Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 41-42)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " ( أي اخترتُك واصطفيتُك افتعال من الصنع لوحيي ورسالتي . وأبدلت التاء طاء ) ، لأجل حرف الاستعلاء . وهذا مجازٌ عن قرب منزلته ، ودنوه من ربه ، لأن أحداً لا يصطنع إلا من يختاره . قال القفال : واصطنعتُكَ أصله من قولهم : اصطنع فلانٌ فلاناً إذا أحسن إليه حتى يضاف إليه فيقال : هذا صنيعُ فلانٍ وجريحُ فلانٍ . وقوله : " لِنَفْسِي " أي : لأصرفك في أوامري لئلا تشتغل إلا بما أمرتك به ، وهو إقامة حجتي وتبليغ رسالتي ، وأن تكون في حركاتك وسكناتك لي لا لنفسك ولا لغيرك . وقال الزجاج : اخترُكَ لأمري ، وجعلتك القائم بحجتي ، والمخاطب بيني وبين خلقي : كأني الذي أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم . قوله : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَٰتِي } لما قال : " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " عقبه بذكر ما له اصطنعه ، وهو الإبلاغ والأداء ، و " الياء " في " بِآيَاتِي " بمعنى ( مع ) ، لأنهما لو ذهبا إليه بدون آيةٍ معهما لم يلزمه الإيمان ، وذلك من أقوى الدلائل على فساد التقليد . قال ابن عباس : يعني الآيات التسع التي بعث الله بها موسى . وقيل : إنها العصا واليد ، لأنهما اللذان جرى دكرهما في هذا الموضع ، ولم يذكر أنه - عليه السلام - أوتي قبل مجيئه إلى فرعون ، لا بعد مجيئه حتى لقي فرعون فالتمس منه آية غير هاتين الآيتين ، قال تعالى حكاية عن فرعون { إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } [ الأعراف : 106 - 107 - 108 ] ، وقال : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [ القصص : 32 ] . فإن قيل : كيف يطلق لفظ الجمع على الاثنين ؟ فالجواب من وجوه : أحدها : أن العصا كانت آيات ، انقلابُها حيواناً ، ثم إنها كانت في أول الأمر صغيرة ، لقوله تعالى : { تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ النمل : 10 ] ، [ القصص : 31 ] ثم كانت تعظم وهذه آية أخرى ، ثم إنه كان عليه السلام يدخل في يده في فمها فلم تضره وهذه آية أخرى ، ثم كانت تنقلب عصا وهذه آية أخرى ، وكذلك اليد فإن بياضها آية ، وشُعَاعَها آية أخرى ، ثم زوالهما بعد ذلك آية أخرى ، فدل ذلك على أنهما كانتا آيات كثيرة . وثانيها : هَبْ أن العصا أمرٌ واحدٌ ولكن فيها آيات ، لأن انقلابها حيةً يدل على وجود إله قادر على الكل عالم بالكل حكيم ، ويدل على نبوة موسى ، ويدل على جواز الحشر حيث انقلب الجماد حيواناً ، فهذه آيات كثيرة ، ولذلك قال : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } [ آل عمران : 96 ] … إلى قوله … { فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } [ آل عمران : 97 ] فهاهنا أولى . وثالثها : قال بعضهم : أقل الجمع اثنان . وقيل : معنى قوله : " بِآيَاتِي " أمُدكُّما بآياتي ، وأظهر على أيديكما من الآيات ما تزاح به العلل من فرعون وقومه ، والمعنى : فإن آياتي معكما كما يقال : اذهب فإن جندي معك أي : إنِّي أمدك بهم من احتجت . وقيل : الآيات : العصا ، واليد ، وحل العقدة من لسانه ، وذلك أيضاً معجزة . قوله : " وَلاَ تَنِيَا " يقال : وَنَى يَنِي وَنْياً كَوَعَد يَعِدُ وَعْداً ، إذا فتَرَ . والوَنْيُ الفُتُور ، ومنه : امرَأةٌ أَنَاةٌ ، وصفوها بفتور القيام كناية عن ضخامتها . قال زهير : @ 3657 - مَنَّا الأَنَاةُ وَبَعْضُ القَوْمِ يَحْسِبُنَا أَنَّا بِطَاءٌ وفي إبْطَائِنَا سِرَعُ @@ بكسر السين وفتح الراء مصدر ( سَرُع ) بفتح السين وضم الراء . تقول : سَرُعَ سِرَعاً كصَغُرَ صِغَراً . والأصل : ونَاةٌ ، فأبدلوا الهمزة من الواو كأحَد في وَحَد وليس بالقياس ، وفي الحديث : " إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلْمُ والأَنَاةُ " . والوَانِي : المقصِّر في أمره ، قال الشاعر : @ 3658 - فَمَا أَنَا بالوَانِي وَلاَ الضِّرْع الغُمْرِ @@ ووَنَى فعلٌ لازم يتَعَدى وزعم بعضهم أنه يكون من أخوات ( زال وانفك ) فيعمل بشرط النفي أو شبهه عمل ( كان ) ، فيقال : مَا وَنِيَ زيدٌ قائماً ، وأنشد ابن مالك شاهداً على ذلك قوله : @ 3659 - لاَ يَنِي الحُبُ شِيمَةَ الحُبِّ مَا دَا مَ فَلاَ يَحْسَبَنَّهُ ذَا ارْعِوَاءِ @@ أي : لا يزال الحُبُ بضم الحاء شيمةَ الحِبِّ أي : بكسرها وهو المحب . ومن منع ذلك يتأول البيت على حذف حرف الجر ، لأنَّ هذا الفعل يتعدى تارة بـ ( عَنْ ) وتارة بـ ( في ) يقال : ما ونَيْتُ عن حاجتك ، أو : في حاجتك فالتقدير : لا يفتر الحب في شيمة المحب ، وفيه مجاز بليغ وقد عدي في الآية الكريمة بـ ( فِي ) . قرأ يحيى بن وثَّاب " وَلاَ تِنِيَا " بكسر التاء إتباعاً لحركة النون ، وسكن الياء في " ذِكْرِي " . وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " لِنَفْسِيَ اذْهَبْ " و " ذِكْرِيَ اذْهَبَا " و { إِنَّ قَوميَ اتَّخَذُوا } [ الفرقان : 30 ] و { مِن بَعْدِيَ اسْمُهُ } [ الصف : 6 ] بفتح الياء فيهن وافقهم أبو بكر في { مِن بَعْدِيَ اسْمُهُ } . وقرأ الآخرون بإسكانها . والمراد بالذكر تبليغ الرسالة . وقيل : لا تفترا عن ذكر الله . ( والحكمة فيه ) أنَّ مَنْ ذكر جلالَ الله استخف غيره ، فلا يخاف أحداً ، ويقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف في مقصوده ، ومن ذكر الله فلا بد وأن يكون ذاكراً إحسانه ( وذاكرُ إحسانه ) لا يفتر في أداء أوامره . وقيل : لاَ تَنِيَا في ذِكْرِي عند فرعون ، وكيفية الذكر أن يذكرا لفرعون وقومه أنَّ الله تعالى لا يرضى منهم الكفر ، ويذكرا لهم أمر الثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب .