Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 64-65)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱسْتَفْزِزْ } : جملة أمرية عطفت على مثلها من قوله " اذهَبْ " . و " من اسْتطَعْتَ " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنها موصولة في محلِّ نصب مفعولاً للاستفزاز ، أي : استفزز الذي استطعت استفزازه منهم . والثاني : أنها استفهامية منصوبة المحلِّ بـ " استطعت " قاله أبو البقاء ، وليس بظاهرٍ ؛ لأن " اسْتفْزِزْ " يطلبه مفعولاً به ، فلا يقطع عنه ، ولو جعلناه استفهاماً ، لكان معلقاً له ، وليس هو بفعلٍ قلبيٍّ [ فيعلقُ ] . والاسْتِفْزازُ : الاستخفاف ، واستفزَّني فلانٌ : استخفَّني حتى خدعني لما يريده . قال : [ الطويل ] @ 3436 - يُطِيعُ سَفيهَ القَومِ إذ يَسْتفِزُّهُ ويَعْصِي حَليماً شَيَّبتهُ الهَزاهِزُ @@ ومنه سمِّي ولد البقرة " فزًّا " . قال الشاعر : [ البسيط ] @ 3437 - كَمَا اسْتغَاثَ بسَيْءٍ فَزُّ غَيْطلةٍ خَافَ العُيونَ ولمْ يُنْظرْ بِهِ الحَشَكُ @@ وأصل الفزِّ : القطعُ ، يقال : تفزَّز الثَّوب ، أي : تقطَّع . ويقال : أفزَّه الخوف ، واستفزَّه ، أي : أزعجه ، واستخفَّه . واعلم أنَّ إبليس ، لمَّا طلب من الله تعالى الإمهال إلى يوم القيامة ؛ لأجل أن يحتنك ذريَّة آدم - صلوات الله وسلامه عليه - ذكر الله تعالى أشياء : أولها : قوله عزَّ وجلَّ : { ٱذْهَبْ } أي : أمهلتك هذه المدَّة . وثانيها : قوله تعالى : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم } . وتقدَّم أن الاستفزاز : الاستخفاف ، وقيل : اسْتَنْزَلَ واستجهد . وقوله : " بِصَوْتِكَ " . قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - وقتادة : بدعائك غلى معصية الله . وقال الأزهريُّ : ادعهم دعاء تستخفُّهم به إلى إجابتك . وقال مجاهدٌ : بصوتك ، أي : بالغناءِ واللَّهو . وهذا أمرُ تهديد ، كما يقال : اجتهد جهدك ؛ فسترى ما ينزل به : وثالثها : قوله : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم } أي : اجمع عليهم الجموع من جندك ، يقال أجلب عليه وجلب ، أي : جمع عليه الجموع . قال الفرَّاء : هو من الجَلبةِ ، وهو الصِّياح . وقال أبو عبيدة : أجْلبُوا وجَلبُوا : من الصِّياح . وقال الزجاج في " فَعَل ، وأفْعَلَ " : أجلب على العدوِّ وجلب ، إذا جمع عليه الخيل . وقال ابن السِّكيت : يقال : هم يجلبون عليه ؛ لمعنى أنهم يعينون عليه . وروى ثعلبٌ عن ابن الأعرابيِّ : أجلب الرجل على الرجل ، إذا توعَّده بالشرِّ ، وجمع عليه الجمع ، فعلى قول الفرَّاء معنى الآية : صح عليهم بخيلك ورجلك ، وعلى قول الزجاج : اجمع عليهم كلَّ ما تقدر عليه من مكائدك ، وعلى هذا تكون الباء في قوله : " بخيلك " زائدة . وعلى قول ابن السِّكيت : معناه : أعن عليهم بخيلك ورجلك ومفعول الإجلاب على هذا القول محذوف ، تقديره : استعن على إغوائهم بخيلك ورجلك ، وهو يقرب من قول ابن الأعرابيِّ . والمراد بالخيل والرجل : قال ابن عباس : كلُّ راكبٍ أو راجلٍ في معصية الله ، فهو من خيل إبليس وجنوده . وقال مجاهدٌ وقتادة : إن لإبليس جنداً من الشياطين بعضهم راكبٌ ، وبعضهم راجلٌ . وقيل : المراد ضرب المثل ؛ كما يقال للرجل المجدِّ في الأمر : جئت بالخيل والرجل ، وهذا الوجه أقرب ، والخيل يقع على الفرسان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خَيْلَ الله ، اركبي " . وقد يقع على الأفراس خاصة . قوله : " ورجلك " قرأ حفص بكسر الجيم والباقون بسكونها ، فقراءة حفص " رَجِل " فيها بمعنى " رَجُل " بالضم بمعنى : راجل ، يقال : رَجِل يَرْجِل : إذا صار راجلاً ، مثل : حَذِر وحَذْر ، ونَدِس ونَدْس ، وهو مفرد أريد به الجمع . وقال ابن عطية : هي صفة ، يقال : فلان يمشي راجلاً ، إذا كان غير راكب ، ومنه قول الشاعر : @ 3438 - … … رجلاً إلا بأصحاب @@ يشير إلى البيت المشهور ، وهو : [ البسيط ] @ أما أقاتل عن ديني على فرس ولا كذا رجلاً إلا بأصحابِ @@ أراد فارساً ولا راجلاً . وقال الزمخشري : إن " فَعِلاً " بمعنى " فاعل " ، نحو : تَعِب وتاعب ، ومعناه : جمعك الرجل ، وبضم جيمه أيضاً فيكون مثل : حَذِرَ وحَذُرَ ونَدِسَ ونَدُسَ ، وأخوات لهما . وأما قراءة الباقين ، فتحتمل أن تكون تخفيفاً من " رَجُل " [ رَجِل ] بكسر الجيم أو ضمها ، والمشهور : أنه اسم جمع لراجلٍ ، كرَكْبٍ وصَحْبٍ في راكبٍ وصاحبٍ ، والأخفش يجعل هذا النحو جمعاً صريحاً . وقرأ عكرمة " ورِجَالِكَ " جمع رجلٍ بمعنى راجل ، أو جمع راجل كقائم وقيام . وقرىء " ورُجَّالِكَ " بضم الراء وتشديد الجيم ، وهو جمع راجل ، كضاربٍ وضُرَّاب . وقال ابن الأنباري - رحمه الله - : أخبرنا ثعلبٌ عن الفراء ، قال : يقال : راجلٌ ورَجِلٌ ورَجْلٌ ورَجْلان بمعنى واحد . والباء في " بخَيْلِكَ " يجوز أن تكون الحالية ، أي : مصاحباً بخيلك ، وأن تكون مزيدة كما تقدم ، قال : @ 3439 - … … لا يَقْرَأنَ بالسُّورِ @@ ورابعها : قوله تعالى : { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } والمشاركة في الأموال ، قال مجاهدٌ ، والحسن ، وسعيد بن جبيرٍ : كل ما أصيب من حرامٍ ، أو أنفق في حرامٍ . وقال قتادة : هو جعلهم البحيرة والسَّائبة والوَصِيلةَ والحَامَ . وقال الضحاك : هو ما يذبحونه لآلهتهم . وقال عكرمة : هو تبكيتهم آذان الأنعام . وقيل : هو جعلهم من أموالهم شيئاً لغير الله ، كقولهم : { هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] والأوَّل أظهر ، قاله القاضي . وأما المشاركة في الأولاد ، فقال عطاء عن ابن عباسٍ : هو تسمية الأولاد بـ " عَبدِ شمسٍ ، وعَبْدِ العُزَّى ، وعَبْدِ الحَارثِ ، وعَبْد الدَّار ونحوها " . وقال الحسن وقتادة : هو أنَّهم هوَّدُوا أولادهم ، ونصَّروهم ومجّسُوهم . وقيل : هو إقدامهم على قتل الأولاد . وروي عن جعفر بن محمدٍ ، أن الشَّيطان يقعد على ذكر الرَّجل فإذا لم يقل : بسم الله ، أصاب معه امرأته ، وأنزل في فرجها كما ينزل الرَّجل وروي في بعض الأخبار " إنَّ فيكم مُغربِينَ ، قيل : وما المُغرِبُونَ ؟ قال : الذين يشارك فيهم الجنّ " . وروي أنَّ رجلاً قال لابن عبَّاس : إنَّ امراتِي استيقظت وفي فرجها شعلةُ نَارٍ ، قال : ذلِكَ من وطْءِ الجِنِّ . وفي الآثار : إنَّ إبليس ، لمَّا أخرج إلى الأرض ، قال : يا ربِّ ، أخْرَجتَنِي من الجنَّة ؛ لأجل آدم فسلِّطنِي عليه ، وعلى ذُرِّيته ، قال : أنت مسلَّطٌ ، قال : لا أستطيعه إلا بك ، فزدني ، قال : استفزز من استطعت منهم بصوتك . قال آدم : يا ربِّ ، أسلَّطت إبليس عليَّ ، وعلى ذُريَّتي ، وإنَّني لا أستطيعهُ إلاَّ بك ، قال : لا يُولَدُ لك ولدٌ إلاَّ وكَّلتُ بِهِ مَنْ يَحْفظُونهُ . قال : زِدْنِي ! قال : الحسنةُ بعشرِ أمثالها ، والسَّيئةُ بمثلها ، قال : زدْنِي ، قال : التَّوبةُ معروضةٌ ما دَامَ الرُّوحُ في الجسدِ ، قال : زدْنِي ، فقال : { قُلْ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } الآية [ الزمر : 53 ] . وخامسها : قوله تعالى { وَعِدْهُمْ } . قيل : معناه : قل لهم : لا جنَّة ، ولا نار ، ولا بعث . وقيل : [ خذ ] منهم الجميل في طاعتك ، أي بالأمانِي الباطلة ؛ كقوله لآدم - صلوات الله عليه - : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] . وقيل : عدهم بشفاعةِ الأصنامِ عند الله ، والأنساب الشريفة ، وإيثار العاجل على الآجل . واعلم أنَّ مقصود الشيطان الترغيب في اعتقاد الباطل ، وعمله ، والتَّنفير عن اعتقاد الحقِّ ، ومعلومٌ أنَّ الترغيب في الشيء لا يمكن إلاَّ بأن يقرر عنده ألاَّ ضرر ألبتة في فعله ، ومع ذلك ، فإنَّه يفيد المنافع العظيمة ، والتنفير عن الشيء لا يمكنُ إلاَّ بأن يقرَّر عنده أنه لا فائدة في فعله ، ومع ذلك يفيد المضارَّ العظيمة ، وإذا ثبت هذا ، فالشيطان إذا دعا إلى معصيةٍ ، فلا بدَّ وأن يتقرَّر أولاً : أنَّه لا مضرَّة في فعله ألبتَّة ، وذلك لا يمكن إلا إذا قال : لا معاد ، ولا جنَّة ولا نار ، ولا حياة غير هذه الحياة الدنيا ، فإذا فرغ من هذا المقام ، قرَّر عنده أنَّ هذا الفعل يفيد أنواعاً من اللَّذة والسُّرور ، ولا حياة للإنسان في هذه الحياة الدنيا إلاَّ به ، فتفويتها غبنٌ وخسران ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 3440 - خُذُوا بِنَصِيبٍ مِنْ نَعيمٍ ولَذَّةٍ فَكُلٌّ وإنْ طَالَ المَدَى يَتَصَرَّمُ @@ فهذا هو طريقُ الدَّعوة إلى المعصية ، وأمَّا طريقُ التنفير من الطاعات ، فهو أن يقرِّر عنده أوَّلاً أنه لا فائدة فيها للعبادِ والمعبود ، فكانت عبثاً ، وأنَّها توجبُ التَّعب والمحنة ، وذلك أعظم المضارِّ . فقوله : { وَعِدْهُمْ } يتناول جميع هذه الأقسام . قوله تعالى : { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ } من باب الالتفات ، وإقامة الظاهر مقام المضمر ؛ إذ لو جرى على سننِ الكلامِ الأوَّل ، لقال : وما تعدهم ، بالتاء من فوق . قوله تعالى : { إِلاَّ غُرُوراً } فيه أوجهٌ : أحدها : أنه نعت مصدر محذوف وهو نفسه [ مصدر ] ، الأصل : إلا وعداً غروراً ، فيجيء فيه ما في " رجلٌ عدلٌ " [ أي ] : إلاَّ وعداً ذا غرورٍ ، أو على المبالغةِ ، أو على : وعداً غارًّا ، ونسب الغرور إليه مجازاً . الثاني : أنه مفعول من أجله ، أي : ما يعدهم ممَّا يعدهم من الأماني الكاذبة إلاَّ لأجل الغرور . الثالث : أنه مفعولٌ به على الاتِّساعِ ، أي : ما يعدهم إلا الغرور نفسه . والغرورُ : تزيينُ الباطل مما يظنُّ أنه حقٌّ . فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء ، وهو يقول : إنَّ الله لا يأمر بالفحشاء . قيل : هذا على طريق التهديد ؛ كقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] وكقول القائل : اعمل ما شئت ؛ فسترى . ولما قال تعالى له : افعل ما تقدر عليه ، قال سبحانه : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ } . قال الجبائي - رحمه الله تعالى - : المراد كلُّ عباد الله تعالى من المكلَّفين ؛ [ لأن الله ] تعالى استثنى منه في آياتٍ كثيرةٍ من تبعه بقوله : { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ } [ الحجر : 42 ] ثم استدلَّ بهذا على أنه لا سبيل لإبليس وجنوده على تصريع النَّاس ، وتخبيط عقولهم ، وأنه لا قدرة له إلاَّ على الوسوسة ، وأكَّد ذلك بقوله : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُم } [ إبراهيم : 22 ] . وأيضاً : لو قدر على هذه الأفعال ، لكان يجب أن يخبط أهل الفضل والعلم ، دون سائر النَّاس ؛ ليكون ضرره أتمَّ ، ثم قال : وإنَّما يزولُ عقله ؛ لأنَّ الشيطان يقدم عليه ، فيغلب الخوف عليه ، فيحدثُ ذلك المرض . وقيل : المراد بقوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي } أهل الفضل والإيمان ؛ لما تقدَّم من أنَّ لفظة العباد في القرآن مخصوصةٌ بالمؤمنين ؛ لقوله تعالى : { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [ النحل : 100 ] . ثم قال : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } أي : حافظاً ، ومن توكل الأمور إليه ، وذلك أنَّه تعالى ، لمَّا وكل إبليس بأن يأتي بأقصى ما يقدر عليه من الوسوسةِ ، وكان ذلك سبباً لحصول الخوف الشديد في قلب الإنسان ، قال : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } ، أي أنَّ الشيطان ، وإن كان قادراً ؛ فإنَّ الله تعالى أقدر منه ، وأرحم بعباده ، فهو يدفع عنهم كيد الشيطان . وهذه الآية تدلُّ على أنَّ المعصوم من عصمه الله تعالى ، وأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الإضلال لأنَّه لو كان الإقدامُ على الحقِّ ، والإحجام عن الباطل ، إنما يحصل للإنسان من نفسه ، لوجب أن يقال : وكفى للإنسان بنفسه في الاحتراز عن الشَّيطان ، فلمَّا لم يقل ذلك ، بل قال : { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ } علمنا أنَّ الكل من الله تعالى ، ولهذا قال المحققون : لا حول عن معصية الله إلاَّ بعصمته ، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيقه . فصل قال ابن الخطيب : في الآية سؤالان : الأول : أن إبليس ، هل كان عالماً بأن الذي تكلم معه بقوله : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } هو إله العالم ، أو لم يعلم ذلك ؟ فإن علم ذلك ، ثم إنه تعالى قال : { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } [ الإسراء : 63 ] فكيف لم يصر هذا الوعيد الشديد مانعاً له من المعصية ، مع أنَّه سمعه من الله تعالى من غير واسطة ؟ وإن لم يعلم أنَّ هذا القائل هو إله العالم ، فكيف قال : " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " ؟ ! . والجواب : لعلَّه كان شاكًّا في الكلِّ أو كان يقول في كلِّ قسم ما يخطر بباله على سبيل الظنِّ . والسؤال الثاني : ما الحكمة في كونه أنظره إلى يوم القيامة ، ومكَّنه من الوسوسة ، والحكيمُ إذا أراد أمراً ، وعلم أنَّ شيئاً من الأشياء يمنع من حصوله ، فإنَّه لا يسعى في تحصيل ذلك المانع ؟ . والجوابُ : أمَّا مذهبنا ، فظاهر في هذا الباب ، وأمَّا المعتزلة ، فقال الجبائيُّ : علم الله أن الذين كفروا عند وسوسته يكفرون ، بتقدير ألا يوجد إبليس ، وإذا كان كذلك ، لم يكن في وجوده مزيد مفسدة . وقال أبو هاشم : لا يبعد أن يحصل من وجوده مزيد مفسدة ، إلاَّ أنه تعالى أبقاه تشديداً للتَّكليف على الخلق ؛ ليستحقُّوا بسبب ذلك التشديد مزيد الثَّواب ، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في الأعراف والحجر .