Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 74-76)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً } قيل : هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل : من تمام قول السحرة ختموا كلامهم بشرح أحوال المجرمين وأحوال المؤمنين في عرصة القيامة . والهاء في " إنَّه " ضمير الشأن ، والجملة الشرطية خبرها ، و " مُجْرِماً " حال من فاعل " يأت " . وقوله : " لاَ يَمُوتُ " يجوز أن يكون حالاً من الهاء في " لَهُ " وأن يكون حالاً من جهنم ، لأنَّ في الجملة ضمير كل منهما . والمراد بالمجرم المشرك الذي مات على الشرك { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا } فيستريح " وَلاَ يَحْيَى " حياة ينتفع بها . فَإنْ قيلَ : الجسم الحيُّ لا بد وأن يبقى حيّاً أو ميتاً فخلوه عن الوصفين محال . فالجواب : أنَّ المعنى يكون في جهنم بأسوأ حال لا يموت موتة مريحة ولا يَحْيَى حياة ( ممتعة ) . وقال بعضهم : إن لنا حالاً ثالثة ، وهي كحالة المذبوح قبل أنْ يهدى فلا هو حَيٌّ ، لأنه قد ذبح ذبحاً لا يبقى الحياة معه ، ولا هو ميت ، لأن الروح لم تفارقه بعد فهي حالة ثانية . فصل استدلت المعتزلة بهذه الآية في القطع على وعيد أصحاب الكبائر : قالوا : صاحب الكبيرة مجرم ، وكل مجرم فإنَّ له جَهَنَّم لقوله : { مَن يَأْتِ رَبَّه مُجْرِماً } وكلمةُ ( مَنْ ) في معرض الشرط تفيد العموم بدليل أنه يجوز استثناء كل واحد منها ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل . وأحبيت بأنه لا نَسَلِّم أن صاحب الكبيرة مجرم ، لأنه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن لقوله : { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } ، وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 29 ] ، وأيضاً : فإنه لا يليق بصاحب الكبيرة أن يقال في حقّه ، فَإنَّ لَهُ جَهَنَّم لاَ يَكُون بهذا الوصف ، وفي الخبر الصحيح " يَخْرُجُ من النَّار مَنْ كانَ في قلبه مثقال ذرة من الإيمان " . قال ابنُ الخطيب : وهذه اعتراضات ضعيفة أما قوله : إنَّ الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فمسلم لكن هذا إنما ينفع لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن ، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن ، فهذا المعترض كأنه بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط . وقوله ثانياً : إنه لا يليق بصاحب الكبيرة ( أن يقال في حقه ) : إِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيى . قلنا : لا نسلم فإنَّ عذاب جهنَّم في غاية الشدة قال تعالى : { رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [ آل عمران : 192 ] وأما الحديث فقالوا : القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد ، ويمكن أن يقال : ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، وللخصم أن يجيب بأن ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات ، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات ، فلا يجوز الرجوع إليها ههنا . واعترض آخر فقال : أجمعنا على أن هذه المسألة مشروطة بنفي التوبة وبأن لا يكون عقابه محبطاً بثواب طاعته ، والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط ذلك العقاب ، لكن عندنا العفو مُحْبِطٌ للعقاب ، وعندنا أنَّ المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لا بد وأن يدخل جهنم . قال ابن الخطيب : وهذا الاعتراض أيضاً ضعيف . أمَّا شَرْطُ نفي التوبة فلا حاجة إليه ، لأنه قال : { مَن يَأْتِ رَبَّهُ مجْرِماً } ، لأن المجرم اسم ذم ، فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة ، بل الاعتراض الصحيح أن يقول : عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد ، وهو قوله تعالى : { وَمَن يَأتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } ، وكلامنا فيمن أتى بالإيمان ( والأعمال الصالحة ) ثم أتى بعد ذلك ببعض الكبائر . فإن قيل : عقاب المعصية يحبط ثواب الطاعة . قلنا : لِمَ لا يجوز أنْ يقال : ثواب الإيمان يدفع عقابَ المعصية ؟ فإن قالوا : فلو كان كذلك لوجب أن لا يجوز إقامة الحد عليه . قلنا : أما اللعن فغير جائز عندنا ، وأما إقامة الحد فقد يكون على سبيل المحنة كما في حق التائب ، وقد يكون على سبيل التنكيل . قالت المعتزلة : قوله تعالى : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 38 ] فالله تعالى نصَّ على أَنَّه يجب عليه إقامة الحد على سبيل التنكيل ، وكل من كان كذلك استحال أن يكون مستحقاً للمدح والتعظيم ، وإذَا لم يبق ذلك لم يبق الثواب على قولنا : إن عذاب الكبيرة أولى بإزالة ثواب الطاعة المتقدمة من الطاعات بدفع عقاب الكبيرة الطارئة . فقد انتهى كلامهم في مسألة الوعيد . قلنا : حاصل الكلام يرجع إلى أنَّ هذا النص الدال على إقامة الحد عليه على سبيل التنكيل صار معارضاً للنصوص الدالة على كونه مستحقاً للثواب ، فلم كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس ، وذلك لأن المؤمن كما ينقسم إلى السَّارق وإلى غير السَّارق ، فالسَّارق ينقسم إلى المؤمن وغير المؤمن ، فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر في العموم والخصوص ، وإذا تعارضا تساقطا . ثم نقول : لا نُسَلمُ أنَّ كلمة " مَنْ " في إفادة العموم قطيعة بل ظنية ( ومسألتنا قطعيَّة ) فلا يجوز التعويل على ما ذكرتموه . فصل تمسك المجَسِّمة بقوله : { مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ } فقالوا : الجسم إنما يأتي ربه لو كان الربّ في المكان . وجوابه أنَّ الله تعالى جعل إتيانَهُم موضع الوعد إتْيَاناً إلى الله مجازاً كقول إبراهيم عليه السلام : { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الصافات : 99 ] . قوله : { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً } . قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء ، ويختلسها أبو جعفر وقالون ويعقوب والآخرون بالإشباع . " مُؤْمِناً " مات على الإيمان " قَدَ عَمِل " أي وقد عمل الصالحات ، واعلم أن قوله : { قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ } يقتضي أن يكون آتياً بكل الصالحات وذلك بالاتفاق غير معتبر ولا ممكن ، فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجبات ، ثم ذكر أنَّ مَنْ أتى بالإيمان والأعمال الصالحة كانت لهم الدرجات العلا ، ثم فسر الدرجات العلا فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر ، لأنه تعالى جعل الدرجات العلا من الجنة لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية ولا بد وأن تكون لغيرهم ، وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان . والعلا : جميع العليا ، والعليا تأنيث الأعلى . قوله : " جَنَّاتُ " بدل من " الدَّرَجَاتُ " أو بيان ، قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون التقدير : هِي جَنَّاتُ ، لأن " خَالِدِينَ " على هذا التقدير لا يكون في الكلام ما يعمل في الثاني ، وعلى الأول يكون في الحال الاستقرار ، أو معنى الإشارة . قوله : { وَذلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } قال ابن عباس : يريد من قال : لا إله إلا الله ومعنى " تَزَكَّى " تطهَّر من الذنوب ، قال عليه السلام " إِنَّ أهْلَ الدَّرَجَاتِ العُلَى لَتَرَوْنَهُمْ مِنْ تَحْتِهِمْ كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّي فِي أُفقِ السَّمَاء ، وإنَّ أبَا بَكْر وَعُمَر مِنْهُم " واعلم أنَّه ليس في القرآن أنَّ فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم ، ولم يثبت في الأخبار .