Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 63-63)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " إنْ هَذَانِ " اختلف القراء في هذه الآية فقرأ بن كثير وحده : " إنْ هَذَانِّ " بتخفيف " إنْ " والألف وتشديد النون . وحفص كذلك إلا أنه خفف نون " هذانِ " وقرأ أبو عمر " إنَّ " بالتشديد " هَذَيْنِ " بالياء وتخفيف النون . والباقون كذلك إلا أنهم قرءوا " هذانِ " بالألف . فأما القراءة الأولى ، وهي قراءة ابن كثير وحفص فأوضح القراءات معنًى ولفظاً وخطاً ، وذلك أنهما جعلا ( إن ) المخففة من الثقيلة فأهملت ، ولما أهملت كما هو الأفصح من وجهها خيف التباسها بالنافية فجيء باللام فارقةً في الخبر ، فـ " هَذَانِ " مبتدأ ، و " لَسَاحِرَانِ " خبره ، ووافقت خط المصحف ، فإن الرسم " هَذَانِ " دون ألف ولا ياء ( وسيأتي بيان ذلك ) . وأما تشديد نون " هَذَانِّ " فعلى ما تقدم في سورة النساء متقناً ، وأما الكوفيون فيزعمون أنَّ " أنْ " نافية ( بمعنى ( ما ) ) واللام ( إلا ) وهو خلاف مشهور ، وقد وافق تخريجهم هنا قراءة بعضهم { مَا هَذَانِ إلاَّ سَاحِرَانِ } . وأما قراءة أبي عمرو فواضحة من حيث الإعراب والمعنى ، أما الإعراب فـ " هَذَيْنِ " اسم " إنَّ " وعلامة نصبه الياء ، و " لَسَاحِرَانِ " خبرها ، ودخلت اللام توكيداً ، وأما من حيث المعنى فإنهم أثبتوا لهما السحر بطريق تأكيدي من طرفيه ، ولكنهم استشكلوها من حيث خط المصحف ، وذلك أنه رسم " هَذَانِ " بدون ألف ولا ياء ، فَإِتيانه بالياء زيادة على خط المصحف . قال أبو إسحاق : لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف . وقال أبو عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان " هَذَانِ " ليس فيها ألف وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف ، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها . قال شهاب الدين : وهذا لا ينبغي أن يرد به على أبي عمرو ، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس ، وقد نَصُّوا على أنه لا يجوز القراءة بها ، فليكن هذا منها أعني : مما خرج عن القياس ، فإن قلت ما نقلته عن أبي عبيد مشترك الإلزام بين أبي عمرو وغيره ، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادة الياء يعترض عليهم بزيادة الألف ، فإن الألف ثابتة في قراءتهم ساقطة من خط المصحف . فالجواب ما تقدم من قول أبي عبيد أنه رآهم يسقطون الألف من رفع الاثنين فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ، وذهب جماعة منهم عائشة - رضي الله عنها - وأبو عمرو إلى أن هذا مما لَحَن فيه الكاتب وأفهم بالصواب يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل ، فلم يقرأه الناس إلا بالياء على الصواب . وأما قراءة الباقين ففيها أوجه : أحدها : أنَّ " إنَّ " بمعنى نَعَمْ ، و " هَذَانِ " مبتدأ ، و " لَسَاحِرَانِ " خبره ، ومن ورود " إنَّ " بمعنى نَعَم قوله : @ 3665 - بَكَرَ العَوَاذِلُ في المَشيـ ـبِ يَلُمْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهْ وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ @@ أي فقلت : نعم ، والهاء للسكت ، وقال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقةً حَمَلَتْنِي إليك . فقال : إنَّ صاحِبَها . أي نَعَم ولعَنَ صاحبَها . وهذا رأي المبرد وعلي بن سليمان . وهو مردود من وجهين : أحدهما : عدم ثبوت " إنَّ " بمعنى " نَعَمْ " وما أوردوه يؤول ، أما البيت فإن الهاء اسمها ، والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره : إنَّه كذلك ، وأما قول ابن الزبير فذاك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف ، وحذف خبر " إنَّ " للدلالة عليه تقديره : إنها وصاحبها ملعونان وفيه تكلف لا يخفى . والثاني : دخول اللام على خبر المبتدأ دون المؤكد بأنَّ المكسورة ، لأن مثله لا يقع إلا ضرورة ، كقوله : @ 3666 - أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ @@ وقد يجاب عنه بأنَّ " لَسَاحِرَانِ " يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف دخلت عليه هذه اللام تقديره لَهُمَا ساحران ، وقد فعل ذلك الزجاج كما سيأتي حكايته عنه . الثاني : أنَّ اسمها ضمير القصة وهو " ها " التي قبل " ذَانِ " ، وليست بـ " ها " التي للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة ، والتقدير : إنها القصة ذَانِ لسَاحِرَانِ . وقد ردوا هذا من وجهين : أحدهما : من جهة الخط ( وهو أنه ) لو كان كذلك لكان ينبغي أن يكتب إنها ، فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } [ الحج : 46 ] فكتبهم إياها مفصولة من " إنَّ " متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميراً وهو أوضح . الثاني : أنه يؤدي إلى دخول لام الابتداء في الخبر غير المنسوخ وقد يجاب عنه بما تقدم . الثالث : أن اسمها ضمير الشأن محذوف والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبر لأن التقدير : إنه أي : الأمر والشأن . وقد ضعف هذا بوجهين : أحدهما : حذف اسم " إنَّ " وهو غير جائز إلا في شعرٍ بشرط أن لا تباشر " إنَّ " فعلاً ، كقوله : @ 3667 - إنَّ مَنْ يَدْخُل الكَنِيسَةَ يَوْماً يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وَظِبَاءا @@ والثاني : دخول اللام في الخبر ، وقد أجاب الزجاج بأنها داخلة على مبتدأ محذوف تقديره : لَهُمَا سَاحِرَانِ ، وهذا قد استحسنه شيخه المبرد أعني جوابه بذلك . الرابع : أنَّ " هَذَانِ " اسمها و " لَسَاحِرَانِ " خبرها . وقد رد هذا بأنه كان ينبغي أن يكون " هَذَيْنِ " بالياء كقراءة أبي عمرو ، وقد أجيب عن ذلك بأنه على لغة بني الحرث وبني الصَّخم وبني العنبر وزبيد وعذرة وسراة وخثعم وكِنَانَة ، وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري ( والكسائي ) . قال أبو زيد : سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً ، يجعلون المثنى كالمقصور ، فيثبتون ألفاً في جميع أحواله ، ويقدرون إعرابه بالحركات ، وأنشدوا قوله : @ 3668 - فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا @@ أي لنابيْه . وقوله : @ 3669 - إنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا قَدْ بَلَغَا في المَجْدِ غَايَتَاهَا @@ أي غايتيها . قال الفراء : وحكى بعض بني أسد قال : هذا خطُّ يدَا أخي أعرفه وقال قطرب : هؤلاء يقولون : رأيتُ رجلاَنِ ، واشتريت ثوبَانِ قال : وقال رجل من بني ضبة جاهليّ : @ 3670 - ( أعْرِفُ مِنْهَا الأَنْفَ وَالعَيْنَانَا وَمَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا ) @@ وقال آخر : @ 3671 - كَأَنَّ صَرِيفَ نَابَاهُ إذَا مَا أَمَرَّهُمَا قَدِيمُ الخَطْبَانِ @@ ( الخطبان : ذكر الصِّرْدَان ) . وروى ابن جني عن قطرب : @ 3672 - هِيَّاكَ أَنْ تَبْكِي بِشَعْشَعَانِ خَبِّ الفُؤَادِ مَائِلِ اليَدَانِ @@ قال الفراء : وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس . لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح فينبغي أن يكون ما بعده ألفاً لانفتاح ما قبلها , وذكر قطرب أنهم يفعلون ذلك فراراً إلى الألف التي هي أخف حروف المد ويقولون : كسرتُ يداه ، وركبتُ علاه ، يعني يديه وعليه ، وقال شاعرهم : @ 3673 - تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أذْنَاهُ ضَرْبَةً دَعَتْهُ إلى هَابِي التُّرَابِ عَقِيم @@ إلى غير ذلك من الشواهد . واستدل لقراءة أبي عمرو بأنها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير ، روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قوله تعالى : { إِنْ هَـذَانِ لَسَاحِرَانِ } وعن قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ } [ في المائدة : 69 ] ، وعن قوله : { لَّٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُم } [ النساء : 162 ] إلى قوله : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَٰوةَ } [ النساء : 162 ] ، فقالت : يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب . وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف ، فقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها . وعن ابن عمرو أنه قال : إنِّي لأَسْتَحي أن أقرأ { إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } . وقرأ ابن مسعود : { وَأسَرُّوا النَّجْوَى أنْ هَذَانِ سَاحِرَانِ } بفتح " أن " وإسقاط اللام على أنها وما في خبرها بدل من " النَّجْوَى " كذا قاله الزمخشري ، وتبعه أبو حيان ولم ينكره ، وفيه نظر ، لأن الاعتراض بالجملة القولية بين البدل والمبدل منه لا يصح . وأيضاً : فإن الجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة . وكذا قاله الزمخشري أولاً فكيف يصح أن يجعل { أنْ هَـذَان سَاحِرَانِ } بدلاً من النجوى ؟ وقرأ حفص عن عاصم بتخفيف النونين . وعن الأخفش : { إنْ هَـذَانِ لَسَاحِرَانِ } خفيفة بمعنى ثقيلة وهي لغة لقوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ( ما ) . وروي عن أبي بن كعب { ما هَذَانِ إلاَّ سَاحِرَانِ } ، وروي عنه أيضاً { إنْ هَـذَانِ إلاَّ سَاحِرَانِ } ، وعن الخليل بمثل ذلك . وعن أُبَيِّ أيضاً : { إنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ } . فصل قال المحققون : هذه القراءات لا يجوز تصحيحها ، لأنها منقولة بطريق الآحاد ، والقرآن يجب أن يكون منقولاً بالتواتر ، ولو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن ، لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك . فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآت يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير في القرآن ، وذلك يُخرج القرآن عن كونه حجة ، ولما كان ذلك باطلاً فكذلك ما قرىء . وأما الطعن في القراءة المشهورة فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن ، وذلك يُفضِي إلى القدح في التواتر ، وإلى القدح في كل القرآن ، وهو باطل ، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضاً بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة . وأيضاً : فإن المسلمين أجمعوا على أنَّ ما بين الدفتين كرمُ الله ، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحناً وغلطاً ولذلك ذكر النحويون وجه تصحيح القراءة المشهورة كما تقدم . فصل اعلم أنه تعالى لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه بما يدل على التنفير عن متابعة موسى ، وهو أمور : أحدها : قولهم { إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ } وهذا طعن منهم في معجزات موسى ومبالغة في التنفير عنه ، لأن كل طبع سليم ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر لأنَّ الإنسان يعلم أن السِّحْر لا بقاء له ، فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا : كيف نتبعه ، وهو لا بقاء له ولا لدينه ؟ وثانيها : قوله : { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } وهذا نهاية التنفير ، لأن مفارقة الوطن والمنشأ شديدة على القلب . وهذا كقول فرعون : تُرِيدُ أنْ تُخْرِجَنَا مِنْ أرْضِنَا بِسِحْرِكَ يا مُوسَى ، فكأنَّ السحرة تلقفوا هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها . وثالثها : قوله : { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، وهذا أيضاً له تأثير شديد في القلب ، فإن العدو إذا استولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها كذلك يكون في نهاية المشقة على القلب . قال ابن عباس : يَعْني براءة قومِكم وأشْرَافِهم يقال : هؤلاء طريقة قومهم أي : أشْرَافُهُمْ . والمُثْلَى تأنيثُ الأَمْثَلِ ( وهو الأفضل . وسمي الأفضل بالأمثل ) ، لأن الأمثل هو الأشبه بالحق وقيل : الأَمْثَلُ : الأوضح الأظهر وحدث الشعبي عن عليٍّ قال : يصرفان وجوه الناس إليهما . وقال قتادة : " طَرِيقَتُكُمْ المُثْلَى " يومئذ بنو إسرائيل ، كانوا أكثر القوم عدداً ( وأموالاً ) ، فقال عدو الله يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم . وقيل : بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه . والمُثْلَى : نعت الطريقة ، تقول العرب : فلان على الطريقة المُثْلَى يعني على الهدى المستقيم . وقيل : الطريقة المُثْلى الجاه والمنصب والرياسة . قوله : " بِطَرِيقَتِكُمْ " الياء مُعَدِّية كالهمزة ، والمعنى بأهل طريقتكم . قال الزجاج : هذا من باب حذف المضاف . وإذا كانت الطريقة عبارة عن العادة فلا حذف .