Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 38-38)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابن عامر والكوفيُّون بضمِّ الهمزة والهاء ، والتذكير ، وتركِ التنوين ، والباقون بفتح الهمزة ، وتاءِ التأنيث منصوبة منونة ، فالقراءة الأولى أشير فيها بذلك إلى جميع ما تقدم ، ومنه السَّيىء والحسنُ ، فأضاف السيِّىء إلى ضمير ما تقدَّم ، ويؤيِّدها ما قرأ به عبد الله : " كلُّ ذلك كان سيِّآتهُ " بالجمع ، مضافاً للضمير ، وقراءة أبيّ " خَبِيثهُ " والمعنى : كل ما تقدم ذكره ممَّا أمِرتُمْ به ونهيتم عنه كان سيِّئهُ - وهو ما نهيتم عنه خاصة - أمراً مكروهاً ، هذا أحسنُ ما يقدِّر في هذا المكانِ . وأمَّا ما استشكله بعضهم من أنَّه يصير المعنى : كل ما ذكر كان سيئة ، ومن جملة كلِّ ما ذكر : المأمورُ به ، فيلزمُ أن يكون فيه سيِّىءٌ ، فهو استشكالٌ واهٍ ؛ لما تقدم من تقرير معناه . و " مَكْرُوهاً " خبر " كان " وحمل الكلامُ كله على لفظ " كلُّ " فلذلك ذكَّر الضمير في " سَيِّئهُ " والخبر ، وهو : مكروهٌ . وأمَّا قراءة الباقين : فيحتمل أن تقع الإشارة فيها بـ " ذلِكَ " إلى مصدري النَّهيينِ المتقدِّمين قريباً ، وهما : قَفْوُ ما ليس به علمٌ ، والمشيُ في الأرض مرحاً . والثاني : أنه أشير به إلى جميع ما تقدَّم من المناهي . و " سيِّئةً " خبر " كان " وأنِّثَ ؛ حملاً على معنى " كلُّ " ثم قال " مَكْرُوهاً " حملاً على لفظها . وقال الزمخشريُّ كلاماً حسناً ، وهو : أنَّ " السَّيِّئة في حكم الأسماءِ : بمنزلة الذَّنبِ والإثم ، زال عنه حكم الصفات ، فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ " سيئة " ومن قرأ " سيِّئاً " ألا ترى أنَّك تقول : الزِّنى سيِّئةٌ ، كما تقول : السَّرقة سيِّئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث " . وفي نصب " مكروهاً " أربعة أوجهٍ : أحدها : أنه خبر ثانٍ لـ " كان " وتعدادُ خبرها جائز على الصَّحيح . الثاني : أنه بدلٌ من " سَيِّئةٍ " وضعف هذا ؛ بأنَّ البدل بالمشتقِّ قليلٌ . الثالث : أنه حالٌ من الضمير المستتر في " عند ربِّك " لوقوعه صفة لـ " سيئة " . الرابع : أنه نعتٌ لـ " سَيِّئةً " ، وإنما ذكر لأن " سيِّئةً " تأنيث موصوفه مجازي ؛ وقد ردَّ هذا ؛ بأن ذلك إنَّما يجوز حيث أسند إلى المؤنث المجازيِّ ، أمَّا إذا أسند إلى ضميره ، فلا ؛ نحو : " الشَّمسُ طَالعةٌ " لا يجوز : " طَالعٌ " إلا في ضرورةٍ كقوله : @ 3422 - … ولا أرْضَ أبْقلَ إبْقالهَا @@ وهذا عند غير ابن كيسان ، وأمَّا ابن كيسان فيجيز في الكلام : " الشَّمسُ طَلع ، وطَالعٌ " . وقيل : إنما ذكَّر سيِّئةً وهي الذنب ، وهو مذكر [ لأن التقدير : كل ذلك كان مكروهاً وسيئة عند ربك ] وقيل فيه تقديمٌ وتأخيرٌ ، أي كل ذلك كان مكروهاً سيئة . فصل وأمَّا قراءة عبد الله فهي ممَّا أخبر فيها عن الجمع إخبار الواحد ؛ لسدِّ الواحد مسدَّه ؛ كقوله : @ 3423 - فَإمَّا تَريْنِي ولِي لمَّةٌ فإنَّ الحَوادِثَ أوْدَى بِهَا @@ لو قال : فإنَّ الحدثان ، لصحَّ من حيثُ المعنى ، فعدل عنه ؛ ليصحَّ الوزنُ . وقرأ عبد الله أيضاً " كَان سَيِّئاتٍ " بالجمع من غير إضافةٍ ، وهو خبر " كان " وهي تؤيِّد قراءة الحرميَّين ، وأبي عمرو . فصل قال القاضي - رحمه الله - : دلَّت هذه الآية على أنَّ هذه الأعمال مكروهة عند الله تعالى ، والمكروهُ لا يكون مراداً ، فهذه الأعمال غير مرادِ الله ، فبطل قول من يقول : كل ما دخل في الوجود ، فهو مراد الله تعالى ، وإذا ثبت أنها ليست بإرادة الله تعالى ، وجب ألاَّ تكون مخلوقة - لله تعالى - ؛ لأنَّها لو كانت مخلوقة لله تعالى ، لكانت مرادة ، لا يقال : المراد من كونها مكروهة : أنَّ الله تعالى نهى عنها . وأيضاً : معنى كونها مكروهة أن الله تعالى كره وقوعها ، وعلى هذا التقدير : فهذا لا يمنع أنَّ الله تعالى أراد وجودها ، لأنَّ الجواب أنه عدولٌ عن الظاهر . وأيضاً : فكونها سيِّئة عند ربِّك يدلُّ على كونها منهيًّا عنها ، فلو حملت المكروه على النَّهي ، لزم التَّكرار . والجواب عن الثاني أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الزجر عن هذه الأفعال ، ولا يليقُ بهذا الموضع أن يقال : إنه تعالى يكرهُ وقوعها . وأجيب بأنَّ المراد من المكروه المنهيُّ عنه ، ولا باس بالتَّكرير ، لأجل التأكيد . فصل قال القاضي دلَّت هذه الآية على أنه تعالى كما أنَّه موصوف بكونه مريداً ، فكذلك أيضاً موصوفٌ بكونه كارهاً . وأجيب بأنَّ الكراهية في حقِّه تعالى محمولة إمَّا على النهي ، [ وإمَّا هي ] إرادة العدم .