Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 21-21)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } : أي : وكما أنمناهم ، وبعثناهم ، لما فيه من الحكم الظاهرة ؛ أعثرنا ، أي : أطلعنا . وتقدَّم الكلام على مادَّة " عثر " في المائدة . يقال : عثرتُ على كذا ، أي : علمته ، وأصله أن من كان غافلاً عن شيءٍ فعثر به ، نظر إليه ، فعرفه ، وكان العثارُ سبباً لحصول العلم ، فأطلق اسم السَّببِ على المسبَّب " ليَعْلَمُوا " متعلق بـ " أعْثرْنَا " والضمير : قيل : يعود على مفعول " أعْثَرنَا " المحذوف ، تقديره : أعثرنا النَّاس ، وقيل : يعود على أهل الكهف . فصل في سبب تعرف الناس عليهم اختلفوا في السَّبب الذي عرف الناس به واقعة أصحاب الكهف ، فقيل : لطول شعورهم ، وأظفارهم ؛ بخلاف العادة ، وظهرت في بشرة وجوههم آثار عجيبةٌ يستدلُّ بها على أن مدَّتهم طالت طولاً بخلاف العادة . وقيل : لأن أحدهم لما ذهب إلى المدينةِ ؛ ليشتري الطَّعام ، أخرج الدراهم لثمن الطَّعام ، فقال صاحب الطعام : هذه النُّقود غير موجودة في هذا الزَّمان ، وإنها كانت موجودة قبل هذا الوقت بمدَّة مديدة ؛ [ فلعلك ] وجدتَّ كنزاً ، فحملوه إلى ملك تلك المدينة ، فقال له الملك : أين وجدتَّ تلك الدَّراهم ؟ فقال : بعتُ بها أمس تمراً ، وخرجنا فراراً من الملك دقيانوس ، فعرف الملك أنَّه ما وجد كنزاً ، وأنَّ الله تعالى بعثه بعد موته . ومعنى قوله : { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي : إنما أطلعنا القوم على أحوالهم ؛ ليعلم القوم أنَّ وعد الله حقٌّ بالبعث والنَّشر ؛ فإنَّ ملكَ ذلك الزَّمان كان منكر البعث ، فجعل الله أمر الفتية دليلاً للملكِ . وقيل : اختلف أهلُ ذلك الزَّمانِ ، فقال بعضهم : الرُّوحُ والجسد يبعثان جميعاً . وقال آخرون : إنَّما يبعثُ الرُّوح فقط ، فكان الملك يتضرَّع إلى الله تعالى أن يظهر له آية يستدلُّ بها على الحقِّ في هذه المسالة ، فأطلعه الله تعالى على أصحاب الكهف ، فاستدلَّ بهم على صحَّة بعث الأجساد ؛ لأنَّ انتباههم بعد ذلك النَّوم الطويل يشبه من يموت ، ثم يبعث . قوله : " إذ يَتنازعُونَ " يجوز أن يعمل فيه " أعْثَرنا " أو " لِيعْلمُوا " أو لمعنى " حقٌّ " أو لـ " وَعْد " عند من يتَّسعُ في الظرف ، وأمَّا من لا يتَّسعُ ، فلا يجوز عنده الإخبار عن الموصول قبل تمامِ صلته . واختلف في هذا التَّنازع ، فقيل : كانوا يتنازعون في صحَّة البعث ، فاستدلَّ القائلون بصحَّة هذه الواقعةِ ، وقالوا : كما قدر الله على حفظ أجسادهم مدَّة ثلاثمائةٍ وتسع سنين ، فكذلك يقدر على حشر الأجساد بعد موتها . وقيل : إنَّ الملك وقومه ، لما رأوا أصحاب الكهف ، ووقفوا على أحوالهم ، عاد القوم إلى كهفهم ، فأماتهم الله ، فعند هذا اختلف الناس ، فقال قومٌ : إنَّ بعضهم قال : إنهم نيامٌ ، كالكرَّة الأولى . وقال آخرون : بل الآن ماتوا . وقيل : إن بعضهم ، قال : سدّوا عليهم باب الكهف ؛ لئلاَّ يدخل أحدٌ عليهم ، ويقف على أحوالهم . وقال آخرون : بل الأولى أن يبنى على باب الكهف مسجدٌ ، وهذا القول يدلُّ على أنَّ هؤلاء القوم كانوا عارفين بالله تعالى ، ويعترفون بالعبادة و الصلاة . وقيل : إنَّ الكفار قالوا : إنهم على ديننا ، فنتخذ عليهم بنياناً ، وقال المسلمون [ إنهم ] على ديننا ، فنتخذ عليهم مسجداً . وقيل : تنازعوا في مقدار مكثهم . وقيل : تنازعوا في عددهم ، وأسمائهم . قوله : " بُنْياناً " يجوز أن يكون مفعولاً به ، جمع بنيانةٍ ، وأن يكون مصدراً . قوله : { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } يجوز أن يكون من كلام الله تعالى ، وأن يكون من كلامِ المتنازعين فيهم ، ثم قال { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } قيل : هو الملك المسلم ، واسمه بيدروس وقيل : رؤساء البلد . قوله " غلبوا " قرأ عيسى الثقفيُّ ، والحسن بضمِّ الغين ، وكسر اللام . قوله : { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً } يعبد الله فيه ، ونستبقي آثار اصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد .