Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-127)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } هنا سؤال وهو أن قوله : " اهْبِطَا " إما أن يكون خطاباً مع شخصين أو أكثر ، فإن كان خطاباً مع شخصين فكيف قال بعده : " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم " وهو خطاب الجمع ؟ وإن كان خطاباً مع شخصين فكيف قال : " اهْبِطَا " ؟ وأجاب أبو مسلم : بأن الخطاب لآدم ومعه ذريته ، ولإبليس ومعه ذريته ، ولكونهما جنسين صح قوله : " اهْبِطَا " ولأجل اشتمال كل من الجنسين على الكثرة صح قوله : " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم " . وقال الزمخشري : لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصل البشر اللذين منهما تفرعوا كأنهما البشر أنفسُهُما ، فخوطِبَا مخاطبتهم ، فقيل : " فَإِمَّا يَأْتينكم " على لفظ الجماعة . ومن قال : بأنَّ أقَلَّ الجمع اثنان ، أو بأنه يعبر عن الاثنين بلفظ الجمع ، كقوله : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] فلا يحتاج إلى التأويل . قوله : { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } تقدم تفسيره . { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبعَ هُدَايَ } وهذا يدل على أن المراد الذرية والمراد بالهدى الرسل ، وقيل : الآيات والأدلة ، وقيل : القرآن . " فَلاَ يَضِلُّ " في الدُّنيا ، " وَلاَ يَشْقَى " في الآخرة ، لأنه تعالى يهديه إلى الجنة . وقيل : لا يَضِلُّ ولا يَشْقَى في الدُّنْيَا . فإن قيل : المتبع لهدى الله قَدْ يَشْقَى في الدنيا . فالجواب : أن المراد لا يضل في الدين ، ولا يشقى بسبب الدين ، فإن حصل بسبب آخر فلا بأس . ولما وعد الله تعالى من يتبع الهُدَى أتْبَعه بالوعيد لمن أعرض فقال : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم . قوله : " ضَنْكاً " صفة لمعيشة ، وأصله المصدر ، فكأنه قال : معيشة ذات ضنك ، فلذلك لم يؤنث ويقع للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد . وقرأ الجمهور " ضَنْكاً " بالتنوين وصلاً وإبداله ألفاًَ وقفاً كسائر المعربات . وقرأت فرقة " ضنكى " بألف كسكرى . وفي هذه الألف احتمالان : أحدهما : أنها بدل من التنوين ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف كما تقدم في نظائره ، وسياتي منها بقية إن شاء الله تعالى . والثاني : أن تكون ألف التأنيث ، بُنِي المصدر على ( فَعْلَى ) نحو دَعْوَى . والضنك الضيق والشدة ، يقال منه : ضَنُكَ عيشُه يَضْنَكُ ضَنَاكَةً وَضَنْكاً ، وامرأة ضنَاكٌ كثير لحم البدن ، كأنهم تخيلوا ضيق جلدها به . فصل قال جماعة من المفسرين : الكافر بالله يكون حريصاً على الدنيا طالباً للزيادة أبداً فعيشه ضَنْكٌ ، وأيضاً فمن الظلمة مَنْ ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفره قال تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } [ البقرة : 61 ] وقال : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [ المائدة : 66 ] ، وقال : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] وقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري - ( رضي الله عنهم ) - : المراد بالعيشة الضنكى عذاب القبر . وقال الحسن وقتادة والكلبي : هو الضيق في الآخرة في جهنم ، فإن طعامهم الضريع والزقوم ، وشرابهُمُ الحميم والغِسْلِين ، فلا يموتون فيها ولا يَحْيُوْن . وقال ابن عباس : المعيشة الضنك هو أن يضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدي لشيء منها . وعن عطاء : المعيشةُ الضَّنك هي معيشة الكافر ، لأنه غير موقِنٍ بالثواب والعقاب . وروي عنه - عليه السلام - أنَّه قال : عقوبة المعصيةِ ثلاثة ضيقُ المعيشة والعُسْرُ في اللذة ، وأن لا يتوصل إلى قوته إلا بمعصية الله ( تعالى ) . قوله : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ } قرأ العامة " وَنَحْشُرُه " بالنون ورفع الفعل على الاستئناف . وقرأ أبان بن تغلب في آخرين بتسكين الراء ، وهي محتملة لوجهين : أحدهما : أن يكون الفعل مجزوماً نسقاً على محل جزاء الشرط ، وهو الجملة من قوله : { فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً } فإنَّ محلها الجزم ، فهي كقراءة : { مَنْ يُضْلِل اللهُ فَلاَ هَادِي لَهُ وَيَذرْهُم } [ الأعراف : 186 ] بتسكين الراء . والثاني : أنْ يكون السكون سكون تخفيف ( نحو " يَأْمُرْكُم " وبابه ) . وقرأت فرقة بياء الغيبة ، وهو الله تعالى أو الملك . وأبان بن تغلب في رواية " وَنَحْشُرُهْ " بسكون الهاء وصلاً ، وتخريجها إما على لغة بني عقيل وبني كلاب وإمَّا على إجراء الوصل مجرى الوقف . و " أَعْمَى " نصب على الحال . فصل قال ابن عباس : أعمى البصر . وقال مجاهد والضحاك ومقاتل : أعمى عن الحجة ، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . قال القاضي : وهذا ضعيف ، لأن في القيامة لا بد أن يُعْلِمهم الله بطلان ما كانوا عليه حتى يتميز لهم الحق من الباطل ، ومن هذا حاله لا يوصف بذلك إلا مجازاً ، ولا يليق بهذا قوله : { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } ، ولم يكن كذلك في حال الدنيا . ومما يؤيد ذلك أنه تعالى علَّل ذلك العمى بأن المكلف نَسِي الدلائل فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النِّسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر . قوله : { لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } اعلم أنَّ الله - تعالى - جعل هذا العمى جزاءً على تركه اتباع الهدى . وقوله : { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } جملة حالية من مفعول " حَشَرْتَنِي " . وفتح الياءَ من " حَشَرْتَنِي " قبل الهمزة نافع وابن كثير . قوله : " كَذَلِكَ أَتَتْكَ " قال أبو البقاء : " كَذَلِكَ " في موضع نصب أي : حَشَرْنَا مثل ذلك أو فَعَلْنَا مثل ذلك أو إتياناً مثل ذلك أو جزاءً مثل إعراضِك أو نسياناً وهذه الأوجه التي ذكرها تكون الكاف في بعضها نصباً ( على المصدر ، وفي بعضها نصباً ) على المفعول به . ولم يذكر الزمخشري في غير المفعول به فقال : أي : مثل ذلك فعلتَ أنْتَ ، ثم فُسِّر بأنَّ آياتنَا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ، فتركتَها وأعرضتَ عنها . { وَكَذَٰلِكَ ٱليَوْمَ تُنْسَىٰ } تُتْرَك في النار . قوله : { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } أي ومثل ذلك الجزاء نجزي " مَنْ أسْرَفَ " أي : أشرك ، { وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } مما يعذبهم في الدنيا ( والقبر ، " وَأَبْقَى " وأدْوَمُ ) .