Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 86-87)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " غَضْبَانَ أَسِفاً " حالان ، وقد تقدم في سورة الأعراف قيل : الأسف شدة الغضب ، فلا يلزم التكرار ، لأنَّ " غَضْبَانَ " يفيد أصل الغضب ، و " أَسِفاً " يفيد كماله . وقال الأكثرون : حُزْناً وجَزَعاً ، يقال : أسف يأسَف أسَفاً فهو أسِفٌ ، إذا حزن . وقيل : الأسف : المغتاظ ، وفرقٌ بين الاغتياظ والغضب ، لأنَّ الله تعالى لا يوصف بالغيظ ويُوصَف من حيث أن الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه ، والغيظ تغيُّرٌ يلحقُ المُغتاظ وذلك لا يصح إلى على الأجسام كالضحك والبكاء ، ثم إن موسى - عليه السلام - عاتبهم بعد رجوعه فقال : { يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } قيل : المراد بالوعد الحسن إنزال التوراة . وقيل : الثواب على الطاعات . وقال مجاهد : العهد . وهو قوله : { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } [ طه : 81 ] إلى قوله : { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] ( ويدل عليه قوله بعد ذلك ) { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } فكأنه قال أفنسيتم ذلك الذي قال الله لكم : " وَلاَ تَطْغوا " وقيل : الوعد الحسن هاهنا يحتمل أن يكون وعداً حسناً في منافع الدين وأن يكون في منافع الدنيا . أما منافع الدين : فهو الوعد بإنزال الكتاب الهادي إلى الشرائع ، والوعد بحصول الثواب العظيم في الآخرة . وأما منافع الدنيا فإن الله تعالى قد وعدهم قبل إهلاك فرعون أن يورثهم أرضَهُم ( وديارَهُم ) . فإن قيل : قوله : { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ } هذا الكلام إنما يتوجه عليهم لو كانوا معترفين بإلهٍ آخر سوى العجل ، وأمَّا لمَّا اعتقدوا أنه لا إله سواه على ما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } [ طه : 88 ] كيف يتوجه عليهم هذا الكلام ؟ فالجواب : أنهم كانوا معترفين بالإله لكنهم عبدوا العجل على التأويل الذي يذكره عبَّاد الأصنام . قوله : " وَعْداً حَسَناً " يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً ، والمفعول محذوف تقديره : وعدكم بالكتاب والهداية ، أو يترك المفعول الثاني ليعم . ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود فيكون هو المفعول الثاني . قوله : { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أيْ أقصيْتُم ذلك العهد . وقيل : أفَطَالَ عليكم مدة مفارقتي إياكم . وطول العهد يحتمل أموراً : أحدها : أفطال عليكم العهد بنعم الله من إنْجَائكُم من فرعون ، وغير ذلك من النعم المذكورة في أول سورة البقرة كقوله تعالى : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 16 ] . وثانيها : روي أنَّهم عرفوا أنَّ الأجل أربعون ليلةً فجعلوا كلَّ يوم بإزاء ليلة وردُّوه إلى عشرين . قال القاضي : هذا ركيك لأن ذلك لا يكاد يشتبه على أحد . وثالثها : أنَّ موسى - عليه السلام - وعدهُم ثلاثين ليلةً فلما زاده الله فيها عشرة أخرى طال العهد . قوله : { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } هذا لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأنَّ أحداً لا يريد ذلك ، ولكن المعضية ( لما كانت ) توجب ذلك ، ومريد السبب مريد للمسبب ، أي أرَدْتُّمْ أن تفعلوا فعلاً يوجب عليكم الغضب من ربكم . { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } ، وهذا يدل على موعد كان فيه - عليه السلام - مع القوم ، فقيل : المراد ما وعدوه من اللحاق والمجيء على أثره . وقيل : ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور و " مَوْعدي " مصدر يجوز أن يكون مضافاً لفاعله بمعنى أوَجدْتُمُونِي أَخْلَفْتُكُم ما وعْدتُّكُمْْ . وأن يكون مضافاً لمفعوله بمعنى : أنهم وعدوه أن يتمسكوا بدينه وسنته . قوله : " بِمَلْكِنَا " قرأ الأخوان بضم الميم ، ونافع وعاصم بفتحها والباقون بكسرها . فقيل : لغات بمعنى واحد كالنَّقْضِ والنُّقضِ والنِّقضِ ، فهي مصادر ، ومعناها القدرة والتسلط . وفرق الفارسي وغيره بينهما ، فقال : المضموم معناه : لم يكن مُلْكٌ فتُخْلِفُ موعدك بسلطانه ، وإنما فعلناه بنظر واجتهاد ، فالمعنى على أن ليس له ملك كقول ذي الرُّمة : @ 3685 - لاَ يُشْتَكَى سَقْطَةٌ مِنْهَا وَقَدْ رَقَصَتْ بِهَا المَفَاوِزُ حَتَّى ظَهْرُهَا حَدِبُ @@ أي لا يقع منها سَقْطَة فَتَشْتَكي . وفتح الميم مصدر من مَلَكَ أمره ، والمعنى : ما فعلناه بأنَّا ملكنا الصواب ، بل غلبتنا أنفسنا . وكسر الميم كَثُر فيما تحوزه اليد وتحويه ، ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها . والمصدر في هذين الوجهين مضاف لفاعله ، والمفعول محذوف أي : بِمَلْكِنَا الصوابَ . قوله : " حُمِّلْنَا " قرأ نافع وابن كثير وحفص بضم الحاء وكسر الميم المشددة وأبو جعفر كذلك إلا أنه خفف الميم . ( والباقون بفتحها خفيفة الميم ) . فالقراءة الأولى والثانية نسبوا فيهما الفعل إلى غيرهم . وفي الثالثة نسبوه إلى أنفسهم و " أَوْزَاراً " مفعول ثان غير القراءة الثالثة . و " مِنْ زِينَةِ " يجوز أن يكون متعلقاً بـ " حُمِّلْنَا " ، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة لـ " أَوْزَاراً " . وقوله : " فَكَذَلِكَ " نعت لمصدر أو حال من ضميره عند سيبويه أي : إلقاء مثل إلقَائِنَا . فصل اختلفوا في القائل { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } على وجهين : فقيل : القائل هم الذين لم يعبدُوا العجلَ كأنهم قالوا : ما أخلَفْنَا موعدَك بأمرٍ كُنَّا نملكه ، وقد يضيف الرجل فعلَ قرينه إلى نفسه ، كقوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } [ البقرة : 50 ] { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً } [ البقرة : 72 ] وإن كان القائل بذلك آباءهم ، فكأنهم قالوا : الشبهة قويت على عبدة العجل ، فلم نقدر على منعهم عنه ولم نقدر أيضاً على مفارقتهم ، لأنَّا خفنا أن يصير ذلك سبباً لوقوع الفرقة ، وزيادة الفتنة . وقيل : هذا قول عبدة العِجل ، والمعنى أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا ، وفاعل السبب فاعل المسبب ، فمخلف الوعد هو الذي أوقع الشبهة ، فإنه كان كالمالك لنا . فإن قيل : كيف يُعْقَل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة عجلٍ يُعْرَف فسادُها بالضرورة ، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك الدين بسبب رجوع موسى - عليه السلام - وحده إليهم ؟ فالجواب : هذا غير ممتنع في حق البُلْهِ من الناس . ثم إنَّ القوم فروا من العذر الحامل لهم على ذلك الفعل فقالوا { وَلَكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } فمن قرأ بالتخفيف فالمعنى حملْنَا في أنفسنا ما كنا استعرضناه من القوم . ومن قرأ بالتشديد فقيل : إن موسى - عليه السلام - أمرهم باستعاره الحُلِيّ والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك . والمراد بالأوزار حُليّ قوم فرعون . وقيل : جعلنا كالضامن لها أن نؤديها إلى حيث يأمرنا الله . وقيل : إنَّ الله تعالى حَمَّلَهُم ذلك ، أي : ألزمهم حكم المغنم . قيل : أخذوها على وجه العارية ولم يردوها حين خرجوا من مصر استعاروها لعيدهم . وقيل : إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذَ البحر حُليَّهم فأخذوها وكانت غنيمة ، ولم تكن الغنيمة حلالاً لهم في ذلك الزمان ، فسماها الله أوْزَاراً لذلك ، لأنه يجب عليهم حفظها من غير فائدة فكانت أوزاراً . وقيل : سميت أوزاراً لكثرتها وثقلها ، والأوزار : الأثقال . وقيل المراد بالأوزار الآثام ، والمعنى حُمِّلْنَا آثاماً ، روي أن هارون - عليه السلام - قال إنها نجسة فتطهروا منها ، وقال السَّامِريّ إنَّ موسى إنما احتبس عقوبة بالحُلِيّ . فيجوز أن يكونوا أرادوا هذا القول ، وقد يقول الإنسان للشيء الذي يلزمه رده هذ كله إثمٌ وذنبٌ . وقيل : إنَّ ذلك الحِليّ كان للقبط يتزينون به في مجامع لهم يجري فيها الكفر ، فلذلك وصف بكونها أوزاراً كما يقال مثله في آلات المعاصي . وقوله : " فَقَذَفْنَاهَا " أي فَطَرَحْنَاهَا في الحفيرة ، وذلك أن هارون قال لهم : إنَّ تلكَ غنيمةٌ لا تَحِلُّ فاحفروا ، فحفروا حفيرة ، ثم ألقوه فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ، ففعلوا . وقيل : قَذَفُوها في موضعٍ أمرهم السامريُّ بذلك . وقيل : في موضعٍ جمع فيه النار ، ثم قالوا : وكذلك ألقى السامري ما معه من الحُلِيّ فيها .