Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-11)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ رَأَى نَاراًً } … الآية : لما عظم حال القرآن ، وحال الرسول عليه السلام بما كلَّفه أتبع ذلك بما يقوي قلبَ رسوله من ذكر أحوال الأنبياء تقوية لقلبه في الإبلاغ ، كقوله تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [ هود : 120 ] . وبدأ بموسى لأن فتنته كانت أعظم ( ليتسَلَّى قلبُ الرسول عليه السلام بذلك ، ويصبر على تحمل المكاره . قوله : " وَهَلْ أَتَاكَ " يحتمل أن يكون هذا أول ما أخبر به من أمر موسى فقال : " وَهَلْ أَتَاكَ " أي لم يأتك إلى الآن ) وقد أتاك الآن فتنبه له ، وهذا قول الكلبي . ويحتمل أن يكون قد أتاه ذلك في الزمان المتقدم فكأنه قال : أليس قد أتاك ، وهذا قول مقاتل والضحاك عن ابن عباس ، وهذا وإن كان على لفظ الاستفهام الذي لا يجوز على الله تعالى لكن المقصود منه تقرير الخبر في قلبه ، وهذه الصورة أبلغ في ذلك كقولك لصاحبك : هَلْ بلغكَ عني كذا ؟ فيتطلع السامع إلى معرفة ما يرمي إليه ، ولو كان المقصود هو الاستفهام لكان الجواب يصدر من قِبَل موسى لا من قِبَل الله ( تعالى ) . قوله : " إذْ رَأَى " يجوز أن يكون منصوباً بالحديث وهو الظاهر ويجوز أن ينتصب بـ ( اذكر ) مقدراً قاله أبو البقاء . أو بمحذوف بعده ، أي إذا رأى ناراً كان كيت وكيت كما قاله الزمخشري . و " هَلْ " على بابها من كونها استفهام تقرير . وقيل : بمعنى قد . وقيل : بمعنى النفي . وقرأ " لإِهْلِهُ امْكُثُوا " بضم الهاء حمزة ، وقد تقدم أنه الأصل وهو لغة الحجاز . وقاله أبو البقاء : إن الضم ( للإتباع ) . قوله : " آنَسْتُ " أي أبصرت ، والإيناس : الإبصار والتبيُّن ومنه إنسان العين ، لأنه يبصر به الأشياء ، والإنس لظهورهم كما قيل : الجن لاستتارهم . وقيل : هو الوجدان . وقيل : هو الإحساس فهو أعم من الإبصار . وأنشدوا للحارث بن حلزة : @ 3642 - آنَسْتُ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا القُنـ ـنَاصُ عَصْراً وَقَدْ دَنَا الإمْسَاءُ @@ والقَبَس : الجَذْوَةُ من النار ، وهي الشعلة في رأس عود أو قصبة ونحوهما وهو فعلٌ بمعنى مفعول كالقَبَض والنَّفَض بمعنى المقبوض والمنفوض . ويقال : أَقْبَسْتُ الرجلَ علماً ، وَقَبَسْتُه ناراً ، ففرقوا بينهما ، هذا قول المبرد . وقال الكسائي : إن فعل وأَفْعَل يقالان في المعنيين فيقال : قَبَسْتُه ناراً وعِلماً وأَقْبَستُهُ أيضاً ( ناراً وعلماً ) . وقوله : " مِنْهَا " يجوز أن يتعلق ( بـ " آتِيكُمْ " أو ) بمحذوف على أنه حال من " قَبَس " وأما بعضهم ألف " هُدًى " وقفاً ، والجيد أن لا تُمال ، لأن الأشهر أنها بدل من التنوين . فصل قال المفسرون : استأذن موسى شعيباً في الرجوع من مَدْيَنَ إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له ، فخرج بأهله ، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام . فولدت امرأته في ليلة شاتية ، وكانت ليلة الجمعة فألجأه السير إلى جانب الطور الغربي الأيمن ، فقدح زنده فلم يورِهِ ، فبينما هو في مزاولة ذلك إذ أبصر ناراً من بعيد على يسار الطريق من جانب الطور . قال السُّدي : فظن أنها نارٌ من نيران الرعاة . وقال آخرون : إنه عليه السلام رآها في شجرة وليس في القرآن ما يدل على ذلك . وقال بعضهم : الذي رآه لم يكن ناراً ( بل تخيله ناراً ) والصحيح أنه رأى ناراً ليكون صادقاً في خبره ، إذ الكذب لا يجوز على الأنبياء . قيل : النار أربعة أقسام : نارٌ تأكل ولا تشرب ، وهي نار الدنيا . ونارٌ تشرب ولا تأكل وهي نار الشجر لقوله تعالى : { جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } [ يس : 80 ] . ونار تأكل وتشرب وهي نار المعدة . ونارٌ لا تأكل ولا تشرب ، وهي نار موسى عليه السلام . وقيل أيضاً : النار أربعة : أحدها : نارٌ لها نور بلا حرقة ، وهي نار موسى عليه السلام . ونارٌ لها حرقة بلا نور ، وهي نار جهنم . ونارٌ لها حرقة ونور ، وهي نار الدنيا . ونار لا حرقة لها ولا نور وهي نار الأشجار . فلما أبصر النار " قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا " يجوز أن يكون هذا الخطاب للمرأة وولدها والخادم . ويجوز أن يكون للمرأة وحدها خرج على ظاهر لفظ الأهل فإن الأهل يقع على الجمع وأيضاً فقد يخاطب الواحد بلفظ الجمع تفخيماً ، أي : أقيموا في مكانكم . { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } . أي أبصرتُ ناراً ، والإيناس : الإبصار وقيل : إبصار ما يُؤنَسُ بِهِ ولما وجد الإيناس - وكان منتفياً - حقيقة لهم أتى بكلمة " إنِّي " ليوطن أنفسهم . ولما كان الإتيان بالقَبَس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع ، فقال : " لَعَلِّي " ولم يقطع فيقول : إنِّي آتيكُمْ ، لئلا يعد ما لم يتيقن الوفاء به ، والنكتة فيه أن قوماً قالوا : كَذَبَ إبراهيمُ للمصلحة وهو محال ، لأن موسى عليه السلام قبل نبوته احترز فلم يقل : إِنِّي آتِيْكُمْ ، بل قال " لَعَلِّي آتِيكُمْ " . والقَبَسُ : النارُ المقتبسةُ في رأس عودٍ أو فتيلةٍ أو غيرهما . { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } أي ما يهتدي به وهو اسم مصدر ، فكأنه قال : أجِدُ على النار ما أهتدي به من دليل أو علامة . ومعنى الاستعلاء على النار : ( أَنَّ أهلَ النارِ ) يستعلون المكان القريب منها ، ولأن المصطلين بها إذا أحاطوا بها مشرفين عليها ، فكأنه قال : أُجِدُ على النارِ مَنْ يَدُلُّنِي . " فَلَمَّا أتَاهَا " أي النار ، قال ابن عباس : رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها أطافت بها نار بيضاء تتّقد كأضوأ ما يكون فوقف متعجباً من شدة ضوء تلك النار وشدة خضرة تلك الشجرة ، فلا النار تغير خضرتها ، ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوء النار . قال ابن مسعود : كانت الشجرة سمرة خضراء . وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت من العَوْسَج . وقال وهب : كانت من العُلَّيْق . وقيل : كانت من العِنَّاب . قال أكثر المفسرين : إنَّ الذي رآه موسى لم يكن ناراً بل كان نورَ الربِّ ( تبارك وَتَعالى ) ذُكِرَ بلفظ النار ، لأن موسى عليه السلام حسبه ناراً فلما دَنَا مِنْها سمع تسبيح الملائكة ورأى نوراً عظيماً . قال وهب : ظن موسى أنها نار أوقدت ، فأخذ من دقاق الحطب وهو الحشيش اليابس ليقتبس من لهبها فمالت إليه كأنها تريده ، فتأخر عنها وهابَها ، ثم لم تزل تطعمه ، ويطمع فيها ، ثم لم يكن بأسرع من خمودها كأنها لم تكن ثم رمى موسى ببصره إلى فروعها ، فإذا خضرتها ساطعة في السماء ، وإذا نور بين السماء والأرض له شعاع تكل عنه الأبصار ، فلما رأى موسى ذلك وضع يديه على عينيه ، فنودي يا موسى . قال القاضي : الذي يروى من أن الزند ما كان يروى فجائز ، وما رُوِي من أن النار كانت تتأخر عنه ، فإن كانت النبوة قد تقدمت له جاز ذلك وإلا فهو ممنوع إلاَّ أن يكون معجزة لغيره من الأنبياء ، لأن قوله : { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [ طه : 13 ] دليل على أنه إنما أوحي إليه في هذه الحالة ، وجعله نبيًّا . وعلى هذا يبعدُ ما ذكروه من تأخر النار عنه وبيَّنَ فسادَ ذلك ، قوله تعالى : فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيََ ولو كانت تتأخر عنه حالاً بعد حالٍ لَمَا صحَّ ذلك ، ولَمَا بقي لفاء التعقيب فائدة . والجواب : أنَّ القاضي بَنَى هذا الاعتراضَ على مذهبه في أنَّ الإرهاص غير جائز . وذلك باطل ، فبطلَ قوله ، وأمَّا التمسُّك بفاء التعقيب فقريب ، لأنَّ تخللَ الزمان القليل بين المجيء والنداء لا يقدح في فاء التعقيب . قوله : " نودي " القائم مقام الفاعل ضمير موسى . وقيل : ضميرُ المصدر ، أي نُودِي النداء ، وهو ضعيف . ومنعُوا أنْ يكون القائم مقامه الجملة من " يا مُوسَى " ، لأن الجملةَ لا تكونُ فاعلاً .