Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-119)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } الآية . في تعليق هذه الآية بما قبلها وجوه : الأول : أنه تعالى لما قال { كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } [ طه : 99 ] ثم إنه عظَّم أمر القرآن ذكر القصة إنجازاً للوعد في قوله : { كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } . الثاني : أنه لما قال : { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } [ طه : 113 ] أردفه بقصة آدم عليه السلام كأنَّه قال : إنَّ طاعة بني آدم للشياطين ، وتركهم التحفظ من الوساوِسِ أمر قديم ، فإنَّا عهدنا إلى آدم من قبل ، أي : من قبل هؤلاء الذين صرَّفنا لهم الوعيد ، ( وبالغنا في تنبيهه ) ، فقلنا له : { إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ } ، ثم إنه مع ذلك نسي وترك ذلك العهد ، فأمر البشر في ترك التحفظ أمر قديم . الثالث : أنه لمَّا قال لِمُحمَّد { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] ذكر بعده قصة آدم ، فإنه عهد إليه وبالغ في تحذيره من العود ، فدل ذلك على ضعف البشرية عن التحفظ فيحتاج حينئذ إلى الاستعانة بربه في أن يوفقه لتحصيل العلم ويجنبه عن السهو والنسيان . الرابع : أن محمداً - عليه السلام - لما قيل له : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] دل على أنه كان في أمر الدين بحيث زاد على قدر الواجب فلما وصفه بالإفراط ، وصف آدم بالتفريط في ذلك ، فإنه تساهَلَ ولم يتحفظ حتى نسي ، فوصف الأول بالتفريط والآخر بالإفراط ، ليعلمه أن البشر لا ينفك عن نوع زلة . الخامس أن محمداً لما قيل به : " وَلاَ تَعْجَلْ " ضاق قلبه ، وقال في نفسه : لولا أني أقدمت على ما لا ينبغي ، وإلا لما نهيت عنه ، فقيل له : يا محمد إن كنت فعلتَ ما نُهِيتَ عنه فإنما فعلته حرصاً منك على العبادة ، وحفظاً لأداء الوحي وإن أباك أقدم على ما لا ينبغي لتساهله ، وترك التحفظ فكان أمرك أحسن من أمره . والمراد بالعهد هنا أمر الله ، أي : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يأكل من الشجرة من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد في القرآن فتركوا الإيمان . وقال ابن عباس : من قبل أن يأكل من الشجرة عَهِدْنَا إليه أن لا يأكل منها . وقال الحسن : من قبل محمد والقرآن . قوله : " فَنَسِيَ " قرأ اليماني بضم النون وتشديد السين بمعنى نَسَّاه الشيطان . وعلى هذه القراءة يحتمل أن يقال : أقدم على المعصية من غير تأويل ، وأن يقال : أقدم عليها مع التأويل . وعلى القراءة المشهورة يحتمل أن يكون المراد بالنسيان نقيض الذكر ، وإنما عوقب على ترك التحفظ ، والمبالغة في الضبط حتى تولد منه النسيان ، ويحتمل أن يكون المراد بالنسيان الترك ، وأنه ترك ما عهد إليه من ترك أكل ثمرتها . قوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزماً } . يجوز أن تكون ( وجد ) علمية ، فتتعدى لاثنين ، وهما " لَهُ عَزْمًا " . وأن تكون بمعنى الإصابة فتتعدى لواحد ، وهو " عَزْمًا " ( و " لَهُ " ) متعلق بالوجدان ، أو بمحذوف على أنه حال من " عَزْمًا " إذ هو في الأصل صفة له قدمت عليه . والعازم : هو المصمم ، فقوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } يحتمل : ولم نجد له عزماً على ترك المعصية ، أو على التحفظ والاحتراز عن الغفلة ، أو على الاحتياط في كيفية الاجتهاد إذا قلنا : إنه - عليه السلام - إنما أخطأ بالاجتهاد . وقال الحسن : ولم نجدْ له صبراً عما نُهي عنه . وقال عطية : حفظاً لما أمر به . وقال ابن قتيبة : رأياً معزوماً . حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له . والعزم في اللغة : هو توطين النفس على الفعل . قال أبو أمامة الباهليّ : لو وُزِنَ حلمُ آدم بحلم جميع ولده لرجح عليه وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . فإن قيل : أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة . قيل : يجوز أن يكون نَسِي أمره ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان بل كان مؤاخذاً به ، وإنما رفع عنا . وقيل : نَسِيَ عقوبة الله ، وظن أنَّه نَهي تنزيه . قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } تقدَّم الكلام على ذلك مفصَّلاً في سورة البقرة . وقوله : " أَبَى " جملة مستأنفة ، لأنها جواب سؤال مقدر ، أي : ما منعه من السجود ؟ فأجيب بأنه أبَى واستكبر . ومفعول الإباء يجوز أن يكون مراداً ، وقد صرَّح به في الآية الأخرى في قوله : { أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 31 ] وحسن حذفه هنا كون العامل رأس فاصلة . ويجوز أن لا يراد ألبتة ، وأن المعنى : أنه من أهل الإباء والعصيان من غير نظر إلى متعلق الإباء ما هو . قوله : { فَقُلْنَا يَا ءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ } وسبب تلك العداوة من وجوه : الأول : أن إبليس كان حسوداً ، فلمَّا رأى آثار نِعَم الله تعالى في حق آدم حسده فصار عدواً له . الثاني : أن آدم - عليه السلام - كان شاباً عالماً لقوله تعالى { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] ، وإبليس كان شيخاً جاهلاً ، لأنه أثبت فضيلته بفضيلة أصله ، وذلك جهل والشيخ أبداً يكون عدواً للشَّاب العالم . الثالث : أن إبليس مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب ، فبين أصليهما عداوة ، فبقيت تلك العداوة . فإن قيل : لم قال : { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } مع أن المخرج لهم من الجنة هو الله تعالى ؟ فالجواب لما كان بوسوسته هو الذي فعل ما ترتب عليه الخروج صح ذلك . قوله : " فَتَشْقَى " منصوب بإضمار ( أنْ ) في جواب النهي ، والنهي في الصورة لإبليس والمراد به هما ، أي لا تَتَعاطَيَا أسباب الخروج ( فيحصل لكما الشقاء ) ، وهو الكد والتعب الدنيوي خاصة . ويجوز أن يكون مرفوعاً على الاستئناف ، أي : فأنت تشقى ، كذا قدره أبو حيان . وهو بعيد أو ممتنع ، إذ ليس المقصود الإخبار بأنه يشقى بل إن وقع الإخراج لهما من إبليس حصل ما ذكر . وأسند الشقاء إليه دونها ، لأن الأمور معدوقة برؤوس الرجال ، وحسن ذلك كونه رأس فاصلة ، ولأنَّه إن أريد بالشقاء التعب في طلب القوت فذلك على الرجل دون المرأة . قوله : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ } خبر " إنَّ " ، و " أَلاَّ تَجُوعَ " في محل نصب اسماً لها ، ( والتقدير : إنَّ لَكَ عدم الجوع والعُرْي ) و " تَعْرَى " منصوب تقديراً نسقاً على " تَجُوع " ( والعُرْيُ تجرد الجلد عن شيء يقيه ، يقال منه : عَرِيَ يَعْرَى عَرْياً ) قال الشاعر : @ 3697 - فَإنْ يَعْرَيْنَ إنْ كُسِيَ الجَوَارِي فتَنْبُو العينُ عَنْ كَرَم عِجَافِ @@ { وأنَّكَ لاَ تَظْمَأ } قرأ نافع وأبو بكر " وإنَّك " بكسر الهمزة . والباقون بفتحها . فمن كسر فيجوز أن يكون ذلك استئنافاً ، وأن يكون نسقاً على " إنَّ " الأولى . ومن فتح فلأنه عطف مصدراً مؤولاً على اسم " إنَّ " الأولى ، والخبر " لَكَ " المتقدم . والتقدير : إنَّ لَكَ عدم الجوع ، وعدم العري ، وعدم الظمأ والضحى . وجاز أن يكون " أنَّ " بالفتح اسماً لـ " إنَّ " بالكسر للفصل بينهما ، ولولا ذلك لم يجز . لو قلت : إنَّ أنَّ زيداً حق لم يجز ، فلما فصل بينهما جاز . وتقول : إنَّ عندِي أنَّ زيداً قائمٌ ، فعندي هو الخبر على الاسم وهو أنَّ وَمَا في تأويلها لكونه ظرفاً ، والآية من هذا القبيل إذ التقدير : فإن لك أنَّك لا تَظْمَأ وقال الزمخشري : فإن قلت : " إنَّ " لا تدخل على " أنَّ " ، فلا يقال : إنَّ أنَّ زيداً منطلقٌ ، والواو نائبة عن " إنَّ " وقائمة مقامها ، فلم دخلت عليها ؟ قلت : الواو لم توضع لتكون أبداً نائبة عن " إنَّ " إنما هي نائبة عن كل عامل ، فلمَّا لم تكن حرفاً موضوعاً للتحقيق خاصة كإن لم يمتنع اجتماعهما كما اجتمع " إنَّ " و " أنَّ " وضَحِيَ يَضْحَى أي : برز للشمس ، قال عمر بن أبي ربيعة : @ 3698 - رَأَتْ رَجُلاً أمَّا إذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَضْحَى وَأَمَّا بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ @@ وذكر الزمخشري هنا معنى حسَناً في كونه تعالى ذكر هذه الأشياء بلفظ النفي دون أن يذكر أضدادها بلفظ الإثبات ، فيقول : إنَّ لَكَ الشبع والكسوة والري والاكتنان في الظل ، فقال : وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعُرْي ، والظمأ ، والصّحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها .