Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 128-130)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } في فاعل ( يَهْدِ ) أوجه : أحدها : أنه ضمير الباري تعالى ، ومعنى ( يَهْدِي ) يُبَيِّن ، ومفعول ( يَهْدِي ) محذوف تقدره : أفلم يُبَيِّن اللهُ لهم العبرَ وفعله بالأمم المكذبة . قال أبو البقاء : وفي فاعله وجهان : أحدهما : ضمير اسم الله تعالى وعلَّق ( بَيَّن ) هنا ، إذا كانت بمعنى أعلم كما علقه في قوله تعالى { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } [ إبراهيم : 45 ] . قال أبو حيَّان : و " كَمْ " هنا خبرية ، والخبرية لا تعلِّق العامل ( عنها ) . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون فيه ضمير الله ، أو الرسول ، ويدل عليه القراءة بالنون . الوجهُ الثاني : أنَّ الفاعل مضمر يفسره ما دلَّ عليه من الكلام بعده ، قال الحوفي : " كَمْ أَهْلَكْنَا " قد دَلَّ على هلاك القرون التقدير : أَفَلَمْ نُبَيِّن لَهُمْ هَلاَكَ من أهلكنا من القرون ومَحْونا آثارَهم فيتعِظُوا بذَلِك . وقال أبو البقاء : الفاعل ما دَلَّ عليه " أهْلَكْنا " أي إهْلاَكنا والجملة مفسرة له . الوجه الثالث : أنَّ الفاعل نفس الجملة بعده . قال الزمخشري : فاعل " لَمْ يَهْدِ " الجملة بعد يريد : أَلَمْ يَهْدِ لَهُم هذا بمعناه ومضمونه ، ونظيره قوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 78 ، 79 ] أي : تركنا عليه هذا الكلام . قال أبو حيَّان : وكونُ الجملة فاعل " يَهْدِ " هو مذهب كوفيّ ، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 78 ، 79 ] فإن " تَرَكْنَا " معناه هذا القول فحكيتْ به الجملة ، فكأنه قيل : وقُلْنَا عليه ، وأطلقنا عليه هذا اللفظ ، ( والجملة تُحكَى بمعنى القول كما تُحْكَى بالقول ) . الوجه الرابع : أنه ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المبيِّن لهم بما يوحى إليه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ، وهذا الوجه تقدم نقلُه عن الزمخشري . الوجه الخامس : أنَّ الفاعلَ محذوف ، نقل ابن عطية عن بعضهم : أنَّ الفاعل مقدر تقديره : الهُدَى أو الأمرُ أو النَّظَرُ والاعتبارُ . قال ابن عطيَّة : وهذا عندي أحسن التقادير . قال أبو حيان : وهو قول المبرِّد ، وليس بجيد إذ فيه حذف الفاعل ، وهو لا يجوز عند البصريين ، وتحسينه أن يقال : الفاعل مضمرٌ تقديره : يَهْدِ هُوَ أي : الهُدَى قال شهاب الدين : ليسَ في هذا القول أن الفاعل محذوف بل فيه أنه مقدر ، ولفظ مقدَّر كثيراً ما يستعمل في المضمر . وأما مفعول " يَهْدِ " ففيه وجهان : أحدهما : أنه محذوف . والثاني : أن يكون الجملة من " كَمْ " وما في خبرها ، لأنها معلقة له ، فهي سادة مسدّ مفعوله . الوجه السادس : أن الفاعل " كَمْ " - قاله الحوفي ، وأنكره على قائله لأن " كَمْ " استفهام لا يعمل فيها ما قبلها . قال أبو حيَّان : وليست " كَمْ " هنا استفهامية بل هي خبرية . واختار أن يكونَ الفاعل ضمير الله تعالى ، فقال : وأحسَنُ التخاريج أن يكون الفاعلُ ضميراً عائداً على الله تعالى ، كأنَّه قال أَفَلَمْ يبيِّن الله ، ومفعول يبين محذوف ، أي العبرَ بإهلاك القرون السابقة ، ثم قال : " كَمْ أَهْلَكْنَا " أي : كثيراً أهلكنَا ، فـ " كَمْ " مفعولة بـ " أَهْلَكْنَا " والجملة كأنها مفسرة للمفعول المحذوف لـ " يَهْدِ " . قال القفَّال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيِّناً لهم كما جعل مثل ذلك واعظاً لهم وزاجراً . وقرأ ابنُ عباس وأبو عبد الرحمن السلمي " أَفَلَمْ نَهْدِ " بالنون المؤذنة بالتعظيم . قال الزجاج : يعني أَفَلَمْ نبيَِّن لهم بياناً يهتدون به لو تدبروا وتفكروا . وقوله : " كَمْ أَهْلَكْنَا " فالمراد به المبالغة في كثرة مَنْ أهلكه الله تعالى من القرون الماضية . قوله : " مِنَ القُرونِ " في محل نصب ( نعت لـ " كَمْ " ) لأنَّها نكرة ويضعف جعلُه حالاً من النكرة ، ولا يجوز أن يكون تمييزاً على قواعد البصريين و " مِن " داخلة عليه على حد دخولها على غيره من التمييزات لتعريفه . قوله : " يَمشُونَ " حال من " القُرونِ " ، أو من مفعول " أَهْلَكْنَا " والضمير على هذين عائد على القرون المهلكة ، ومعناه : إنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ وَهُمْ في حال أمنٍ وَمَشْيٍ وتقلُّب في حاجاتهم كقوله : { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [ الأنعام : 44 ] ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في " لَهُمْ " ، والضمير في " يَمْشُونَ " على هذا عائد على مَنْ عادَ عليه الضمير في " لَهُمْ " وهم المشركون المعاصرون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعامل فيها " يَهْدِ " . والمعنى : إنَّكم تَمْشُون في مساكن الأمم السالفة وتتصرفون في بلادهم فينبغي أن تعتبروا لئلا يحلّ بكُم ما حلَّ بهم . وقرأ ابن السميفع " يُمَشَّوْنَ " مبنيًّا للمفعول مضعفاً ، لأنه لما تعدَّى بالتضعيف جاز بناؤه للمفعول . فصل المعنى : أَو لَمْ نبيِّن القرآن أو مَا تقدم من المقادير لكفَّار مكة { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِم } ديارهم إذا سافَرُوا . والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام ، فيروْنَ ديار المهلكين من أصحاب الحِجْر ، وثَمُود ، وقرى لوط { إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } لذوي العقول . ثم بيَّن تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلاً على من كفر بمحمد - عليه السلام - فقال : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } ( وفيه تقديم وتأخير ) ، والتقدير : ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجل مسمى لكانَ لزاماً . والكلمة في الحكم بتأخير العذاب عنهم أي : وَلَوْلاَ حكمٌ سبقت بتأخير العذاب عنهم " وَأَجَلٌ مُسَمًّى " هو القيامة ، ( وقيل : يَوْمَ بَدْر ) . قوله : " وَأَجَلٌ مُسَمًّى " في رفعه وجهان : أظهرهما : عطفه على " كَلِمَةٌ " ، أي : ولوْلاَ أجلٌ مُسَمًّى لكان العذاب لزاماً لهم . والثاني : جوَّزه الزمخشري ، وهو أن يكون مرفوعاً عطفاً على الضمير المستتر ، والضمير عائد على الأخذ العاجل المدلول عليه بالسياق ، وقام الفصل بالخبر مقام التأكيد ، والتقدير : ولوْلاَ كلمة سبقت من ربك لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعادٍ وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل ، فقد جعل اسم " كَانَ " عائداً على ما دلَّ عليه السياق ، إلا أنَّه قد يشكل عليه مسألة وهي أنه قد جوَّز في ( لزاماً ) وجهين : أحدهما : أن يكونَ مصدرَ ( لازم ) كالخصام ، ولا إشكال على هذا . والثاني : أن يكون وصفاً على ( فِعَال ) بمعنى مُفْعِل أي : ملزم ، كأنه آلة اللزوم ، لفرط لزومه ، كما قالوا : لِزَازٌ خَصِمٌ ، وعلى هذا فيقال : كان ينبغي أن يطابق في التثنية ، فيقال : لزامين بخلاف كونه مصدراً فإنه يفرد على كل حال . وجوَّز أبو البقاء أن يكون " لِزَاماً " جمع " لاَزِم " كقيام جمع قائِم . فصل والمراد أنَّ أمة محمد - عليه السلام - وإن كذَّبُوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال ، وذلك لأنَّه عَلِم أن فيهم من يؤمن . وقيل : علم أنَّ في نسلِهِم من يؤمن ، ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك . وقيل : المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا الله تعالى . وقال أهل السنة : له بحكم المالكية أن يخص مَنْ يشاء بفضله ومَن شاء بعذابه من غير علة ، إذ لو كان فعله لعلة لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم قدوم الفعل ، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل . ثم إنَّه تعالى لما أخبر نبيَّه بأنه لا يُهْلِكُ أحداً قبل استيفاء أجله أمره بالصبر فقال : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أي من تكذيبهم النبوة ، وقيل : تركهم القبول . قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال . ثم قال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } أي : صَلِّ بأمر ربك . وقيل : صَلِّ لله بالحمْدِ له ، والثناء عليه ، ونظيره قوله تعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [ البقرة : 45 ] . قوله : " بِحَمْدِ رَبِّك " حال أي : وأنتَ حامدٌ لربِّك على أنه وفقك للتسبيح وأعانك عليه . واختلفوا في التسبيح على قوليْن ، فالأكثرون على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه : الأول : أنَّ المراد الصلوات الخمس ، قال ابن عباس : دخلت الصلوات الخمس فيه ، فـ { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } هو الفجر ، وقيل ؛ " غروبها " الظهر والعصر ، لأنهما جميعاً قبل الغروب { وَمِنْ ءَانَاءِ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْ } يعني المغرب والعتمة ، ويكون قوله : " وَأَطْرَافَ النَّهَار " كالتوكيد للصَّلاة بين الوقتين في طرفي النهار ، وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب ، كما اختصت الوسطى بالتوكيد . الثاني : أنَّ المرادَ الصلوات الخمس والنوافل ، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخليْن في هاتيْن العبادتين وأوقات الصلاة الواجبة دخلت فيها ، ففي قوله : { وَمِنْ ءَانَاءِ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } للنوافل . الثالث : أن المراد أربع صلوات ، فقوله : { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } للفجر " وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " للعصر ، { وَمِنْ ءَانَاءِ ٱللَّيْلِ } المغرب والعتمة ، بقي الظهر خارجاً . وعلى هذا التأويل يمكن أن يستدل بهذه الآية على أن المراد بالصَّلاة الوُسْطى صلاة الظهر ، لأن قوله : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ } [ البقرة : 238 ] المراد به هذه الأربع ، ثم أفرد الوسطى بالذكر ، والتأسيس أوْلَى من التأكيد ، والأول أولى . هذا إذا حَمَلْنَا التسبيح على الصلاة . وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات . فإن قيل : النهار له طرفان ، فكيف قال : " وَأَطْرَافَ النَّهَار " ؟ بل الأولى أن يقول كما قال : { وَأَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } [ هود : 114 ] . فالجواب : من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يكرر في كل نهار ويعود . وقوله : { مِنْ ءَانَاءِ ٱللَّيْلِ } متعلق بـ " سَبِّحْ " الثانية . قوله : " وَأَطْرَافَ " العامة على نصبه ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على محل { وَمِنْ آنَاءِ ٱللَّيْلِ } . والثاني : أنه عطف على " قَبْل " . وقرأ الحسن وعيسى بن عمر " وأطرافِ " بالجر عطفاً على " آناء اللَّيل " وقوله هنا " أَطْرَافَ " وفي هود " طَرَفَيْ النَّهَارِ " ، فقيل : هو من وضع الجمع موضع التثنية كقوله : @ 3701 - ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْن @@ وقيل : هو على حقيقته ، والمراد بالأطراف الساعات . قوله : " تَرْضَى " قرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم " تُرْضَى " مبنيًّا للمفعول . والباقون مبنيًّا للفاعل ، وعليه { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] والمعنى : ترضى ما تنال من الشفاعة ، أو ترضى بما تنال من الثواب على ضم التاء كقوله : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } [ مريم : 55 ] .