Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 107-110)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية . لما ذكر وعيد الكفَّار ، ونزلهم ، أتبعه بوعيدِ المؤمنين ونزلهم . قال قتادة : الفِرْدَوس : وسطُ الجنَّة ، وأفضلها . وعن كعبٍ : ليس في الجنانِ أعلى من جنَّة الفردوس ، وفيها الآمرون بالمعروف ، والنَّاهون عن المنكر . وعن مجاهدٍ : الفردوسُ : هو البستان ، بالرومية . وقال عكرمة : هو الجنَّة بلسان الحبش . وقال الزجاج : هو بالروميَّة منقولٌ إلى لفظ العربيَّة . وقال الضحاك : هي الجنَّة الملتفَّة الأشجارِ . وقيل : هي التي تنبت ضروباً من النَّبات . وقيل : الفردوس : الجنَّة من الكرم خاصَّة . وقيل : ما كان عاليها كرماً . وقيل : كلُّ ما حُوِّط عليه ، فهو فردوس . وقال المبرِّد : الفردوس فيما سمعتُ من العرب : الشَّجرُ الملتفُّ ، والأغلب عليه : أن يكون من العنب ، واختلفوا فيه : فقيل : هو عربيٌّ ، وقيل : هو أعجميٌّ ، وقيل : هو روميٌّ ، أو فارسيٌّ ، أو سرياني ، قيل : ولم يسمعْ في كلام العرب إلاَّ في قوله حسَّان : [ الطويل ] @ 3572 - وإنَّ ثَوابَ الله كُلَّ مُوحِّدٍ جِنَانٌ من الفِرْدوس فيهَا يَخُلَّدُ @@ وهذا ليس بصحيح ؛ لأنَّه سمع في شعر أميَّة بن أبي الصَّلت : [ البسيط ] @ 3573 - كَانَتْ مَنازِلهُمْ إذ ذَاكَ ظَاهِرةً فيهَا الفَراديسُ ثمَّ الثُّومُ والبَصَلُ @@ ويقال : كرمٌ مفردسٌ ، أي : معرِّش ، ولهذا سمِّيت الروضة التي دون اليمامةِ فردوساً . وإضافة جنَّاتٍ إلى الفردوس إضافة تبيينٍ ، وجمعه فراديسُ ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : " في الجنَّة مائةُ درجةٍ ما بَيْنَ كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عامٍ ، والفِردوسُ أعلاها درجةً ، وفيها الأنهارُ الأربعة ، والفِرْدَوسُ من فَوْقِهَا ، فإذا سَألتمُ الله تعالى ، فاسْألُوهُ الفِرْدوسَ ؛ فإنَّ فوقها عَرْشُ الرَّحمنِ ، ومِنْهَا تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّة " . قوله : " نُزُلاً " : فيه ما تقدَّم : من كونه اسم مكان النزول ، أو ما يعدُّ للضَّيف ، وفي نصبه وجهان : أحدهما : أنه خبر " كَانَتْ " و " لهُمْ " متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من " نُزلاً " أو على البيان ، أو بـ " كَانَتْ " عند من يرى ذلك . والثاني : أنه حالٌ من " جنَّات " أي : ذوات نُزُلٍ ، والخبر الجارُّ . وإذا قلنا بأنَّ النُّزل هو ما يهيَّأ للنَّازل ، فالمعنى : كانت لهم ثمارٌ جنَّات الفردوس ، ونعيمها نزلاً ، ومعنى " كَانتْ لَهُمْ " أي : في علم الله قبل أن يخلقوا . قوله : { لاَ يَبْغُونَ } : الجملة حال : إمَّا من صاحب " خَالِدينَ " وإمَّا من الضمير في " خَالِدِينَ " فتكون حالاً متداخلة . والحِوَلُ : قيل : مصدر بمعنى " التَّحَوُّل " يقال : حال عن مكانه حِوَلاً ؛ فهو مصدر ؛ كالعِوَج ، والعِوَد ، والصِّغر ؛ قال : [ الرجز ] @ 3574 - لِكُلِّ دَولةٍ أجَلْ ثم يُتَاحُ لهَا حِوَلْ @@ والمعنى : لا يطلبون عنها تحوُّلاً إلى غيرها ؟ وقال الزجاج : " هو عند قومٍ بمعنى الحيلة في التنقُّل " وقال ابن عطيَّة : " والحِوَلُ : بمعنى التَّحول ؛ قال مجاهد : مُتحوَّلاً " وأنشد الرَّجز المتقدم ، ثم قال : " وكأنَّه اسمُ جمعٍ ، وكأنَّ واحده حوالةٌ " قال شهاب الدين : وهذا غريبٌ ، والمشهور الأول ، والتصحيح في " فِعَلٍ " هو الكثير ، إن كان مفرداً ؛ نحو : " الحِوَلِ " وإن كان جمعاً ، فالعكس ؛ نحو : " ثِيرَة " و " كِبَرة " . قوله تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } الآية . لما ذكر في هذه السورة أنواع الدَّلائل والبيِّنات ، وشرح فيها أقاصيص الأوَّلين ، نبَّه على كمال حال القرآن ، فقال : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } . قال ابن عباس : قالت اليهود : يا محمد ، تزعمُ أنّك قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] . ثم تقول : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] . فأنزل الله هذه الآية . وقيل : لمَّا نزلت : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } قالت اليهود : أوتينا التوراة ، وفيها علمُ كلِّ شيءٍ ، فأنزل الله تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } . والمِدَادُ : اسمٌ لما تمدُّ به الدَّواة من الحبرِ ، ولما يمدُّ به السِّراجُ من السَّليط ، وسمي المدادُ مداداً ؛ لإمداده الكاتب ، وأصله من الزيادة . وقال مجاهدٌ : لو كان البحر مداداً للقلم والقلم يكتب " لنفِد البَحْرُ " أي : ماؤهُ . قوله : " تنفد " : قرأ الأخوان " يَنْفدَ " بالياء من تحت ؛ لأنَّ التأنيث مجازي ، والباقون بالتاء من فوق ؛ لتأنيث اللفظ ، وقرأ السلميُّ - ورويت عن أبي عمرو وعاصم - " تنفَّد " بتشديد الفاء ، وهو مطاوع " نفَّد " بالتشديد ؛ نحو : كسَّرته ، فتكسَّر ، وقراءة الباقين مطاوع " أنْفَدتُّهُ " . قوله : " ولَوْ جِئْنَا " جوابها محذوفٌ لفهم المعنى ، تقديره : لَنفِدَ ، والعامة على " مَدداً " بفتح الميم ، والأعمش قرأ بكسرها ، ونصبه على التمييز كقوله : [ الطويل ] @ 3575 - … فإنَّ الهَوَى يَكْفِيكهُ مثلهُ صَبْرا @@ وقرأ ابن مسعود ، وابن عبَّاس " مِداداً " كالأول ، ونصبه على التَّمييز أيضاً عند أبي البقاء ، وقال غيره - كأبي الفضل الرازيِّ - : إنه منصوب على المصدر ، بمعنى الإمداد ؛ نحو : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] قال : والمعنى : ولو أمددناهُ بمثله إمداداً . فصل في معنى الآية المعنى : ولو كان الخلائقُ بكتبُون ، والبَحْرُ يمدُّهم ، لنفد ما في البحر ، ولم تنفدْ كلماتُ ربِّي { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ } أي بمثل ماء البحر في كثرته . قوله : { مَدَداً } نظيره قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } [ لقمان : 27 ] . واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّها صريحةٌ في إثباتِ كلماتٍ كثيرة لله تعالى . قال ابن الخطيب : وأصحابنا حملوا الكلماتِ على متعلِّقات علم الله تعالى . قال الجبائيُّ : وأيضاً قوله : { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } يدلُّ على أنَّ كلمات الله تعالى ، قد تنفدُ في الجملة ، وما ثبت عدمهُ ، امتنع قدمهُ . وأيضاً قال : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } . وهذا يدلُّ على أنه تعالى قادر على أن يجيء بمثل كلامه ، والذي يجيءُ به يكون محدثاً ، والذي يكون المحدثُ كلامهُ فهو أيضاً محْدَثٌ . فالجوابُ : بأنَّ المراد به الألفاظ الدَّالَّة على تعلُّقات تلك الصِّفاتِ الأزليَّة . ولمَّا بيَّن تعالى تمام كلامه أمر محمَّداً صلى الله عليه وسلم بأن يسلك طريقة التَّواضع ، فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } . أي : لا امتياز بيني وبينكم في شيء من الصفات إلاَّ في أنَّ الله تعالى ، أوحى إليّ أنَّه لا إله إلاَّ هو الواحد الأحد . قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : علَّم الله - عزَّ وجلَّ - رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع ، فأمره أن يُقرَّ ، فيقول : أنا آدميٌّ مثلكم إلاَّ أنِّي خُصِصْتُ بالوحي . قوله : { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } وهو يدلُّ على مطلوبين : أحدهما : أن كلمة " أنَّما " تفيد الحصر . والثاني : كون الإله واحداً . قوله : { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ } : " أنَّ " هذه مصدرية ، وإن كانت مكفوفة بـ " ما " وهذا المصدر فائمٌ مقام الفاعل ؛ كأنَّه قيل : إنَّما يوحى إليَّ التوحيد . قوله : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } . الرَّجاء : هو ظنُّ المنافع الواصلة ، والخوفُ : ظنُّ المضارِّ الواصلة إليه ، فالرَّجاءُ هو الأملُ . وقيل : معنى " يَرْجُو لقاءَ ربِّه " أي : يخاف المصير إليه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف ، والأمل جميعاً ؛ قال الشاعر : [ الطويل ] @ 3576 - فَلاَ كُلُّ مَا تَرجُو مِنَ الخَيْرِ كَائِنٌ ولا كَلُّ مَا تَرْجُو من الشَّرِ واقِعُ @@ فجمع بين المعنيين ، وأهل السُّنة حملوا لقاء الربِّ على رؤيته . والمعتزلة حملوه على لقاء ثواب الله . قوله تعالى : { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } . قرأ العامة : " ولا يُشْرِكْ " بالياء من تحتُ ، عطف نهي على أمرٍ ، ورُويَ عن أبي عمرو " ولا تُشْرِكْ " بالتاءِ من فوق ؛ خطاباً على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، ثم التفت في قوله " بِعبادَةِ ربِّهِ " إلى الأول ، ولو جيء على الالتفات الثاني ، لقيل : " ربِّك " والباء سببيةٌ ، أي : بسبب . وقيل : بمعنى " في " . فصل في ورود لفظ الشرك في " القرآن الكريم " قال أبو العبَّاس المقري : ورد لفظ " الشِّرْك " في القرآن بإزاء معنيين : الأول : بمعنى الشِّرك في العمل ؛ كهذه الآية . الثاني : بمعنى العَدْل ؛ قال تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء : 36 ] . أي : ولا تعدلوا به شيئاً . فصل في بيان الشرك الأصغر قال - عليه الصلاة والسلام - : " أخْوَفُ مَا أخَافُ عَليْكُمُ الشِّركُ الأصْغَرُ ، قَالُوا : وما الشِّرْكُ الأصغر ؟ قال : الرِّيَاءُ " . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّ الله تَعالَى يَقُولُ : أنَا أغْنَى الشُّركاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، فَمنْ عَمِلَ عملاً أشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي ، فَأنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ، وهُوَ للَّذي عَمِلهُ " . وعن أبي الدَّرداء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أوَّلِ سُورةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِن فِتْنَةِ الدَّجالِ " . وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرَأ أوَّلَ سُورةِ الكَهْفِ ، كَانَتْ لَهُ نُوراً مِنْ قَدمَيْهِ إلى رأسِهِ ، ومَنْ قَرَأهَا ، كَانَتْ لَهُ نُوراً مِنَ الأرْضِ إلى السَّماءِ " . وعن سمرة بن جُنْدبٍ ، عن أبيه قال : قال النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ عَشْرَ آياتٍ مِنَ الكهْفِ حِفْظاً ، لَمْ يَضرَّهُ فِتْنَةُ الدَّجالِ ، ومن قَرَأ السُّورة كُلَّهَا ، دَخلَ الجنَّة " . وعن عبد الله بن أبي فروة ، قال : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدُلُّكمْ على سُورةٍ شيَّعها سَبْعُونَ ألفَ ملكٍ ، حِينَ نَزلَتْ ، ملأَ عِظَمُهَا مَا بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ ، ولتَالِيهَا مِثْلُ ذلِكَ ؟ قالوا : بَلَى يا رسُول الله ، قَالَ : سُورَةُ الكَهْفِ مَنْ قَرَأها يَوْمَ الجُمعةِ ، غُفِرَ لهُ إلى الجُمعةِ الأخرى ، وزِيَادةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ ، وأعْطِي نُوراً يَبْلغُ السَّماءَ ، وَوُقِيَ فِتْنةَ الدَّجالِ " .