Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 72-73)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي لن نختارك على ما جاءنا من الدلالات . لمَّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين ، فقالوا : " لَنْ نُؤْثِرك " ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلاَّ فَعَل بهم وما وعدهم ، ( فأجابوه بقولهم ) : " لَنْ نُؤْثِرَكَ " ، وبيَّنوا العلة ، وهي أنَّ الذي جاءهم ببيِّنات وأدلة ، والذي يذكره فرعون محض الدنيا . وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا : لو كان هذا سحراً فأين حبالُنا وعصيُّنا . قوله : " والَّذِي فَطَرَنَا " فيه وجهان : أحدهما : أن الواوَ عاطفة عطفت ( هذا الموصول ) على " مَا جَاءَنَا " أي : لن نؤثرك على الذي جاءَنا وَلاَ عَلَى الذي فطَرنَا ، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته ، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى لأنَّه من باب الترقي من الأدْنَى إلى الأعلى . والثاني : أنَّه واو قسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف ، أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك على الحق ، ولا يجوز أن يكونَ الجواب " لَنْ نُؤْثِرَكَ " عند من يجوز تقديم الجواب ، لأنه لا يجاب القسم بـ " لَنْ " إلا في شذوذ من الكلام . قوله : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } يجوز في " مَا " وجهان : أظهرهما : أنها موصولة بمعنى الذي ، و " أَنْتَ قَاضٍ " صلتها والعائد محذوف ، أي قاضية ، وجاز حذفه وإن كان مخفوضاً ، لأنه منصوب المحل ، أي فاقضِ الذي أنت قاضيه . والثاني : أنها مصدرية ظرفية ، والتقدير : فاقْضِ أمرَك مدة ما أنتَ قاضٍ . ذكر ذلك أبو البقاء . ومنع بعضهم جعلَها مصدرية ، قال : لأنَّ " مَا " المصدرية لا توصل بالجمل الاسمية . وهذا المنع ليس مجمعاً عليه بل جوَّز ذلك جماعة كثيرة ، ونقل ابن مالك أن ذلك إذا دلَّت ( ما ) على الظرفية وأنشد : @ 3677 - وَاصِلْ خَلِيلَكَ مَا التَّوَاصُلُ مُمْكِنٌ فَلأَنْتَ أَوْ هُوَ عَنْ قَلِيلٍ ذَاهِبُ @@ ويقل إن كانت غيره ظرفية وأنشد : @ 3678 - أَحْلاَمُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْلِ شَافِيَةٌ كَمَا دِمَاؤُكُمُ تَشْفِي مَنَ الكَلَبِ @@ قوله : { إِنَّمَا تَقْضِي هَـذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } يجوز في " ما " هذه وجهان : أحدهما : أن تكون المهيئة لدخول " إنْ " على الفعل ، و " الحَيَاةَ الدُّنْيَا " ظرف لـ " تَقْضِي " ، ومفعوله محذوف ، أي : يقضي غرضك وأمرك . ويجوز أن تكون الحياة مفعولاً به على الاتساع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به كقولك صُمْتُ يومَ الجمعة ، وبدل لذلك قراءة أبي حَيْوة : " تُقْضَى هَذِهِ الحَيَاة " ببناء الفعل للمفعول ، ورفع " الحَيَاةُ " لقيامها مقام الفاعل ، وذلك أنه اتسع فيه فقام مقام الفاعل فرفع . والثاني : أنْ تكون " مَا " مصدرية هي اسم " إنَّ " ، والخبر الظرف والتقدير : إنَّ قَضاءَك في هذه الحياة الدنيا ، يعني : إن لَكَ الدنيا فقط ، ولنا الآخرة . وقال أبو البقاء : فإنْ كانَ قد قُرِىء بالرفع فهو خبر " إن " يعني لو قرىء برفع " الحَيَاةُ " لكان خبراً لـ " إنَّ " ، ويكون اسمها حينئذ " مَا " وهي موصولة بمعنى الذي ، وعائدُها محذوف تقديره : إن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا لا غيرها . قوله : " وَمَا أَكْرَهْتَنَا " يجوز في " مَا " هذه وجهان : أحدهما : أنها موصولة بمعنى " الَّذِي " ، وفي محلها احتمالان : أحدهما : أنَّها منصوبة المحل نسقاً على " خَطَايَانَا " أي ليغفرَ لنا أيضاً الذي أكرهتنا . والاحتمال الثاني : أنَّها مرفوعة المحل على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي أكرهتنَا عليه من السحر محطوط عنا ، أو لا يؤاخذ به ( ونحوه ) والوجه الثاني : أنَّها نافية ، قال أبو البقاء : وفي الكلام تقديم تقديره : ليغفر لنا خطايَانَا من السحر ولم تكرهنا عليه . وهذا بعيد عن المعنى ، والظاهر هو الأول . و " مِنَ السِّحْرِ " يجوز أن يكون حالاً من الهاء في " عَلَيْه " أو من الموصول . ويجوز أن تكون لبيان الجنس . فصل قال المفسِّرون : لمَّا علم السحرة أنهم متى أصرُّوا على الإيمان أوقع بهم فرعون ما أوعدهم به فقالوا : " اقْضِ مَا أْنْتَ قَاضٍ " لا على وجه الأمر ، لكن أظهروا أنَّ ذلك الوعيد لا يزيلهم عن إيمانهم البتة ، ثم بيَّنُوا ما لأجله يسهل عليهم احتمال ذلك ، فقالوا : { إِنَّمَا تَقْضِي هَـذِهِ الحَيَٰوةَ الدُّنْيَا } أي قضاؤك وحكمك أن يكون في هذه الحياة ( الدنيا ) . وهي نافية تزول عن قريب ، ومطلوبنا سعادة الآخرة ، وهي باقية . والعقل يقتضي تحمل الضَّرَر الفاني للتوصل إلى السعادة الباقية . ثم قالوا : { إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } ، ولمَّا كان أقرب خطاياهم عهداً ما أظهروه من السحر قالوا : { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } ، وفي ذلك الإكراه وجوه : الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : إنَّ ملوك ذلك الزمان كانوا يأخذون بعض رعيتهم ويكلفونهم تعلم السحر ، فإذا شاخ أحدهم بعثوا إليه أحداثاً ليعلمهم ليكون في كل وقتٍ مَنْ يُحسنه ، فقالوا ذلك أي : كُنَّا في التعلم الأول والتعليم ثانياً تكرهُنَا ، وهو قول الحسن . وقال مقاتل : كانت السَّحَرةُ اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان فرعون أكرههم على تعليم السحر . وقال عبد العزيز بن أبان : قالت السحرة لفرعون أَرِنَا مُوسَى إذا نام ، فأراهم نائماً ، فوجدوه تحرسه عصان ، فقالوا لفرعون : إن هذا ليس بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعارضوه . وقال الحسن : إن السحرةَ جَرُوا من المدائن ليعارضوا موسى فأحْضَرُوا بالحشر وكانوا مكرهين في الحضور لقوله { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } [ الشعراء : 36 ، 37 ] وقال عمرو بن عبيد : دعوة السلطان إكراه . وهذا ضعيف ، لأن دعوة السلطان إذا لم يكن معها خوف لم تكن إكراهاً . ثم قالوا : { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } قال محمد بن إسحاق : خَيْرٌ منكَ ثواباً ، وأبقَى عقاباً لمن عصاه . وقال محمد بن كعب : خيرٌ منكَ إن أطيع وأبْقَى عذاباً منك إن عُصِي . ( وهذا جواب لقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } ) .