Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } . ( لمَّا خاطب موسى عليه السلام بقوله : { فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ لِذِكْرِيۤ } أتبعَه بقوله : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } ) ، وما أليق هذا بتأويل من تأوّل قوله : " لِذِكْرِي " أي لأذكرك بالإثابة والكرامة فقال عقيب ذلك { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ } لأنها وقت الإثابة ووقت المجازاة ، ثم قال : " أَكَادُ أُخْفِيهَا " . العامة على ضم الهمزة من " أُخْفِيهَا " . وفيها تأويلات : أحدها : أن الهمزة في " أُخْفِيهَا " للسلب والإزالة ، أي : أزيل خفاءها نحو : أَعْجَمْتُ الكتابَ أي : أزلت عجمتَه ، وأشكيتُه أي أزلت شكواه ، ثم في ذلك معينان : أحدهما : أن الخفاءَ بمعنى ( الستر ) ، ومتى أزال سترها فقد أظهرها ، والمعنى : أنها لتحقّق وقوعها وقربها أكاد أظهرها لولا ما تقتضيه الحكمة من التأخير . والثاني : أن الخفاءَ هو الظهور كما سيأتي ، والمعنى : أزيل ظهورها ، وإذا أزال ظهورها فقد استترت ، والمعنى : أن لشدّة إبهامها أكادُ أخفيهَا فلا أظهرها ألبتة وإن كان لا بد من إظهارها ، ولذلك يوجد في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ : " أَكَادُ أُخْفِيهَا من نفسي فكيف أظهركم عليها " وهو على عادة العرب في المبالغة في الإخفاء ، قال الشاعر : @ 3644 - أَيَّامَ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا مَا كِدْتُ أَكْتُمُه عَنِّي مِنَ الخَبَرِ @@ وكيف يتصوّر كتمانه من نفسه ؟ قال القاضي : هذا بعيد ، لأن الإخفاء إنما يصح ممن يصح له الإظهار ، وذلك مستحيل عليه تعالى ، لأن كلَّ معلومٍ معلومٌ له ، فالإظهار والإسرار فيه مستحيل . ويمكن أن يُجاب بأن ذلك واقع على التقدير ، بمعنى لو صح مني إخفاؤه عن نفس لأخفيته عني ، والإخفاء وإن كان محالاً في نفسه إلا أنه يمتنع أن يذكر على هذا التقدير ، مبالغة في عدم إطلاع الغير عليه . والتأويل الثاني : أن ( كَادَ ) زائدة قاله ابن جبير ، وأنشد غيره شاهداً عليه قول زيد الخيل : @ 3645 - سَرِيعٌ إلَى الهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلاَحَهُ فَمَا إِنْ يَكَادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ @@ وقول الآخر : @ 3646 - وَأَنْ لا أَلُومُ النَّفْسَ مِمَّا أَصَابَنِي وَأَنْ لاَ أَكَادُ بالَّذِي نِلْتُ أنْجَحُ @@ ولا حجة في شيء منه . والتأويل الثالث : أنَّ الكيدَ ورد بمعنى الإرادة ، قاله الأخفش وجماعة ، وهو قول أبي مسلم ، فهو كقوله : ( { كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } [ يوسف : 76 ] ومن أمثالهم المتداولة : لا أفْعَلُ ذَلِكَ وَلا أَكَادُ . أي : لا أُريد أَنْ أفعله ، وهذا ) لا ينفع فيما قصدوه . التأويل الرابع : أنَّ خبرها محذوف ، تقديره : أكادُ آتِي بها لقُرْبِها ، وأنشدوا قول ضابىء البرجمي : @ 3647 - هَمسْتُ وَلَمْ أفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي تَرَكْتُ عَلى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلاَئِلُهْ @@ أي : وكدت أفعل . فالوقف على " أَكَادُ " والابتداء بـ " أُخْفِيهَا " ، واستحسنه أبو جعفر . وذكر ابن الخطيب هنا سؤالاً : فقال : إنَّ ( كادَ ) نفيه إثبات وإثباته نفي ، قال تعالى : { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] ، أي : ففعلوا ذلك ، فقوله : " أكَادُ أُخْفِيهَا " يقتضي أنه ما أخفاها . وذلك باطل لوجهين : أحدهما : لقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] الثاني : إنَّ قوله : { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار . ثم أجاب بوجوه : الأول : أنَّ " كَادَ " موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات ، فقوله : " أَكَادُ أُخْفِيهَا " معناه : قرب الأمر فيه من الإخفاء . وأَمَّا أنَّه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فهو غير مستفاد من اللفظ بل بقرينة قوله : { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار . الثاني : أنَّ " كَادَ " من الله : وجب ، فمعنى قوله : أَكَادُ أُخْفِيَها أي : أنا أُخْفِيها عن الخلق ، كقوله : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } [ الإسراء : 51 ] أي هو قريبٌ قاله الحسن . وذكر باقي التأويلات المتقدمة . وقرأ أبُو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد : " أَخْفِيهَا " بفتح الهمزة والمعنى : أظهرها بالتأويل المتقدم ، يقال : خَفَيْتُ الشيء : أظهرتُه وأخفيتُه سترتُه هذا هو المشهور وقد نقل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنى . وحكى عن أبي عبيد أَنَّ أخْفَى من الأضداد يكون بمعنى أَظْهَر وبمعنى سَتَر . وعلى هذا تتحد ( القراءتان ) . ومن مجيء خَفَيْتُ بمعنى أظهرت قول امرىء القيس : @ 3648 - خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّما خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عِشِيٍّ مُجَلِّبِ @@ ( وقول الآخر : @ 3649 - فَإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لاَ نُخْفِهِ وَإنْ تُوقِدُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ ) @@ قال الزجاج : وهذه القراءة أبْيَنُ ، لأن معناها : أكادُ أَظْهِرُها ( فيفيد أنه قد أخفاها ) . والحكمة في إخفاء الساعة وإخفاء وقت الموت : أنَّ الله تعالى وعد قبلها التوبة عند قربهما ، فلو عرف وقت الموت لاشتغل بالمعصية إلى وقت قرب ذلك الوقت ثم يتوب فيتخلص من عقاب المعصية ، فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل معصية وهو لا يجوز . قوله : " لِتُجْزَى " هذه لام كي ، وليست بمعنى القسم أي : لِتُجْزَيَّن كما نقله أبو البقاء عن بعضهم ، وتتعلق هذه اللامِ بأُخْفِيها . وجعلها بعضهم متعلقة بـ ( ءَاتِيَةٌ ) ، وهذا لا يتم إلا إذا قدرت أن " أكَادُ أُخْفِيِهَا " معترضة بين المتعلق والمتعلق به ، أما إذا جعلتها صفة ( ءَاتِيَةٌ ) فلا يتم على مذهب البصريين ، لأن اسم الفاعل متى وصف لم يعمل فإن عمل ثم وصف جاز . وقال أبو البقاء : وقيل : بـ ( ءَاتِيَةٌ ) ، ولذلك وقف بعضهم على ذلك وقفة يسيرة إيذاناً بانفصالها عن ( أخفيها ) . قوله : " بِمَا تَسْعَى " متعلق بـ " لِتُجْزَى " . و " مَا " يجوز أن تكون مصدرية أو موصولة اسمية ، ولا بد من مضاف ، أي : لِتُجْزَى بعقاب سعيها ، أو : بعقاب ما سعته . فصل لمَّا حكم بمجيء الساعة ذكرَ الدليلَ عليه ، وهو أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي ، وهو المعنيُّ بقوله : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] . واحتجت المعتزلة بهذه الآية على أن الثواب مستحق على العمل ، لأن ( الباءَ ) للإلصاق ، فقوله : " بِمَا تَسْعَى " يدل على أن المؤثر في ذلك الجزاء هو ذلك السعي واحتجوا بها أيضاً على أن فعل العبد غير مخلوق لله تعالى ، لأن الآية صريحة في إثبات سعي العبد ، ولو كان الفعل مخلوقاً لله تعالى لم يكن للعبد سعي أَلبتة " . قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَكَ عَنْهَا مَن لاَ يُؤْمِنُ بِهَا } من لا يؤمن هو المنهي صورة ، والمراد غيره ، فهو من باب : لا أَرَينَّك هَهُنا . وقيل : إن صدَّ الكافرين عن التصديق بها سبب للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب . والضميران في " عَنْهَا " و " بِهَا " للسَّاعة قاله ابن عباس : وذلك لأنه يجب عود الضمير إلى أقرب مذكور وهو هنا الساعة . وقيل : للصلاة . وقال أبو مسلم : الضمير في ( عَنْهَا ) للصَّلاة ، وفي ( بِهَا ) للسَّاعة ، قال : وهذا جائز في اللغة ، فالعرب تلف الخبرين ثم ترمي بجوابهما جملة ليرد السامع إلى كل خبر حقه . وأجيب بأنَّ هذا إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة ( ههنا ) . قوله : " فَتَرْدَى " يجوز فيه أن ينتصب في جواب النهي بإضمار ( أَنْ ) وأن يرتفع على خبر ابتداء مضمر تقديره : فَأَنْتَ تَرْدَى . وقرأ يحيى : " تِرْدَى " بكسر التاء ، وقد تقدم أنها لغة والرَّدَى الهلاك يقال : رَدِيَ يَرْدَى رَدًى ، قال دُرَيْد ( بن الصمة ) : @ 3650 - تَنَادَوْا فَقَالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فَارِسَاً فَقُلْتُ أَعَبْدَ اللهِ ذلِكُمُ الرَّدِي @@ فصل الخطابُ في قوله : " فَلاَ يَصُدَّنَّكَ " يحتمل أن يكون مع موسى ، وأن يكون مع محمد - عليهما السلام - . والأقرب أنه مع موسى - عليه السلام - ، لأنَّ جميع الكلام خطاب له . وعلى كلا الوجهين فلا معنى لقول الزجاج : إنَّه ليس بمراد وإنما أريد به غيره ، وذلك لأنه ظن أن النبيَّ - عليه السلام - لما لم يجز عليه مع النُّبَوَّة أن يصده أحد عن الإيمان بالساعة لم يجز أن يكون مخاطَباً بذلك ، وليس الأمر كما ظن ، لأنه إذا كانَ مكلَّفاً بأنْ لا يقبلَ الكفر بالساعة من أحد وكان قادراً على ذلك جاز أن يخاطب به ، ( ويكون المراد ) هو وغيره . ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بقوله : { فَلاَ يَصُدنَّكَ عَنْهَا } النهي عن الميل إليهم ومقاربتهم . فصل المقصودُ نَهْيُ موسى - عليه السلام - عن التكذيب بالبعث ، ولكن الظاهر اللفظ يقتضي نهيَ منْ لم يؤمن عن صدِّ موسَى - عليه السلام - وفيه وجهان : أحدهما : أن صدَّ الكافر عن التصديق بها سببٌ للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب . ( ذلك أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرَّجُل في الدِّين ، فذكر المسبب ليدل حمله على السبب ) كقولهم : لاَ أَريَنَّكَ هَهُنا . المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته فهكذا ههنا ، كأنه قيل : لا تكن رخواً بل كن في الدين شديداً . فصل دلَّت الآية على وجوب تعلم علم الأصول ، لأن قوله : " فَلاَ يَصُدّنَّكَ " يرجع معناه إلى صلابته في الدين ، وتلك الصلابة إن كان المراد بها التقليد لم يتميز المبطل فيه عن المحق ، فلا بد وأن يكون المراد بهذه الصلابة كونه قوياً في تقرير الدلائل ، وإزالة الشبهات حتى لا يتمكن الخصم من إزالته عن الدين بل يكون هو متمكناً من إزالة المبطل عن بطلانِه . ( فصل ) قوله : " فَلاَ يَصُدنَّكَ " يدل على أن العبادَ هُمُ الذين يصدون ، ولو كان تعالى هو الخالق لأفعالهم لكان هو الصَّادُّ دونهم ، فدل ذلك على بطلان القول بالجبر . وأجيب بالمعارضة بمسألة العلم ( والداعي ) . ثم قال تعالى : " واتَّبَعَ هَوَاهُ " والمعنى أن منكر البعث إنَّما أنكره اتباعاً للهوى لا للدليل ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد ، لأن المقلّد متبعٌ للهوى ( لا للحجة ) ثم قال : " فَتَرْدَى " أي : فتهلك .