Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 102-106)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الآية . لما بيَّن إعراض الكافرين عن الذِّكر ، وعن سماع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعه بقوله : { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } . والمعنى : أفظنَّ الذين كفروا أن ينتفعوا بما عبدوه . والمراد بقوله : { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } : أرباباً ، يريد بالعباد : عيسى ، والملائكة . وقيل : هم الشياطين يتولَّونهم ويطيعُونَهُم . وقيل : هم الأصنام ، سمَّاها عباداً ؛ كقوله : { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . وهو استفهام توبيخ . قوله : { أَفَحَسِبَ } : العامة على كسر السين ، وفتح الباء ؛ فعلاً ماضياً ، و { أَن يَتَّخِذُواْ } سادٌّ مسدَّ المفعولين ، وقرأ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب ، وزيد بن عليٍّ ، وابن كثيرٍ ، ويحيى بن يعمر في آخرين ، بسكون السين ، ورفع الباء على الابتداء ، والخبر " أنْ " وما في حيِّزها . والمعنى : أفكافيهم ، وحسيبهم أن يتَّخذوا كذا وكذا . وقال الزمخشريُّ : " أو على الفعل والفاعل ؛ لأن اسم الفاعل ، إذا اعتمد على الهمزة ، ساوى الفعل في العمل ؛ كقولك : " أقَائمٌ الزَّيدانِ " وهي قراءة محكيَّةٌ جيِّدةٌ " . قال أبو حيَّان : " والذي يظهر أنَّ هذا الإعراب لا يجوزُ ؛ لأنَّ حسباً ليس باسم فاعلٍ ، فيعمل ، ولا يلزم من تفسير شيءٍ بشيء : أن يجرى عليه أحكامه ، وقد ذكر سيبويه أشياء من الصِّفات التي تجري مجرى الأسماء ، وأنَّ الوجه فيها الرفع ، ثم قال : وذلك نحو : مرَرْتُ برجلٍ خير منه أبوهُ ، ومررتُ برجلٍ سواءٍ عليه الخير والشر ، ومررت برجلٍ اب لهُ صاحبه ، ومررتُ برجلٍ حسبك من رجلٍ هو ، ومررتُ برجلٍ أيِّما رجلٍ هو " . ثم قال أبو حيان : " ولا يبعُد أن يرفع به الظاهر ، فقد أجازوا في " مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه " أن يرتفع " أبوهُ " بـ " أبِي عشرةٍ " لأنه في معنى والدِ عشرةٍ " . قوله : " نُزُلاً " فيه أوجهٌ : أحدها : أنه منصوب على الحال ، جمع " نَازِلٍ " نحو شارفٍ ، وشُرفٍ . الثاني : أنه اسم موضع النُّزولِ . قال ابن عباس : " مَثوَاهُمْ " وهو قول الزجاج . الثالث : أنَّه اسمُ ما يعدُّ للنازلين من الضُّيوف ، أي : معدة لهم ؛ كالمنزلِ للضَّيف ، ويكون على سبيل التهكُّم بهم ، كقوله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وقوله : [ الوافر ] @ 3568 - … تَحيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ @@ ونصبه على هذين الوجهين مفعولاً به ، أي : صيَّرنا . وأبو حيوة " نُزْلاً " بسكون الزاي ، وهو تخفيف الشَّهيرة . قوله : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } . يعني : الَّذينَ أتعبوا أنفسهم في عملٍ يرجون به فضلاً ونوالاً ، فنالُوا هلاكاً وبواراً . قال ابن عباس ، وسعد بن أبي وقَّاصٍ : هم اليهود والنَّصارى . وهو قول مجاهدٍ . وقيل : هم الرهبانُ الذين حبسوا أنفسهم في الصَّوامع ؛ كقوله تعالى : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [ الغاشية : 3 ] . وقال عليُّ بن أبي طالبٍ : هم أهلُ حروراء . قوله : { أَعْمَالاً } : تمييزٌ للأخسرين ؛ وجمع لاختلاف الأنواع . قوله : { ٱلَّذِينَ ضَلَّ } : يجوز فيه الجر نعتاً ، وبدلاً ، وبياناً ، والنصب على الذِّم ، والرفع على خبر ابتداء مضمرٍ . ومعنى خُسْرانهِم أن مثلهم كمن يشتري سلعة يرجُو منها ربحاً ، فخسر وخاب سعيهُ ، كذلك أعمالُ هؤلاء الذين أتعبُوا أنفسهم مع ضلالهم ، فبطل جدُّهم واجتهادهم في الحياة الدنيا ، { وَهُمْ يَحْسَبُونَ } يظنون { أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } أي : عملاً . قوله : { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ } يسمَّى في البديع " تَجْنيسَ التَّصحيف " وتجنيس الخطِّ ، وهذا من أحسنه ، وقال البحتريُّ : [ الطويل ] @ 3569 - ولَمْ يَكُنِ المُغْتَرُّ بالله إذْ شَرَى ليُعْجِزَ والمُعْتَزُّ بالله طَالِبُهْ @@ فالأول : من الغُرورِ ، والثاني : من العزِّ ، ومن أحسن ما جاء في تجنيس التصحيف قوله : [ السريع ] @ 3570 - سَقَيْنَنِي ريِّي وغَنَّيْنَنِي بُحْتُ بِحُبِّي حينَ بِنَّ الخُرُدْ @@ يصحف بنحو : [ السريع ] @ شَقَيْتَنِي ربِّي وعَنَّيْتَنِي بِحُبِّ يَحْيَى خَتنِ ابنِ الجُرُدْ @@ وفي بعض رسائل الفصحاء : قِيلَ قَبْلَ نَداكَ ثَرَاكَ ، عَبْدٌ عِنْدَ رَجَاكَ رَجَاكَ ، آمِلٌ أمَّكَ . قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ } . لقاء الله عبارة عن رؤيته ؛ لأنَّه يقال : لقيتُ فلاناً ، أي : رأيته . فإن قيل : اللُّقيا عبارةٌ عن الوصول ؛ قال الله تعالى : { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [ القمر : 12 ] . وذلك في حقِّ الله محالٌ ؛ فوجب حمله على ثواب الله . فالجواب : أن لفظ اللقاء ، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول إلاَّ أنَّ استعماله في الرؤية مجازٌ ظاهرٌ مشهورٌ ، ومن قال بأنَّ المراد منه : لقاء ثواب الله ، فذلك لا يتمُّ إلا بالإضمار ، وحمل اللفظ على المجاز المتعارفِ المشهور أولى من حمله على ما يحتاج إلى الإضمار . واستدلَّت المعتزلة بقوله تعالى : { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } على أن الإحباط حقٌّ ، وقد تقدَّم ذلك في البقرة وقرأ ابن عباس " فَحبَطَتْ " بفتح الباء والعامة بكسرها . قوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْناً } . قرأ العامة " نُقِيمُ " بنون العظمة ، من " أقَامَ " ومجاهدٌ وعبيد بن عميرٍ : " فَلا يُقِيمُ " بياءِ الغيبة ، لتقدُّم قوله : " بآيَاتِ ربِّهِمْ " فالضمير يعود عليه ، ومجاهدٌ أيضاً " فلا يقُومُ لَهُمْ " مضارع " قَامَ " متعدٍّ ، كذا قال أبو حيَّان ، والأحسن من هذا : أن تعرب هذه القراءة على ما قاله أبو البقاء : أن يجعل فاعل " يَقومُ " " صنيعُهمْ " أو " سَعْيهُم " وينتصب حينئذٍ " وزْناً " على أحد وجهين : إمَّا على الحال ، وإمَّا على التَّمييز . فصل في معنى الآية المعنى : أنَّا نزدري بهم ، وليس لهم عندنا وزنٌ ومقدارٌ ، تقول العرب : ما لفلانٍ عندي وزنٌ ، أي : قدرٌ ؛ لخسَّتهِ ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّهُ ليَأتِي يَومَ القيامةِ الرَّجلُ العَظيمُ السَّمينُ ، فلا يَزنُ عند الله جَناحَ بَعُوضةٍ " وقال : " اقرءُوا : فَلا نُقِيمُ لهُمْ يَوْمَ القِيامةِ وزْناً " . وقيل : المعنى : فلا نقيم لهم يوم القيامة ميزاناً ؛ لأنَّ الميزان إنما يوضع ؛ لأجل الحسنات والسَّيئات من الموحِّدين ؛ لتمييز مقدار الطَّاعات ، ومقدار السَّيئات . قال أبو سعيد الخدريُّ : يأتي ناسٌ بأعمالٍ يوم القيامة من عندهم في التَّعظيمِ كجبال تهامة ، فإذا وزنوها ، لم تَزِنْ شيئاً ، فذلك قوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْناً } . وقال القاضي : إنَّ من غلبت معاصيه ، صارت طاعاته كأنْ لم تكن ، فلم يدخل في الوزن شيءٌ من طاعته ، وهذا التفسير بناه على قول الإحباط والتكفير . قوله : { ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ } : فيه أوجه كثيرة . الأول : أن يكون " ذلك " خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك والمعنى : الذي ذكرتُ من حبوط أعمالهم وخسَّة أقدارهم و " جَزاؤهُمْ جَهنَّمُ " جملة برأسها . الثاني : أن يكون " ذلك " مبتدأ أوَّل ، و " جَزَاؤهُمْ " مبتدأ ثانٍ ، و " جهنَّم " خبره ، وهو [ وخبره ] خبر الأول ، والعائد محذوف ، أي : جزاؤهم به ، كذا قال أبو البقاء ، فالهاء في " بِهِ " تعود على " ذلك " و " ذلك " مشارٌ به إلى عدمِ إقامةِ الوزن . قال أبو حيَّان : " ويحتاج هذا التَّوجيهُ إلى نظرٍ " قال شهاب الدين : إن عنى النَّظرَ من حيث الصِّناعةُ ، فمسلَّم ، ووجه النظر : أن العائد حذف من غير مسوِّغ إلاَّ بتكلفٍ ؛ فإنَّ العائد على المبتدأ ، إذا كان مجروراً ، لا يحذفُ إلاَّ إذا جر بحرف تبعيضٍ ، أو ظرفية ، أو يجرُّ عائداً جُرَّ قبله بحرفٍ ، جُرَّ به المحذوف ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 3571 - أصِخْ فالَّذي تُدْعَى بِهِ أنْتَ مُفْلِحُ … @@ أي : مفلحٌ به ، وإن عنى من حيث المعنى ، فهو معنى جيدٌ . الثالث : أن يكون " ذلك " مبتدأ ، و " جَزاؤهُمْ " بدلٌ ، أو بيان ، و " جهنَّم " خبره . الرابع : أن يكون " ذلك " مبتدأ أيضاً ، و " جَزاؤهم " خبره ، و " جهنَّم " بدلٌ ، أو بيانٌ ، أو خبر ابتداء مضمر . الخامس : أن يجعل " ذلك " مبتدأ ، و " جَزاؤهُمْ " بدلٌ ، أو بيانٌ ، و " جهنَّم " خبر ابتداء مضمر ، و " بِمَا كفروا " خبر الأول ، والجملة اعتراضٌ . السادس : أن يكون " ذلكَ " مبتدأ ، والجارُّ : الخبر ، و " جَزاؤهُمْ جهنَّم " جملة معترضة ، وفيه بعدٌ . السابع : أن يكون " ذلكَ " إشارة إلى جماعة ، وهم مذكورون في وقله : " بالأخْسرِينَ " ، وأشير إلى الجمع ؛ كإشارة الواحد ؛ كأنه قيل : أولئك جزاؤهم جهنَّم ، والإعراب المتقدم يعود على هذا التقدير . ومعنى الكلام : أنَّ ذلك الجزاء جزاءٌ على مجموعِ أمرين : كفرهم ، واتِّخاذهم آيات الله ورسله هزواً ، فلم يقتصروا على الردِّ عليهم وتكذيبهم ، حتَّى استهزءوا بهم . قوله : " واتَّخذُوا " فيه وجهان : أحدهما : أنه عطفٌ على " كَفرُوا " فيكون محلُّه الرفع ؛ لعطفه على خبر " إنَّ " . الثاني : أنه مستأنفٌ ، فلا محلَّ له ، والباء في قوله : " بِمَا كفرُوا " لا يجوز تعلُّقها بـ " جَزاؤهُمْ " للفصلِ بين المصدر ومعموله .