Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 83-85)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " وَمَا أَعْجَلَكَ " مبتدأ وخبر . و " مَا " استفهامية عن سبب التقدم على قومه . قال الزمخشري : فإن قلتَ : " مَا أَعْجَلَكَ " سؤال عن سبب العجلة ، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال : طلبُ زيادة رضَاكَ ، أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك . وقوله : { هُمْ أُوْلاَءِ عَلَىٰ أَثَرِي } كَمَا تَرَى غير منطبق عليه . قلت : قد تضمَّن ما واجهه به رب العزة شيئين : أحدهما : إنكار العجلة في نفسها . والثاني : السؤال عن سبب التقدم والحامل عليه ، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر ، وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه فاعتلَّ بأنَّه لم يوجد منِّي إلا تقدمٌ يسير مثله لا يعتد به في العادة ، ولا يحتفل به ، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمتهم ، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } . وأجاب غيره عن هذا السؤال بأنه - عليه السلام - ورد عليه من هيبة عتاب الله ما أذهله عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام . فصل في الآية سؤالات : الأول : قوله : " وَمَا أَعْجَلَكَ " استفهام ، وهو على الله تعالى محال . والجواب : أنه إنكار في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه . الثاني : أنَّ موسى - عليه السلام - إما أن يقال : إنَّه كان ممنوعاً عن ذلك التقدم ، أو لم يكن ممنوعاً عنه ، فإن كان ممنوعاً كان ذلك التقدم معصية فيلزم وقوع المعصية من الأنبياء ، وإن لم يَكُنْ ممنوعاً كان ذلك الإنكار غير جائز . والجواب : لعله - عليه السلام - ما وجد نصًّا في ذلك إلا أنَّه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب . الثالث : قوله : " وَعَجِلْتُ " والعجلة مذمومة . والجواب : أنها ممدوحة في الدين قال الله تعالى : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [ آل عمران : 133 ] . الرابع : قوله : " لِتَرْضَى " يدل على أنَّه - عليه السلام - إنَّما فعل ذلك ليحصل الرِّضا لله تعالى ، وذلك باطل من وجهين : أحدهما : يلزم تجدد صفة الله . والآخر : أنه - تعالى - قبل حصول ذلك الرضا يجب أن يقال : ( إنَّه ما ) كان راضياً عن موسى ، لأنَّ تحصيل الحاصل محال ، ولما لَمْ يكن راضياً عنه وجب أن يكون ساخطاً عليه ، وذلك لا يليق بحال الأنبياء . والجواب المراد تحصيل دوام الرضا كقوله : " ثُمَّ اهْتَدَى " المراد دوام الاهتداء . الخامس : قوله { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عيَّنه الله له وإلا لم يكن تعجيلاً ، ثم ظن أنَّ مخالفة أمر الله سبب لتحصيل رضاه ، وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن كليم الله . والجواب : أن ذلك كان باجتهادٍ وأخطأ فيه . السادس : قوله : " إلَيْكَ " يقتضي كون الله في الجهة ، لأن " إلى " لانتهاء الغاية . والجواب : اتفقنا على أنَّ الله - تعالى - لم يكن في الجبل ، فالمراد إلى مكان وعدك . فصل دلت الآية على أنَّه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين فقال المفسرون : هم السَّبعُون الذين اختارهم الله من جملة بني إسرائيل ، يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة ، فسار بهم موسى ، ثم عجَّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه ، وخلف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل ، فقال الله له : { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىٰ } قال مجيباً لربه { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } أي : بالقرب منِّي يأتون من بعدي { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } لتزداد رِضًى . قوله : { هُمْ أُوْلاَءِ عَلَى أَثَرِي } كقوله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 85 ] و { عَلَى أَثَرِي } يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون حالاً وقرأ الجمهور : " أولاَءِ " بهمزة مكسورة . والحسن وابنُ معاذ بياء مكسورة ، وإبدال الهمزة ياءً ( تخفيفاً ) . وابن وثاب " أُولى " بالقصر دون همزة . وقرأت طائفة " أُولاَيَ " بياء مفتوحة ، وهي قريبة من الغلط والجمهور " عَلَى أَثَرِي " بفتح الهمزة والثاء . وأبو عمرو في رواية عبد الوارث ، وزيد بن علي " إثْرِي " بكسر الهمزة وسكون الثاء وعيسى بضمها وسكون الثاء ، وحكاها الكسائي ( لغة ) . قوله : { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } أي : ابتلينا الذين خَلَّفتَهُم مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ، فَأُفْتِنُوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً من بعدك انطلاقك إلى الجبل . فصل قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المرادُ أنَّ الله - تعالى - خلقَ فيهم الكفر لوجهين : الأول : الدلائل العقلية ( الدالة على ) أنه لا يجوز من الله - تعالى - أن يفعل ذلك . والثاني : أنَّه قال : " وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ " . وأيضاً : فلأن موسى لمَّا طالبَهُم بذكر سبب الفتنة ، فقال : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ طه : 86 ] فلو حصل ذلك بخلق الله لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فِينَا لا ما ذكرت ، فكان يبطل كلام موسى - عليه السلام - . وأيضاً فقوله : { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ طه : 86 ] ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضبَ عليهم فيما هو الخالق له ، ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله : " فَتَنَّا " معنًى آخر ، وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان ، يقال : فَتَنْتُ الذَّهَبَ بالنار إذا امتحنته بالنار فتميز الجيد من الرديء ، فهاهنا شدَّد الله التكليف عليهم ، لأن السَّامِرِيَّ ، لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أنَّ له إلهاً بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف ، ( والتشديد في التكليف ) موجود . قال تعالى : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . والجواب : ليس في ظهور صوت من عجلٍ متخذٍ من الذهب شبهة أعظم مما في الشمس والقمر ، والدليل الذي ينفي كون الشمس والقمر إلهاً أولى بأن ينفي كون العجل إلهاً ، فحينئذ لا يكون حدوث العجل تشديداً في التكليف ولا يصح حمل الآية عليه ، فوجب حمله على خلق الضلال فيهم . وقوله : أضاف الإضلال إلى السَّامري . قلنا : أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسباب من الظاهر وإن كان الموجد هو الله - تعالى - فكذا هاهنا . وأيضاً قرىء " وَأَضَلُّهُم السَّامِرِيّ " أي : وأشد ضلاّلهم السامري ، وعلى هذا لا يبقى للمعتزلة استدلال ، ثم الذي يحسم مادة الشغب مسألة الداعي . قوله : " وَأَضَلَّهُم السَّامِرِي " العامة على أنه فعلٌ ماض مسند إلى السامري . وقرأ أبو معاذ " وَأَضَلُّهُم " مرفوعاً بالابتداء ، وهو أفعل تفضيل ، و " السَّامِرِيُّ " خبره . ومعنى " أَضَلَّهُمْ " أي : دَعَاهم وصَرفَهُم إلى عبادة العِجْل ، وأضاف الإضلال إلى السَّامِرِيّ ، لأنهم ضلوا بسببه . قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : كان السامري عِلْجاً من أهل كِرْمان وقع إلى مصر ، وكان من قوم يعبدون البقر ، والأكثرون على أنه كان من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السَّامرة . قاله الزجاج . وقال عطاء عن ابن عباس كان الرجلُ من القبطِ جاراً لموسى وقد آمن رُوِيَ أنهم أقاموا بعد مفارقة موسى عشرين ليلة وحسبوها أربعين مع أيَّامِها ، وقالوا قد أكملنا العدة ، ثم كان أمر العجل بعد ذلك . فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا وبين قوله لموسى عند مقدمه { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } . فالجواب من وجهين : الأول : أنه تعالى أخبر عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته كقوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 44 ] إلى غير ذلك . الثاني : أنَّ السامري شرع في تدبير الأمر لما غاب موسى - عليه السلام - ثم رجع موسى إلى قومه بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة .