Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 11-11)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الباءين ثلاثة أوجه : أحدها : أنهما متعلقتان بالدُّعاء على بابهما ؛ نحو : " دَعوْتُ بكذا " والمعنى : أنَّ الإنسان في حال ضجره قد يدعو بالشَّر ، ويلحُّ فيه ، كما يدعو بالخير ويلحُّ فيه . والثاني : أنهما بمعنى " في " بمعنى أنَّ الإنسان إذا أصابه ضرٌّ ، دعا وألحَّ في الدعاءِ ، واستعجل الفرجَ ؛ مثل الدعاءِ الذي كان يحبُّ أن يدعوهُ في حالة الخير ، وعلى هذا : فالمدعوُّ به ليس الشرَّ ولا الخير ، وهو بعيدٌ . الثالث : أن تكون للسَّبب ، ذكره أبو البقاء ، والمعنى لا يساعده ، والمصدر مضافٌ لفاعله . وحذفت الواو ولفظها الاستقبال باللاَّم الساكنة ؛ كقوله تعالى : { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] وحذف في الخط أيضاً ، وهي غير محذوفة في المعنى . فصل في نظم الآية وجه النَّظم : أن الإنسان بعد أن أنزل الله - تعالى - عليه هذا القرآن ، وخصه بهذه النعم العظيمة ، قد يعدل على التمسُّك بشرائعه ، والرُّجوع إلى بيانه ، ويقدم على ما لا فائدة فيه ، فقال : { وَيَدْعُ ٱلإِنسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ } . واختلفوا في المراد من دعاء الإنسان بالشرِّ ، فقيل : المراد منه النضر بن الحارث ، حيث قال : اللهُم ، إن كان هذا هو الحقَّ من عندكَ . فأجاب الله دعاءه ، وضُربَتْ رَقَبتهُ ، وكان بعضهم يقول : ائْتِنَا بعذابِ الله ، وآخرون يقولون : مَتَى هذا الوعد إن كنتم صَادقِينَ ، وإنَّما فعلوا ذلك ؛ للجَهْلِ ، ولاعتقادِ أن محمَّداً - صلوات الله وسلامه عليه - كاذبٌ فيما يقول . وقيل : المراد أنَّ الإنسان في وقت الضجر يلعنُ نفسه ، وأهله وولده ، وماله ؛ كدعائه ربَّه أن يهب له النعمة والعافية ، ولو استجاب الله دعاءه على نفسه في الشرِّ ، كما يستجيب له في الخير ، لهلك ، ولكنَّ الله لا يستجيبُ ؛ لفضله . رُوِيَ " أن النبي المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه - دفع إلى سودةَ بنت زَمْعةٍ أسيراً ، فأقبل يَئِنُّ باللَّيْلِ ، فقالت له : مَا لَكَ تَئِنُّ ؟ فَشَكَى ألم القدِّ ، فأرْخَتْ لهُ مِنْ كتافه ، فلمَّا نَامَتْ أخرجَ يدهُ ، وهَربَ فلمَّا أصْبحَ النبي صلى الله عليه وسلم دعا بِهِ ، فأعْلمَ بِشأنهِ ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : اللَّهُمَّ اقطعْ يَدهَا ، فَرفَعتْ سَوْدَةُ - رضي الله عنها - يَدهَا تتَوقَّعُ أن يَقْطعَ الله يَدهَا ، فقَال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : إنِّي سَألتُ الله أنْ يَجْعلَ دُعائِي على مَنْ لا يَسْتحقُّ عَذاباً مِنْ أهْلِي رَحْمةً ؛ لأنِّي بَشرٌ أغْضَبُ كَمَا تَغْضَبُونَ " . وقيل : يحتمل أن يكون المرادُ أنَّ الإنسان قد يبالغُ في الدُّعاء طلباً للشَّيء ، يعتقد أنَّ خيره فيه ، مع أنَّ ذلك الشيء منبع لشرِّه وضرره ، وهو يبالغ في طلبه ؛ لجهله بحال ذلك الشَّيء ، وإنما يقدم على مثل هذا العمل ؛ لكونه عجولاً مُغْتَرًّا بظواهر الأمور غير متفحِّصٍ عن حقائقها ، وأسرارها . ثم قال تعالى : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } . قيل : المراد بهذا الإنسان آدمُ - صلوات الله وسلامه عليه - لأنه لمَّا انتهت الرُّوحُ إلى سُرَّته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى ، فذهب لينهض ، فلم يقدر ، فهو قوله جلَّ ذكرهُ : { وَكَانَ ٱلإِنسَانُ عَجُولاً } . وقيل : المراد الجنس ؛ لأنَّ أحداً من النَّاس لا يعرى عن عجلةٍ ، ولو تركها ، لكان تركها أصلح له في الدِّين والدُّنيا ، ومعنى القولين واحدٌ ؛ لأنَّا إذا حملنا الإنسان على آدم - صلوات الله وسلامه عليه - فهو أبُو البشر وأصلهم ، فإذا وصف بالعجلة ، كانت الصفة لازمةً لأولاده . وقال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنه - : " عَجُولاً " ضَجُوراً لا صبر له على سرَّاء ولا ضرَّاء .