Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 19-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } : الكاف نعت لمصدر محذوف ، أي : كما أنمناهم تلك النَّومةَ ، كذلك بعثناهم ؛ ادِّكاراً بقدرته ، والإشارة بـ " ذلِكَ " إلى المصدر المفهوم من قوله " فَضرَبْنَا " ، أي : مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة المتطاولة آية ، جعلنا بعثهم آية ، قاله الزجاج والزمخشريُّ . قوله : { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } متعلقة بالبعث ، وقيل : هي للصَّيرورة ؛ لأن البعث لم يكن للتساؤل ، قاله ابن عطيَّة ، والصحيح أنَّها على بابها من السببية . قوله : { كَمْ لَبِثْتُمْ } " كم " منصوبة على الظرف ، والمميز محذوف ، تقديره : كم يوماً ؛ لدلالةِ الجواب عليه ، و " أوْ " في قوله : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } للشكِّ منه ، وقيل : للتفصيل ، أي : قال بعضهم كذا ، وبعضهم كذا . فصل المعنى كما أنمناهم في الكهف ، وحفظنا أجسامهم من البلى ، طول الزمان ، فكذلك بعثناهم من النَّوم الذي يشبه الموت ؛ { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } ليسأل بعضهم بعضاً ، واللام لام العاقبة ؛ لأنَّهم لم يبعثوا للسُّؤال . فإن قيل : هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا ؟ . فالجواب : لا يبعد ذلك ؛ لأنَّهم إذا تساءلوا ، انكشف لهم من قدرة الله أمورٌ عجيبةٌ ، وذلك أمرٌ مطلوبٌ . قاله ابن الخطيب . ثم قال تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } وهو رئيسهم ، واسمه مكسلمينا : { كَمْ لَبِثْتُمْ } في نومكم ، أي : كم مقدار لبثنا في هذا الكهف { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } . قال المفسرون : إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النَّهار ؛ فلذلك قالوا : يوماً ، فلما رأوا الشمس ، قالوا : أو بعض يوم ، فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم " قَالُوا " أي : علموا أنَّهم لبثوا أكثر من يوم : { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } . قيل : إنَّ رئيسهم مكسلمينا ، لما [ رأى ] الاختلاف بينهم قال : دعوا الخلاف . قوله : { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ } يعني يمليخا ، قاله ابن عباس . قوله : " بورِقكُمْ " حال من " أحَدكُمْ " ، أي : مصاحباً لها ، وملتبساً بها ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر بفتح الواو وسكون الراء والفكِّ ، وباقي السبعة بكسر الراء ، والكسر هو الأصل ، والتسكين [ تخفيف ] كـ " نَبْق " في نَبِق ، وحكى الزجاج كسر الواو ، وسكون الراء ، وهو نقلٌ ، وهذا كما يقال : كَبِدٌ وكَبْدٌ وكِبْدٌ . وقرأ أبو رجاء ، وابن محيصن كذلك ، إلاَّ أنه بإدغام الفاق ، واستضعفوها من حيث الجمع بين ساكنين على غير حدَّيهما ، وقد تقدَّم ذلك في المتواتر ما يشبهُ هذه من نحو { تُسْأَلُونَ عَمَّا } [ في الآية : 134 من البقرة ] و { لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } [ النساء : 154 ] و { الخُلْدِ جَزَآءً } [ فصلت : 38 ] و { فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] وروي عن ابن محيصن ؛ أنَّه لمَّا أدغم كسر الراء فراراً ممَّا ذكرنا . وقرأ أمير المؤمنين " بوارقكم " اسم فاعلٍ ، أي : صاحب ورقٍ ، كـ " لابنٍ " وقيل : هو اسم جمع كجاملٍ وباقرٍ . والوَرِقُ : الفضَّة المضروبة ، وقيل : الفضَّة مطلقاً مضروبة كانت ، أو غير مضروبة ؛ ويدلُّ عليه ما رُوي أنَّ عرفجة اتَّخذَ أنفاً من ورقٍ . فصل في لغات " الوَرِق " قال الفراء والزجاج : فيه ثلاثُ لغاتٍ : وَرِقٌ ، ووَرْقٌ ، ووِرْقٌ ، كـ " كَبِدٍ وكَبْدٍ وكِبْدٍ " وكسر الواو أردؤها يقال لها : " الرِّقةُ " بحذف الواو ، وفي الحديث : " في الرِّقةِ ربعُ العُشْرِ " وجمعت شذوذاً جمع المذكر السالم . فصل قال المفسرون : كان معهم دراهم عليها صورة الملكِ الذي كان في زمانهم ، ثم قال تعالى : { إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } وهي الَّتي يقال لها اليوم ( طرسوس ) ، وكان اسمها في الجاهلية " أفسوس " ، وهذه الآية تدل على أنَّ السَّعي في إمساك الزَّاد أمرٌ مشروعٌ . قوله : { فَلْيَنظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً } [ يجوز في " أي " أن تكون استفهامية ، وأن تكون موصولة . قال الزجاج : إنها رفع بالابتداء و " أزكى " خبرها ، وتقدم الكلام على نظيره في قوله : { أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ الكهف : 7 ] ، ولا بد ها هنا من حذف " أيُّ " أي : أيّ أهلها أزكى و " طعاماً " ] تمييزٌ ، أي : لا يكون من غصبٍ ، أي : سببٍ حرام . وقيل : لا حذف ، والضميرُ عائدٌ على الأطعمة المدلول عليها من السِّياق . قيل : أمروهُ أن يطلب ذبيحة مؤمنٍ ، ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله ، وكان فيهم مؤمنون ينكرون إيمانهم . فصل في معنى " أزكى " قال الضحاك : أزكى طعاماً ، أي : أطيب . وقال مقاتلٌ : أجود . وقال عكرمة : أكثر . وأصل الزَّكاة النُّمو والزيادة . وقيل : أرخص طعاماً { فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي : قوتٍ وطعامٍ تأكلونه . قوله : " ولْيَتلَطَّفْ " قرأ العامة بسكون لام الأمر ، والحسنُ بكسرها على الأصل ، [ وقتيبة الميَّال ] " وليُتَلَطَّفْ " مبنياً للمفعول ، وأبو جعفر وأبو صالحٍ ، وقتيبة " ولا يشعُرنَّ " بفتح الياء وضمِّ العين . فإن قيل : " بكُمْ " " أحدٌ " فاعل به . فالجواب : معنى " وليَتَلطَّفْ " أي : يكون في سترة ، وكتمانٍ في دخول المدينة ، قاله الزمخشريُّ ، ويجوز أن يعود على قومهم ؛ لدلالة السِّياق عليهم . وقرأ زيدُ بن عليٍّ " يُظْهرُوا " مبنيًّا للمفعول . فصل { يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } ، أي : يطَّلعوا عليكم ، ويعلموا مكانكم . وقيل : أو يشرفوا على مكانكم أو على أنفسكم من قولهم : ظهرتُ على فلانٍ ، إذا علوتهُ ، وظهرتُ على السَّطح ، إذا صرت فوقه ، ومنه قوله تعالى : { فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [ الصف : 14 ] أي عالين . وقوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [ التوبة : 33 ] أي : ليعليه . قوله : { يَرْجُمُوكُمْ } . قال ابن جريج : يَشْتموكُمْ ، ويُؤذُوكم بالقول ، وقيل : يقتلوكم بالحجارة ، والرجمُ بمعنى القتل كثيرٌ . قال تعالى : { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ } [ هود : 91 ] وقوله : { أَن تَرْجُمُونِ } [ الدخان : 20 ] والرجم أخبث القتل ، قاله الزجاج . { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } أي يردُّوكم إلى دينهم . قوله : { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } أي إن رجعتم إلى دينهم ، لم تسعدوا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، فـ " إذاً " جوابٌ وجزاءٌ ، أي : إن يظهروا ، فلن تفلحوا . وقال الزجاج : لن تُفْلِحُوا ، إذا رجعتم إلى ملتهم أبداً ، فإن قيل : أليس أنَّهم لو أكرهوا على الكفر ، حتى أظهروا الكفر ، لم يكن عليهم مضرَّة ، فكيف قالوا : { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } ؟ . فالجواب : يحتمل أن يكون المراد أنَّهم لو ردُّوا إلى الكفر ، وبقوا مظهرين له ، فقد يميل بهم ذلك إلى الكفر ، ويصيروا كافرين حقيقة ، فكان تخوُّفهم من هذا الاحتمال .