Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 24-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } لما أظهر له الآيات عقبها بأَنْ أمره بالذهاب إلى فرعون ، وبيَّن العلة في ذلك ، وهو أنه طغى ، وإنما خص فرعون بالذكر مع أنه بُعِثَ موسى إلى الكل لأنه ادعى الإلهية وتكبَّر ، وكان متبوعاً فكان ذكره أولى . ومعنى " طَغَى " جاوز الحد في العصيان والتمرد ، فبلِّغْهُ رسالتي وادْعُهُ إلى عبادتي وحذِّرْهُ نِقمتي . قال موسى : { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } وسّعه للحقّ . ( قال ابن عباس ) : يريد حتى لا أخاف غيرك . والسبب في هذا السؤال ما حكى الله تعالى عنه في موضع آخر { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } [ الشعراء : 13 ] وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفاً شديداً ، لشدة شوكته وكثرة جنوده ، وكان يضيق صدراً ( بما كُلِّفَ ) من مقاومة فرعون فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه حتى يعلم أن أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى ، وإذا علم ذلك لم يَخَفْ فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده . ( قوله : " لي ) صَدْرِي " متعلق بـ " اشْرَحْ " ، قال الزمخشري : فإن قلت : ( لي ) في قوله : { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } ما جدواه والأمر مستتب بدونه . قلت : قد أبهم الكلام أولاً فقال : " اشْرَحْ لِي " " وَيَسِّرْ لِي " فعلم أن ثَمَّ مشروحاً وميسراً ، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما ، فكان آكد لطلب الشرح لصدره ، والتيسير لأمره . ويقال : يَسَّرْتُهُ لكذا ، ومنه " فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " ويسرت له كذا ، ومنه هذه الآية . قوله : { وَيَسِّرْ لِي أمْرِي } أي سَهِّل عليَّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون . وذلك لأن كل ما يصدر من العبد من الأفعال ، والأقوال والحركات ، والسكنات فما لم يصر العبد مريداً له استحال أن يصير فاعلاً له ، فهذه الإرادة صفة محدثة ، ولا بد لها من فاعل ، وفاعلها إن كان هو العبد افتقر في تحصيل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل بل لا بد من الانتهاء إلى إرادة يخلقها مدبر العالم ففي الحقيقة هو الميسر للأمور . قوله : { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِسَانِي } ، وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمةً ، وأخذ بلحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : إن هذا عدوِّي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يَعْقِل ولا يميز جَرِّبْه إن شئت ، فجاء بطشتين في أحدهما جمر ، والآخر جوهر ، فوضعهما بين يدي موسى ، فأراد أن يأخذ الجوهر ، فأخذ جبريل عليه السلام يد موسى فوضعها على النار ، فأخذ جمرة فوضعها في فيه ، فاحترق لسانه ، ( وصارت عليه عقدة ) . وقيل : قرَّبا إليه ثمرةً وجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه . [ قالوا ] : ولم تحترق اليد ، لأنها آلة أخذ العصا . وقيل : كان ذلك التعقد خلقة فسأل الله تعالى إزالته . واختلفوا في أنه لِمَ طلب حل العقدة ؟ فقيل : لئلا يقع في خلل في أداء الوحي . وقيل : لئلا يستخف بكلامه فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه . وقيل : لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزاً في حقه ، فكذا إطلاق لسان موسى - عليه السلام - معجز في حقه . فصل قال الحسن : إن تلك العقدة زالت بالكلية ، لقوله تعالى : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] ، وقيل : هذا ضعيف ، لأنه عليه السلام لم يقل : واحْلُلْ العقدة من لساني بل قال : { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي } ، فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله ، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء لقوله حكاية عن فرعون { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه بوجهين : أحدهما : أن المراد بقوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي لا يأتي ببيان وحجة . والثاني : أن ( كَادَ ) بمعنى قَرُبَ . فلو كَانَ المراد هو البيان اللساني ، لكان معناه : أنه لا يقارب البيان ، فكان فيه نفي البيان بالكلية ، وذلك باطل ، لأنه خاطب فرعون وقومه ، وكانوا يفهمون ، فكيف يمكن نفي البيان ، بل إنما قالوا ذلك تمويهاً ليصرفوا الوجوه عنه . واعلم أن النطق فضيلة عظيمة ، ويدل عليه وجوه : الأول : قوله تعالى : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [ الرحمن : 3 ، 4 ] ، ولهذا قيل للإنسان : هو الحيوان الناطق . الثاني : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان قال زهير : @ 3654 - لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنصْفٌ فؤاده فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ صُورَةُ اللَّّحْمِ وَالدَّمِ @@ وقالوا : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مرسلة . أي لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم . وقالوا : المَرْءُ بأصغريه أي قلبِه ولسانِه . وقالوا : " المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه " . الثالث : أن في مناظرة آدم - عليه السلام - مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : { يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 33 ] . قوله : " مِنْ لِسَانِي " يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " عُقْدَة " أي : من عقد لساني ، ولم يذكر الزمخشري غيره . ويجوز أن يتعلق بنفس " احلُلْ " ، والأول أولى . قوله : { وٱجْعَلْ لِي وَزِيراً } يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً مقدَّماً و " وَزِيراً " هو المفعول الأول ، و " مِنْ أَهْلِي " على هذا يجوز أن يكون صفة لـ " وَزِيراً " ، ويجوز أن يكون متعلقاً بالجعل ، و " هَارونَ " بدل من " وَزِيراً " وجوَّز أبو البقاء أن يكون " هَارُونَ " عطف بيان لـ " وَزيراَ " . ولم يذكر الزمخشري غيره . ولما حكى أبو حيان هذا لم يعقبه بنكير ، وهو عجب منه فإنَّ عطفَ البيان يُشترط فيه التوافق تعريفاً وتنكيراً ، وقد عرفت أن وزيراً نكرة ، وهارون معرفة . والزمخشري قد تقدَّم له مثل ذلك في قوله تعالى : { فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } [ آل عمران : 97 ] ، وتقدَّم الكلام معه هناك ، وهو عائد هنا . ويجوز أن يكون " هارون " منصوباً بفعل محذوف كأنه قال : أخصُّ من بينهم هارون من بين أهلي ويجوز أن يكون " وَزيراً " مفعولاً ثانياً و " هارُونَ " هو الأول ، وقدم الثاني عليه اعتناء بأمر الوزارة . وعلى هذا فقوله : " لِي " يجوز أن يتعلق بنفس الجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " وَزيراً " إذ هو في الأصل صفة له ، و " مِنْ أَهْلِي " على ما تقدم من وجهيه ويجوز أن يكون " وَزِيراً " مفعولاً أول ، و " مِنْ أَهْلِي " هو الثاني . وقوله : " لِي " مثل قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] يعنون أنه به يتم المعنى . ذكر ذلك أبو البقاء . ولما حكاه أبو حيان لم يعقبه بنكير ، وهو عجب ، لأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية ، وأنت لو ابتدأت بوزير وأخبرت عنه بـ ( مِنْ أَهْلِي ) لم يجز ، إذ لا مسوِّغ للابتداء به . و " أَخِي " بدل أو عطف بيان لـ " هَارُونَ " . وقال الزمخشري : وإن جعل عطف بيان آخر جازِ وحَسُن . قال أبو حيَّان : ويبعُدُ فيه عطفُ البيان ، لأن عطف البيانِ الأكثر فيه أن يكون الأول دونه في الشهرة ، وهذا بالعكس . قال شهاب الدين : لم يُرِد الزمخشري أنَّ " أَخِي " عطفُ بيان لـ " هَارُونَ " حتى يقول الشيخ : إن الأول وهو " هَاروُنَ " أشهر من الثاني وهو " أَخِي " ، إنما عنى الزمخشري أنه عطفٌ بيان أيضاً لـ " وزيراً " ، ولذلك قال : آخر ، ولا بد من الإتيان بلفظه ليعرف أنه لم يرد إلا ما ذكرته . قال : " وَزيراً " و " هَارُونَ " مفعولاً قوله : " اجْعَلْ " ، أوْ " لي وَزِيراً " مفعولاه ، و " هَارونَ " عطفُ بيان للوزير ، و " أخِي " في الوجهين بدل من " هَاروُنَ " ، وإن جعل عطف بيان آخر جازَ وحَسُن فقوله : ( آخر ) يُعَينُ أن يكون عطفَ بيان لما جُعِل عنه عطف بيان قبل ذلك . وجوَّز الزمخشري ( في " أَخِي " ) أن يرتفع بالابتداء ، ويكون خبره الجملة من قوله : " اشْدُدْ بِهِ " ، وذلك على قراءة الجمهور له بصيغة الدعاء ، وعلى هذا فالوقف على " هَارُونَ " . وقرأ ابن عامر " أَشْدُد " للمضارعة ، وجزم الفعل جواباً للأمر ، " وَأُشْرِكْهُ " بضم الهمزة للمضارعة ، وجزم الفعل نسقاً على ما قبله حكاية عن موسى : أنا أفعل ذلك . وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول ، وفتح همزة القطع في الثاني على أنهما دعاء من موسى لربه بذلك ، وعلى هذه الجملة قد ترك فيها العطف خاصة دون ما تقدمها من جمل الدعاء وقرأ الحسن " أُشَدِّدْ " مضارع شدد بالتشديد . والوزير : قيل : مشتق من الوِزْر ، وهو الثقل . وسمي به لأنه تحمل أعباء الملك ومؤنَه ، فهو معين عَلَى أمْر المُلك وقائم بأمره . وقيل : هو من الوَزر ، وهو الحبل الذي يتحصن به وهو الملجأ لقوله تعالى : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } قال : @ 3655 - مِنَ السِّبَاع الضَّوَارِي دُونَهَا وَزَرٌ وَالنَّاسُ شَرُّهُمُ مَا دُونَهُ وَزَرُ كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤذِهِمْ سَبْعٌ وَلاَ تَرَى بَشَراً لَمْ يُؤْذِهِم بَشَرُ @@ وقيل : من المُؤَازَرة ، وهي المعاونة ، نقله الزمخشري عن الأصمعي قال : وكان القياس أَزيراً يعني بالهمزة ، لأن المادة كذلك ، قال الزمخشري : ( فقلبت ) : الهمزة إلى الواو ، ووجه قلبها إليها أنَّ فَعِيلاً جاء بمعنى مُفَاعل مجيئا صالحاً كقولهم : عَشِيرِ ، وجَلِيس ، وخَلِيط وصَدِيق ، وخَلِيل ، ونَدِيم فلما قلبت في أخيه قلبت فيه ، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز ، ونظر إلى يُؤَازر وإخوته وإلى المؤازرة . يعني أن وزيراً بمعنى مُؤَازر ، ومُؤازر تقلب فيه الهمزة واواً قليلة قياساً ، لأنها همزة مفتوحة بعد ضمة فهو نظير مُؤَجل ويُؤاخذكم وشبهه ، فَحُمِل أَزير عليه في القلب ، وإنْ لم يكن فيه سبب القلب . والمُؤازرة مأخوذةٌ من إزار الرجل ، وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل متعب . فصل اعلم أن طلبَ الوزير إما أنه خاف على نفسه العجزَ عن القيام بذلك الأمر فطلب المُعين ، أو لآنه رأى أنَّ التعاونَ على الدين والتظاهرَ عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة قربةٌ عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى ، ولذلك قال عيسى ابن مريم : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] ، وقال لمحمد عليه السلام { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 64 ] وقال عليه السلام : " إنَّ لِي في السَّمَاءَ وَزيرَيْن ، وَفِي الأَرْضِ وَزِيرَيْن فاللَّذانَ فِي السَّماءِ جِبْريلُ وميكائيلُ ( عليهما السلام ) وَاللَّذانِ في الأرض أبو بكرٍ وَعمَرُ ( رضي الله عنهما " ) " . وقال عليه السلام : " إذَا أَرادَ اللهُ بِمَلِكٍ خيراً قَيَّضَ اللهُ لَهُ وَزِيراً صَالِحاً إنْ نَسِيَ ذكَّره ، وإنْ نَوَى خَيْراً أعانَه ، وإنْ أَرَادَ شَرَّاً كَفَّهُ " وقال أنوشروان : لاَ يَسْتَغْنِي أجودُ السيوف عن الصقل ، ولا أكرمُ الدوابِّ عن السَّوْط ( ولا أعلمُ الملوك عن الوزير ) . وأراد موسى - عليه السلام - أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه ، وأن يكون أخاه هارون ، والسببُ فيه إما لأن التعاونَ على الدين منفعة عظيمة فأراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا بأهله ، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه . وكان هارونُ أكبرَ سناً من موسى بأربع سنين ، وكان أفصحَ منه لساناً ، وأجملَ وأوسمَ أبيض اللون ، وكان موسى آدم اللون أقْنَى جَعْداً . و " اشْدُدْ بِهِ ( أزري " قَوِّ ) ظَهْرِي ، { وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } في النبوة . والأَزْرُ القوة ، وَآزَرَهُ : قَوَّاه . وقال أبو عبيدة : أَزْرِي : ظَهْرِي . وفي كتاب الخليل : الأَزْرُ الظَّهرُ . ثم إنه تعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال : { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراً } قال الكلبي : نُصَلِّي لكَ كثيراً ، ونحمدكُ ، ونثني عليك . والتَّسبيحُ : تنزيهُ اللهِ تعالى في ذاته وصفاته عمَّا لا يليق به . " وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً " أي : نصفُك بصفاتِ الجَلالِ والكِبْرِيَاء . قوله : " كَثِيراً " نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير المصدر كما هو رأي سيبويه . وجوَّز أبو البقاء : أن يكون نعتاً لزمان محذوف ، أي : زماناً كثيراً . قوله : { إنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصيراً } أي عالِماً بأنَّا لا نريد بهذه الطاعات إلا وجهَك ورضاك ، أو بصيراً بأنَّ الاستعانَةَ بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوة إليه ، أو بصيراً بوجوه مصالحنا فأَعْطِنَا ما هو أصلح لنا .