Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 72-72)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ } : يجوز في " مَنْ " ما جاز في " مَنْ " قبلها ، وأمال الأخوان وأبو بكر " أعْمَى " في الموضعين من هذه السورة ، وأبو عمرو أمال الأول ، دون الثاني ، والباقون فتحوهما ، فالإمالة ؛ لكونهما من ذوات الياء ، والتفخيمُ ؛ لأنه الأصل ، وأمَّا أبو عمرو ، فأمال الأول ؛ لأنه ليس أفعل تفضيلٍ ، فألفه متطرفةٌ لفظاً وتقديراً ، والأطرافُ محل التغيير غالباً ، وأمَّا الثاني ، فإنه للتفضيلِ ، ولذلك عطف عليه " وأضلُّ " فألفه في حكم المتوسطة ؛ لأنَّ " مِن " الجارَّة للمفضولِ ، كالملفوظ بها ، وهي شديدة الاتصال بأفعلِ التفضيلِ ، فكأنَّ الألف وقعت حشواً ، فتحصَّنتْ عن التغيير . كذا قرَّره الفارسي والزمخشري ، وقد ردَّ هذا بأنهم أمالوا { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ } [ المجادلة : 7 ] مع التصريح بـ " مِنْ " فلأن يميلوا " أعْمَى " مقدراً معه " مِنْ " أولى وأحرى . وأمَّا " أعْمَى " في طه [ الآية : 124 ] فأماله الأخوان ، وأبو عمرو ، ولم يمله أبو بكر ، وإن كان يميله هنا ، وكأنه جمع بين الأمرين ، وهو مقيَّد باتِّباع الأثر ، وقد فرَّق بعضهم : بأنَّ " أعمى " في طه من عَمَى البصر ، وفي الإسراء من عمى البصيرة ؛ ولذلك فسَّروه هنا بالجهل فأميل هنا ، ولم يملْ هناك ؛ للفرق بين المعنيين ، والسؤال باقٍ ؛ إذ لقائلٍ أن يقول : فَلِمَ خُصِّصَتْ هذه بالإمالةِ ، ولو عكسَ الأمر ، لكان الفارقُ قائماً . ونقل ابن الخطيب - رحمه الله - عن أبي عليٍّ الفارسيِّ ، قال : الوجه في تصحيح قراءة أبي عمرو أنَّ المراد بالأعمى في الكلمة الأولى كونه في نفسه أعمى ، وبهذا التفسير تكون هذه الكلمة تامَّة ، فتقبل الإمالة ، وأما في الكلمة الثانية ، فالمراد من الأعمى أفعل التفضيل ، وبهذا التقدير : لا تكونُ تامة ؛ فلم تقبل الإمالة . فصل قال عكرمة : جاء نفرٌ من أهل اليمن إلى ابن عبَّاس ، فسأله رجلٌ عن هذه الآية ، فقال : اقْرَأ ما قبلها ، فقرأ { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ } [ الإسراء : 66 ] إلى قوله { تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 70 ] . فقال ابن عباس : من كان أعمى في هذه النِّعمِ التي قد رأى وعاين ، فهو في الآخرة التي لم يعاين ولم ير أعمى وأضلُّ سبيلاً . وعلى هذا ؛ فالإشارة بقوله : " هَذهِ " إلى النِّعمِ المذكورة في الآياتِ المتقدمة . روى الضحاك عن ابن عباس : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرة الله تعالى ، وعن رؤية الحقِّ ، فهو في الآخرة أعمى أشدُّ عمًى { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } ، أي : أخطأ طريقاً وعلى هذا ؛ فالإشارة بـ " هذه " إلى الدنيا . وعلى هذين القولين : فالمراد من كان أعمى عن معرفة الدلائل ، والنِّعمِ ، فبأن يكون في الآخرة أعمى القلب عن معرفة أحوال الآخرة أولى . وقال الحسن : من كان في الدنيا ضالاً كافراً ، فهو في الآخرة أعمى ، وأضلُّ سبيلاً ؛ لأنَّه في الدنيا ؛ تقبل توبته ، وفي الآخرة ، لا تقبل توبته ، وحمل بعضهم العمى الثاني على عمى العين والبصر ، ويكون التقدير : فمن كان في هذه الدنيا أعمى القلب حشر يوم القيامة أعمى العين و البصر ، كما قال تعالى : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيٰمَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ } [ طه : 124 - 126 ] . وقال جلَّ ذكره : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [ الإسراء : 97 ] . وهذا العمى زيادة في عقوبتهم .