Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 80-82)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } الآية . قرأ الأخوان " قَدْ أَنْجَيْتُكُمْ " و " وَاعَدتُكُمْ " و " رَزَقْتُكُمْ " بتاء المتكلم . والباقون : " أنْجَيْنَاكُمْ " و " وَاعَدْنَاكُمْ " و " رَزَقْنَاكُمْ " بنون العظمة واتفقوا على " ونَزَّلْنَا " وتقدم خلاف أبي عمرو في " وَعَدْنَا " في البقرة . وقرأ حميد " نَجَّيْنَاكُم " بالتشديد . وقرىء " الأَيْمَنِ " بالجر . قال الزمخشري : خفض على الجوار كقولهم : جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ . وجعله أبو حيان : شاذاً ضعيفاً ، وخرَّجه على أنَّه نعت " الطُّورِ " . قال : وصف به لما فيه من اليُمْنِ ، أو لكونه على يَمينِ من يستقبل الجبل و " جَانِبَ " مفعول ثان على حذف مضاف ، أي إتيان جانب . ولا يجوز أن يكون المفعول الثاني محذوفاًً ، " وجَانِبَ " ظرف للوعد ، والتقدير : وواعدناكم التوراة في هذا المكان ، لأنه ظرف مكان مختص لا يصل إليه الفعل بنفسه ، وكما لو قيل : إنه تُوُسِّع في هذا الظرف فجعل مفعولاً به : أي جعل نفس الموعود نحو : سير عليه فرسخَان وبريدان . قوله : " فَيَحِلَّ " قرأ العامة فَيَحِل بكسر الحاء واللام من " يَحْلِلْ " . والكسائي بضمهما . وابن عيينة وافق العامة في الحاء ، والكسائي في اللام . فالعامة من حَلَّ عليه كذا ، أي : وَجَبَ ، من حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ ، أي : وجب قضاؤه ، ومنه قوله : { حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه } [ البقرة : 196 ] ، ومنه أيضاً : { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } [ هود : 39 ] . [ الزمر : 40 ] . وقراءة الكسائي من حَلَّ يَحُلُّ ، أي نزل ، ومنه { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } [ الرعد : 31 ] والمشهور أن فاعل " يَحِلُّ " في القراءتين هو " غَضَبِي " وقال صاحب اللوامح : إنه مفعول به وأن الفاعل ترك لشهرته والتقدير : فيحل عليكم طُغْيَانِكُمْ غَضَبِي ، ودل على ذلك " وَلاَ تَطْغَوْا " ولا يجوز أن يسند إلى " غَضَبِي " فيصير في موضع رفع بفعله . ثم قال : وقد يحذف المفعول للدليل عليه وهو العذاب ونحوه قال شهاب الدين : فعندَه أنَّ حَلَّ متعد بنفسه ، لأنه من الإحلال كما صرح هو به ، وإذا كان من الإحلال تعدَّى لواحدٍ ، وذلك المتعدي إليه إما " غَضَبِي " ( على أن الفاعل ) ضمير عائد على الطغيان كما قدَّره ، وإما محذوفٌ والفاعل " غَضَبِي " ، وفي عبارته قلق . وقرأ طلحة " لاَ يَحِلَّنَّ عَلَيْكُمْ " بلا الناهية للطغيان فيحق عليكم غضبي ، وهو من باب لا أَرَينَّكَ هاهنا . وقرأ زيد بن علي " وَلاَ تَطْغُوْا " بضم الغين من طغى يطغو كغَزَا يَغْزو . وقوله : " فَيَحِلَّ " يجوز أن يكون مجزوماً عطفاً على " لاَ تَطْغَوْا " كذا قال أبو البقاء . وفيه نظر ، إذ المعنى ليس على نهي الغضب أن يَحِلَّ بهم . والثاني : أنه منصوب بإضمار ( أَنْ ) في جواب النهي ، وهو واضح . فصل اعلم أن الله تعالى لمَّا أنعم على قوم موسى - عليه السلام - بأنواع النعم ذكرهم ، ولا شك أنَّ إزالة الضرر يجب تقديمه على إيصال المنفعة ، وإيصال المنفعة الدينية أعظم من إيصال المنفعة الدنيوية ، فلهذا بدأ تعالى بإزالة الضرر بقوله : { أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } ، فإن فرعون كان يُنزِل بهم أنواع الظلم ، والإذلال ، والأعمال الشاقة . ثم ذكر المنفعة الدينية وهي قوله : { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } وذلك أنه أنزل عليهم في ذلك الوقت كتاباً فيه بيان دينهم وشريعتهم ، أو لأنهم حصل لهم شرف بسبب ذلك . قال المفسرون : وليس للجبل يمينٌ ولا يسار بل المراد أنَّ طور سيناء عن يمين السالك من مصر إلى الشام . ثم ثلَّث بذكر المنفعة الدنيوية فقال : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى } { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أمر إباحة . ثم زجرهم عن العصيان فقال : { وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ } قال ابن عباس : لا يظلم بعضُكُم بعضاً فيأخذه مِنْ صَاحِبه . وقال مقاتل والضحاك : لا تظلموا فيه أنفسَكُم بأن تُجَاوِزُوا حدّ الإباحَة وقال الكلبي : لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي على مخالفتي ولا تُعْرِضوا عن الشكر ، ولا تعدِلوا عن الحلال إلى الحرام والمراد بالطَّيِّبات هاهنا اللذائذ ، لأن المن والسَّلوى من لذائذ الأطعمة . وقال الكَلْبي ومقاتل : الطَّيِّبات الحلالُ ، وذلك لأن الله تعالى أنزله إليهم ، ولم يمسه يدي الآدميين . روي أنهم كانوا يُصبِحون فيجدونه بين بيوتهم فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى الغد ، ومن ادخر لأكثر من ذلك فسد ، ومن أخذ منه قليلاً كفاه ، أو كثيراً لم يفضل عنه ، فيصنعون منه مثل الخبز وهو في غاية البياض والحلاوة ، فإن كان آخر النهار غشيهم طيْرُ السَّلوى فيقنصون منها بلا كلفة ما يكفيهم لعشائهم ، وإذا كان الصيف ظلَّل عليهم الغمام يقيهم حر الشمس . ثم قال : { فَيَحِلَّ عَلَيْكُم غَضَبِي } أي يجب عليكم غضبي { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } أي هَلك وقيل : شَقِي . وقيل : وقع في الهاوية : هوى يهوي هوياً إذا سقط من علو إلى سُفْلٍ . ثم قال : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ } . واعلم أنه تعالى وصف نفسه بكونه غافراً وغفوراً وغفَّاراً ، وبأن له غفراناً ومغفرةَ ، وعبر عنه بلفظ الماضي والمستقبل والأمر . أما كون وصفه غافراً فقوله : { غَافِرَ الذَّنبِ } [ غافر : 3 ] وأما كونه غَفُوراً فقوله : { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ } [ الكهف : 58 ] ( وأما كونه غفَّاراً فقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ ) لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ } [ طه : 82 ] وأما الغفران فقوله : { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } [ البقرة : 285 ] . وأما المغفرة فقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ } [ الرعد : 6 ] . وأما صيغة الماضي فقوله في حق داود : { فَغَفَرْنَا لَهُ } [ ص : 25 ] . وأما صيغة المستقبل فقوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } النساء : [ 48 ، 116 ] وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [ الزمر : 13 ] وقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } [ الفتح : 2 ] وأما لفظ الاستغفار فقوله : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } [ هود : 3 ، 52 ، 90 ] و [ نوح : 10 ] { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [ غافر : 7 ] وهاهنا نكتة وهي أنَّ العبد له أسماء ثلاثة : الظالم ، والظَّلوم ، والظَّلاَّم إذا كثر منه الظلم ، ولله في مقابلة كل واحد من هذه الأسماء اسماً فكأنه تعالى قال : إن كنتَ ظالماً فأنا غافرٌ ، وإن كنت ظلوماً فأنا غفُورٌ ، وإن كنت ظلاَّماً فأنَا غَفَّارٌ . قال ابن عباس : " مَنْ تَابَ " عن الشرك " وَآمَنَ " وَحَّدَ الله وصدّقه " وَعَمِلَ صَالِحاً " أدَّى الفرائض " ثُمَّ اهْتَدَى " علم أنَّ ذلك توفيق من الله عز وجل . وقال قتادة وسفيان الثوري : لزم الإسلام حتى مات عليه . وقال الشعبي ومقاتل والكلبي : علم أنَّ لذلك ثواباً . وقال زيد بن أسلم : تعلَّم العلم لتهتدي كيف يعمل . وقال سعيد بن جبير : أقام على السنة والجماعة . فصل قال بعضهم : تجبُ التوبةُ عن الكفر أولاً ثم الإتيان ثانياً ، لهذه الآية ، فإنه قدم التوبة على الإيمان . ودلَّت هذه الآية أيضاً على أن العمل الصالح غيرُ داخلٍ في الإيمان ، لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان ، والمعطوف يغاير المعطوف عليه .