Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) . قوله تعالى : " طَهَ " قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء ، وكسرهما جميعاً حمزة والكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما . قال الزجاج : وتقرأ " طَهْ " بفتح الطاء وسكون الهاء ، وكلها لغات . قال الزجاج : من فتح الطاء والهاء ، فلأن ما قبل الألف مفتوح . ومن كسر الطاء والهاء أمال إلى الكسر ، لأن الحرف مقصور ، والمقصور يغلب عليه الإمالة إلى الكسر . فصل قد تقدم الكلام في الحروف المقطعة أول الكتاب ، وفي هذه ، وفي هنا قولان ، الصحيح أنها من ذلك . وقيل : إنه مفيد . فقال الثعلبي : ( طَا ) شجرة طوبى ( والهاء ) الهاوية . فكأنه أقسم بالجنة والنار . وقال سعيد بن جبير : هو افتتاح اسمه الطيب الطاهر الهادي . وقيل : يا مطمع الشفاعة للأمة ، ويا هادي الخلق إلى الملة . وقيل : ( الطاء ) تسعة في الحساب ، و ( الهاء ) خمسة يكون أربعة عشر ، ومعناه يا أيها البدر ، وقيل غير ذلك . فصل قيل : معنى ( طَهَ ) يا رَجُل ، وهو مرويّ عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد ابن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، والكلبي ، ثم قال سعيد بن جبير : بالنبطية ، وقال قتادة : بالسريانية ، ( وقال عكرمة ) : بالحبشية ، وقال الكلبي : بلغة عك ، وقيل : عُكْلٌ ، وهي لغة يمانية . وقال الكلبي : إنك لو قلت في عَك ، يا رَجُل لم تجب حتى تقول : طَهَ . وقال الطَّبَري : طَهَ في عَك بمعنى يا رجل ، وأنشد قولَ شاعرهم : @ 3637 - دَعَوْتُ بِطَهَ في القِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ فَخِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَوَائِلاَ @@ وقول الآخر : @ 3638 - إنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ فِي خَلاَئِقِكُمْ لاَ قَدَّسَ اللهُ أرْوَاحَ المَلاَعِينِ @@ قال الزمخشري : وأثر الصنعة ظاهر في البيت المستشهد به . وقال السُّدِّي : معناه يا فلان . وقال الزمخشري أيضاً : ولعل عكًّا تصرفوا في " يَا هَذَا " كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء ، فقالوا في ( يَا هَذَا ) : طَا هَذَا ، واختصروا ( هذا ) ( فاقْتَصَرُوا عَلَى هَا ) . فكأنَّه قيل في الآية الكريمة : يَا هَذَا ، وفيه بُعْدٌ كبير . واعترض عليه بعضهم فقال : لو كان كذلك لوجب أن يكتب أربعة أحرف طَاهَا . قال أبُو حيَّان : ثم تخرص وحرز على عَكَّ ما لم يقله نحوي ، وهو أنهم يقلبون " ياء " التي للنداء ( طاء ) ، ويحذفون اسم الإشارة ويقتصرون منه على ( ها ) التي للتنبيه وقيل : ( طَهَ أصله ) : طأها بهمزة ، ( طَأْ ) أمر ، من وطىء يطأ ، و ( ها ) ضمير مفعول يعود على الأرض ، ثم أبدل الهمزة لسكونها ألفاً ولم يحذفها في الأمر نظراً إلى أصلها ، أي : طأ الأرض بقدميْكَ ، وقد جاء في الحديث : " أنَّهُ قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاه " وقرأ الحسن ، وعكرمة ، وأبو حنيفة ، وورش في اختياره " طه " بإسقاط الألف بعد الطاء ، و ( هاء ) ساكنة وفيها وجهان : أحدهما : أن الأصل ( طأ ) بالهمزة ، أمراً أيضاً من وَطِىء يَطَأ ، ثم أبدلت الهمزة هاء كإبدالهم لها في : هرقت ، وهرحت ، وهنرت ، والأصل : أرقت ، وأرحت ، وأنرت . والثاني : أنه أبدل الهمزة ألفاً ، كأنه أخذه من وطىء يطأ بالبدل كقوله : @ 3639 - … … لاَ هَنَاكِ المَرْتَعُ @@ ثم حذف الألف حملاً للأمر على المجزوم ، وتناسباً لأصل الهمز ثم ألحق هاء السكت ، وأجرى الوصل مجرى الوقف وقد تقدم في أول يونس الكلام على إمالة " طا " و " ها " . قوله : " أنْزَلْنَا " هذه قراءة العامة . وقرأ طلحة : " مَا نُزِّلَ " مبنياً للمفعول " القُرْآن " رفع لقيامه مقام فاعله . وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة إن جعلت " طَهَ " تعديداً لأسماء الحروف . ويجوز أن تكون خبراً لـ ( طَهَ ) إن جعلتها اسماً للسورة ، ويكون القرآن ظاهراً واقعاً موقع المضمر ؛ لأنَّ ( طه ) قرآن أيضاً ، ويجوز أن تكون ( جواب قسم ) إنْ جعلت ( طَهَ ) مقسماً به . وقد تقدَّم تفصيل ذلك . فصل قال الكلبي : لمَّا أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان بين قدميه في الصلاة لطول قيامه ، وكان يصلي الليل كله ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يخفف على نفسه فقال : { مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } [ طه : 2 ] . وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : إنَّك لتشقى حين تركت دين آبائك أي : لتتعنَّى وتَتْعَب وما أنزل عليك القرآن يا محمد لشقائك ، فنزلت : { مَا أنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْءَانَ لِتَشْقَى } . وأصلُ الشقاء في اللغة العناء . وقيل المعنى : إنَّك لاَ ترم على كفر قومك كقوله : { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } وقوله { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } [ الأنعام : 107 ] ، أي : إنك لا تؤاخذ بذنبهم . وقيل : إنَّ هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة ، وكان عليه السلام في ذلك الوقت مقهوراً تحت ذل الأعداء ، فكأنه تعالى قال : لا تظن أنَّك تبقى أبداً على هذه الحالة ، بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك مثل هذا القرآن لتبقى شقيًّا فيما بينهم بل لتصير معظماً مكرماً . قوله : " إِلاَّ تَذْكِرَةً " في نصبه أوجه : أحدها : أن يكون مفعولاً من أجله ، والعامل فيه فعل الإنزال ، وكذلك " لِتَشْقَى " علة له أيضاً ، ووجب مجيء الأول مع اللام ، لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاته شريطة الانتصاب على المفعولية . والثاني : جاز قطع اللام عنه ونصبه ، لاستجماعه الشرائط هذا كلام الزمخشري ، ثم قال : فإن قلت : هل يجوز أن تقول : " مَا أنْزَلْنَا أنْ تَشْقى " ، كقوله : { أنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُم } قلت : بلى ولكنها نصبة طارئة كالنصبة في { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه } ، وأما النصبةُ في " تَذْكِرَةً " فهي كالتي في ضربتُ زيداً ، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها . قال شهاب الدين : قد منع أبو البقاء أن يكون " تَذْكِرَةً " ، مفعولاً له لـ " أنْزَلْنَا " المذكورة لأنها قد تعدت إلى مفعول له وهو " لِتَشْقَى " فلا تتعدى إلى آخر من جنسه . وهذا المنع ليس بشيء ، لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين فأكثر ، وإنما هذا بناءً منه على أنه لا يقتضي العامل من هذه الفضلات إلا شيئاً واحداً إلا بالبدلية أو العطف . الثاني : أن تكون " تَذْكِرَةً " بدلاً من محل " لِتَشْقَى " وهو رأي الزجاج ، وتبعه ابن عطية ، واستبعده أبو جعفر ، ورده الفارسي ، بأن التذكرة ليست بشقاء وهو رد واضح . وقد أوضح الزمخشري هذا فقال : فإن قلت هل يجوز أن تكون " تَذْكِرَةً " بدلاً من محل " لِتَشْقَى " ؟ قلت : لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي ( إلاَّ ) إلا بمعنى ( لكن ) . قال أبو حيان : يعني باختلاف الجنسين أن نصبه " تَذْكِرَةً " نصبة صحيحة ليست بعارضة ، والنصبة التي تكون في " لِتَشْقَى " بعد نزع الخافض نصبة عارضة ، والذي نقول إنه ليس له محل ألبتة فيتوهم البدل منه . قال شهاب الدين : ليس مراد الزمخشري باختلاف الجنسين إلا ما نقل عن الفارسي رداً على الزجاج ، وأي أثر لاختلاف النصبتين في ذلك . الثالث : أن يكون نصباً على الاستثناء المنقطع أي : لَكِنْ أَنْزَلْنَا تَذْكِرَةً . الرابع : أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر ، أي : لكن ذكرنا ، أو تذكرتَه أنت تذكرةً . وقيل التقدير : مَا أنْزَلْنَا عَلْيكَ القرآن لتحملَ متاعبِ التبليغ إلا ليكون تذكرة ، كما يقال : ( مَا شَافَهْنَاكَ بِهَذَا الكلامَ لِتَتَأَذَّى إِلاَّ ليَعْتَبِر بكَ غَيْركَ ) . الخامس : أنه مصدر في موضع الحال ، أي إلا مُذَكِّراً . السادس : أنه بدل من القرآن ، ويكون القرآن هو التذكرة . قاله الحوفي . السابع : أنه مفعول له أيضاً ، ولكن العامل فيه " لِتَشْقَى " ، ويكون المعنى كما قال الزمخشري : إنَّا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ القرآنَ لِتتحمَّلَ متاعب التبليغ ، ومقاومة العتاة من أعداء الإسلام ومقابلتهم ، وغير ذلك من أنواع المشاق ، وتكاليف النبوة وما أنزلنا هذا المُتْعِب الشاق إلاَّ ليكون تَذْكِرَةً . وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون تَذْكِرَةً حالاً ومفعولاً له . انتهى . فإن قيل : من أين أخذت أنه لمَّا جعله حالاً ومفعولاً له أن العامل فيه " لِتَشْقَى " ، وما المانع أن يريد بالعامل فيه فعل الإنزال ؟ فالجواب : أن هذا الوجه قد تقدَّم له في قوله : وكل واحد من " لِتَشْقَى " ، و " تَذْكِرَةً " علة للفعل ، وأيضاً فإن تفسيره للمعنى المذكور منصَبٌّ على تسلط " لِتَشْقَى " على " تَذْكِرَةً " إلا أنَّ أبا البقاء لما لم يظهر له هذا المعنى الذي ظهر للزمخشري منع من عمل " لِتَشْقَى " في " تَذْكِرَةً " ، فقال : ولا يصح أن يعمل فيها " لِتَشْقَى " لفساد المعنى وجوابه : ما تقدَّم . ( ولا غرو في تسمية التعب شقاءً ) ، قال الزمخشري : والشقاء يجيء في معنى التعب ، ومنه المثل : أَتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ ، وأشْقَى من رائضِ مُهْرٍ . و " لِمَنْ يَخْشَى " متصل بـ " تَذْكِرَةً " وزيدت اللام في المفعول ، تقوية للعامل لكونه فرعاً . ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة لـ " تَذْكِرة " . وخصَّ مَنْ يَخْشَى بالتذكر ، لأنهم المنتفعون بها ، كقوله : " هُدًى لِلْمُتَّقين " . قوله : " تَنْزِيلاً " في نصبه أوجه : أحدها : أن يكون بدلاً من " تَذْكِرَةً " إذا جعل حالاً لا إذا كان مفعولاً ، لأن الشيء لا يعلِّلُ بنفسه ، لأنه يصير التقدير : مَا أنْزَلْنَا القرآنَ إِلاَّ لِلتَّنْزِيل . الثاني : أن ينتصب بـ " نزل " مضمراً . الثالث : أن ينتصب بـ " أنْزَلْنَا " ، لأن معنى ما أنْزَلْنَا إلاَّ تذكرة : أنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً . الرابع : أن ينتصب على المدح والاختصاص . الخامس : أن ينتصب بـ " يَخْشَى " مفعولاً به ، أي أنزله للتذكرة لِمَنْ يَخْشَى تنزيلَ الله ، وهو معنى حسن وإعراب بيِّن . قال أبو حيان : والأحسن ما قدَّمناه أولاً من أنَّه منصوب بـ " نَزَل " مضمرةً ، وما ذكره الزمخشري من نصبه على غيره فمتكلف : أما الأول ففيه جعل " تَذْكِرَةً " و " تَنْزِيلاً " حالين وهما مصدران ، وجعل المصدر حالاً لا ينقاس . وأيضاً فمدلول " تَذْكِرَةً " ليس مدلولاً " تَنْزِيلاً " ، ولا " تَنْزِيلاً " بعض " تّذْكِرَةً " فإن كان بدلاً فيكون بدلَ اشتمال على مذهب من يرى أن الثاني مشتمل على الأول ؛ لأن التنزيل مشتمل على التذكرة ، وغيرها . وأما قوله : لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرةً أنْزَلناهُ تَذْكِرَةً ، فليس كذلك ، لأن معنى الحصر يفوت في قوله : " أنزلناه تذكرةً . وأما نصبه على المدح فبعيد . وأمَّا نصبه على " يَخشَى " ففي غاية البُعد ، لأن " يَخْشَى " رأس آية وفاصلة فلا يناسب أن يكون " تَنْزِيلاً " منصوباً بـ " يَخْشَى " ، وقوله : وهو معنى حسن وإعراب بيِّن عجمة وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة . قال شهاب الدين : ويكفيه رد الشيء الواضح من غير دليل ونسبة هذا الرجل إلى عدم الفصاحة ووجود العجمة . قوله : " مِمَّنْ خَلَقَ " . يجوز في ( مِنْ ) أن يتعلق بـ " تَنْزِيلاً " ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " تَنْزِيلاً " . وفي " خَلَقَ " ( التفات ) من تكلُّم في قوله : " مَا أنْزَلْنَا " إلى الغيبة وجوز الزمخشري أن يكون " مَا أنْزَلْنَا " حكاية لكلام جبريل عليه السلام وبعض الملائكة فلا التفات على هذا . قوله : " العُلَى " جمع عُلْيَا ، نحو دُنْيَا ودُنًى ، ونظيره في الصحيح كُبْرَى وَكُبَر ، وفُضْلَى وفُضَل ، يقال سماء عُلْيَا وسموات عُلَى . ومعنى الآية : { تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ } أي : ( مِنَ الله الذي خلق الأرضَ والسَّمَٰواتِ العُلَى ) يعني العالية الرفيعة . وفائدة وصف السَّموات بالعُلَى : الدلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها ( وبعد مرتقاها ) . قوله : " الرَّحْمنُ " العامة على رفعه ، وفيه أوجه : أحدها : أنه بدل من الضمير المستكن في " خَلَقَ " ذكره ابن عطية ، ورده أبو حيان بأن البدل يحل محل المبدل منه ، ولو حل محله لم يجز لخلو الجملة الموصولة بها من رابط يربطها به . الثاني : أن يرتفع على خبر مبتدأ مضمر تقديره : هُوَ الرَّحمنُ . الثالث : أن يرتفع على الابتداء مشاراً إلى " مَنْ خَلَقَ " والجملة بعده خبر . وقرأ جناح بن حُبَيش : " الرَّحْمَنِ " مجروراً ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه بدل من الموصول . لا يقال : إنه يؤدي إلى البدل بالمشتق وهو قليل ، لأن ( الرحمن ) يجري مجرى الجوامد لكثرة إيلائه العوامل . والثاني : أن يكون صفة للموصول أيضاً . قال أبو حيان : ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص كـ " مَنْ " و " مَا " لا يوصف منها إلاَّ الذي وحده ، فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون صفة . قال ذلك كالراد على الزمخشري . والجملة في قوله : { عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } خَبَر لقوله " الرَّحْمَنُ " على القول : بأنه مبتدأ ، أو خبر مبتدأ مضمر ، إن قيل : إنه مرفوع على خبر مبتدأ مضمر ، وكذلك في قراءة مَنْ جرَّه . وفاعل " اسْتَوَى " ضمير يعود على " الرَّحْمنُ " . وقيل : بل فاعله " مَا " الموصولة بعده ، أي : استوى الذي له ما في السموات قال أبو البقاء : وقال بعضُ الغلاةِ : " مَا " فاعل " اسْتَوَى " ، وهذا بعيد ، ثم هو غير نافع له في التأويل ، إذ يبقى قوله : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } كلاماً تامّاً ومنه هرب . قال شهابُ الدين : هذا يُروى عن ابن عبَّاس ، وأنَّه كان يقفُ على لفظ " العَرْشِ " ثم يبتدىء بـ { ٱسْتَوَىٰ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } ، وهذا لا يصح عنه . قوله : الثَّرَى : هو التراب النَّدِي ، ولامه ياء بدليل تثنيته على ثَرَيَيْن وقولهم : ثَرِيَتْ الأرضُ تَثْرَى ثَرًى . والثَّرَى يستعمل في انقطاع المودة ، قال جرير : @ 3640 - فَلاَ تَنْبِشُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الثَّرَى فَإنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مُثْرِي @@ والثَّراء بِالمَد : كثرة المال ، قال : @ 3641 - أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتَى إذَا حَشْرجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ @@ وَما أَحسن قولَ ابن دُرَيد في قصيدته التي جمع فيها بين الممدود والمقصور باختلاف معنى . فصل قال المفسرون : معنى لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لما شرح ملكه بقوله : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } ، والملك لا ينتظم إلا بالقدوة والعلم لا جرم عقبه بالقدرة ثم بالعلم . أما القدرة فهي هذه الآية ، والمعنى : أنه تعالى مالك لهذه الأقسام الأربعة فهو مالك لما في السموات من مَلَكٍ ونَجْمٍ وغيرهما ، ومالك لما في الأرض من المعادن والفلزات ، ومالك لما بينهما من الهواء ، ومالك لما تحت الثرى . قال الضحاك : يعني ما روى الثرى من شيء . وقال ابن عباس : إن الأَرضينَ على ظهر النون ، والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش ، والبحر على صخرة خضراء اخضرت السموات منها . وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قصة لقمان " فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ " ، والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، وَ { مَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } لا يعلمه إلا الله تعالى . وذلك الثور فاتح فاه ، فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف الثور فإذا وقعت في جوفه يبست . وأما العلم فقوله : { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال الحسن السر : ما أسر الرجل إلى غيره ، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه . وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : السر ما تسر في نفسك ، وأخفى من السر : ما يلقيه الله في قلبك من بعد ، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسَك لأنك تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدا ، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر غدا . وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : السِّرُّ ما أسر ابن آدم في نفسه ، وأخفى : ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه . وقال مجاهد : السِّرُّ العمل الذي يُسَرُّ من الناس وأخفى : الوسوسة وقيل : السِّرُّ هو العزيمة ( وأخفى : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه . وقال زيد بن أسلم : " يَعْلَمُ السِّرَّ ) وأَخفَى " أي : يعلم أسرار العباد ، وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد . قوله : " وَأَخْفَى " جوزوا فيه وجهين : أحدهما : أنه أفعل تفضيل ، أي : وأخفى من السر . والثاني : أنه فعل ماض ، أي : وأخفى عن عباده غيبه كقوله : { وَلاَ يُحيطُونَ بِهِ عِلْماً } . قوله : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها ، وإما خبر لمبتدأ محذوف ، أي هو الله . والحسنى تأنيثُ الأحسنِ ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة . ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } . فصل قالوا : كلمة " لا " ههنا دخلت على الماهية ، فانتفت الماهية ، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها . وإنما " اللهُ " اسم علم للذات المعينة ، إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد . وقالوا : " لاَ " استحقت عمل " إِنَّ " لمشابهتها لها من وجهين : الأول : ملازمة الأسماء . والآخر : تناقضهما . فإن أحدهما لتأكيد الثبوت ، والآخر لتأكيد النفي ، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم ، وإذا كان كذلك ، فنقول : لمَّا قالوا : إنَّ زيداً ذاهبٌ كان يجب أن يقولوا : ( لا رجلاً ذاهب ) إلاَّ أنهم بنوا " لا " مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح : أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما دخل عليه كأنهما صارا مفرداً واحداً وأما الفتح فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توفيقاً بين الدليل الموجب للإعراب ، والدليل الموجب للبناء . وخبره محذوف تقديره : لاَ إِله في الوجود ، ولا حول ولا قوةَ لنا ، وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية . فإن قيل : تصور الثبوت مقدم على تصور السلب ، فإنَّ السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره ، فكيف قدم هنا السلب على الثبوت ؟ فالجواب : لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه . فصل ينبغي لأهل لاَ إله إلاَّ الله أنْ يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إلهَ إلا الله : التصديق ، والتعظيم والحلاوة والحرية ، فمن ليس له التصديق فهو منافق ، ومَن ليس له التعظيم فهو مبتدع ، ومَن ليس له الحلاوة فهو مراء ومَنْ ليس له الحرية فهو فاجر . فصل ( قال بعضهم ) قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } [ إبراهيم : 24 ] أنَّه لا إله إلاَّ الله . { إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ } [ فاطر : 10 ] لا إله إلاَّ الله { وَتَوَاصُّوْا بالحَقِّ } [ العصر : 3 ] لا إله إلاَّ الله . { قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } [ سبأ : 46 ] بلا إله إلاَّ الله . { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئُولُون } [ الصافات : 24 ] عن قول لا إله إلاَّ الله . { بَلْ جَاءَ بالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين } [ الصافات : 37 ] هو لا إله إلاَّ الله . { يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } [ إبراهيم : 27 ] هو لاَ إله إلاَّ الله . { وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمينَ } [ إبراهيم : 27 ] عن قول : لا إله إلاَّ الله . فصل قال عليه السلام : " أفضل الذكر لاَ إله إلاَّ الله ، وأفضل الدعاء أستغفر الله " ، ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاعْلَم أنَّه لاَ إلهُ إلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمؤْمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ " وقال عليه السلام : " إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ مَلَكاً من الملائكة قبل أن خلق السموات والأرض وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاَّ الله مادًّا بها صوته لا يقطعها ، ولا يتنفس فيها ، ولا يتمها ، فإذَا أتمَّها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت القيامة تعظيماً لله تعالى " . وعن أنس قال عليه السلام : " ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني ، وأشفع إليه ويشفعني ، حتى قلت : يا رب فيمن قال : لا إله إلا الله . قال : يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي ، لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله " وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن " حم عسق " فقال : الحاء حُكمه ، والميم ملكه ، والعين عظمته ، والسين سناؤُه والقاف قدرتُه ، يقول الله عز وجل : بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي وقدرتي لا أعذب بالنار من قال : لاَ إله إلاَّ الله محمد رسول الله . وعن ابن عمر قال عليه السلام : " من قال في السوق : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيي ويُميتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَمُوتُ بيدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قدِير ، كَتَبَ الله لهُ أَلفَ حَسَنةٍ ومَحَا عَنْهُ ألفَ سيئةٍ وبَنَى لَهُ بيتاً في الجَنَّةِ " وروي عن موسى بن عمران عليه السلام قال : يا رب علمني شيئاً أذكرك به قال : قل : لا إله إلاَّ الله ، قال : كل عبادك يقول : لا إله إلاَّ الله . فقال : قل : لا إله إلاَّ الله . قال : إنما أردت شيئاً تخصني به . قال يا موسى : لو أن السموات السبع ومن فوقهن في كفة ولا إله إلاَّ الله في كفة لمالتْ بهِنَّ لاَ إله إلاَّ الله . فصل قيل : إنَّ لله تعالى أربعة آلاف اسم لا يعلمها إلا الله والأنبياء أما الألف الرابعة فإن المؤمنين يعلمونها ، فثلثمائة في التوراة ، وثلثمائة في الإنجيل ، وثلثمائة في الزبور ومائة في القرآنه تسعة وتسعون ظاهرة وواحد مكنون فمن أحصاها دخل الجنة . واعلم أن الأسماء الواردة في القرآن منها ما ليس بانفراده ثناءً ومدحاً ، كقوله : جاعل ، وفالق ، وصانع . فإذا قيل : " فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً " صار مدحاً وأما الاسم الذي يكون مدحاً فمنه ما إذا قُرِنَ بغيره أبلغ نحو قولنا : حيّ ، فإذا قيل : الحَيُّ القَيُّومُ ، أو الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ . كان أبلغ . وأيضاً بديع . فإذا قلت : بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ ، ازداد المدح . ومن هذا الباب ما كان اسم مدح ولكن لا يجوز إفراده ، كقولنا : دَلِيلٌ ، وكَاشِفٌ ، فإذا قيل : يا دليلَ المتحيرين ، يا كاشفَ الضُرِّ والبلوى جاز . ومنه ما يكون اسم مدح مفرداً ومقروناً كقولنا : الرَّحيمُ الكريمُ ( ومن الأسماء ما يكون تقارنُها أحسنَ كقولك : الأول الآخر ، المبدىء المعيد ، الظاهر الباطن ، العزيز الحكيم ) .