Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 9-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } الآية . لما شرح فعله في حقِّ عباده المخلصين ، وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيتاء التَّوراة لموسى - عليه السلام ، وما فعله في حقِّ العصاة ، وهو تسليطُ البلاء عليهم - كان ذلك تنبيهاً على أنَّ طاعة الله توجب كلَّ خيرٍ ، ومعصيته توجب كلَّ بلية ، ولا جرم أثنى على القرآن ، فقال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } . قوله تعالى : { لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } : نعتٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي : للحالةِ ، أو للملَّة ، أو للطريقة قال الزمخشريُّ : " وأيّتما قدَّرتَ ؛ لمْ تَجِدْ مَعَ الإثباتِ ذَوْقَ البلاغة الذي تَجدهُ مع الحذفِ ؛ لِما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامةٍ تفقد مع إيضاحه " . قال ابن الخطيب : وقولنا : هذا الشَّيء أقومُ من ذاك إنما يصح في شيئين اشتركا في معنى الاستقامة ، ثم كان حصول معنى الاستقامة في إحدى الصورتين ، أكثر وأكمل من حصوله في الصورة الثانية ، وهذا هنا محال ؛ فكان وصفه بأنه أقوم مجازاً ، إلا أن لفظ " أفْعَل " قد جاء بمعنى الفاعل ، كقولنا : " اللهُ أكْبَرُ " ، أو يحمل هذا اللفظ على الظاهر المتعارف ، ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن ؛ كقوله تعالى : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] أي بالخصلة التي هي أحسنُ . ومعنى " هِيَ أقْومُ " أي : إلى الطريقة التي هي أصوبُ . وقيل : إلى الكلمة التي هي أعدلُ وهي شهادة أن لا إله إلا الله { وَيُبَشِّرُ } - يعني القرآن - { ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ } أي : بأنَّ لهم { أَجْراً كَبِيراً } وهو الجنَّة . قوله تعالى : { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون عطفاً على " أنَّ " الأولى ، أي : يُبشِّرُ المؤمنين بشيئين : بأجرٍ كبيرٍ ، وبتعذيب أعدائهم ، ولا شكَّ أنَّ ما يصيب عدوَّك سرورٌ لك ، وقال الزمخشري : " ويحتمل أن يكون المراد : ونخبر بأنَّ الَّذينَ " . قال أبو حيّان : " فلا يكون إذ ذاك داخلاً تحت البشارةِ " . قال شهابُ الدِّين : قول الزمخشريِّ يحتمل أمرين : أحدهما : أن يكون قوله " ويحتمل أن يكون المراد : ويخبر بأنَّ " من باب الحذف ، أي : حذف " ويُخْبِرُ " وأبقى معموله ، وعلى هذا فيكون " أنَّ الَّذينَ " غير داخلٍ في حيِّز البشارة بلا شكٍّ ، ويحتمل أن يكون قصده : أنه يريد بالبشارة مجرَّد الإخبار ، سواءٌ كان بخيرٍ أم بشرٍّ ، وهل هو فيهما حقيقةٌ أو في أحدهما ، وحينئذ يكون جمعاً بين الحقيقة والمجاز ؛ أو استعمالاً للمشترك في معنييه ؛ وفي المسألتين خلافٌ مشهورٌ ، وعلى هذا : فلا يكون قوله " وأنَّ الَّذينَ لا يؤمِنُونَ " غير داخلٍ في حيِّز البشارةِ ، إلاَّ أنَّ الظاهر من حالِ الزمخشريِّ : أنَّه لا يجيزُ الجمع بين الحقيقةِ والمجازِ ، ولا استعمال المشتركِ في معنييه . فصل اعلم أن العمل الصَّالحَ ، كما يوجب لفاعله النَّفع الأكمل الأعظم ، كذلك تركه يوجب الضَّرر الأكمل الأعظم ، فإن قيل : كيف يليقُ لفظ البشارة بالعذاب ؟ . فالجواب : هذا مذكورٌ على سبيل التهكُّم ، أو من باب إطلاق أحد الضِّدَّين على الآخر ؛ كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] وتقدَّم الكلام عليه قبل الفصل ، فإن قيل : هذه الآية [ واردة ] في شرح أحوالِ اليهود ، وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة ، فكيف يليق بهذا الموضع قوله تعالى : { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } ؟ . فالجواب عنه من وجهين : أحدهما : أنَّ أكثر اليهود ينكرُون الثواب والعقاب الجسمانيين . والثاني : أن بعضهم قال : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] فهم بهذا القول صاروا كالمنكرينَ للآخرةِ .