Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-93)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } الآية . { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } : مفعول محذوف ، وقيل : " مِنْ " زائدة في " مِنْ كلِّ مَثلٍ " وهو المفعول ، قاله ابن عطية ، وهو مذهب الكوفيين و الأخفش . وقرأ الحسن : " صَرَفْنَا " بتخفيف الراء ، وتقدَّم نظيره . فصل في ذكر الوجوه المحتملة في هذا الكلام هذا الكلام يحتمل وجوهاً : أحدها : أنه وقع التحدِّي بكلِّ القرآن ؛ كما في هذه الآية ، ووقع التحدِّي بسورة واحدة ؛ كما في قوله : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } [ الطور : 34 ] فقوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } يحتمل أن يكون المراد منه التحدِّي ؛ كما شرحناه ، ثم إنهم مع ظهور عجزهم عن جميع هذه المراتب ، صاروا مصرِّين على كفرهم . وثانيها : أن يكون المراد من " من كُلِّ مثلٍ " : أنَّا أخبرناهم بأنَّ الذين بقوا مصرِّين على الكفر ؛ مثل قوم نوحٍ ، وعادٍ ، وثمود - ابتلاهم الله بأنواع البلاء - وشرحنا هذه الطريقة مراراً - ثم إنَّ هؤلاء الأقوام - يعني أهل مكَّة - لم ينتفعوا بهذا البيان ، بل أصرُّوا على الكفر . وثالثها : أن يكون المراد من " مِنْ كلِّ مثلٍ " : مِنْ كلِّ وجهٍ من العبر ، والأحكام والوعد ، والوعيد ، وغيرها . ورابعها : أن يكون المراد ذكر دلائل التوحيد ، ونفي الشركاء في هذا لقرآن مراراً كثيرة ، وذكر شبهات منكري النبوَّة ، والمعاد ؛ وأجاب عنها ، ثمَّ أردفها بذكر الدَّلائل القاطعة على صحَّة النبوة ، والمعاد ، ثم إنَّ هؤلاء الكفَّار لم ينتفعوا بسماعها ، بل بقوا مصرِّين على الشِّرك ، وإنكار النُّبوَّة . قوله : " إلاَّ كُفوراً " مفعول به ، وهو استثناءٌ مفرَّغ ؛ لأنَّه في قوة : لم يفعلوا إلاَّ الكفور . والمعنى : { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } يعني : أهل مكَّة ، { إِلاَّ كُفُوراً } أي : جحوداً للحقِّ . فإن قيل : كيف جاز : { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } ولا يجوز أن يقال : ضربتُ إلا زيداً ؟ . فالجواب : إنَّ لفظة : " أبَى " تفيد النَّفي ؛ كأنه قيل : فلم يؤمنوا إلاَّ كفوراً . قوله : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } الآية . قرأ الكوفيُّون [ " تَفْجُرَ " ] بفتح التَّاء ، وسكون الفاء ، وضم الجيم خفيفة ، مضارع " فَجَرَ " واختاره أبو حاتم ؛ قالوا : لأنّ الينبوع واحدٌ ، والباقون ، بضمِّ التاء ، وفتح الفاء ، وكسر الجيم شديدة ، مضارع " فجَّر " ، للتكثير ، ولم يختلفوا في الثانية : أنَّها بالتثقيل للتصريح بمصدرها ، وقرأ الأعمش " تُفْجِرَ " بضمِّ التاء ، وسكون الفاء ، وكسر الجيم خفيفة ، مضارع " أفْجرَ " بمعنى " فَجرَ " فليس التضعيفُ ، ولا الهمزة معدِّيينِ . فمن ثقَّل ، أراد كثيرة الانفجار من الينبوع ، وهو وإن كان واحداً ، فلكثرة الانفجار فيه يحسن أن يثقَّل ؛ كما تقول : ضرَّب زيدٌ ، إذا كثر الضَّربُ منه ؛ لكثرة فعله ، وإن كان الفاعل واحداً ، ومن خفَّف ؛ فلأن الينبوع واحدٌ . و " يَنْبُوعاً " مفعول به ، ووزنه " يَفعُولٌ " ؛ لأنه من النَّبعِ ، واليَنبُوعُ : العين تفور من الأرض . فصل فيما يثبت صدق النبوة اعلم أنَّه تعالى لمَّا بيَّن بالدليل كون القرآن معجزاً ، وظهر هذا المعجز على وفق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم ، فحينئذٍ : تمَّ الدليل على كونه نبيًّا صدقاً ؛ لأنَّا نقول : إن محمداً صلى الله عليه وسلم ادَّعى النبوة ، وأظهر المعجزة على وفق دعواه ، وكلُّ من كان كذلك ، كان نبيًّا صادقاً ؛ فهذا يدلُّ على أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم صادقٌ ، وليس من شرط كونه نبيًّا صادقاً تَواترُ المعجزات الكثيرة ، وتواليها ؛ لأنَّا لو فتحنا هذا الباب ، للزم ألاَّ ينقطع فيه ، وكلما أتى الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - بمعجز ، اقترحوا عليه معجزاً آخر ، ولا ينتهي الأمر فيه إلى حدِّ ينقطع عنده عناد المعاندين ؛ لأنَّه تعالى حكى عن الكفَّار : أنهم بعد أن ظهر كون القرآن معجزاً ، التمسُوا من الرسُول - عليه الصلاة والسلام - ستَّة أنواعٍ من المعجزات الباهرات ، كما روى عكرمة ، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - " أنَّ رؤساء أهل مكَّة ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوسٌ عند الكعبة ، فقالوا : يا محمد ، إنَّ أرض مكَّة ضيقةٌ ، فسير جبالها ؛ لننتفع فيها ، وفجِّر لنا ينبوعاً ، أي : نهراً ، وعيوناً نزرع فيها ، فقال : " لا أقدر عليه " . فقال قائلٌ منهم : أو يكون لك جنّة من نخيل وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً ، فقال : " لا أقْدرُ عَليْهِ " فقيل : أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ ، أي : من ذهبٍ ، فيُغْنِيكَ عَنَّا ، فقال : " لا أقدِرُ عَليْهِ " فقيل له : أما تَسْتطِيعُ أن تَأتي قوْمكَ بِمَأ يسْألُونكَ ؟ فقال : لا أسْتطِيعُ ، فقالوا : فإذا كنت لا تَسْتطِيعُ الخير ، فاسْتطعِ الشَّر ، فأرسل السَّماء ؛ كما زَعمْتَ ، عَليْنَا كِسَفاً " . قرأ العامة " تُسْقِطَ " بإسناد الفعل للمخاطب ، و " السَّماء " مفعول بها ، ومجاهد على إسناده إلى " السَّماء " فرفعها به . وقرأ نافع ، و ابن عامرٍ ، وعاصم " كِسَفاً " هنا ، بفتح السِّين ، وفعل ذلك حفصٌ في الشعراء [ الآية : 187 ] وفي سبأ [ الآية : 9 ] ، والباقون يسكنونها في المواضع الثلاثة ، وقرأ ابن ذكوان بسكونها في الروم [ الآية : 48 ] ؛ بلا خلافٍ ، وهشام عنه الوجهان ، والباقون بفتحها . فمن فتح السين ، جعله جمع كسفةٍ ؛ نحو : قِطعَةٍ وقِطَع ، وكِسْرةٍ وكِسرٍ ، ومن سكَّن ، جعله جمع كسفة أيضاً على حدِّ : سِدْرةٍ وسِدْرٍ ، وقِمْحَةٍ وقِمَحٍ . وجوَّز أبو البقاء فيه وجهين آخرين : أحدهما : أنه جمعٌ على " فَعَلٍ " بفتح العين ، وإنما سكِّن تخفيفاً ، وهذا لا يجوز ؛ لأنَّ الفتحة خفيفة يحتملها حرف العلة ، حيث يقدر فيه غيرها ، فكيف بالحرف الصحيح ؟ . قال : والثاني : أنه " فَعْلٌ " بمعنى " مَفْعُولٍ " ؛ كـ " الطحْن " بمعنى " مَطْحُون " ؛ فصار في السكون ثلاثة أوجهٍ . وأصل الكسفِ : القطع ، يقال : كسَفْتُ الثَّوبَ قطعته ؛ وفي الحديث في قصَّة سليمان مع الصَّافناتِ الجياد : أنه " كَسَفَ عَراقِيبهَا " ، أي : قطعها . فصل في معنى الكسف قال اللَّيثُ : الكسف : قطع العرقوب ، قال الفرَّاء : وسمعتُ أعرابيًّا يقول لبزَّاز : أعطني كسفةً ، وقال الزجاج : " كَسفَ الشيء بمعنى غطَّاهُ " ، قيل : ولا يعرفُ هذا لغيره . وانتصابه على الحال في القراءتين فإن جعلناه جمعاً ، كان على حذفِ مضاف ، أي : ذات كسفٍ ، وإن جعلناه " فِعْلاً " بمعنى " مَفعُول " لم يحتج إلى تقدير ، وحينئذ : فإن قيل لِمَ لمْ يُؤنَّث ؟ فالجواب : لأنَّ تأنيثه أعني : السَّماء غير حقيقيٍّ ، أو بأنها في معنى السَّقف . قوله : " كَمَا زعَمْتَ " : نعت لمصدر محذوف ، أي : إسقاطاً مثل مزعومك ؛ كذا قدَّره أبو البقاء . فصل في المراد بالآية قال عكرمة : { كَمَا زَعَمْتَ } ، يا محمد : أنَّك نبيٌّ ، " فأسْقِط " السماء علينا كسفاً . وقيل : كما زعمت أن ربَّك إن شاء فعل ، وقيل : المراد قوله : { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } [ الإسراء : 68 ] . فقيل : اجعل السَّماء قطعاً متفرقة ؛ كالحاصب ، وأسقطها علينا . قوله : { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } . القَبِيلُ : بمعنى : المقابل ؛ كالعشير ، بمعنى : المُعاشِر . وقال ابن عباس : فوجاً بعد فوجٍ . وقال الليث : كلُّ جندٍ من الجنِّ والإنسِ قبيلٌ ، وقيل : كفيلاً ، أي ضامناً . قال الزجاج : يقال : قبلتُ به أقبل ؛ كما يقال : كفلت به أكفل ، وعلى هذا : فهو واحدٌ أريد به الجمعُ ؛ كقوله : { وَحَسُنَ أُوْلَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] ، وقال أبو عليِّ : معناه المعاينة ؛ كقوله تعالى : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] . قوله : " قَبِيلاً " [ حالٌ من " الله ، والمَلائِكَةِ " أو من أحدهما ، والآخر محذوفة حاله ، أي : بالله قبيلاً ، والملائكة قبيلاً ؛ ] كقوله : [ الطويل ] @ 3465 - … كُنْتُ مِنهُ ووالِدي بَرِيئاً … @@ وكقوله : [ الطويل ] @ 3466 - … فَإنِّي وقيَّارٌ بِهَا لغَرِيبُ @@ ذكره الزمخشريُّ ، هذا إذا جعلنا " قَبِيلاً " بمعنى كفيلاً ، أي : " ضَامِناً " أو بمعنى " معاينة " كما قاله الفارسي ، وإن جعلناه بمعنى " جَماعَة " كان حالاً من " المَلائِكَة " . وقرأ الأعرج " قِبَلاً " من المقابلة . قوله { أَوْ تَرْقَىٰ } : فعل مضارع [ منصوبٌ ] تقديراً ؛ لأنه معطوفٌ على " تَفْجُرَ " ، أي : أو حتَّى ترْقَى في السَّماء ، [ أي : ] في معارجها ، والرقيُّ : الصعود ، يقال : رَقِيَ ، بالكسر ، يرقى ، بالفتح ، رقيًّا على فعولٍ ، والأصل : " رُقُوي " فأدغم بعد قلب الواو ياء ، ورقياً بزنة ضربٍ ، قال الراجز : [ الرجز ] @ 3467 - أنْتَ الَّذي كَلَّفتَنِي رقْيَ الدَّرجْ عَلى الكَلالِ والمَشِيبِ والعَرجْ @@ قوله تعالى : { نَّقْرَؤُهُ } يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون نعتاً لـ " كتاباً " . والثاني : أن يكون حالاً مِنْ " نَا " في " عَليْنَا " ؛ قاله أبو البقاء ، وهي حال مقدرة ؛ لأنهم إنما يقرؤونه بعد إنزاله ، لا في حال إنزاله . فصل في سبب نزول الآية قال المفسرون : لمّا قال المشركون : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُر لَنَا } الآيات ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معهُ عبدُ الله بن أميَّة ، وهو ابنُ عمَّته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد ، عرض عليك قومُك ما عرضُوا ، فلم تقبلهُ منهم ، ثمَّ سألوكَ لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله تعالى ، فلم تفعل ، ثمَّ سألوك أن تعجِّل ما تُخوِّفهم به ، فلم تفعل ، فوالله لا أومن بك حتَّى تتَّخذ إلى السَّماء سلَّماً ترقى فيه ، وأنا أنظر حتَّى تأتيها ، وتنزل بنُسخةٍ منشورةٍ ، ومعك نفرٌ من الملائكةِ يشهدون لك بما تقولُ . وأيم الله ، لو فعلت ذلك ، لظننتُ أنِّي لا أصدِّقك ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسل حزيناً لما يرى من مباعدتهم . ثم قال تعالى : قل ، يا محمد : { سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } أمره بتنزيهه ، وتمجيده ، أي : أنَّه لو أراد أن ينزل ما طلبوا ، فلعل ، ولكن لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر . واعلم أنَّه تعالى قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الآياتِ والمعجزات ما يغني عن هذا كلِّه مثل القرآن ، وانشقاق القمر ، وتفجير العيون من بين الأصابع ، وما أشبهها ، والقوم عامَّتهم كانوا متعنِّتين ، لم يكن قصدهم طلب الدَّليل ؛ ليؤمنوا ، فردَّ الله عليهم سؤالهم . قوله : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } قرأ ابن كثير ، وابن عامرٍ " قال " فعلاً ماضياً ؛ إخباراً عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - بذلك ، والباقون " قُلْ " على الأمر أمراً منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ، وهي مرسومة في مصاحف المكيين والشاميين : " قال " بألف ، وفي مصاحف غيرهم " قل " بدونها ، فكل وافق مصحفه . قوله : { إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } يجوز أن يكون " بَشَراً " خبر " كُنْتُ " و " رَسُولاً " صفته ، ويجوز أن يكون " رَسُولاً " هو الخبر ، و " بَشَراً " حال مقدمة عليه . فصل في استدلالهم بهذه الآية استدلُّوا بهذه الآية على أن المجيء على الله والذهاب محالٌ ؛ لأنَّ كلمة " سبحان " للتنزيه عمَّا لا ينبغي . فقوله : { سُبْحَانَ رَبِّي } : تنزيه لله تعالى عن شيءٍ لا يليقُ به ، وذلك تنزيهٌ الله عما نسب إليه ممَّا تقدَّم ذكره ، وليس فيما تقدَّم ذكره شيء مما لا يليقُ بالله إلا قولهم : أو تأتي بالله ، فدلَّ على أنَّ قوله : " سُبحانَ ربِّي " تنزيهٌ لله تعالى أن يتحكَّم عليه المتحكِّمون في الإتيان ، والمجيء ؛ فدلَّ ذلك على فساد قول المشبهة . فإن قالوا : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى أن يتحكَّم عليه المتحكِّمون في اقتراح الأشياء ؟ . فالجواب : أنَّ القوم لم يتحكَّموا على الله ، وإنما قالوا للرسول : إن كنت نبيًّا صادقاً ، فاطلب من الله أن يشرِّفك بهذه المعجزات ، فالقوم إنَّما تحكَّموا على الرسول صلى الله عليه وسلم لا على الله ، فلا يليقُ حمل قوله : { سُبْحَانَ رَبِّي } على هذا المعنى ، فيجب حمله على قولهم { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ } . فصل في تقرير هذا الجواب اعلم أنَّ تقرير هذا الجواب : أن يقال : إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنَّكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء ، أو طلبتم منِّي أن أطلب من الله إظهارها على يديَّ ؛ لتدلَّ لكم على كوني رسولاً حقًّا من عند الله . والأول باطلٌ ؛ لأنِّي بشر ، والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء . والثاني أيضاً : باطل ؛ لأنِّي قد أتيتكم بمعجزة واحدة ، وهي القرآن ، فطلب هذه المعجزات طلبٌ لما لا حاجة إليه ، وكان طلبها يجري مجرى التعنُّت والتحكُّم ، وأنا عبدٌ مأمورٌ ليس لي أن أتحكَّم على الله ؛ فسقط هذا السؤال ؛ فثبت كونُ قوله : { سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } جواباً كافياً في هذا الباب .