Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 108-112)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } الآية . لما أورد على الكافر الحجج في أن لا إله سواه ، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بما يكون إنذاراً في مجاهدتهم والإقدام عليهم فقال : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ } قوله : " أَنَّمَا إِلَهكُمْ " ( أنَّ ) وما في حيزها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل إذ التقدير : إنما يوحي إليّ وحدانية إلهكم . وقال الزمخشري : " إنّما " لقصر الحكم على شيء ، أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنَّما زيد قائم ، وإِنَّما يقوم زيد ، وقد اجتمع المثلان في هذه الآية ، لأن { إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ } مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد ، و { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } بمنزلة إنَّما زيد قائم ، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أنَّ الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقصور على استئثار الله بالوحدانية . قال أبو حيَّان : أما ما ذكره في " إنَّما " أنها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن " إنّما " للحصر ، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر ، وأنّ " مَا " مع " إنَّ " كهي مع " كأن " ومع " لَعَلّ " فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ، ولا الحصر في الترجي ، فكذلك لا تفيده مع " إنَّ " ، وأما جعله " أنَّما " المفتوحة الهمزة مثل المكسورتها يدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في " إنَّما " بالكسر ، وأما " أَنَّما " بالفتح فحرف مصدري ينسبك منه مع ما بعده مصدر ، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة ، ولو كانت " أنَّمَا " دالة على الحصر لزم أن يقال : أنه لم يوح إليَّ شيء إلا التوحيد ، وذلك لا يصح الحصر فيه ، إذ قد أوحي إليه أشياء غير التوحيد . قال شهاب الدين : الحصر بحسب كل مقام على ما يناسبه ، فقد يكون هذا المقام يقتضي الحصر في إيحاء الوحدانية لشيء جرى من إنكار الكفار وحدانيته تعالى ، وأنَّ الله لم يوح إليه شيئاً ، وهذا كما أجاب الناس عن هذا الإشكال الذي ذكره الشيخ في قوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ } [ النازعات : 45 ] { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } [ الكهف : 110 ] { أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ } [ الحديد : 20 ] إلى غير ذلك ، و " مَا " من قوله : " إِنَّما يُوحَى " يجوز فيها وجهان : أحدهما : أنْ تكون كافة . وقد تقدم . والثاني : أنْ تكون موصولة كهي في قوله : { إِنَّمَا صَنَعُواْ } [ طه : 69 ] ، ويكون الخبر هو الجملة من قوله { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } تقديره : أنّ الذي يوحى إليّ هو هذا الحكم . قوله : { فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ } استفهام معناه الأمر بمعنى : أسلموا ، كقوله : { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] أي : انتهوا . قوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } آذَنْتُكُمْ أعلمتكم ، فالهمزة فيه للنقل ، قال الزمخشري : آذن منقول من أذن : إذا علم ، لكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار ، ومنه قوله : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } [ البقرة : 279 ] وقول ابن حلزة : @ 3742 - آذَنَتْنَا بِبَيْنهَا أَسْمَاءُ @@ وقد تقدم تحقيق هذا في البقرة . قوله : " عَلَى سَوَاءٍ " في محل نصب على الحال من الفاعل والمفعول معاً ، أي : مستوين بما أعلمتكم به لم نطوه على أحد منهم . فصل قال أبو مسلم : الإنذار على السواء الدعاء على الحرب مجاهرة كقوله : { فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } [ الأنفال : 58 ] وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر من أشرك أنّ حالهم مخالف لسائر حال الكفار في المجاهرة ، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك . وقيل : المعنى : فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على سواء في الإبلاغ والبيان ، لأني بعثت معلماً ، والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا { رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } [ طه : 134 ] وقيل : ( ليستوي في الإيمان ) . وقيل : { ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } أي : على مهل أي : لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم ، بل أمهل وأؤخر رجاء إسلامكم . قوله : " وَإِنْ أَدْرِي " العامة على إرسال الياء ساكنة ، إذ لا موجب لغير ذلك . وروي عن ابن عباس أنه قرأ { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيْبٌ } { وَإنْ أَدْرِيَ لَعَلَّهُ فتْنَةُ } بفتح الياءين ، وخرجت على التشبيه بياء الإضافة على أن ابن مجاهد أنكر هذه القراءة البتة . وقال ابن جنيّ : هو غلط ، لأن " أن " نافية لا عمل لها . ونقل أبو البقاء عن غيره أنه قال في تخريجها : أنه ألقي حركة الهمزة على الياء فتحركت ، وبقيت الهمزة ساكنة ، فأبدلت ألفاً لانفتاح ما قبلها ، ثم أبدلت همزة متحركة ، لأنها في حكم المبتدأ بها ، والابتداء بالساكن محال . وهذا تخريج متكلف لا حاجة إليه ، ونسبة راويها عن ابن عباس إلى الغلط أولى من هذا التكلف فإنها قراءة شاذة ، وهذا التخريج وإن وقع في الأولى فلا يجري في الثانية شيئاً . وسيأتي قريب من ادعاء قلب الهمزة ألفاً ثم قلب الألف همزة في قوله : " مِنْسأَتَهُ " - إن شاء الله - ، وبذلك يسهل الخطب في التخريج المذكور والجملة الاستفهامية في محل نصب بـ " أَدْرِي " ، لأنها معلقة لها عن العمل ، وأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة ، ولو وسط لكان التركيب : أقريب ما توعدون أم بعيد ، ولكنه أخر مراعاة لرؤوس الآي . و " مَا تُوعَدُونَ " يجوز أن يكون مبتدأ وما قبله خبر عنه ومعطوف عليه ، وجوّز أبو البقاء فيه أن يرتفع فاعلاً بـ " قَرِيْبٌ " قال : لأنه اعتمد على الهمزة . قال : ويخرج على قول البصريين أن يرتفع بـ " بَعِيدٌ " لأنه أقرب إليه . يعني أنه يجوز أن تكون المسألة من التنازع فإِن كُلاًّ من الوصفين يصح تسلطه على " مَا تُوعَدُونَ " من حيث المعنى . فصل المعنى : وما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ، يعني : القيامة أو من عذاب الدنيا . وقيل : الذي آذنهم به من الحرب لا يعلم هو قريب أم بعيد لئلا يقدر أن يتأخر ، وذلك أنَّ السورة مكية ، وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة . وقيل : ما يوعدون من غلبة المسلمين عليهم . قوله : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } والمقصود منه الأمر بالإخلاص وترك النفاق . و " من القول " حال من الجهر . قوله : " لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ " الظاهر أن هذه الجملة متعلقة بـ " أدْرِي " والكوفيون يجرون الترجي مجرى الاستفهام في ذلك ، إلا أنّ النحويين لم يعدوا من المعلقات ( لَعَلّ ) وهي ظاهرة في ذلك كهذه الآية ، وكقوله : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 3 ] { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [ الشورى : 17 ] . فصل المعنى : وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم ، أو لعل إبهام الوقت الذي ينزل عليكم العذاب فتنة لكم أي : بلية واختبار لكم ليرى صنيعكم ، وهل يتوبوا عن الكفر أم لا وقيل : لعل ما أنتم فيه من الدنيا بلية لكم ، والفتنة البلوى والاختبار . وقيل : لعل تأخير الجهاد فتنة لكم إذا أنتم دمتم على كفركم . وقيل : لعل ما بينت لكم فتنة لكم ( لأنه زيادة في عذابهم إن لم يتوبوا ) { وَمتَاعٌ إِلَىٰ حِيْنٍ } أي : يتمتعون إلى انقضاء آجالهم . قوله : { قُلْ رَبِّ ٱحكُمْ } قرأ حفص عن عاصم " قَالَ رَبِّ " خبراً عن الرسول - عليه السلام - والباقون : " قُلْ " على الأمر . وقرأ العامة بكسر الباء اجتزاءً بالكسرة عن ياء الإضافة وهي الفصحى . وقرأ أبو جعفر بضم الباء ، فقال صاحب اللوامح : إنه منادى مفرد ، ثم قال : وحذف حرف النداء فيما يكون وصفاً لـ ( أيّ ) بعيد بابه الشعر . قال شهاب الدين : وليس هذا من المنادى المفرد ، بل نصّ بعضهم على أن هذه بعض اللغات الجائزة في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه . وقرأ العامة " احْكُمْ " على صورة الأمر . وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر " رَبِّي " بسكون الياء " أَحْكمُ " أفعل تفضيل ، فهما مبتدأ وخبر . وقرىء " أَحْكَمَ " بفتح الميم كأكرم على أنه فعل ماض في محل خبر أيضاً لـ " رَبِّي " وقرأ العامة " تَصِفُونَ " بالخطاب . وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ - رضي الله عنه - " يَصفُون " بالياء من تحت وهي مروية أيضاً عن عاصم وابن عامر ، والغيبة والخطاب واضحان فصل المعنى : رب اقض بيني وبين قومي بالحق أي : بالعذاب ، والحق ههنا العذاب ، نظيره : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 89 ] فلا جرم حكم الله تعالى عليهم بالقتل يوم بدر . وقال أهل المعاني : رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه . والله يحكم بالحق طلب أو لم يطلب ، ومعنى الطلب : ظهور الرغبة من الطالب للحق . وقيل : المعنى : افصل بيني وبينهم بما يظهر الحق للجميع ، وهو أن تنصرني عليهم . { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } من الكذب والباطل . وقيل : كانوا يطمعون أن يكون لهم الشوكة والغلبة ، فكذب الله ظنونهم ، وخيب آمالهم ، ونصر رسوله والمؤمنين . فصل روي عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ سورة { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } حاسبه الله حساباً يسيراً وصافحه وسلم عليه كل نبي ذكر اسمه في القرآن " .