Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 77-82)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } الآية . " أفَرَأيْتَ " عطف بالفاء إيذاناً بإفادة التعقيب ، كأنه قيل : أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك . وأرأيت بمعنى : أخبرني كما تقدم ، والموصول هو المفعول الأول ، والثاني هو الجملة الاستفهامية من قوله : " أطَّلع الغَيْبَ " . و " لأوتَينَّ " جواب قسمٍ مضمر ، والجملة القسمية كلها في محل نصب بالقول . وقوله هنا " وولداً " ، وفي آخر السورة : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [ مريم : 88 ] موضعان وفي الزخرف { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [ الآية : 81 ] ، وفي نوح { مَالُهُ وَوَلَدُهُ } [ الآية : 21 ] . وقرأ الأخوان الأربعة بضم الواو وسكون اللام ، ووافقهما ابن كثير وأبو عمرو على الذي في نوح دون السورتين ، والباقون وهم نافع وابن عامر وعاصم قرأوا ذلك كلَّه بفتح اللام والواو . فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحة ، وهو اسم مفرد قائم مقام الجمع . وأما قراءة الضم والإسكان ، فقيل : هي كالتي قبلها في المعنى ، يقال : وَلَدٌ ووُلْدٌ كما يقال : عَربٌ وعُرْبٌ ، وعدمٌ وعُدْمَ . وقيل : بل هي جمع لـ " ولد " نحو أسَدٌ وأسْدٌ ، " وأنشدوا على ذلك : @ 3621 - ولقَد رَأيْتُ مَعَاشِراً قَدْ ثَمَّرُوا مالاً ووُلدا " @@ وأنشدوا شاهداً على أن الوَلَد والوُلْدَ مترادفان قول الآخر : @ 3622 - فَلَيْتَ فُلاناً كان في بَطْنِ أمِّهِ وليْتَ فُلاناً كانَ وُلْدَ حمارِ @@ وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر " ووِلْدا " بكسر الواو ، وهي لغة في الولد ، ولا يبعد أن أن يكون هذا من باب الذبح والرئي ، فيكون ولد بمعنى مولود ، وكذلك في الذي بفتحتين نحو القبض بمعنى المقبوض . قوله : " أطَّلَعَ " هذه همزة استفهام سقط من أجلها همزة وصل ، وقد قُرىء بسقوطها درجاً ، وكسرها ابتداء على أن همزة الاستفهام قد حذفت لدلالة " أمْ " عليها ، كقوله : @ 3623 - لَعمركَ مَا أدْرِي وإنْ كُنْتَ دَارِياً بسَبْعٍ رمَيْنَ الجَمْرَ أمْ " بِثَمَانِ " @@ و " أطَّلعَ " من قولهم : اطلع فلان الجبل ، أي : ارتقى أعلاه . قال جرير : @ 3624 - لاقَيْتُ مُطَّلِعَ الجِبَالِ " وعُورَا " @@ و " الغَيْبَ " مفعول به ، لا على إسقاط حرف الجر ، أي : على الغيب ، كما زعم بعضهم . فصل لمَّا استدل على صحة البعث ، وأورد شبهة المنكرين ، وأجاب عنها ذكر عنهم ما قالوه استهزاء طعناً بالقول في الحشر فقال : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا } . قال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها نزلت في العاص بن وائل ، قال خباب بن الأرت : كان لي عليه دين ، فأتيت أتقاضاه ، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد . فقلت : لا والله لا أكفر بمحمدٍ حيًّا ولا ميتاً . وفي رواية : حتى تموت ثم تبعث . فقال : وإنّي لميتٌ ثم مبعوثٌ ؟ قلت : نعم . قال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون ، وأن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً فأنا أقضيك ثمَّ ، فإنه سيكون لي مالٌ وولد . ثم قال تعالى : { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } . " قال ابن عباس : أنظر في اللوح المحفوظ " . وقال مجاهد : أعلمَ علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟ . والمعنى : أنَّ الذي ادعى حصوله لا يتوصل إليه إلاَّ بأحد هذين الطريقين : إمَّا علم الغيب ، وإمَّا عهدٌ من عالم الغيب ، فبأيهما توصل إليه . قيل : العهد كلمة الشهادة . وقال قتادة : عملاً صالحاً قدَّمه ، فهو يرجو بذلك ما يقول . وقال الكلبي : عهد إليه أن يدخله الجنة . " كَلاَّ " ردٌّ عليه ، أي : إنَّه لم يفعل ذلك . قوله : " كَلاَّ " للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب : أحدها : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش وأبي العباس أنها حرف ردع وزجر . وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن ، وما أحسن ما جاءت في هذه الآية حيث زجرت وردعت ذلك القائل . والثاني : وهو مذهب النضر بن شميل أنها حرف تصديق بمعنى نعم ، فيكون جواباً ، ولا بد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظاً أو تقديراً ، وقد تستعمل في القسم . والثالث : وهو مذهب الكسائي ، وأبي بكر بن الأنباري ، " ونصر بن يوسف " وابن واصل أنها بمعنى حقًّا . والرابع : وهو مذهب أبي عبد الله محمد بن الباهلي أنها رد لما قبلها . وهذا قريب من معنى الردع . الخامس : أنها صلة في الكلام بمعنى " إي " كذا قيل . وفيه نظر ، فإن " إي " حرف جواب ، ولكنه مختص بالقسم . السادس : أنها حرف استفتاح ، وهو قول " أبي حاتم ولتقرير هذه المذاهب موضع يليق به . وقد قرىء هنا بالفتح والتنوين في كَلاَّ " هذه ، وتروى عن ابن نهيك وحكى الزمخشري هذه القراءة ، وعزاها لابن نهيك في قوله : " { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ } كما سيأتي ويحكى أيضاً قراءةٌ بضم الكاف والتنوين ، ويعزيها لابن نهيك أيضاً " . فأما قولهم : ابن نهيك ، فليس لهم ابن نهيك ، إنما لهم أبو نهيك بالكنية . وفي قراءة الفتح " والتنوين أربعة أوجه : أحدها : أنَّه منصوبٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها تقديره " : كَلُّوا كَلاًّ ، أي : أعيُوا عن الحقِّ إعياء ، أو كلُّوا عن عبادة الله ، لتهاونهم بها من قول العرب : كَلَّ السَّيْفُ ، إذا نبا عن الضرب ، وكلَّ زيدٌ ، أي : تَعِبَ . وقيل : المعنى : كلُّوا في دعواهم وانقطعوا . والثاني : أنه مفعولٌ به بفعل مقدر من معنى الكلام ، تقديره : حُمِّلوا كلاًّ . والكلُّ أيضاً : الثقل : تقول : فلان كلٌّ على الناس ، ومنه قوله تعالى : { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاَهُ } [ النحل : 76 ] . والثالث : أن " التنوين بدل من ألف " " كلاَّ " ، وهي التي يراد بها الردع والزجر ، فتكون حرفاً أيضاً . قال الزمخشري : ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية ، فهي " كلاَّ " التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قوله : " قوارِيرا " . قال أبو حيان : وهذا ليس بجيد ، لأنه قال : التي للردع ، " والتي للردع " حرف ، ولا وجه لقلب ألفها نوناً ، وتشبيهه بـ " قَوَارِيراً " ليس بجيد ، لأنَّ " قَوَارِيرَ " اسم يرجع به إلى أصله ، فالنون ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف ، وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتَّمُ منع صرفه أم يجوز ؟ قولان . ومنقول أيضاً : أن بعض لغة العرب يصرفون ما لا ينصرف ، فهذا القول ، إما على قول من لا يرى بالتحتم ، أو على تلك اللغة . والرابع : أنه نعتٌ لـ " آلهة " ، قاله ابن عطية . وفيه نظر ، إذ ليس المعنى على ذلك ، وقد يظهر له وجه ، " أن يكون وصف " الآلهة بالكلِّ الذي هو المصدر بمعنى الإعياء والعجز ، كأنه قيل : آلهةٌ كالِّين ، أي : عاجزين منقطعين . ولمَّا وصفهم وصفهم بالمصدر وحده . وروى ابن عطية والداني وغيره عن أبي نهيك أنه قرأ " كُلاًّ " بضم الكاف والتنوين ، وفيها تأويلان : أحدهما : أن ينتصب على الحال ، أي : سيكفرون جميعاً ؛ كذا قدره أبو البقاء ، واستبعده . والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر ، أي : يرفضون ، أي : يجحدون ، أو يتركون كلاًّ ، قاله ابن عطية . وحكى ابن جرير أن أبا نهيك قرأ " كُلٌّ " بضم الكاف ورفع اللام منونة على أنه مبتدأ والجملة الفعلية بعده خبره . وظاهر عبارة هؤلاء أنه لم يقرأ بذلك إلا في " كلاًّ " الثانية . وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب " ونُمِدُّ " من أمدَّ ، وقد تقدم القول في مدَّهُ وأمدَّهُ . قوله : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } . يجوز في " مَا " وجهان : أحدهما : أن يكون مفعولاً بها ، والضمير في " نَرِثُهُ " منصوب على إسقاط الخافض تقديره : ونرثُ منه " ما يقوله " . والثاني : أن يكون بدلاً من الضمير في " نَرثُهُ " بدل اشتمال . وقدَّر بعضهم مضافاً قبل الموصول ، أي : نرثه معنى ما يقول : أو مسمَّى ما يقول ، وهو المال والولد ، لأن نفس القول لا يورث . " و " فَرْداً " حال إمَّا مقدرة نحو { فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] ، أو مقارنة ، وذلك مبنيٌّ على اختلاف معنى الآية " . قوله تعالى : " سَنكْتبُ " سنحفظ " ما يقُولُ " فنُجازيه في الآخرة . وقيل : نأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول . { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } أي : نزيده عذاباً فوق العذاب ، وقيل : نطيل عذابه . و { نَرِثُهُ مَا يَقُولُ } " أي : ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال قوله ، وقوله " مَا يَقُولُ " ، لأنه زعم أنَّ له مالاً وولداً ، أي : لا نعطيه ونعطي غيره ، فيكون الإرث راجعاً إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول . وقيل : معنى قوله { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أي : نحفظ ما يقول حتى نجازيه به " ويَأتِينَا فَرْداً " يوم القيامة بلا مالٍ ولا ولد " . قوله تعالى : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية . لمَّا تكلَّم في مسألة الحشر والنشر تكلَّم الآن في الرد على عُبَّاد الأصنام فقال : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً } يعني كفار قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها { ليكُونُوا لَهُمْ عِزًّا } أي منعة بحيث يكونون لهم شفعاء وأنصاراً ينقذونهم من الهلاك . ثم أجاب الله - تعالى - بقوله : " كَلاَّ " ليس الأمر كما زعموا { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي : " كُلُّهم سيكفُرُون بعبادِة " هذه الأوثان . قوله : " سَيَكْفرُونَ " يجوز أن يعود الضمير على الآلهة ، لأنه أقرب مذكور ، ولأن الضمير في " يَكُونُونَ " أيضاً عائد عليهم فقط ، ومثله { وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } [ النحل : 86 ] ثم قال { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } [ النحل : 86 ] . قيل : أراد بذلك الملائكة ، لأنهم يكفرون بعبادتهم " ويتبرءون منهم " ويخاصمونهم وهو المراد بقوله : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] . وقيل : إن الله - تعالى - يحيي الأصنام يوم القيامة حتى يوبِّخُوا عبَّادها ويتبرءوا منهم فيكون ذلك أعظم لحسرتهم . وقيل : الضمير يعود على المشركين ، ومثله قوله : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] إلا أنَّ فيه عدم توافق الضمائر ، إذ الضمير في " يَكُونُونَ " عائد إلى الآلهة . و " بِعبَادتهِمْ " مصدر مضاف إلى فاعله ، إن عاد الضمير في عبادتهم على المشركين العابدين ، وإلى المفعول إن عاد على الآلهة . قوله : " ضِدًّا " إنما وحَّده وإن كان خبراً عن جمع لأحد وجهين : إما لأنه مصدر في الأصل ، " والمصادر موحَّدة مذكَّرة ، وإمَّا لأنه مفرد في معنى الجمع . قال الزمخشري " : والضِّدُّ : العَوْن ، وحِّد توحيد قوله عليه السلام : " وهُم يَدٌ على مِنْ سِواهُم " لاتفاق كلمتهم ، وأنَّهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم . والضِّدُّ : العونُ والمعاونة ، ويقال : من أضدادكم ، أي : أعوانكم . قيل : سمي العونُ ضدًّا ، لأنه يضاد من يعاديك وينافيه بإعانته لك عليه . وفي التفسير : إنَّ الضِّدَّ هنا الأعداء . وقيل : القرن . وقيل : البلاء . وهذه تناسب معنى الآية . قيل : ذكر ذلك في مقابلة قولهم " عِزًّا " ، والمراد ضد العِزّ ، وهو الذُّلُّ والهوان ، أي : يكونون عليهم ضِدًّا لما قصدوه وأرادوه . كأنه قيل : ويكون عليهم ذلاًّ لهُم .