Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-88)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } الآية . رُويَ أن اليهود قالوا لقريشٍ : اسألوا محمداً عن ثلاثةِ أشياء ، فإن أجاب عن كلِّها ، أو لم يجب عن شيءٍ ، فليس بنبيٍّ ، وإن أجاب عن اثنين ، وأمسك عن الثَّالِث ، فهو نبيٌّ ؛ فاسألوا عن فتيةٍ فقدوا في الزَّمنِ الأوَّل ، فما كان أمرهم ؛ فإنهم كان لهم حديثٌ عجيبٌ ؟ وعن رجلٍ بلغ مشرق الشَّمسِ ، ومغربها ، ما خبره ؟ وعن الرُّوحِ ؛ فسألوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غداً أخبركم " ولم يقل : إن شَاءَ الله ، فانقطع عنه الوحي . قال مجاهدٌ : اثنتي عشرة ليلة ، وقيل : خمسة عشر يوماً ، وقال عكرمة : أربعين يوماً ، وأهل مكَّة يقولون : وعدنا محمد غداً ، وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيءٍ ، حتَّى حزن النبي صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي ، وشقَّ عليه ما يقول أهل مكَّة ، ثم نزل الوحي بقوله : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 ، 24 ] . ونزل في الفتية : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } [ الكهف : 9 ] . ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 83 ] . ونزل في الرُّوح : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . قال ابن الخطيب : ومن النَّاس من [ طعن ] في هذه الرواية ؛ من وجوه : أولها : قالوا : ليس الروح أعظم شأناً ، ولا أعلى درجة من الله تعالى ، فإن كانت معرفة الله تعالى حاصلة ممكنة ، فأي مانعٍ يمنع من معرفة الروح ؟ ! . وثانيها : أن اليهود قالوا : إن أجاب عن قصَّة أهل الكهف ، وقصَّة ذي القرنين ، ولم يجب عن الروح ، فهو نبيٌّ ، وهذا كلامٌ بعيد عن العقلاء ؛ لأن قصَّة أصحاب الكهف ، وقصَّة ذي القرنين ليست إلا حكاية ، والحكاية لا تكون دليلاً على النبوة . وأيضاً : فالحكاية التي يذكرها : إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته ، أو بعد العلم بنبوته . فإن كانت قبل العلم بنبوته ، كذَّبوه فيها ، وإن كانت بعد العلم بنبوته ، فحينئذٍ : نبوَّتهُ معلومة ؛ فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية وأما عدم الجواب عن حقيقةِ الروح ، فهذا يبعد جعله دليلاً على صحَّة النبوة . وثالثها : أنَّ مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة ، وأراذل المتكلِّمين ، فلو قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنِّي لا أعرفُها " لأورث ذلك ما يوجبُ التَّحقيرَ ، والتَّنفيرَ ؛ فإنَّ الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أيِّ إنسانٍ كان ، فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماءِ ، وأفضل الفضلاء ؟ ! . ورابعها : أنه تعالى قال في حقِّه { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ } [ الرحمن : 1 ، 2 ] . وقال : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] . وقال : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] . وقال في [ حقِّه ، أي القرآن ، وصفته ] : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] . وكان صلى الله عليه وسلم يقول : " أرني الأشياء كما هي " . فمن هذا حاله وصفته ، أيليق به أن يقول : أنا لا أعرف هذه المسألة ، مع أنَّها من المسائل المشهورة المذكورة عند جمهور الخلق ؟ ! . بل المختار عندنا : أنَّهم سألوه عن الروح ، وأنه - صلوات الله عليه - أجابهم على أحسن الوجوه ، وتقريره أن المذكور في الآية ، أنهم سألوه عن الروح ، والسؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة . أولها : أن يقال : ماهية الروح ، هل هي متحيِّز أو حالٌّ في المتحيِّز . وثانيها : أن يقال : الروح قديمة ، أو حادثة ؟ . وثالثها : أن يقال : الروح ، هل تبقى بعد الأجسام ، أو تفنى ؟ . ورابعها : أن يقال : ما حقيقة سعادة الأرواح ، وشقاوتها ؟ . وبالجملة : فالمباحثُ المتعلقة بالروح كثيرة . وقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } ليس فيه ما يدلُّ على أنَّهم سألوه عن أيِّ المسائل ، إلا أنه تعالى ذكر في الجواب عن هذا السؤال : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } وهذا الجواب لا يليقُ إلا بمسألتين من هذه المسائل التي ذكرناها : إحداهما : السؤال عن ماهية الروح . والأخرى : عن قدمها ، أو حدوثها . أما البحث الأول : فهم قالوا : ما حقيقة الروح وماهيته ؟ ! أهو أجسامٌ موجودة داخلة في البدنِ مولدةٌ من امتزاجِ الطبائع والأخلاط ؟ أو هو عبارة عن نفس هذا المزاجِ والتركيب ؟ أو هو عبارة عن عرض قائم بهذه الأجسام ؟ أو هو عبارة عن موجودٍ يغاير هذه الأجسام ، والأعراض ؟ فأجاب الله عنه بأنَّه موجودٌ مغايرٌ لهذه الأجسام ، ولهذه الأعراض ؛ وذلك لأن لهذه الأجسام ، ولهذه الأعراض أشياء تحدثُ عن امتزاجِ الأخلاط والعناصر . وأمَّا الروح ، فإنه ليس كذلك ، بل هو جوهرٌ ، بسيطٌ ، مجردٌ ، لا يحدث إلا بمحدثٍ يقول له : " كن فيكون " ، فأجاب الله عنه بأنه موجود محدث بأمر الله وتكوينه ، وتأثيره في إفادة الحياة بهذا الجسدِ ، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه ؛ فإنَّ أكثر حقائقِ الأشياءِ ، وماهيَّاتها مجهولة ؛ فإنَّا نعلم أنَّ السكنجبين له خاصيةٌ في قطع الصفراء ؛ فأمَّا إذا أردنا أن نعرف ماهيَّة تلك الخاصِّيَّة ، وحقيقتها المخصوصة ، فذلك غير معلوم ؛ فثبت أنَّ أكثر الحقائق مجهولةٌ ، ولم يلزم من كونها مجهولة بعينها عدمُ العلم بخاصِّيَّتها ، فكذا ها هنا ؛ وهذا المراد بقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . وأما البحثُ الثاني : فهو أنَّ لفظ الأمرِ قد جاء بمعنى الفعل ؛ قال تعالى : { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] . وقال تعالى : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } [ هود : 82 ] أي : فعلنا . فقوله تعالى : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } . أي : من فعل ربِّي . وهذا الجواب يدلُّ على أنَّهم سألوه عن الروح ، قديمة أو حادثة ، فقال : بل حادثةٌ ، وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه . ثم احتجَّ على حدوثِ الرُّوحِ بقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . ثم استدلَّ بحدوثِ الأرواح بتغيُّرها من حال إلى حالٍ ، وهو المراد بقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . وأما أقوال المفسِّرين في الروح المذكورة ها هنا : فقيل : الروح : القرآن ؛ لأن الله تعالى سمَّى القرآن في هذه الآية ، وفي كثيرٍ من الآيات روحًا ؛ قال تعالى : { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } [ النحل : 2 ] . ولأنَّ القرآن تحصل به حياة الأرواح والعقول ؛ لأنَّ به تحصل معرفة الله تعالى ، ومعرفة ملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والأرواح إنَّما يحصلُ إحياؤها بهذه المعارف ، وتقدم قوله : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] . وقال بعده : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الإسراء : 86 ] . إلى قوله : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ الإسراء : 88 ] . فلما كان ما قبل هذه الآية في وصف القرآن ، وما بعدها كذلك ، وجب أن يكون المراد بالروح القرآن ؛ حتَّى تكون آيات القرآن كلها متناسبة ؛ لأن القوم استعظموا أمر القرآن ، فسألوا : هل هو من جنس الشِّعر ، أو من جنس الكهانة ؟ فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من جنس كلام البشر ، وإنما هو كلامٌ ظهر بأمر الله ، ووحيه ، وتنزيله ، فقال : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } ، أي : القرآن إنما ظهر بأمر الله ربِّي ، وليس من جنس كلامِ البشر . ورُوِيَ عن ابن عباس : أنه جبريل ، وهو قول الحسن وقتادة ؛ لقوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] ؛ وقوله : { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا } [ مريم : 17 ] . ويؤكده : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } . وقال جبريل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] . فسالوا الرسول صلى الله عليه وسلم : كيف جبريل في نفسه ؟ وكيف يأتيه ؟ وكيف يبلغ الوحي إليه ؟ . وقال مجاهد : الرُّوحُ : خلق ليسوا من الملائكة ، على صور بني آدم يأكلون ، ولهم أيدٍ ، وأرجلٌ ، ورءوسٌ . وقال أبو صالحٍ : يشبهون الناس ، وليسوا من النَّاس . فصل قال ابن الخطيب : ولم أجِدْ في القرآن ، ولا في الأخبار الصحيحة شيئاً يمكنُ التمسُّك به بهذا القول . ورُوِيَ عن عليٍّ : أنَّه ملكٌ له سبعون ألف وجهٍ ، لكلِّ وجهٍ سبعون ألف لسانٍ ، لكلِّ لسانٍ سبعون ألف لغةٍ ، يسبِّح الله تعالى بتلك اللغات ، ويخلق الله تعالى من كلِّ تسبيحةٍ ملكاً يطير مع الملائكة ، قالوا : ولم يخلق الله خلقاً أعظم من الروحِ غير العرشِ ، ولو شاء أن يبتلع السَّموات السَّبع ، والأرضين السبع ، وما فيها بلقمةٍ واحدةٍ لفعله ، صورة خلقه على صورة الملائكة ، وصورة وجهه على صورة الآدميين ، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش ، وهو أقرب الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ اليوم عند الحجب السَّبعين ، ويقرب إلى الله يوم القيامة ، وهو يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أنَّ بينه وبين الملائكة ستراً من نورٍ ، لاحترق أهل السموات من نوره . فصل في ضعف هذا القول قال ابن الخطيب : ولقائلٍ أن يقول : هذا القول ضعيفٌ ؛ لوجوهٍ : الأول : أنَّ هذا التفصيل ، إذا عرفه عليٌّ ، فالنبي أولى بأن يعرفه ، ويخبر به ، وأيضاً : فإنَّ الوحي لم يكن ينزل على عليٍّ ؛ فهذا التفصيل ما عرفه إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فَلِمَ ذكر النبي هذا الشَّرح لعليٍّ ، ولم يذكره لغيره ؟ ! . الثاني : أنَّ ذلك الملك ، إن كان حيواناً واحداً ، وعاقلاً واحداً ، فلا فائدة في تكثير تلك اللغات ، وإن كان المتكلِّم بكلِّ لغةٍ ملكاً ؛ فهذا مجموعُ ملائكة . الثالث : أنَّ هذا شيء مجهول الوجود ، فكيف يسال عنه ؟ أما الروح الذي هو سبب الحياة ، فهو شيء تتوفَّر دواعي العقلاء على معرفته ؛ فصرف هذا السؤال إليه أولى . وقيل : الرُّوحُ : عيسى ؛ فإنَّه روح الله ، وكلمته ، والمعنى : أنَّه ليس كما يقوله اليهود ، ولا كما يقوله النصارى . وقال قومٌ : هو الرُّوحُ المركَّب في الخلق الذي يحيا به الإنسان ، وهو الأصحُّ . واختلفوا فيه ؛ فقال بعضهم : هو الدم ؛ ألا ترى [ أنَّ الإنسان ] ، إذا مات لا يفوتُ منه إلا الدمُ . وقال قومٌ : هو نفس الحيوان ؛ بدليل أنَّه يموت باحتباس النفس . وقال قومٌ : هو عرضٌ . وقال قومٌ : هو جسم لطيف . وقال بعضهم : الروح معنى اجتمع فيه النُّور ، والطِّيب ، والعلوُّ ، والعلم ، والبقاء ؛ ألا ترى أنه إذا كان موجوداً ، يكون الإنسان موصوفاً بهذه الصفات [ جميعها ] ، وإذا خرج ذهب الكلُّ ؟ ! . فصل في شرح مذاهب القائلين بأنَّ الإنسان جسم موجود ، روح في داخل البدن . قال ابن الخطيب : اعلم أن الأجسام الموجودة في هذا العالم السفليِّ : إما أن تكون أحد العناصر الأربعة ، أو ما يكون متولِّداً من امتزاجها ، ويمتنع أن يحصل في البدنِ الإنسانيِّ جسمٌ عنصريٌّ خالصٌ ، بل لا بدَّ وأن يكون الحاصل جسماً متولِّداً من امتزاجات هذه الأربعة . فنقول : أمَّا الجسم الذي تغلب عليه الأرضية : فهو الأعضاء الصُّلبة الكثيفة ؛ كالعظم ، و العروق ، والغُضروف ، والعصب ، والوتر ، والرِّباطاتِ لهذا الجسم ، واللَّحم والجلد ، ولم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا : إنَّ الإنسان بمعنى : روح مغاير لهذا الجسد ، بأنَّه عبارة عن عضوٍ معيَّن من هذه الأعضاء ؛ وذلك لأنَّ هذه الأعضاء ثقيلة ، كثيفة ، ظلمانيَّة ، لم يقل أحد من العقلاء بأنَّ الإنسان عبارةٌ عن أحد هذه الأعضاء . وأما الجسم الذي تغلب عليه المائية ؛ فهو الأخلاط الأربعة ولم يُقَلْ في شيءٍ منها : إنَّه الإنسان إلاَّ في الدَّم ؛ فإنَّ فيهم من قال : هو الرُّوح ؛ بدليل أنَّه ، إذا خرج ، لزم الموت . وأمَّا الجسم الذي تغلب عليه الهوائية ، والنارية ؛ فهو الأرواح : وهي نوعان : أجسامٌ هوائية مخلوطة بالحرارةِ الغريزيّة ، متولِّدة : إمَّا في القلب ، أو في الدِّماغ ، وقالوا : إنما هي الروح الإنسانيُّ ، ثمَّ اختلفوا . فمنهم من يقول : هو الرُّوح الذي في القلب . ومنهم من يقول : إنَّه جزءٌ لا يتجزَّأ في الدِّماغ . ومنهم من يقول : الرُّوحُ عبارة عن أجزاءٍ ناريَّة مختلطة بهذه الأرواح القلبيَّة ، والدِّماغيَّة ، وتلك الأجزاء النارية : هي المسمَّاة بالحرارة الغريزيَّة ، وهي الإنسان . ومن النَّاس من يقول : الروح عبارةٌ عن أجسام نورانيَّةٍ ، سماويةٍ ، لطيفة الجوهر ، على طبيعة ضوءِ الشَّمس ، وهي لا تقبلُ التحلُّل ، والتبدُّل ، ولا التفرُّق ، والتمزُّق ؛ وهو المراد بقوله : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] نفذت تلك الأجسام الشَّريفة السماوية الإلهيَّة في داخل أعضاء البدنِ نفاذ النَّار في الفحم ، ونفاذ دهن السِّمسم في السِّمسم ، ونفاذ دهن الورد في جسمِ الورد ؛ وهو المراد من قوله : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] . ثم إنَّ البدن ما دام سليماً ، قابلاً لنفاذ تلك الأجسام الشريفة ، بقي حيًّا ، فإذا تولَّد في البدنِ أخلاطٌ غليظةٌ ، منعت من سريان تلك الأجسام الشريفة فيها ، فانفصلت عن هذا البدن ؛ فحينئذ : يعرض الموت . قال : فأمَّا أنَّ الإنسان جنسٌ موجودٌ خارج البدن ، فلا أعرف أحداً ذهب إلى هذا القول . فصل في الاحتجاج على أن الروح ليست بجسم ولا عرض احتجَّ ابن الخطيب لمسمَّى الروح بأنها ليست بجسمٍ ، ولا عرضٍ ، وأنها غير البدن ؛ بوجوه كثيرة عقليَّة ونقليَّة . قال ابن الخطيب : منها أنَّ العلم البديهيَّ حاصل بأن أجزاء هذه الجثَّة متبدلة بالزِّيادةِ والنُّقصانِ ، والمتبدل مغاير للثَّابت . ومنها : أنَّ الإنسان حال كونه مشتغلاً بفكره في شيءٍ معيَّن ، فإنه في تلك الحالة يكونُ غافلاً عن جميع أجزاء بدنه ، وغير غافل عن نفسه ؛ فوجب أن يكون الإنسان مغايراً لبدنه . ومنها : قول الإنسان : رأسي ، وبدني ، وعيني ، ويضيف كل عضو إلى نفسه ، والمضاف غير المضاف إليه . فإن قيل : قد يقول : نفسي وذاتي فيضيف الذات والنفس إلى [ نفسه ] ؛ فيلزم أن يكون الشيء وذاته مغايرة لنفسه ، وهو محالٌ ، قلنا : قد يريد بنفس الشيء وذاته الحقيقة المخصوصة التي يشير إليها كلُّ أحدٍ بقوله : أنا فلانٌ ، فإذا قال : نفسي ، وذاتي ، كان المراد البدن ، وهو مغاير للإنسان ، أمَّا إذا أريد بالنَّفس والذَّات الحقيقة المخصوصة المشار إليها بقوله : أنا فلانٌ ، ثم إنَّ الإنسان يكنه أن يضيف ذلك إلى نفسه بقوله : إنَّه لي . ومنها : أنَّ الإنسان قد يكون حيًّا ، حال موت البدن ؛ لقوله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ } [ آل عمران : 169 ] . والحِسُّ يرى الجسد ميِّتاً . وقال تعالى : { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [ غافر : 46 ] . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " [ " أنبياء الله لا يموتون " ] " . وقال - عليه السلام - : " إذَا حُمِلَ الميِّتُ على نعشِه ، [ رفرف ] روحه فوق النَّعشِ ، ويقول : يا أهْلِي ، ويَا ولَدِي " . وقال تعالى : { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر ، 27 ، 28 ] . ومنها : أن الإنسان ، إذا قطعت يداه ورجلاه ، لم ينقص من عقله ، وفهمه شيء . ومنها : الذين مسخهم الله قردة وخنازير ؛ فإن لم يكن ذلك الإنسان حيًّا ، وإلاَّ لكان ذلك المسخُ إماتة لذلك الإنسان ، وخلقاً لذلك الخنزير . ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى جبريل في صورة دحية ، ويرى إبليس في صورة الشَّيخِ النجديِّ . ومنها : العضو ، وهذا يدل على أن الإنسان شيء غير الجسد ، وأنَّ الزَّاني يزني بفرجه ؛ فيضرب على ظهره ؛ فيلزم أن يكون الإنسانُ شيئاً آخر ، سوى الفرج ، وسوى الظَّهر ، وهو شيء يستعمل الظهر في عمل ، والفرج في عمل ؛ فيكون المتلذذ المتألم هو ذلك الشيء بواسطة ذلك العضو ، وكل هذا يدل على أن الإنسان شيء غير الجسد . ثم قال : واحتج المنكر بثلاثة أوجه : الأول : لو كانت مساوية لذات الله في كونه ليس بجسم ولا عرض لكانت مساوية له في تمام الماهية ، وذلك محال . الثاني : قوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [ عبس : 17 - 22 ] . وهذا تصريحٌ بأنَّ الإنسان شيء مخلوق من النُّطفة ، وأنه يموت ، ويدخل القبر ، ثم إنَّه تعالى يخرجه من القبر ، ولو لم يكن الإنسان عبارة عن هذه الجثَّة ، وإلاَّ لم تكن الأحوال المذكورة في هذه الآية صحيحة . الثالث : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } [ آل عمران : 169 ] إلى قوله : { فَرِحِينَ } [ آل عمران : 170 ] . وهذا يدلُّ على أنَّ الروح جسم ؛ لأنّ الارتزاق والفرح من صفات الأجسام . والجواب عن الأوَّل : أنَّ المساواة في أنَّه ليس بمتحيِّز ، ولا حالٍّ في المتحيِّز مساواةٌ في صفةٍ سلبيةٍ ، والمساواة في الصِّفة السلبيَّة لا توجبُ المماثلة . واعلم : أنَّ جماعة من الجهَّال يظنُّون أنَّه لما كان الروح موجوداً ليس بمتحيِّز ، ولا حالٍّ في المتحيز ، وجب أن يكون مثلاً للإله ، أو جزءاً له ، وذلك جهلٌ فاحشٌ ، وغلطٌ قبيحٌ . وتحقيق القول : ما ذكرناه من أنَّ المساواة في السُّلوب ، لو أوجبت المماثلة ، لوجب القول باستواءِ كلِّ المخالفات ؛ فإنَّ كل ماهيتَّينِ مختلفتين ، لا بدَّ وأن يشتركا في سلب ما عداهما عنهما ، فليتفكر في هذه الدقيقة ؛ فإنَّها مغلطةٌ عظيمةٌ للجهَّال . والجوابُ عن الثاني : أنه لمَّا كان الاتِّصافُ في العرف والظَّاهر عبارة عن هذه الجثَّة أطلق عليه اسم الإنسان . وأيضاً : لقائل أن يقول : هَبْ أنَّا نجعلُ اسم الإنسان عبارة عن هذه الجثَّة ، إلاَّ أنَّا قد دلَّلنا أنَّ محلَّ العلم والقدرة ليس هو الجثَّة . والجواب عن الثالث : أنَّ الرِّزْقَ المذكور في الآية محمولٌ على ما يقوِّي حالهم ويكمل كمالهم ، وهو معرفةُ الله ومحبَّته . بل نقول : هذا من أدلِّ الدلائلِ على صحَّة قولنا ؛ لأنَّ أبدانهم قد بليت في التُّراب ، والله يقول : " إنَّ أرواحهم تأوي في قناديل معلقة تحت العرش " وهذا يدلُّ على أنَّ الروح غير البدن . قوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . أي : في جنب علم الله تعالى . قال المفسِّرون : هذا " خطابٌ لليهود ، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال لهم ذلك ، قالوا : نحن مختصُّون بهذا الخطاب ، أم أنت معنا ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلاً " ، فقالوا ما أعجب شأنك ، يا محمد ؛ ساعة تقول : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] . وساعة تقول هذا ، فنزل قوله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } " [ لقمان : 27 ] . وما ذكروه ليس بلازمٍ ؛ لأنَّ الشيء قد يكون قليلاً بالنِّسبة إلى شيءٍ ، كثيراً بالنِّسبة إلى شيءٍ آخر ، فالعلوم التي عند الناس قليلة بالنِّسبة إلى علم الله تعالى ، وبالنسبة إلى حقائق الأشياء ، ولكنَّها كثيرة بالنسبة إلى الشَّهوات الجسمانيَّة ، واللذَّات الجسدانية . وقيل : هذا خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم معنى الرُّوح ، ولم يخبرْ به أحداً ؛ لأنَّ ترك إخباره كان علماً لنُبوَّتهِ ، وقد تقدَّم الكلام على ذلك ، قال البغوي : الأصحُّ : أن الله تعالى استأثر بعلمه . قوله : { مِّنَ ٱلْعِلْمِ } : متعلق بـ " أوتيتم " ، ولا يجوز تعلُّقه بمحذوفٍ على أنه حال من " قَلِيلاً " ؛ لأنَّه لو تأخَّر ، لكان صفة ؛ لأنَّ ما في حيِّز " إلاَّ " لا يتقدَّم عليها . وقرأ عبد الله ، والأعمش " ومَا أوتُوا " بضمير الغيبة . قوله تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } الآية . لما ذكر أنَّه ما آتاهم من العلم إلاَّ قليلاً ، قال ها هنا : إنه لو شاء أن يأخذ منهم ذلك القليل ، لقدر عليه ، وذلك بأن يمحو حفظه من القلوب ، وكتابته من الكتب ، والمراد بالذي أوحينا إليك القرآن . واحتجَّ الكعبي بهذه الآية الكريمة بأنَّ القرآن مخلوقٌ ؛ فقال : الذي يقدر على إزالته والذَّهاب به يستحيل أن يكون قديماً ، بل يجب أن يكون محدثاً . وأجيب بأن يكون المراد بهذا الإذهاب إزالة العلم به عن القلوب ، وإزالة النَّقش الدَّال عليه من المصحف ؛ وذلك لا يوجبُ كون ذلك المصكوكِ المدلول محدثاً . فصل في كيفية رفع القرآن آخر الزمان قال عبد الله بن مسعود : اقرءوا القرآن قبل أن يرفع ؛ فإنَّه لا تقوم الساعة حتَّى يرفع ، قيل : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور النَّاس ؟ قال : يسري عليه ليلاً ، فيرفع ما في صدورهم ، فيصبحون لا يحفظون شيئاً ، ولا يجدون في المصاحف شيئاً ، ثم يفيضون في الشِّعر . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : لا تقوم السَّاعة حتَّى يرفع القرآن من حيثُ نزل ، لهُ دويٌّ حول العرشِ ، كدويِّ النَّحلِ ؛ فيقول الربُّ : ما لك ؟ فيقول : يا ربِّ ، أتلى ، ولا يعمل بي . ثم قال : { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } أي : لا تجدُ من تتوكَّل عليه في ردِّ شيءٍ منه . قوله تعالى : { إِلاَّ رَحْمَةً } : قيل : استثناء متصل ؛ لأنها تندرج في قوله " وَكِيلاً " والمعنى : إلاَّ أن يرحمك ربُّك ؛ فيردَّه عليك . وقيل : إنه استثناء منقطع ، فتتقدر بـ " لَكِنْ " عند البصريين ، و " بَلْ " عند الكوفيين . والمعنى : إلا رحمة من ربِّك ؛ إذ كل رحمة من ربِّك تركته غير مذهوب به ، أي : لكن لا يشاء ذلك رحمة من ربِّك ، وهذا امتنانٌ من الله ؛ وهو نوعان : الأول : تسهيل ذلك العلم عليه . والثاني : إبقاء حفظه عليه . قوله " مِنْ ربِّكَ " يجوز أن يتعلق بـ " رَحْمةً " وأن يتعلق بمحذوفٍ ، صفة لها . ثم قال : { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } . بسبب إبقاء العلم والقرآنِ عليك ، وقيل : بسببِ أنَّه جعلك سيِّد ولد آدم ، وختم بك النَّبيِّين ، وأعطاك المقَام المحمود ، فلما كان كذلك ، لا جرم أنعم عليك بإبقاء العلم والقرآن عليك . قوله : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ } الآيات ، وقد تقدَّم الكلام على مثلِ هذه الآية . فصل قال بعضهم : هب أنَّه ظهر عجز الإنسانِ عن معارضته ؛ فكيف عرفتُم عجز الجنِّ ؟ وأيضاً : فلم لا يجوز أن يقال : إن هذا الكلام نظم الجنِّ ، ألقوهُ على محمد صلى الله عليه وسلم وخصُّوه به على سبيل السَّعي في إضلال الخلق ؟ فعلى هذا : إنَّما تعرفون صدق محمد صلى الله عليه وسلم إذا عرفتم أنَّ محمَّداً صادق في قوله : إنَّه ليس من كلام الجنِّ ، بل من كلامِ الله تعالى ؛ وحينئذٍ : يلزم الدور ، وليس لأحدٍ أن يقول : كيف يعقل أن يكون هذا من قول الجنِّ ؛ لأنا نقول : إنَّ هذه الآية دلَّت على وقوعِ التحدِّي من الجنِّ ، وإنما يحسن وقوعُ هذا التحدِّي ، لو كانوا فصحاء بلغاء ، ومتى كان الأمرُ كذلك ، كان الاحتمال المذكور قائماً . فالجواب عن الأوَّل : بأنَّ عجز البشر عن معارضته يكون في إثبات كونه معجزاً . وعن الثاني : أنَّ ذلك ، لو وقع ، لوجب في حكمة الله : أن يظهر ذلك التَّلبيسُ ، وحيث لم يظهر ذلك ، دلَّ على عدمه ، وعلى أنَّ الله تعالى أجاب عن هذه الأسئلةِ بالأجوبة الشَّافية في آخر سورة الشعراء ؛ في قوله : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [ الشعراء : 221 - 222 ] وسيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى - . قالت المعتزلة : هذه الآية تدلُّ على أنَّ القرآن مخلوقٌ ؛ لأنَّ التحدِّي بالقديم محالٌ ، وقد تقدَّمت هذه الآية في سورة البقرة . قوله : { لاَ يَأْتُونَ } : فيه وجهان : أظهرهما : أنه جوابٌ للقسمِ الموطَّأ له باللام . والثاني : أنه جواب الشرط ، واعتذروا به عن رفعه بأنَّ الشرط ماضٍ ؛ فهو كقوله : [ البسيط ] @ 3462 - وإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألةٍ يَقولُ لا غَائبٌ مَالِي ولا حَرِمُ @@ واستشهدوا عليه بقول الأعشى : [ البسيط ] @ 3463 - لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْركةٍ لا تُلْفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ @@ فأجاب الشرط مع تقدُّمِ لامِ التوطئة ، وهو دليلٌ للفراء ، ومن تبعه على ذلك ، وفيه ردٌّ على البصريِّين ، حيث يحتِّمون جواب القسمِ عند عدمِ تقدم ذي خبرٍ . وأجاب بعضهم أنَّ اللام في البيت ليست للتوطئةِ ، بل مزيدةٌ ؛ وهذا ليس بشيء ؛ لأنه لا دليل عليه ، وقال الزمخشريُّ : " لولا اللام الموطِّئةُ ؛ لجاز أن يكون جواباً للشرط ؛ كقوله : [ البسيط ] @ 3464 - … يَقُولُ لا غَائِبٌ … @@ لأنَّ الشرط وقع ماضياً " . وناقشه أبو حيَّان : بأنَّ هذا ليس مذهب سيبويه ، ولا الكوفيين والمبرِّد ؛ لأنَّ مذهب سيبويه في مثله : أن النية به التقديم ، ومذهب الكوفيين ، والمبرِّد : أنه على حذف الفاء ، وهذا مذهب ثالثٌ ، قال به بعضُ الناس . قوله : " ولَوْ كَانَ " جملةٌ حاليةٌ ، وتقدَّم تحقيق هذا ، وأنه كقوله - عليه السلام - : " أعطُوا السَّائل ، ولو جَاء على فَرسٍ " ، و " لبَعْضٍ " متعلقٌ بـ " ظَهِيراً " . فصل في معنى الآية والمعنى : لو كان بعضهم لبعض عوناً ، ومظاهراً ، نزلت حين قال الكفَّار : ولو شئنا لقلنا مثل هذا ، فكذَّبهم الله - عز وجلَّ - فالقرآن معجزٌ في النَّظم ، والتَّأليف ، والإخبار عن الغيوب ، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة ، لا يشبه كلام الخلق ؛ لأنَّه غير مخلوقٍ ، ولو كان مخلوقاً ، لأتوا بمثله .