Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 12-12)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " إِنِّي " قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح على تقدير الباء أي : بأَنِّي ، لأن النداء يوصل بها . تقول : ناديتُه بكذا ، وأنشد الفارسيُّ قول الشاعر : @ 3643 - نَادَيْتُ باسْمِ رَبيعَةَ بنِ مُكَدَّمٍ إنَّ المُنَوَّه باسْمِهِ المَوْثُوقُ @@ وجوز ابن عطية أن تكون بمعنى : لأجل ، وليس بظاهر . والباقون بالكسر إمَّا على إضمار القول عند الكوفيين . وقوله : " أَنَا " يجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر ( إنَّ ) ويجوز أن يكون توكيداً للضمير المنصوب . ويجوز أن يكون ( فصلاً ) . فصل قال المفسرون : لمَّا نُودِي يَا مُوسَى أجاب سريعاً ما يدري من دعاه ، فقال : إنِّي أسمع صوتك ولا أرَى مكانَك ، فأين أنت ؟ فقال : أنا فوقَكَ ، ومعَكَ ، وأمامَكَ ، وخلفَكَ ، وأقربُ إليكَ منْ نفسِك . فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله عزّ وجلّ فأيقن به . " فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " روى ابن مسعود مرفوعاً في قوله : " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ " قيل : كانَتَا من جلد حمار ميت . ويروى غير مدبوغ . وقال عكرمة ومجاهد : ليباشر بقَدَمَيْه تراب الأرض المقدسة ، فيناله بركتها ، لأنه قُدِّسَتْ مرتين ، فخلعهما وأَلقاهُما من وراء الوادي . قيل : إنه عرف أن المنادي هو الله تعالى ، لأنه رأى النار في الشجرة الخضراء بحيث أن الخُضْرة ما كانت تطفىء تلك النار ، وتلك النار ما كانت تنضر بتلك الخُضْرة ، وهذا لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى . قوله : " طُوَى " قرأ الكوفيون وابنُ عامر " طُوًى " بضم الطاء والتنوين . وقرأ الباقون : بضمها من غير تنوين . وقرأ الأعمش والحسن وأبو حيوة وابن محيصن بكسر الطاء منوناً ، وأبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون . فمن ضمَّ ونوَّنَ فإنه صرفه : لأنَّه أوَّله بالمكان . ومن منعه فيحتمل أوجهاً : أحدها : أنه منعه للتأنيث باعتبار البقعة والعلمية . الثاني : أنَّه منعه للعدل إلى فُعَل ، وإن لم يعرف اللفظ المعدول عنه وجعله كُعَمر وزُفَر . الثالث : أنه اسم أعجميٌّ فمَنْعُهُ للعلمية والعجمة . ومن كَسَر ولم يُنوّن فباعتبار البقعة أيضاً . فإن كان اسماً فهو نظير عِنَب ، وإن كان صفة فهو نظير عِدَى وسِوَى . ومن نَوَّنه فباعتبار المكان . وعن الحسن البصري : أنه بمعنى الثناء بالكسر والقصر ، والثناء المتكرر مرتين فيكون معنى هذه القراءة : أنه طهر مرتين ، فيكون مصدراً منصوباً بلفظ ( المقدس ) ، لأنه بمعناه ، كأنه قيل : المقدس مرتين من التقديس . وقرأ عيسى بن عمر والضَّحَّاك " طَاوِيْ اذْهَب " . وطُوَى : إما بدل من الوادي أو عطف بيان له . أو مرفوع على إضمار مبتدأ ، أو منصوب على إضمار أعْنِي . فصل استدلت المعتزلة بقوله : " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ " على أن كلام الله تعالى ليس بقديم ، إذ لو كان قديماً لكان الله قائلاً قبل وجود موسى : اخْلَعْ نَعْلَيْكَ يَا مُوسَى ، ومعلوم أن ذلك سفه ، فإن الرجل في الدار الخالية إذا قال يا يزيد افعل ، ويا عمرو لا تفعل مع أن زيداً وعمراً لا يكونان حاضرين يعد ذلك جنوناً وسفهاً . فكيف يليق ذلك بالإله سبحانه وتعالى ؟ وأجيب عن ذلك بوجهين : الأول : أن كلامه تعالى وإن كان قديماً إلا أنه في الأزل لم يكن أمراً ولا نهياً . الثاني : أنه كان أمراً بمعنى أنه وجد في الأزل شيء لما استمر إلى ما لا يزال صار الشخص به مأموراً من غير وقوع التغير في ذلك الشيء ، كما أن القدرة تقتضي صحة الفعل ، ثم إنها كانت موجودة في الأزل من غير هذه الصحة ، فلما استمرت إلى ما لا يزال حصلت الصحة ، فكذا ههنا ، وهذا كلام فيه غموض وبحث دقيق . فصل قال بعضهم : في الآية دلالة على كراهة الصلاة والطواف في النعل ، والصحيح عدم الكراهة ، لأنا عللنا الأمر بخلع النعلين لتعظيم الوادي ، وتعظيم كلام الله تعالى كان الأمر مقصوراً على تلك الصورة . وإن عللناه بأن النعليْن كانتا من جلد حمار ميِّت ، فجائز أن يكون محظوراً لبس جلد الحمار الميت ، وإن كان مدبوغاً ، فإنْ كان ذلك فهو منسوخ بقوله عليه السلام : " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبغَ طَهُرَ " " وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نعليْه ثم خلعهما في الصلاة ، فخلع الناس نعالهم فلما سلم قال : ما لكم خلعتم نعالكم ؟ قالوا : خلعتَ فخلعنا قال : " فإنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ أخبرَنِي أنَّ فيهِمَا قذراً " فلم يكره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في النعل ، وأنكر على الخالعين خلعها ، وأخبرهم أنه إنما خلعهما لما فيهما من القذر . فصل قال عكرمة وابن زيد : طُوَى : اسم للوادي . قال الضَّحاك : طُوَى : واد مستدير عميق الطويّ في استدارته . وقيل : طُوَى معناه مرتين نحو ثنى . أي : قدِّس الوادي مرتين أي : نُودِيَ موسَى نِدَاءَيْن يقال : ناديته طُوًى أي : مثنى . وقيل : طُوى أي ؛ طيًّا . قال ابن عباس : إنه مرَّ بذلك الوادي ليلاً فطواه ، فكان المعنى بالوادي الذي طويته طيًّا أي : قطعته حتى ارتفعت إلى أعلاه ، ومن ذهب إلى هذا قال : طُوًى مصدر أخرج عن لفظه كأنه قال : طويتُه أطوِي طُوًى كما يقال : هدى يهدي هُدًى .