Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 37-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا هو النهي الثاني . قوله تعالى : " مَرَحاً " : العامة على فتحِ الراء ، وفيه أوجه : أحدها : أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحال ، أي : مرحاً بكسر الراء ، ويدل عليه قراءة بعضهم فميا حكاه يعقُوب " مَرِحاً " بالكسرِ . قال الزجاج : " مرَحاً " مصدر ، ومرِحاً : اسم الفاعل ، وكلاهما جائز ، إلا أن المصدر هنا أحسن وأوكد ، تقول : جاء زيد ركضاً وراكضاً ، وآكد ؛ لأنه يدل على توكيد الفعل . الثاني : أنه على حذف مضافٍ ، أي : ذا مرحٍ . الثالث : أنه مفعولٌ من أجله . والمَرحُ : شدَّة السرورِ والفرح ؛ مَرِحَ يمْرحُ مرحاً ، فهو مَرحٌ ؛ كفَرِحَ يَفْرحُ فرحاً ، فهو فَرِحٌ . قوله : { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } الآية . قرأ أبو الجرَّاح " لن تَخرُق " بضم الراء ، وأنكرها أبو حاتم وقال : لا نعرفها لغة البتَّة . والمراد من الخرقِ ها هنا نقب الأرض ، وذكروا فيه وجوهاً : الأول : أنَّ الشيء إنما يتمُّ بالارتفاع والانخفاض ، فكأنه قال إنَّك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض ونقبها ، وحال الارتفاع لا تقدر على أن تصل إلى رءوس الجبال ، والمعنى : أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً ، كمن يريد خرق الأرض ، ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء . والمراد التنبيهُ على كونه ضعيفاً عاجزاً ، فلا يليقُ به التكبُّر . الثاني : أنَّ تحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها ، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها ، فأنت محاطٌ بك من فوقك ، ومن تحتك بنوعين من الجماد ، وأنت أضعف منهما بكثيرٍ ، والضعيف المحصور لا يليق به التكبُّر ، فكأنه قيل له : تواضع ، ولا تتكبَّر ؛ فإنَّك خلقٌ ضعيفٌ من خلق الله ، محصورٌ بين حجارةٍ وترابٍ ، فلا تفعل فعل القويِّ المقتدر . الثالث : أنَّ من يمشي مختالاً يمشي مرَّة على عقبيه ، ومرَّة على صدور قدميه ، فقيل له : إنَّك لن تنقب الأرض ، إن مشيت على عقبيك ، ولن تبلغ الجبال طولاً ، إن مشيت على صدور قدميك . قال عليٌّ - كرَّم الله وجهه - : كَان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إذا مَشَى تَكَفَّأ تَكفُّؤاً ؛ كأنَّما ينحطُّ من صَبَبٍ . وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : " ما رَأيْتُ شَيْئاً أحْسنَ من رسُول الله صلى الله عليه وسلم كأنَّ الشَّمسَ تَجْري في وجْههِ ، وما رأيتُ أحداً أسرعَ مِشْيةً من رسُول الله صلى الله عليه وسلم كَأنَّما الأرضُ تطوى له ، إنَّا لنَجْهدُ أنْفُسنَا وهُو غَيْرُ مُكْترِثٍ " . قوله تعالى : " طُولاً " يجوز أن يكون حالاً من فاعل " تَبلُغ " أو من مفعوله ، أو مصدراً من معنى " تبلغ " أو تمييزاً ، أو مفعولاً له ، وهذان ضعيفان جدًّا ؛ لعدمِ المعنى .