي عنه - أيضاً - قصرُ " وَرائِي " في مريم ، وروي عنه أيضاً قَصْرُ : { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 7 ] في سورة العلق ، فقد روى عنه قصر بعض الممدودات ، فلا يبعد رواية ذلك هنا عنه " . وبالجملة : قصر الممدود ضعيفٌ ؛ ذكره غير واحدٍ ؛ لكن لا يصلُ به على حدِّ الضرورة . قوله : " تُشَاقُّون " قرأ نافع : بكسر النن خفيفة ، والأصل : تُشاقُّونِّي فحذفها مجتزئاً عنها بالكسرة . والباقون : بفتحها ، خفيفة ، ومفعوله محذوف ، أي : تشاقُّون المؤمنين ، أو تشاقُّون الله ؛ بدليل القراءة الأولى . وضعَّف أبو حاتم هذه القراءة ؛ أعني : قراءة نافع ، وقرأت فرقة : بتشديدها مكسورة ، والأصل : تُشَاقُّوننِي ؛ فأدغم ، وقد تقدم تفصيل ذلك في : { أَتُحَاجُّوۤنِّي } [ الأنعام : 80 ] و { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] وسيأتي في قوله تعالى : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُوۤنِّيۤ } [ الزمر : 64 ] . فصل قال الزجاج : قوله { أَيْنَ شُرَكَآءِيَ } ، أي : في زعمكم ، واعتقادكم ، ونظيره : { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 22 ] وحسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سببٍ ؛ كما يقال لمن يحمل خشبة : " خُذْ طَرفَكَ ، وآخُذُ طَرفِي " فأضاف الطَّرفَ إليهِ . ومعنى " تُشَاقُّونَ " أي : تعادون ، وتخاصمون المؤمنين في شأنهم ، والمشاقَّة : عبارة عن كون أحد الخصمين في شقٍّ ، والخصم الآخر في الشق الآخر . ثم قال تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } قال ابن عباسٍ : يريد الملائكة ، وقال آخرون : هم المؤمنون الذين يقولون حين يرون خزي الكفار في القيامة : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ } العذاب { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } وفائدة هذا الكلام : أنَّ الكفار كانوا يتكبَّرون على المؤمنين في الدنيا ، فإذا ذكر المؤمنون هذا الكلام يوم القيامة ؛ كان هذا الكلام في إيذاء الكفار أكمل وحصول الشماتة أقوى . فصل في احتجاج المرجئة بالآية احتج المرجئة بهذه الآية على أنَّ العذاب مختصٌّ بالكافرين ، [ قالوا : ] فإن قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ } في يوم القيامة مختص بالكافرين ، ويؤكد هذا قول موسى - عليه السلام - : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [ طه : 48 ] . قوله : " اليَوْمَ " منصوب بـ " الخِزْيَ " وعمل المصدر فيه " ألْ " وقيل : هو منصوب بالاستقرار في { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } إلاَّ أنَّ فيه فصلاً بالمعطوف بين العامل ومعموله ؛ واغتفر ذلك ؛ لأنهم يتوسَّعون في الظروف . قوله : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ } يجوز أن يكون الموصول مجرور المحلِّ ؛ نعتاً لما قبله ، أو بدلاً منه ، أو بياناً له ، وأن يكون منصوباً على الذم أو مرفوعاً عليه ، أو مرفوعاً بالابتداء ، والخبر قوله { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } والفاء مزيدة في الخبر ؛ قاله ابن عطية . وهذا لا يجيء إلاَّ على رأي الأخفش ؛ في إجازته زيادة الفاء في الخبر مطلقاً ؛ نحو : " زيْدٌ فقامَ " ، أي : قام ، ولا يتوهم أنَّ هذه الفاء هي التي تدخل مع الموصول المضمَّن معنى الشَّرط ؛ لأنَّه لو صرَّح بهذا الفعل مع أداة الشرط ، لم يجز دخول الفاء عليه ؛ فما ضمِّن معناه أولى بالمنع ؛ كذا قاله أبو حيان ، وهو ظاهر . وعلى الأقوالِ المتقدمة ، خلا القول الأخير يكون " الَّذينَ " وصلته داخلاً في القول ، وعلى القول الأخير ، لا يكون داخلاً فيه ، وقرأ " يَتوفَّاهُمُ " بالياءِ في الموضعين حمزة ، والباقون : بالتاء من فوق ؛ وهما واضحتان مما تقدم في قوله : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ آل عمران : 39 ] وناداه ، وقرأت فرقة : بإدغام إحدى التاءين في الأخرى ، وفي مصحف عبد الله : " تَوفَّاهمُ " بتاء واحدة ، وهي محتملة للقراءةِ بالتشديد على الإدغام ، وبالتخفيف على حذف إحدى التَّاءين . و { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } حالٌ من مفعولٍ " تَتوفَّاهُمُ " ، و " تَتوفَّاهُمُ " يجوز أن يكون مستقبلاً على بابه ؛ إن كان القول واقعاً في الدنيا ، وإن كان ماضياً على حكاية الحال إن كان واقعاً يوم القيامةِ . قوله " فألْقوا " يجوز فيه أوجهٌ : أحدها : أنه خبر الموصول ، وقد تقدم فساده . الثاني : أن يكون عطفاً على " قَالَ الَّذِينَ " . الثالث : أن يكون مستأنفاً ، والكلام قد تمَّ عند قوله : " أنْفُسهمْ " ثمَّ عاد بقوله : " فألْقَوا " إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة ؛ فعلى هذا يكون قوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } إلى قوله " أنْفُسهِمْ " جملة اعتراضٍ . الرابع : أن يكون معطوفاً على " تَتوفَّاهُم " قاله أبو البقاءِ . وهذا إنَّما يتمشى على أنَّ " تَتوفَّاهُم " بمعنى المضيِّ ؛ ولذلك لم يذكر أبو البقاء في " تَتوفَّاهُم " سواه . قوله { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } فيه أوجهٌ : أحدها : أن يكون تفسيراً للسلم الذي ألقوه ؛ لأنَّه بمعنى القول ؛ بدليل الآية الأخرى : { فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } [ النحل : 86 ] قاله أبو البقاء ، ولو قال : يُحْكى بما هو بمعنى القول ؛ لكان أوفق لمذهبِ الكوفيِّين . الثاني : أن يكون منصوباً بقولٍ مضمرٍ ، ذلك القول منصوبٌ على الحالِ ، أي : فألقوا السَّلم قائلين ذلك . و " مِنْ سُوءٍ " مفعول " نَعْملُ " زيدت فيه " مِنْ " ، و " بَلَى " جوابٌ لـ " مَا كُنَّا نعمل " فهو إيجابٌ له . فصل قال ابن عباس رضي الله عنه : استسلموا ، وأقرُّوا لله بالعبودية عند الموت ، وقالوا { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } ، والمراد من هذا السوء الشِّرك ، فقالت الملائكة تكذيباً لهم { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من التكذيب ، والشرك ، وقيل : تمَّ الكلام عند قوله : { ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } ثم عاد إلى حكايةِ كلام المشركين إلى يوم القيامة ، والمعنى : أنَّهم يوم القيامة ألقوا السَّلم ؛ وقالوا : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } على سبيل الكذب ، ثمَّ ههنا اختلفوا : فالذين جوَّزوا الكذب على أهلِ القيامة قالوا : إنَّ قولهم : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } لغاية الخوف ، والَّذينَ لم يجوِّزوا الكذب عليهم قالوا : المعنى : ما كنَّا نعمل مِنْ سُوءٍ عند أنفسنا وفي اعتقادنا ، وقد تقدَّم الكلام في قوله الأنعام : { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] هل يجوز الكذب على أهل القيامة ، أم لا ؟ . وقوله : { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يحتمل أن يكون من كلام الله أو بعض الملائكة . ثم يقال لهم : { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } وهذا يدلُّ على تفاوت منازلهم في العقاب ، وصرَّح بذكر الخلود ؛ ليكون الغمُّ [ والحزن ] أعظم . قوله : " فَلَبِئْسَ " هذه لام التأكيد ؛ وإنما دخلت على الماضي لجموده وقربه من الأسماء ، والمخصوص بالذم محذوفٌ ، أي : جهنَّم . قوله تعالى : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } الآية . لما بين أحوال الكافرين ، أتبعه ببيان أحوال المؤمنين . قال القاضي [ المتقي هو : ] تارك جميع المحرَّمات وفاعل جميع الواجبات . وقال غيره : المتَّقي : هو الذي يتَّقي الشرك . قوله : " خَيْراً " العامة على نصبه ، أي : أنزل خيراً . قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : لِمَ رفع " أسَاطِيرُ الأولين " ونصب هذا ؟ . قلت : فصلاً بين جواب المقر ، وجواب الجاحد ، يعني : أنَّ هؤلاء لما سئلوا لم يَتَلعْثَمُوا ، وأطبقوا الجواب على السؤال بيِّناً مكشوفاً مفعولاً للإنزال فـ " قَالُوا خَيْراً " أي : أنزل خيراً وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال ، فقالوا : هو أساطير الأوَّلين ، وليس هو من الإنزال في شيءٍ " . وقرأ زيد بن عليٍّ : " خَيْرٌ " بالرفع ، أي : المُنزَّلُ خيرٌ ، وهي مُؤيِّدة لجعل " مَاذَا " موصولة ، وهو الأحسن ؛ لمطابقة الجواب لسؤاله ، وإن كان العكس جائزاً ، وقد تقدم تحقيقه في البقرة . قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } هذه الجملة يجوز فيها أوجه : أحدها : أن تكون منقطعة عما قبلها استئناف إخبار بذلك . الثاني : أنَّها بدلٌ من " خَيْراً " . قال الزمخشري : " هو بدلٌ من " خَيْراً " ؛ حكاية لقول " الَّذينَ اتَّقوا " ، أي : قالوا هذا القول فقدَّم تسميته خبراً ثمَّ حكاه " . الثالث : أنَّ هذه الجملة تفسير لقوله : " خَيْراً " ، وذلك أنَّ الخير هو الوحيُ الذي أنزل الله فيه : من أحسن في الدنيا بالطاعةِ ؛ فله حسنةٌ في الدنيا ، وحسنةٌ في الآخرة . وقوله : { فِي هَٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا } الظاهر تعلقه بـ " أحْسَنُوا " ، أي : أوقعوا الحسنة في دار الدنيا ، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوفٍ على أنَّه حكاية حالٍ من " حَسنةً " ، إذ لو تأخر ؛ لكان صفة لها ، ويضعف تعلقه بها نفسها ؛ لتقدمه عليها . فصل قال المفسرون : إنَّ أحياء من العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء [ سائل ] المشركين الذين قعدوا على الطريق عن محمدٍ - صلوات الله وسلامه عليه - فيقولون : ساحر ، وكاهن ، وشاعر وكذاب ، كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأتي المؤمنين فيسألهم عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه ؛ فيقولون " خَيْراً " ، أي أنزل خيراً ، ثم ابتدأ فقال : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي كرامة من الله . قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه - : هي تضعيفُ الأجر إلى العشرة . وقال الضحاك : هي النصرة والفتح . وقال مجاهدٌ : هي الرزقُ الحسن ، ويحتمل أن يكون الذي قالوه من الجواب موصوف بأنه خيرٌ . وقولهم " خَيْراً " جامع لكونه حقاً وصواباً ، ولكونهم معترفين بصحته ، ولزومه وهذا بالضدِّ من قول الذين لا يؤمنون : إن ذلك أساطير الأولين . وتقدم الكلام على " خَيْرٌ " في سورة الأنعام في قوله تعالى : { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ } [ الأنعام : 32 ] . ثم قال تعالى : { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ } ، أي ولنعم دار المتقين دارُ الآخرة فحذفت ؛ لسبق ذكرها . هذا إذا لم تجعل هذه الآية متصلة بما بعدها ، فإن وصلتها بما بعدها قلت : { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ } برفع " جَنَّاتُ " على أنها اسم لـ " نِعْمَ " كما تقول : نِعْمَ الدَّارُ دَارٌ يَنْزلُهَا زَيْدٌ . قوله { جَنَّاتُ عَدْنٍ } يجوز أن يكون هو المخصوص بالمدح ؛ فيجيء فيها ثلاثة أوجهٍ : رفعها بالابتداءِ ، والجملة المتقدمة خبرها . أو رفعها بالابتداءِ ، والخبر محذوف ؛ وهو أضعفها ، وقد تقدم تحقيق ذلك . ويجوز أن يكون " جَنَّاتُ عَدنٍ " خبر مبتدإ مضمرٍ لا على ما تقدم ، بل يكون المخصوص [ بالمدح ] محذوفاً ؛ تقديره : ولنعم دارُ المتقين دارهم هي جنات . وقدره الزمخشري : { ولنِعْمَ دارُ المتَّقِينَ دَارُ الآخرةِ } ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر جملة ، من قوله " يَدْخُلونهَا " ويجوز أن يكون الخبر مضمراً ، تقديره : لهم جنَّات عدنٍ ، ودلَّ على ذلك قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } . والعامة على رفع " جَنَّات " على ما تقدم ، وقرأ زيد بن ثابت ، والسلميُّ " جَنَّاتِ " نصباً على الاشتغالِ بفعلٍ مضمرٍ ، تقديره : بدخُلونَ جنَّاتِ عدْنٍ يَدخُلونهَا ، وهذا يقوي أن يكون " جَنَّاتُ " مبتدأ ، و " يَدْخُلونهَا " الخبر في قراءةِ العامَّة ، وقرأ زيد بن عليٍّ : " ولنِعْمَتْ " بتاءِ التأنيث ، مرفوعة بالابتداء و " دَارِ " خفض بالإضافة ، فيكون " نِعْمَت " مبتدأ و " جَنَّات عَدْنٍ " الخبر . و " يدخلونها " في جميع ذلك نصب على الحال ، إلا إذا جعلناه خبراً لـ " جنات " ، وقرأ نافع في رواية : " يُدخَلُونهَا " بالياء من تحت ؛ مبنياً للمفعول . وقرأ أبو عبد الرحمن : " تَدْخُلونهَا " بتاء الخطاب مبنياً للفاعل . قوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } يجوز أن يكون منصوباً على الحال من " جَنَّاتُ " قاله ابن عطيَّة ، وأن يكون في موضع الصفة لـ " جنَّات " قاله الحوفيُّ ، والوجهان مبنيَّان على القول في " عَدْنٍ " هل هي معرفة ؛ لكونه علماً ، أو نكرة ؟ فقائل الحال : لحظ الأول ، وقائل النَّعتِ : لحظ الثاني . قوله : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } الكلام في هذه الجملة ، كالكلام في الجملة قبلها ، والخبر إمَّا " لَهُمْ " وإمَّا " فِيهَا " . قوله : " كَذلِكَ " الكاف في محل نصب على الحال من ضمير المصدر ؛ أو نعتاً لمصدرٍ مقدَّر ، أو في محل رفع خبر المبتدأ مضمر ، أي : الأمر كذلك و { يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } مستأنف . فصل قال الحسن : دار المتقين هي الدُّنيَا ؛ لأنَّ أهل التَّقوى يتزوَّدون فيها للآخرة . وقال أكثرُ المفسرين : هي الجنَّة ، ثم فسرها فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } فقوله " جَنَّاتُ عدْنٍ " يدلُّ على القصور ، والبساتين ، وقوله : " عَدْنٍ " يدل على الدَّوامِ ، وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها ، والأنهار جارية من تحتهم ، { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } من كلِّ الخيراتِ ، { كَذَٰلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي : هذا جزاء التَّقوى . ثم وصف المتقين فقال : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ } وهذا مقابلٌ لقوله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } [ النحل : 28 ] . وقوله : " طَيِّبِينَ " كلمة مختصرة جامعة لمعان كثيرة ؛ فيدخل فيها إتيانهم بالمأموراتِ ، واجتنابهم عن المنهيات ، واتصافهم بالأخلاق الفاضلة ، وبراءتهم عن الأخلاق المذمومة . وأكثر المفسرين يقول : إن هذا التَّوفي قبض الأرواح . وقال الحسن : إنه وفاةُ الحشر ؛ لقوله بعد { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } واحتج الأولون بأن الملائكة لما بشروهم بالجنة ، صارت الجنة كأنها دارهم ، فيكون المراد بقوله : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } أي : خاصة لكم ، " يَقُولونَ " يعني الملائكة : " سَلامٌ عَلَيْكُم " وقيل : يُبلِّغونَهم سلام الله . قوله : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ } يحتمل ما ذكرناه فيما تقدم ، وإذا جعلنا " يَقُولون " خبراً فلا بدَّ من عائدٍ محذوفٍ ، أي : يقولون لهم ، وإذا لم نجعله خبراً ، كان حالاً من الملائكة ؛ فيكون " طَيِّبينَ " حالاً من المفعول ، و " يَقُولُونَ " حالاً من الفاعل ، وهي يجوز أن تكون حالاً مقارنة ، أي : كان القول واقعاً في الدنيا ، ومقدرة إن كان واقعاً في الآخرة . ومعنى " طَيِّبينَ " ، أي ظاهرين من الشرك ، وقيل : صالحين ، وقيل : زاكية أعمالهم وأقوالهم ، وقيل : طيِّبي الأنفس ؛ ثقة بما يلقونه من ثواب الله - تعالى - وقيل : طيبة نفوسهم ، بالرجوع إلى الله ، وقيل : طيِّبين ، أي : يكون وفاتهم طيبة سهلة . و " ما " في " بِمَا " مصدرية ، أو بمعنى الذي ؛ فالعائد محذوف .