Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 43-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّه طَغَىٰ } ذكر المذهوب إليه في قوله : { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } وحذفه في الأول في قوله : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } اختصاراً في الكلام . وقال القفال : فيه وجهان : أحدهما : أن قوله : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } [ طه : 42 ] يحتمل أن يكون كل واحد منهما مأموراً بالذهاب على الانفراد ، فقيل مرة أخرى : " اذْهَبَا " ليعرفا أن المراد منه أن يشتغلا بذلك جميعاً لا أن ينفرد به أحدهما دون الآخر . والثاني : أن قوله : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَٰتِي } أمر بالذهاب إلى كل الناس من بني إسرائيل وقوم فرعون ، ثم قوله : { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } أمر بالذهاب إلى فرعون وحده . قيل : وهذا فيه بُعْدٌ ، بل الذهابان متوجهان لشيء واحد وهو فرعون ، وقد حذف من كل الذهابين ما أثبته في الآخر ، وذلك أنه حذف المذهوب إليه من الأول وأثبته في الثاني ، وحذف المذهوب به ، وهو " بِآيَاتِي " من الثاني وأثبته في الأول . فإن قيل : قوله : { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَونَ } خطاب من موسى وهارون ، ( وهارون عليه السلام ) لم يكن حاضراً هناك ، وكذا في قوله تعالى : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } [ طه : 45 ] وأجاب القفال بوجوه : أحدها : أن الكلام كان مع موسى إلا أنه كان متبوع هارون ، فجعل الخطاب معه خطاباً مع هارون ، ( وكلام هارون ) على سبيل التقدير بالخطاب في تلك الحالة ، وإن كان مع موسى - عليه السلام - وحده ، إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } [ البقرة : 72 ] وقوله : { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] روي أن القائل هو عبد الله ابن أُبَيٍَّ وحده . وثانيها : يحتمل أن الله تعالى لمَّا قال : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] سكت حتى لقي أخاه ، ثم إن الله - تعالى - خاطبهما بقوله : { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } . وثالثها : حكي في مصحف ابن مسعود " قال رَبَّنَا إنَّنَا نَخَافُُ " أي أنَا وأخي . قوله : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً ليِّناً } قرأ أبو معاذ : " قَوْلاً لَيْناً " وهو تخفيف من لَيِّن كمَيْت في ميِّت . وقوله : " لَعَلَّهُ " فيه أوجه : أحدها : أن " لَعَلَّ " على بابها للترجي ، وذلك بالنسبة إلى المرسل وهو موسى وهارون ، أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما في إيمانه أي اذهبا مترجَيْن طامعَيْن ، وهذا معنى قول الزمخشري ولا يستقيم أن يرد ذلك في حق الله تعالى ، إذ هو عالم بعواقب الأمور . وعن سيبويه : كل ما ورد في القرآن من ( لَعَلَّ ، وَعَسَى ) فهو من عند الله واجب . يعني أنه يستحيل بقاء معناه في حق الله تعالى . والثاني : أنَّ " لَعَلَّ " بمعنى ( كَيْ ) فتفيد العلية ، وهذا قول الفراء قال : كما تقول : اعْمَلْ لَعَلَّكَ تأخذُ أجرَكَ ، أي : كي تأخذَ . والثالث : أنها استفهامية ، أي : هل يتذكر أو يخشى ؟ وهذا قول ساقط ، وذلك أنه يستحيل الاستفهام في حق الله تعالى كما يستحيل الترجي ، فإذا كان لا بد من التأويل فجَعْلُ اللفظ على مدلوله باقياً أولى من إخراجه عنه . فإن قيل : لِمَ أمر الله تعالى باللين مع الكافر الجاحد ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أنه قد ربَّى موسى - عليه السلام - فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق ، وهذا تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين . والثاني : أنَّ من عادة الجبابرة إذا غُلِّظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتواً وتكبُّراً . والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر ، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق . قوله : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } أي يتعظ ويخاف . فصل اختلفوا في ذلك القول اللين ، فقال ابن عباس : لا تعنِّفا في قولكما . وقال السُّدِّي وعكرمة : كَنِّياه ، فقولا : يا أبا العباس . وقيل : يا أبا الوليد . وقال مقاتل : القول الليِّن : { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [ النازعات : 18 - 19 ] ، وقولهما : { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } [ طه : 47 ] إلى قوله : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } [ طه : 47 ] . وقال السدي : القول اللِّين أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم ، ومُلْكاً لا ينزعُ منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعم ، والمشرب ، والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة . فأعجبه ذلك ، وكان لا يقطع أمراً دون هامان ، وكان غائباً ، فلما قَدِم أخبره بالذي دعاه إليه موسى ، قال : أردتُ أنْ أقبل مِنْه . فقال له هامان : كنت أرى لك عقلاً ورأياً ، أنت ربٌّ تريد أن تكون مربوباً ، وأنت تُعْبَدُ تريدُ أن تَعْبُدَ ، فقلبه عن رأيه . فصل قال ابن الخطيب : هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضداً لذلك العلم الذي يمتنع زواله ، فيكون سبحانه عالماً بامتناع ذلك الإيمان ، وإذا كان عالماً بذلك ، فكيف أمر موسى بذلك الرفق ، وكيف بالغ في الأمر بتلطف دعوته إلى الله - تعالى - مع علمه باستحالة حصول ذلك منه ؟ ثم هَبْ أن المعتزلة ينازعون في هذا الامتناع من غير أن يذكروا شبهة قادحة في هذا السؤال ، ولكنهم سلموا أنه كان عالماً بأنه لا يحصل ذلك الإيمان ، وسلموا أن فرعون لا يستفيد ببعثة موسى - عليه السلام - إلا استحقاق العذاب ، والرحيم الكريم كيف يليق به أن يدفع سكيناً من عَلِمَ قَطعاً أنه يمزق به بطن نفسه ، ثم يقول : إني ما أردت بدفع السكين إليه إلا الإحسان إليه ؟ يا أخي : العقولُ قاصرةٌ عن معرفة هذه الأسرار ، ولا سبيل فيها إلا التسليم ، وترك الاعتراض والسكوت بالقلب واللسان ، ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب في التوراة " فَقُولا لَهُ قََوْلاً لَيِّناً وسَأُقسي قلبَه فلا يؤمن " .