Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 47-48)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { بِمَا يَسْتَمِعُونَ } : الباء في " بما " متعلق بـ " أعْلَمُ " . وما كان من باب العلم والجهل في أفعل التفضيل ، وأفعل في التعجب تعدَّى بالباء ؛ نحو : أنت أعلمُ به ، وما أَعلمك به ! ! وهو أجهل به ، وما أجهله به ! ! ومن غيرهما يتعدَّى في البابين باللام ؛ نحو : أنت أكسى للفقراء ، و " مَا " بمعنى الذي ، وهي عبارةٌ عن الاستخفاف والإعراض ، فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف ، والاستهزاءِ الذي يستمعون به ، قاله ابن عطيَّة . قوله : " به " فيه أوجه : أحدها : أنه حال ، فيتعلق بمحذوف . قال الزمخشري : " وبه في موضع الحالِ ، كما تقول : يستمعون بالهزءِ ، أي : هازئين " . الثاني : أنها بمعنى اللامِ ، أي : بما يستمعون له . الثالث : أنها على بابها ، أي : يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم ، قالهما أبو البقاء . الرابع : قال الحوفيُّ : " لم يقلْ يستمعونه ، ولا يستمعونك ؛ لمَّا كان الغرضُ ليس الإخبار عن الاستماعِ فقط ، وكان مضمَّناً أنَّ الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا : مجنونٌ أو مسحورٌ ، جاء الاستماع بالباء وإلى ، ليعلم أنَّ الاستماع ليس المراد به تفهُّم المسموعِ دون هذا المقصد " فعلى هذا ايضاً تتعلَّق الباء بـ " يَسْتمِعُونَ " . قوله تعالى : { إِذْ يَسْتَمِعُونَ } فيه وجهان : أحدهما : أنه معمولٌ لـ " أعْلَمُ " . قال الزمخشري : " إذ يستمعون نصب بـ " أعْلَمُ " أي : أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون ، وبما يتناجون ؛ إذ هم ذوو نجوى " . والثاني : أنه منصوبٌ بـ " يَسْتمِعُونَ " الأولى . قال ابن عطيَّة - رحمه الله - : " والعامل في " إذ " الأولى ، وفي المعطوف " يَسْتمِعُونَ " الأولى " . وقال الحوفيُّ : و " إذ " الأولى تتعلق بـ " يَسْتمِعُونَ " وكذا " وإذْ هُمْ نجْوَى " لأن المعنى : نحن أعلم بالذي يستمعون إليك ، وإلى قراءتك وكلامك ، إنما يستمعون لسقطك ، وتتبُّع عيبك ، والتماسِ ما يطعنون به عليك ، يعني في زعمهم ؛ ولهذا ذكر تعديتهُ بالباء و " إلى " . قوله - عز وجل - : " نَجْوَى " يجوز أن يكون مصدراً ، فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغة ، أو على حذف مضاف ، أي : ذوو نجوى ، كما قاله الزمخشري ، ويجوز أن يكون جمع نجيٍّ ، كقتيلٍ وقتلى ، قاله أبو البقاء . قوله تعالى : { إِذْ يَقُولُ } بدل من " إذ " الأولى في أحد القولين ، والقول لآخر : أنَّها معمولة لـ " اذْكُرْ " مقدَّراً . قوله تعالى : " مَسْحُوراً " الظاهر أنَّه اسم مفعول من " السِّحرِ " بكسر السين ، أي : مخبول العقل ، أو مخدوعه ، وقال أبو عبيدة : معناه أنَّ له سَحْراً ، أي : رئة بمعنى أنه لا يستغني عن الطَّعام والشَّراب ، فهو بشرٌ مثلكم ، وتقول العرب للجبان : " قد انتفخَ سَحرهُ " بفتح السين ، ولكلِّ من أكل وشرب : مسحورٌ ، ومسحرٌ ، فمن الأول قول امرىء القيس : [ الوافر ] @ 3426 - أرَانَا مُوضَعِينَ لأمْرِ غَيْبٍ ونُسْحِرُ بالطَّعامِ وبالشَّرابِ @@ أي : نُغذَّى ونُعَلَّلُ ، ومن الثاني قول لبيدٍ : [ الطويل ] @ 3427 - فَإنْ تَسْألِينَا فيمَ نَحْنُ فَإنَّنَا عَصَافِيرُ مِنْ هذا الأنَامِ المُسحَّرِ @@ وردَّ الناس على أبي عبيدة قوله ؛ لبعده لفظاً ومعنًى . قال ابن قتيبة : " لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التَّفسير المستكرهِ مع ما فسَّره السَّلف بالوجوهِ الواضحة " . قال شهاب الدين : وأيضاً فإن " السَّحْر " الذي هو الرِّئة لم يضرب له فيه مثلٌ ؛ بخلاف " السِّحْر " فإنهم ضربوا له فيه المثل ، فما بعد الآية من قوله { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } [ الإسراء : 48 ] لا يناسب إلا " السِّحْر " بالكسرِ . فصل في معنى قوله : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } . قال المفسِّرون : معنى الآية { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } أي يطلبون سماعه ، { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } وأنت تقرأ القرآن ، { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } يتناجون في أمرك ، فبعضهم يقول : هذا مجنونٌ ، وبعضهم يقول : شاعرٌ { إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ } يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } مطبوباً . وقال مجاهد - رحمه الله - : مخدوعاً ؛ لأنَّ السِّحر حيلة وخديعة ، وذلك لأنَّ المشركين كانوا يقولون : إنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يتعلَّم من بعض النَّاس هذه الكلمات ، وأولئك النَّاس يخدعونه بهذه الكلمات ، فلذلك قالوا : " مَسْحُوراً " أي : مخدوعاً . وأيضاً : كانوا يقولون : إنَّ الشيطان يتخيَّل له ، فيظنُّ أنه ملكٌ ، فقالوا : إنه مخدوع من قبل الشَّيطان . وقيل : مصروفاً عن الحقِّ ، يقال : ما سحرك عن كذا ، اي : ما صرفك ، وقيل : المسحور هو الشَّيء المفسود ، يقال : طعام مسحور ، إذا فسد ، وأرض مسحورة ، إذا أصابها من المطر أكثر ممَّا ينبغي فأفسدها . فإن قيل : إنَّهم لم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يصحُّ أن يقولوا : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } . فالجواب أنَّ معناه : إن اتَّبعْتُموهُ ، فقد اتَّبعْتُمْ رجلاً مسحوراً . ثم قال تعالى : { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } ، أي : كلُّ أحد شبَّهك بشيءٍ ، فقالوا : كاهنٌ ، وساحرٌ ، وشاعرٌ ، ومعلَّمٌ ، ومجنونٌ ، فضلُّوا عن الحقِّ ، فلا يستطيعون سبيلاً ، اي : وصولاً إلى طريق الحقِّ .