Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 53-53)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدم إعراب قوله تعالى { وَقُل لِّعِبَادِي } في سورة إبراهيم [ 31 ] . وفي العباد ها هنا قولان : الأول : المراد به المؤمنون ؛ لأنَّ لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختصٌّ بالمؤمنين . قال تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ } [ الزمر : 17 ، 18 ] { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } [ الفجر : 29 ] { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [ الإنسان : 6 ] . وإذا عرف هذا ، فإنه تعالى لمَّا ذكر الحجج القطعيَّة في صحَّة المعاد ، وهو قوله تعالى : { قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الإسراء : 51 ] قال ها هنا : قل ، يا محمد لعبادي : إذا أردتم الاستدلال على المخالفين ، فاذكروا تلك الدلائل بطريق الأحسن من غير شتم ، ولا سبٍّ ، ونظيره قوله تعالى : { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] وقوله تعالى : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] وذلك لأنَّ ذكر الحجَّة ، إذا اختلط به سبٌّ أو شتمٌ ، لقابلوكم بمثله ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 108 ] ويزداد الغضب ، وتكمل النُّفرة ، ويمتنع المقصود ، وإذا ذكرت الحجة بالطَّريق الأحسن ، أثَّر في القلب تأثيراً شديداً ، ثم نبَّه تعالى على وجه المنفعة ، فقال تعالى : { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } أي : يفسد بينهم ، ويغري بينهم . قال الكلبي : كان المشركون يؤذون المسلمين ، فشكوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي } المؤمنين يقولوا للمشركين التي هي أحسنُ ، ولا يكافئوهم بسفههم . قال الحسن : يقول له : يهديك الله ، وكان هذا قبل الإذن في الجهاد . وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شتمة بعض الكفَّار ، فأمره الله تعالى بالعفو . وقيل : أمر المؤمنين بأن يقولوا ، ويفعلوا الخلَّة التي هي أحسن . وقيل : الأحسن قول : لا إله إلا الله . قوله تعالى : { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة اعتراضاً بين المفسَّر والمفسِّر ؛ وذلك أن قوله تعالى : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } [ الإسراء : 54 ] وقع تفسيراً لقوله { بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الإسراء : 34 ] وبياناً لها ، ويجوز ألاَّ تكون معترضة ، بل مستأنفة . وقرأ طلحة " ينْزِغُ " بكسر الزاي ، وهما لغتان ، كيَعْرِشُون ويَعرُشُونَ ، قاله الزمخشري . قال أبو حيان : ولو مثَّل بـ " يَنطَحُ " و " يَنْطِحُ " كأنَّه يعني من حيث إنَّ لامَ كلِّ منهما حرف حلقٍ ، وليس بطائلٍ . والمعنى : أنَّ الشيطان يلقي العداوة بينهم { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } ظاهر العداوة .