Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 49-52)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً } الآيات . لما تكلَّم أوَّلاً في الإلهيَّاتِ ، ثمَّ أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوَّات ، ذكر في هذه الآيات شبهاتهم في إنكار المعاد ، والبعث ، والقيامة ، وقد تقدَّم أنَّ مدار القرآن على هذه الأربعة ، وهي الإلهيَّات ، والنبوّات ، والمعاد ، والقضاء والقدر ، وأيضاً فالقوم وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه مسحوراً فاسد العقل ، فذكروا أن من جملة ما يدلُّ على فساد عقله : أن يدعي أنَّ الإنسان بعدما يصير عظاماً ورفاتاً يعود حيًّا ، كما كان . قوله تعالى : { أَءِذَا كُنَّا } : قد تقدم خلاف القرَّاء في مثل هذين الاستفهامين في سورة الرعد ، والعامل في " إذَا " محذوفٌ [ تقديره : ] أنبعثُ أو أنحشر ، إذا كُنَّا ، دلَّ عليه " المَبْعُوثُونَ " ولا يعمل فيها " مَبعُوثُونَ " هذا ؛ لأنَّ ما بعد " إنَّ " لا يعمل فيما قبلها ، وكذا ما بعد الاستفهام ، لا يعمل فيما قبله ، وقد اجتمعا هنا ، وعلى هذا التقدير : تكون " إذَا " متمحِّضة للظرفية ، ويجوز أن تكون شرطية ، فيقدَّر العامل فيها جوابها ، تقديره : أإذا كنَّا عظاماً ورفاتاً نبعث أو نعاد ، ونحو ذلك ، فهذا المحذوف جواب الشَّرط عند سيبويه ، والذي انصبَّ عليه الاستفهام عند يونس . والرُّفات : ما بولغَ في دقِّه ، وتفْتِيتِه ، وهو اسمٌ لأجزاءِ ذلك الشيء المفتت ، وقال الفراء : " هو التُّرَابُ " وهو قول مجاهدٍ ويؤيِّده أنه قد تكرَّر في القرآن " تراباً وعظاماً " . يقال : رَفَتَهُ يَرْفِتُهُ بالكسرِ [ أي : كسره ] . وقيل : حطاماً قال الواحدي : الرفت : كسر الشيء بيدك ؛ كما يرفت المدر والعظم البالي ، يقال : رفت عظام الجَزُورِ رفتاً ، إذا كسرها ، ويقال للتبن : الرفت ؛ لأنَّه دقاق الزَّرْع . قال الأخفش : رفت رفتاً ، فهو مَرفُوتٌ ، نحو حطم حَطْماً ، فهو مَحْطُوم . والفعال يغلب في التفريق كالرُّفات والحطامِ والعظام والدقاق والفتات ، والجذاذَ والرضاض . قوله تعالى : " خَلْقاً " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه مصدرٌ من معنى الفعل ، لا من لفظه ، أي : نبعثُ بعثاً جديداً . والثاني : أنه في موضع الحال ، أي : مخلوقين . فصل تقرير شبهة القوم : هو أنَّ الإنسان ، إذا جفَّت أعضاؤه ، وتناثرت وتفرَّقت في جوانب العالم ، واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء العالم ، فالأجزاء المائيَّة تختلطُ بمياه العالم ، والأجزاء الترابيَّة تختلط بالتُّراب ، والأجزاء الهوائيَّة تختلط بالهواء ، وإذا كان كذلك ، فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرَّة أخرى ، وكيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرة أخرى ؟ ! هذا تقرير شبهتهم . والجواب عنها : أن هذا الإشكال لا يتمُّ إلاَّ بالقدح في كمال علم الله تعالى ، وفي كمال قدرته . أمَّا إذا سلَّمنا كونه تعالى عالماً بجميع الجزئيات ، فحينئذٍ ، هذه الأجزاء ، وإن اختلطت بأجزاء العالم ، إلاَّ أنها متميِّزة في علم الله تعالى ، ولما سلِّم كونه - تعالى - قادراً على كلِّ الممكنات ، كان قادراً على إعادة التأليف والتركيب ، والحياة ، والعقل ، إلى تلك الأجزاء بأعيانها ، فمتى سلم كمال علم الله تعالى ، وكمال قدرته ، زالت هذه الشبهة بالكليَّة . ثم قال تعالى : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } وذلك أنَّهم استبعدوا أن يردَّهم أحياءً بعد أن صاروا عظاماً ورفاتاً ، فإنَّها صفة منافية لقبول الحياة بحسب الظاهر ، فقال : ولقد قدرتم أنَّ هذه الأجسام بعد الموت تصير إلى صفة أخرى أشدَّ منافاة لقبول الحياة من كونها عظاماً ورفاتاً ؛ مثل أن تصير حجارة أو حديداً ؛ فإنَّ المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة اشدُّ من المنافاة بين العظميَّة وبين قبول الحياة ؛ لأنَّ العظم كان جزءاً من بدن الحيِّ ، وأمَّا الحجارة والحديد ، فما كانا ألبتَّة موصوفين بالحياة ، فبتقدير أن تصير أبدان الناس حجارة أو حديداً بعد الموت ، فإن الله تعالى يعيد الحياة إليها ، ويجعلها حية عاقلة ، كما كان ، والدليل على صحّة ذلك أن تلك الأجسام قابلة للحياة والعقل ؛ إذ لو لم يكن القبول حاصلاً ، لما حصل العقل والحياة لها في أوَّل الأمر ، وإله العالم عالمٌ بجميع الجزئيَّات ، فلا يشتبه عليه أجزاء بدنِ زيد المطيع بأجزاء بدن عمرو العاصي ، وقادرٌ على كل الممكنات . وإذا ثبت أنَّ عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكنٌ في نفسه ، وثبت أنَّ إله العالم عالمٌ بجميع المعلومات ، قادرٌ على كلِّ الممكنات ، كان عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكناً قطعاً سواءٌ صارت عظاماً ورفاتاً أو أشياء أبعد من العظم في قبول الحياة ، مثل أن تصير حجارة أو حديداً ، وهذا ليس المراد منه الأمر ، بل المراد أنَّكم لو كنتم كذلك ، لما أعجزتم الله تعالى عن الإعادة ؛ كقول القائل للرجل : أتطمع فيَّ ، وأنا ابنُ فلانٍ ؟ ! ! فيقول : كُنْ من شئت كن ابن الخليفة فسأطلب منك حقِّي . ثم قال تعالى : { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } أي : لو فرضتم شيئاً آخر أبعد من قبولِ الحجر والحديد للحياة ، بحيث يستبعد عقلكم قبوله للحياة ، ولا حاجة إلى تعيين ذلك الشيء ؛ لأنَّ المراد أنَّ أبدان النَّاس ، وإن انتهت بعد موتها إلى أيِّ صفة فرضت ، وإن كانت في غاية البعد عن قبول الحياة ، فإنَّ الله قادرٌ على إعادة الحياة إليها . قال ابن عبَّاس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأكثر المفسِّرين - رضي الله عنهم - : إنَّه الموت ؛ فإنَّه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت ، أي : لو كنتم الموت بعينه ، لأميتنَّكم ، ولأبعثنكم ، وهذا إنَّما يحسنُ ذكره على سبيل المبالغة ، أما نفس الأمر بهذا ، فهو محالٌ ؛ لأن أبدان النَّاس أجسامٌ ، والموت عرضٌ ، والجسم لا ينقلب عرضا ، وبتقدير أن ينقلب عرضاً ، فالموت لا يقبل الحياة ؛ لأن أحد الضِّدين يمتنع اتصافه بالضدِّ الآخر . وقال بعضهم : يعني السَّماء والأرض . ثم قال تعالى : { فَسَيَقُولُونَ من يُعِيدُنَا } ، أي : من الذي يقدر على إعادة الحياة ، فقال تعالى : { قُلْ } يا محمد : { ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : خلقكم أوَّل مرة ، ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة . قوله تعالى : { ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ } : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : الذي فطركم يعيدكم ، وهذا التقدير فيه مطابقة بين السؤال والجواب . والثاني : أنه خير مبتدأ محذوف ، أي : معيدكم الذي فطركم . الثالث : أنه فاعل بفعل مقدَّر ، أي : يعيدكم الذي فطركم ، ولهذا صرِّح بالفعل في نظيره عند قوله : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] . و " أوَّل مرَّةٍ " ظرف زمانٍ ناصبه " فَطرَكُمْ " . قوله تعالى : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } ، أي : يحرِّكونها استهزاء ، يقال : أنغض رأسه ينغضها ، أي : يحركها إلى فوق ، وإلى أسفل إنغاضاً ، فهو منغضٌ ، قال : [ الرجز ] @ 3428 - أنْغضَ نَحْوي رَأسهُ وأقْنَعا كَأنَّهُ يَطلبُ شيئاً أطْمعَا @@ وقال آخر : [ الرجز ] @ 3429 - لمَّا رَأتْنِي أنغضَتْ لِي الرَّأسَا @@ وسمي الظليم نغضاً لأنه يحرك رأسه وقال أبو الهيثم : " إذا أخبر الرجلُ بشيءٍ ، فحرَّك رأسه ؛ إنكاراً له ، فقد أنغضَ " . قال ذو الرُّمَّة : @ 3430 - ظَعائِنُ لمْ يَسْكُنَّ أكْنافَ قَرْيةٍ بِسيفٍ ولَمْ تَنْغُضْ بهنَّ القَناطِرُ @@ أي : لم تحرَّك ، وأمَّا نغض ثلاثيًّا ، ينغَض وينغُض بالفتح والضمِّ ، فبمعنى تحرَّك ، لا يتعدَّى يقال : نغضتْ سنُّه ، أي : تحرَّكتْ ، تَنغِضُ نغضاً ، ونغوضاً . قال : [ الرجز ] @ 3431 - ونَغَضتْ مِنْ هَرمٍ أسْنانُهَا @@ ثم قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ } ، أي : البعث والقيامة ، وهذا سؤالٌ فاسدٌ ؛ لأنَّهم منعوا الحشر والنشر كما تقدَّم ؛ ثمَّ بين تعالى بالبرهان القاطع كونه ممكناً في نفسه ، فقولهم " مَتَى هُوَ " كلام لا يتعلق بالبعث ؛ فإنَّه لما ثبت بالدليل العقليِّ كونه ممكن الوجود في نفسه ، وجب الاعتراف بإمكانه ، فإنه متى يوجد ، فذاك لا يمكن إثباته بالعقل ، بل إنما يمكن إثباته بالدَّليل السمعي ، فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعيَّن ، عرف ، وإلا فلا سبيل إلى معرفته . وقد بين الله تبارك وتعالى في القرآن ؛ أنَّه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعيَّن ، فقال جلَّ ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] وقال : { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي } [ الأعراف : 187 ] وقال تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [ طه : 15 ] فلا جرم قال تعالى : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } . قال المفسِّرون : " عَسَى " من الله واجبٌ ، معناه : أنه قريبٌ ، فإن قيل : كيف يكون قريباً ، وقد انقرض سبعمائة سنة ، ولم يظهر . فالجواب : قال ابن الخطيب : إن كان معنى : " أكثر مَّا بَقِيَ " كان الباقي قليلاً ، ويحتمل أن يريد بالقرب أن إتيان السَّاعة متناهٍ ، وكل ما كان متناهياً من الزَّمان فهو قليلٌ ، بل أقلُّ من القليل بالنسبة إلى الزَّمان الذي بعده ؛ لأنَّه غير متناهٍ ؛ كنسبة العدد المتناهي إلى العدد المطلقِ ؛ فإنَّه لا ينسب إليه بجزءٍ من الأجزاء ، ولو قلَّ . ويقال في المثل " كل آت قريب " . قوله تعالى : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ } يجوز أن تكون الناقصة ، واسمها مستتر فيها يعود على البعث والحشر المدلول عليهما بقوَّة الكلام ، أو لتضمُّنه في قوله " مَبْعُوثُونَ " و " أنْ يَكُونَ " خبرها ، ويجوز أن تكون التامة مسندة إلى " أنّ " وما في حيزها ، واسم " يكون " ضمير البعث ؛ كما تقدَّم . وفي " قريباً " وجهان : أحدهما : أنه خبر " كَانَ " وهو وصفٌ على بابه . والثاني : أنه ظرف ، أي : زماناً قريباً ، و " أنْ يَكُونَ " على هذا تامة ، أي : عسى أن يقع العود في زمانٍ قريبٍ . قوله تعالى : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } : فيه أوجه : أحدها : أنه بدل من " قريباً " ، إذا أعربنا " قريباً " ظرف زمان ، كما تقدَّم . والمعنى : عَسَى أن يكون يوم البعث يوم يدعوكم ، أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ ق : 41 ] . الثاني : أنه منصوب بـ " يكُونَ " قاله أبو البقاء . وهذا عند من يجيز إعمال الناقصة في الظرف ، وإذا جعلناها تامة ، فهو معمولٌ لها عند الجميع . الثالث : أنه منصوب بضمير المصدر الذي هو اسم " يكُون " أي : عسى أن يكون العود يوم يدعوكم ، وقد منعه أبو البقاء قال : " لأنَّ الضمير لا يعملُ " يعني عند البصريِّين ، وأمَّا الكوفيون ، فيعملون ضمير المصدر ، كمظهره ، فيقولون : " مُرُوري بزيدٍ حسنٌ ، وهو بعمرٍو قبيحٌ " فـ " بِعَمْرٍو " عندهم متعلق بـ " هُوَ " لأنه ضمير المرور ، وأنشدوا قول زهير على ذلك : [ الطويل ] @ 3432 - ومَا الحَرْبُ إلاَّ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم ومَا هُو عَنْهَا بالحدِيثِ المُرجَّمِ @@ فـ " هُوَ " ضمير المصدرِ ، وقد تعلق به الجار بعده ، والبصريُّون يؤوِّلونه . الرابع : أنه منصوب بفعل مقدَّر ، أي : اذكر يوم يدعوكم . الخامس : أنه منصوبٌ بالبعث المقدر ، قالهما أبو البقاء . قوله تعالى : " بِحَمدِه " فيه قولان : أحدهما : أنها حالٌ ، أي : تستجيبون حامدين ، أي : منقادين طائعين . وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث ؛ كقولك لمن تأمرهُ بعمل يشقُّ عليه : ستأتي به ، وأنت حامدٌ شاكرٌ ، أي : ستأتي إلى حالة تحمدُ الله وتشكر على أن اكتفى منك بذلك العمل ، وهذا يذكر في معرض التهديد . والثاني : أنها متعلقة بـ " يَدْعُوكُم " قاله أبو البقاء ، وفيه قلقٌ . قوله تعالى : { إِن لَّبِثْتُمْ } " إنْ " نافية ، وهي معلقة للظنِّ عن العمل ، وقلَّ من يذكر " إن " النافية ، في أدواتِ تعليق هذا الباب ، و " قليلاً " يجوز أن يكون نعت زمانٍ أو مصدرٍ محذوفٍ ، أي : إلا زماناً قليلاً ، أو لبثاً قليلاً . فصل في معنى النداء والإجابة المعنى : " يَوْمَ يَدْعوكم " بالنِّداء من قبوركم إلى موقف القيامة ، " فتَسْتَجِيبُونَ " أي : تجيبون ، والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه ، وهي الإجابة ، إلاَّ أنَّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقةِ ، فهي أوكد من الإجابة . وقوله " بِحَمْدهِ " قال ابن عباس : بأمره . وقال قتادة : بطاعته ؛ لأنَّهم لما أجابوه بالتَّسبيح والتَّحميد ، كان ذلك معرفة منهم وطاعة ، ولكنَّهم لا ينفعنم ذلك في ذلك اليوم . وقيل : يُقِرُّون بأنَّه خالقهم وباعثهم ، ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد ، وهذا خطاب للكفّار . وقيل : هذا خطابٌ للمؤمنين . قال سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم ، وينفضون التُّرابَ عن رءوسهم ، ويقولون : سبحانك وبحمدك ، وهو قوله : { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } . وقال أهل المعاني : أي تستجيبون حامدين ؛ كما تقول : جاء بغضبه ، أي : جاء غضبان ، وركب الأمير بسيفه ، أي : وسيفه معه ، ثم قال : { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إن لبثتم في الدنيا ، أو في القبور { إِلاَّ قَلِيلاً } لأنَّ الإنسان لو مكث ألوفاً من السِّنين في الدنيا أو في القبور ، عُدَّ ذلك قليلاً في مدَّة القيامة والخلود . وقال ابن عباسٍ : يريد بين النفختين الأولى والثانية ، فإنه يزال عنهم العذاب في هذا الوقت ، ويدلُّ عليه قوله تعالى في سورة يس { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] وذلك ظنُّهم بأنَّ هذا اللبث قليل ، أي : لبثهم فيما بين النَّفختين . وقيل : المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة ؛ لأنَّه لما كان عاقبة أمرهم الدُّخول في النَّار ، استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة .