Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 113-114)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ " نسق على " كَذَلِكَ نَقُصُّ " قال الزمخشري : ومثل ذلك الإنزال وكما أَنْزَلْنَا عليك هؤلاء الآيات أنزلنا القرآن كلَّه على هذه الوتيرة . وقال غيره : والمَعْنَى كما قدَّرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد كذلك حذَّرْنَا هؤلاء أمرها ، و { أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } لتفهمه العرب فيقفوا على إعجازه ونظمه ، وخروفه عن الكلام البشري . { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } أي : كرَّرنَاهُ وفصَّلنَاهُ . قوله : " مِنَ الوَعِيدِ " صفة لمَفْعُولٍ محذوف ، أي : صرَّفنا في القرآن وعيداً من الوعيد ، والمراد به الجنس . ويجوز أن تكون " مِنَ " مزيدة على رأي الأخفش في المفعول به ، والتقدير : وصرَّفنا فيه الوعيد " لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون " أي يجتنبون الشرك . { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } أي : يجدد لهم القرآن عبرة وعظة . وقرأ الحسن : " أَوْ يُحْدِثْ " كالجماعة إلا أنه سكَّن لام الفعل وعبد الله والحسن أيضاً في رواية ومجاهد وأبو حيوة " نْحْدِثْ " بالنون ، وتسكين اللام أيضاً . ( وخُرِّجَ علَى ) إجراء الوصل مجرى الوقف ، أو على تسكين الفعل استثقالاً للحركة ، كقول امرىء القيس : @ 3695 - فَاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ @@ وقول جرير : @ 3696 - أَوْ نَهْرُ تِيرَى فَلاَ تَعْرِفْكُمُ العَربُ @@ وقد فعله كما تقدم أبو عمر في الراء خاصة نحو " يَنْصُرْكُم " . وقرىء : " تُحْدث " بتاء ( الخطاب ) أي : تُحدث أنتَ . ( قوله : " أَوْ يُحْدِثُ " ) فيه سؤالات : الأول : كيف يكون محدثاً للذكر ؟ والجواب : لمّا حصل الذكر عند قراءته أضيفَ إليه . الثاني : لِمَ أضيفَ الذكر إلى القرآن ، وما أضيفت التقوى إليه ؟ والجواب : أنَّ التقوى عبارة عن أن لا يفعل القبيح ، وذلك استمرار على العدم الأصلي ، فلم يجز إسناده إلى القرآن ، وأمَّا حدوث الذكر فأمر حدث بعد أن لم يكن ، فجازت إضافته إلى القرآن . الثالث : كلمة " أو " للمنافاة بين التقوى وحدوث الذكر ، ولا يصح الاتقاء إلا مع الذكر ، فما معناه ؟ والجواب : هذا كقول : جَالِس الحسن أو ابنَ سِيرين ، أي : ( لا تكن خالياً منهما ) ، فكذا ههنا . وقيل : معنى الكلام أنا أنزلنا القرآن ليتَّقوا ، فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكراً وشرفاً وصيتاً حسناً ، وعلى التقديرين يكون إنزاله تقوى . قوله تعالى : { فَتَعَالَى اللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } لما عظم أمر القرآن أردفه بأن عظم نفسه ، وذلك تنبيه على أنَّه يجب على خلقه تعظيمه ، وإنما وصف مُلكَه بالحَقِّ ، لأن ملكه لا يزول ولا يتغير ، وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به ، ولهذا وصف بذلك . و " تَعَالَى " تفاعل من العُلُوّ ، وقد ثبت أن علوه وعظمته لا تكيّفه الأوهام ولا تقدره العقول . ثم قال : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } . قال أبو مسلم : إن من قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] إلى هنا يتم الكلام وينقطع ، ثم قوله : { وَلاَ تَعْجَلْ بِالقُرْءَانِ } ( خطاب مستأنف كأنه قال : { وَيَسْأَلُونَكَ … وَلاَ تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ } ) . وقال غيره : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أنزل عليه جبريل - عليه السلام - بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل من التلاوة مخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يسكت حال قراءة المَلَك ، يقرأ بعد فراغه من ( القراءة ) . فكأنه تعالى لما شرح نفع القرآن للمكلفين ، وتبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي ، ومن كان كذلك يجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان ( في أمر الوحي ، فإذا حصل الأمان عن السهو والنسيان ) فلا تعجل بالقرآن فقوله : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرءَانِ } يحتمل أن يكون المراد لا تعجل بقراءته في نفسك . لما روى عطاء عن ابن عباس : أن يكون أخذُك القرآن على تثبيت وسكون . ويحتمل لا تعجل في تأديته إلى غيرك ، قال مجاهد وقتادة : لا تقرأ به أصحابك ولا تُمْله عليهم حتى يتبين لك معانيه . ويحتمل في اعتقاد ظاهره ، ويحتمل في تعريفه الغير ما يقتضيه ظاهره ، أي : حتى يتبين لك بالوحي تمامه أبو بيانه أو هما جميعاً ، لأنه يجب التوقف في معنى الكلام إلى أن يفرغ لجواز أن يحصل عقيبه استثناء أو شرط ، أو غيرهما من المخصصات . فإن قيل : الاستعجال الذي نُهِي عنه إن كان فعلُه بوحي فكيف نهي عنه ؟ فالجواب لعله فعل باجتهاد ، وكان الأولى تركه فلهذا نُهِي عنه . قوله : { قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } العامة على بناء " يُقْضَى " للمفعول ورفع " وَحْيُه " لقيامه مقام الفاعل . والجحدري وأبو حيوة والحسن ، وهي قراءة عبد الله " تَقْضِي " بنون العظمة مبنيًّا للفاعل ، " وَحْيَه " مفعول به . وقرأ الأعمش كذلك إلاَّ أنَّه سكن ( لام الفعل ) ، استثقل الحركة وإن كانت خفيفة على حرف العلة ، وقد تقدم شواهد عند قراءة { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهَالِيكُم } . قوله : { وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً } أي : بالقرآن ومعانيه ، وقيل : " عِلماً " أي ما علمت . وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه قال : اللهم زدْنِي إيماناً ويقيناً .