Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 71-71)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر كرامات الإنسان في الدُّنيا ، شرح درجات أحواله في الآخرة . قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ } : فيه أوجه : أحدها : أنه منصوبٌ على الظرفية ، والعامل " فضَّلنَاهُمْ " أي : فضَّلناهم بالثواب يوم ندعُو ، قال ابن عطيَّة في تقريره : وذلك أنَّ فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بيِّنٌ ، إذ هم المكلَّفون المنعَّمون المحاسبون الذين لهم القدرُ ؛ إلا أنَّ هذا يردُّه أنَّ الكفار [ يومئذٍ ] أخسرُ مِنْ كلِّ حيوانٍ ؛ لقولهم : { يَٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . الثاني : أنه منصوبٌ على الظرف ، والعامل فيه " اذكُرْ " قاله الحوفيُّ وابن عطيَّة ، وهذا سهوٌ ؛ كيف يعمل فيه ظرفاً ؟ بل هو مفعولٌ . الثالث : أنه مرفوعُ المحلِّ على الابتداء ، وإنما بُنِيَ لإضافته إلى الجملة الفعلية ، والخبر الجملة بعده ، قال ابن عطيَّة في تقريره : ويصحُّ أن يكون " يوم " منصوباً على البناء ، لمَّا أضيف إلى غير متمكِّنٍ ، ويكون موضعه رفعاً بالابتداء ، وخبره في التقسيم الذي أتى بعده في قوله " فَمنْ أوتِي كِتابَهُ " إلى قوله " ومَنْ كَانَ " قال أبو حيان : قولهُ " منصوبٌ على البناء " كان ينبغي أن يقول : مبنياً على الفتح ، وقوله " لمَّا أضيف إلى غير متمكِّن " ليس بجيِّدٍ ؛ لأنَّ المتمكِّن وغير المتمكِّن ، إنما يكون في الأسماءِ ، لا في الأفعالِ ، وهذا أضيف إلى فعلٍ مضارع ، ومذهبُ البصريين فيه أنه معربٌ ، والكوفيون يجيزون بناءه ، وقوله : " [ والخبر ] في التقسيم " إلى آخره ، التقسيم عارٍ من رابطٍ يربط جملة التقسيم بالابتداء . قال شهاب الدين : الرابط محذوفٌ للعلم به ، أي : فمن أوتي كتابه فيه . الرابع : أنه منصوب بقوله " ثُمَّ لا تجِدُوا " قاله الزجاج . الخامس : أنه منصوب بـ " يُعِيدكُمْ " مضمرة ، أي : يعيدكم يوم ندعو . السادس : أنه منصوبٌ بما دلَّ عليه " ولا يُظلَمُونَ " بعده ، أي : لا يظلمون يوم ندعو ، قاله ابن عطية وأبو البقاء . السابع : أنه منصوب بما دلَّ عليه " متى هو " . الثامن : أنه منصوبٌ بما تقدَّمه من قوله تعالى : { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [ الإسراء : 52 ] . التاسع : أنه بدلٌ من " يَوْمَ يَدْعُوكُمْ " . وهذان القولان ضعيفان جدًّا ؛ لكثرة الفواصل . العاشر : أنه مفعول به بإضمار " اذكر " وهذا - وإن كان أسهل التقادير - أظهر ممَّا تقدَّم ؛ إذ لا بعد فيه ولا إضمار كثيرٌ . وقرأ العامة " نَدْعُو " بنون العظمة ، ومجاهدٌ " يَدعُو " بياء الغيبة ، أي : الله تعالى أو الملك ، و " كُلَّ " نصْبٌ مفعولاً به على القراءتين . وقرأ الحسن فيما نقله الدَّانيُّ عنه " يُدعَى " مبنيًّا للمفعول " كُلُّ " مرفوعٌ ؛ لقيامه مقام الفاعل ، وفيما نقله عنه غيره " يُدْعَوْ " بضمِّ الياء ، وفتح العين ، بعدها واوٌ ، وخرجت على وجهين : أحدهما : أن الأصل : " يُدْعَوْنَ " فحذفت نون الرفع ، كما حذفت في قوله - صلوات الله وسلامه عليه - : " لا تَدْخلُوا الجَنَّة حتَّى تُؤمِنُوا ، ولا تُؤمِنُوا حتَّى تَحابُّوا " وقوله : [ الرجز ] @ 3446 - أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدْلُكِي وجْهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكِي @@ و " كلُّ " مرفوع بالبدلِ من الواو التي هي ضميرٌ ، أو بالفاعلية ، والواو علامة على لغة " يَتعاقَبُون فِيكُمْ مَلائِكةٌ " . والتخريج الثاني : أنَّ الأصل " يُدْعَى " كما نقله عنه الدَّاني ، إلاَّ أنه قلب الألف واواً وقفاً ، وهي لغة قومٍ ، يقولون : هذه أفْعَوْ وعَصَوْ ، يريدون : أفْعى وعَصَا ، ثم أجري الوصل مجرى الوقفِ . و " كُلُّ " مرفوعٌ لقيامه مقام الفاعل على هذا ، ليس إلا . قوله تعالى : { بِإِمَامِهِمْ } يجوز أن تكون الباء متعلقة بالدعاء ، أي : باسم إمامهم ، قال مجاهدٌ : بِنَبِيِّهِمْ . ورواه أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً ، فيقال : يا أمَّة فلانٍ ، وقال أبو صالحٍ والضحاك : بِكتَابهمْ . وقال الحسنُ وأبو العاليةِ : بأعمَالِهمْ . وقال قتادة : بكتابهم الذي فيه أعمالهم ؛ بدليل سياق الآية . وقوله تعالى : { أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } [ يس : 12 ] . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - وسعيد بن جبيرٍ : بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالٍ أو هدًى . قال تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [ الأنبياء : 73 ] وقال تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [ القصص : 41 ] . وقيل : بمعبودهم . وأن تكون للحالِ ، فيتعلق بمحذوفٍ ، أي : ندعوهم مصاحبين لكتابهم ، والإمامُ : من يقتدى به ، وقال الزمخشريُّ : " ومن بدعِ التفاسير : أن الإمام جمع " أمٍّ " وأنّ الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ، وأن الحكمة فيه رعايةُ حقِّ عيسى - صلوات الله عليه - ، وإظهار شرف الحسن والحسين ، وألاَّ يفضح أولادُ الزِّنى " قال : " وليت شعري أيُّهما أبدعُ : أصحَّة لفظه ، أم بهاءُ حكمته ؟ " . وهو معذورٌ لأنَّ " أم " لا يجمع على " إمام " هذا قول من لا يعرف الصناعة ، ولا لغة العرب ، وأمَّا ما ذكروه من المعنى ، فإنَّ الله تعالى نادى عيسى - صلوات الله عليه - باسمه مضافاً لأمِّه في عدَّة مواضع من قوله { يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } [ المائدة : 110 ] ، وأخبر عنه كذلك ؛ نحو { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } [ الصف : 6 ] وفي ذلك غضاضةٌ من أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه وكرَّم وجهه . قوله تعالى : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ } يجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة ، والفاء لشبهه بالشرط ، وحمل على اللفظ أولاً في قوله { أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } فأفرد ، وعلى المعنى ثانياً في قوله : " فأولَئِكَ " فجمع . لأن من أوتي كتابه في معنى الجمع . ثن قال : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } . الفَتِيلُ : القشرة التي في شقِّ النَّواة ، وسمِّي بذلك ؛ لأنَّه إذا رام الإنسان إخراجهُ انفتل ، وهذا مثلٌ يضرب للشَّيء الحقير التَّافهِ ، ومثله : القطميرُ والنَّقير . والمعنى : لا ينقصون من الثواب بمقدار فتيلٍ ونظيره { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [ مريم : 60 ] وروى مجاهدٌ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الفتيلُ هو الوسخُ الذي يفتلهُ الإنسانُ بين سبَّابته وإبهامه . وهو فعيلٌ بمعنى مفعولٍ . فإن قيل : لم خصَّ أصحاب اليمين بقراءة كتابهم ، مع أنَّ أهل الشِّمال يقرءونه ؟ ! فالجواب : الفرق بينهما أنَّ أهل الشِّمال ، إذا طالعوا كتابهم ، وجدوه مشتملاً على المهلكاتِ العظيمة ، والقبائح الكاملة ، والمخازِي الشديدة ، فيستولي الخوف والدهشة على قلبهم ، ويثقل لسانهم ، فيعجزوا عن القراءةِ الكاملة ، وأما أصحاب اليمين ، فعلى العكس ، فلا جرم أنَّهم يقرءون كتابهم على أحسن الوجوه ، ثم لا يكتفون بقراءتهم وحدهم ، بل يقولون لأهل المحشر : { هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ } [ الحاقة : 19 ] فظهر الفرق .