Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 60-62)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } التَّولِّي : قد يكون إعراضاً وقد يكون انصرافاً ، والظاهر أنه هنا بمعنى الانصراف ، وهو مفارقة موسى عن الحق " فَجَمَعَ كَيْدَهُ " مكره ، وقومه ، وحيله ، وسحرته ، وآلاته " ثُمَّ أَتَى " الموضع بما جمعه . قال ابن عباس : كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل واحد منهم حبل وعصا . وقيل : كانوا أربعمائة . وقال كعب : اثني عشر ألفاً . وقيل : أكثر من ذلك . ثم ضربت لفرعون قبة فجلس فيها ينظر إليها ، وكان طول القبة سبعون ذراعاً . فقال لهم موسى عند ذلك يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } أي : لا تزعموا أن الذي جئت به ليس بحق ، وأنه سحر ، وأنكم متمكنون من معارضتي ، فَيُسْحِتَكم الله بعذاب أي : فيهلككم ، قاله مقاتل والكلبي . وقال قتادة : فيستأصلكم { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَى } . الخيبة : الحرمان والخسران . قوله : " وَيْلَكُمْ " قال الزجاج : يجوز في انتصاب " وَيْلَكُمْ " أن يكون المعنى ألزمهم الله وَيْلاً إن افتروا على الله ، ويجوز على النداء كقوله : { يَٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } [ هود : 72 ] { قَالُواْ يَٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] . قوله : " فَيُسْحِتَكُم " قرأ الأخوان وحفص عن ( عاصم " فَيُسْحِتَكُم " بضم الياء وكسر الحاء . والباقون بفتحهما . فقراءة الأخوين من أسْحَتَ رباعياً وهي لغة نجد وتميم . قال ) الفرزدق التميمي : @ 3664 - وعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ @@ وقراءة الباقين من سحته ثلاثياً وهي لغة الحجاز ، وأصل هذه المادة الدلالة على الاستقصاء والنفاد ، ومنه سحت الحالق الشعر أي استقصاه ، فلم يترك منه شيئاً ، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب ، ونصبه بإضمار أنْ في جواب النهي . ولمَّا أنشد الزمخشري قول الفرزدق : @ … … ( إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ ) @@ قال بعد ذلك : في بيت لم تزل الرُّكَبُ تصطك في تسوية إعرابه . قال شهاب الدين : يعني : أن هذا البيتَ صعبُ الإعراب ، وإذ قد ذكر ذلك فلنذكر ما ورد في هذا البيت من الروايات ، وما قاله الناس في ذلك على حسب ما يليق بهذا الموضوع ، فأقول وبالله الحول : روي هذا البيت بثلاث روايات كل واحدة لا تخلو من ضرورة . الأولى : ( لَمْ يَدَع ) بفتح الياء والدال ، ونصب مُسْحَت وفي هذه خمسة أوجه : الأول : أن معنى ( لَمْ يَدَع مِنَ المَالِ مُسْحَتاً ) لم يبق إلا مُسْحَتٌ ، فلما كان هذا في قوة الفاعل عطف عليه قوله : ( أو مُجَلَّفُ ) ( بالرفع ) ، وبهذا البيت استشهد الزمخشري على قراءة أُبَيّ والأعمش { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ البقرة : 249 ] ( برفع قليل ) وقد تقدم . الثاني : أنه مرفوع بفعل مقدر دل عليه ( لَمْ يَدَع ) والتقدير : أو بقي مُجَلَّف . الثالث : أن ( مُجَلَّف ) مبتدأ وخبره مضمر ، تقديره : أو مُجَلَّفٌ كذلك وهو تخريج الفراء . الرابع : أنه معطوف على الضمير المستتر في " مُسْحَتاً " وكان من حق هذا أن يفصل بينهما بتأكيد ما إلا أنَّ القائل بذلك وهو الكسائي لا يشترط ، وأيضاً : فهو جائز ( في الضرورة ) عند الكل . الخامس : أن يكون ( مُجَلَّفُ ) مصدراً بزنة اسم المفعول ، كقوله تعالى : { كُلَّ مُمَزَّقٍ } [ سبأ : 7 ] أي تجليف وتمزيق ، وعلى هذا فهو نسق على " عَضُّ زَمَانٍ " إذ التقدير : رَمَتْ بِنَا هُمُومُ المُنَى وعَضُّ زَمَانٍ أو تجليفٍ فهو فاعل لعطفه على الفاعل ، وهو قول الفارسي ، وهو أحسنها . الرواية الثانية : فتح الياء وكسر الدال ورفع مُسْحَت ، وتخريجها واضح ، وهو أن يكون من ودع في بيته يدع فهو وادع بمعنى بقي يبقى فهو باق ، فيرتفع " مُسْحَتٌ " بالفاعلية ، ويرفع ( مُجَلَّفٌ ) بالعطف عليه ولا بد حينئذ من ضمير محذوف تقديره : من أجله أو بسببه ليرتبط الكلام . الرواية الثالثة : ( يُدَع ) بضم الياء وفتح الدال على ما يسمَّ فاعله و ( مُسْحَتٌ ) بالرفع لقيامه مقام الفاعل و ( مُجَلَّف ) عطف عليه ، وكان من حق الواو أن لا تحذف بل تثبت ، لأنها لم تقع بين ياء وكسرة ، وإنما حذفت حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل . وفي البيت كلام أطول من هذا تركته اختصاراً ، وهذا لبُّه ، وقد ذكرته في البقرة ، وفسرت معناه ولغته ، وصلته بما قبله فعليك بالالتفات إليه . قوله : { فَتَنَازَعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُم } أي : تفاوَضُوا وتشاوَرُوا واستقروا على شيء واحد . وقال مقاتل : اختلفوا فيما بينهم . قال محمد بن إسحاق ووهب : لما قال لهم موسى { لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } قال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر . قال بعض المفسرين إن فرعون وقومه دخلوا مع السحرة في التنازع . وقال آخرون : إنما تنازع السحرة وحدهم ، أي تناظروا وتشاوروا في أمر موسى سرًّا من فرعون . قال الكلبي : قالوا سرًّا إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه . وهو قول ابن عباس . قوله : { وَأَسَرُّواْ ٱلْنَّجْوَى } أي المناجاة يكون مصدراً واسماً ، أي : أسروا النحوى من فرعون . قال ابن عباس : إنَّ نجواهُم إن غلبنا موسى اتبعناه . وقال قتادة : إنْ كانَ ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر . وقال السدي : نجواهم هو قولهم : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } [ طه : 63 ] .